الأحد، 17 مايو 2015

ثرثرات لا تهمكم ٦


رتابةُ كلِّ شيءٍ، يومُ الأحدِ المنهِك الحاملِ في طيّاته درسَ الرياضياتِ الخصوصيّ العصري، أنسقُ من يحملُني إليه مع ثقل إنهاكِهم من الدوامِ على نفسي، أهدئ نفسي "لا بأس، هم مأجورون، وسأقود قريبًا بإذن الله وأكفيهم بل أخدمهم."، أتحامل على نفسي لأظلَّ مركزةً طيلةَ الفترةِ المتعبة تلك، أضع هاتفي أمامي في الطاولةِ، أضغطُ على زرِه لأرى الساعةَ وأرى الوقتَ المتبقي، أنظرُ إلى آمنة قربي وأبتسم من فؤادي، لم يبقَ كثير! أنتظرُ أختي لتنهيَ دوامَها وتأتي لأخذي، تبًا! ستتأخر! أنا متعبةٌ ولا أطيقُ شعورَ الثقلِ لوجودي في بيت دعاء وهي تريدُ إنهاءَ أعمالها، أتنفس ببطء وأستغفر. أعود إلى البيتِ مثقلة أو ثقيلة؛ كلاهما صواب، أرمي بجسدي على الكنبة، أتنفس بعمق محاولةً التقاطَ نفسٍ، غالبًا ما أكتبُ في هذا الوقتِ، أذكرُ نفسي أن يومَ الأحدِ يوم جهاد وتعب ولا إنجازَ فيه لأن اليومَ يكادُ ينهيني قبلما ينتهي، أتنهد، "من قال أن الجنة تأتي بغيرِ التعبِ المشابهِ للأحد؟"

بقي ٣٠ يومًا يا أمي! ٣٠ على انتهاءِ -كابوس- الثانوية، على استحالةِ رؤيةِ الوجوهِ غيرِ المريحةِ في المدرسةِ، على الإحساسِ بالانتماءِ للمكان الذي أدرسُ فيه والبعد عن الخجلِ من ذكر اسم مدرستي، يا للسعادة! أوه مهلًا.. ما هذا البلل الذي يداعبُ خدي؟ ياه! دموع؟ لماذا أبكي يا ترى؟ لحظة تذكرت! أبكي لأنني متعبةٌ موشكةٌ على الهلاكِ، والتعبُ غالبًا ما ينقّب عن أسبابٍ للبكاءِ -وإن لم توجد-، لكنها موجودةٌ الآن، هي تكمنُ في عدمِ مراعاةِ أستاذتي لحاجتي إلى الجلوسِ في البيتِ للمذاكرةِ وإجباري على الحضورِ إلى المدرسةِ لإكمالِ أوراقي وكأنها لم تلقَني في المدرسةِ لفصلٍ كاملٍ حتى لا تختارَ إلا الوقتَ الحرج! اممم سأكون صريحةً أكثر، هي لا تعلمُ أنني قد اكتفيتُ حقًا من الوجوهِ المربِكةِ المزعجةِ التي أراها في المدرسةِ. أمي، حين كنت أبكي تذكرتُ ضحكَ خالاتي وأزواجهن وأبنائهن والعائلة كلها على بكائي وأنا صغيرة وأنتِ كنتِ تركتِني عند خالتي وسافرتِ لعلاج أخي لعامين أو يزيد، ههههه أتذكرين تلك النغمة "ارررررر"؟ كم أنا مضحكة! عمومًا يا أمي، أنا أودُّ الفرارَ وإن نقصت درجاتي، لم أعد أهتم لأنني تعبت، هلّا حضرتُ حفلَ تخرج صديقتي التي أصرت على وجودي معها؟

بينما أنا منهكةٌ الآن، أتت ابنتك تصرخُ تكادُ تبكي حتى ظننتُ أن هولًا حدث، لكن الحقيقة أن حشرة في حجمِ ثلث حبة فول كانت هناك! هههه أختاي تضحكانني! فواحدةٌ مبتلاة بمرضِ هلعِ الحشرات والأخرى مبتلاة بمرض هلع السحالي، في الحقيقة؛ لا مبتلاة فيهما إلّاي! تسحبانني من عمقِ انشغالي وهواي وتعبي لقتلِ الكائناتِ التي تفزعهما، وغالبًا ما تصران عليّ بكاءً أودُّ لو أقتل الكائنات تلك وأتضرر من خنقِ المبيدِ لتكفا عني فحسب!

بقيَ على السفرِ ٩ أيام تمامًا، متحمسةٌ جدًا جدًا يا أمي، خاصةً بعدَ قرارك للمجيء معي! أتحرقُ شوقًا لتمثيلِ دولتي واللقاءِ بالعربِ جميعًا، هل ستكون الوفودُ لطيفة؟ كيف سيأتي الوفدُ الفلسطيني؟ آملُ أن يكونَ ختام خير حقًا.

أستعدُّ لاختباراتي بينما يفعل جميعهم كذلك، جهادُ النفس في هذه الفترةِ أصعبه! وعلو الهمة جذر الخضرة، وبلا جذرٍ لا نبات ولا زهر، أعرفُ أننا نكون متعبين ومكتفين من كل شيء في هذه الفترة، ولكنني أظل أحفز نفسي وصديقاتي للجهاد والصراع ومضاعفة الجهود والهمم حتى نجني الثمر. أعترف أنني أشتاق إلى صديقاتي في هذه الفترة كثيرًا، وأفتقدُ كلَّ شيء فيهن، لكنني آنس بالقرآن وبقربِك أنتِ وأبي وإخوتي، وأصبرُ نفسي بأنه جهادٌ وستُفرَج قريبًا بإذن الله.

أعلمُ يقينًا يا أمي كما ترتلين علي دائمًا أن تعبي سيثمر، وأن الجنة في الدنيا والآخرة ثمنُها التعب الغالي، أعدُك سأنفقُ حتى يؤتيَني الله سبعَ سنابل في كل سنبلة مائة حبة ويضاعفَ لي، أثقُ تمامًا به. أحبُّك. 

هناك 4 تعليقات:

  1. حين أخبرتك يوما أنك تشبهينني إلى حد أبعد من أن يتصور.. لم أدرك آنذاك مدى صدق كلامي! قرأت كلامتك فأحسست بين طياتها بأمل ينعش روحي! كأنني كنت أحدث نفسي أو بالأحرى أتحدث عن نفسي.. فالباكالوريا هنا في المغرب على الأبواب..
    شكرا مرة أخرى لأنك أجمل صدفة لاقيتها يوما! وفقنا الله جميعا :))

    ردحذف
    الردود
    1. يا الله، ما أنعش روحي حقًا هو تعليقك ووجودك! في الحقيقةِ رأيت تعليقك فورَ وضعه ولكنني لم أجد من يومها ما أقول! من أعظمِ السعادات أن تجدي على بعد ألف ألف ميل إنسانًا يجاهدُ بالطريقةِ التي تجاهدين بها للهدفِ نفسِه والتوجِه تفسه والقوة نفسها، عظيمة أنتِ مروة! الحمدلله رب العالمين، وجمعنا على تحققِ آمالنا وعلى جنانه. شكرًا لك أبدًا.

      حذف
  2. دعواتي القَلبية لكِ ، انتِ قوة أنا أعلم ذلك والله يفتح لش لين آخر شيء :).

    ردحذف
    الردود
    1. روان وجودُك هنا وتعليقك هو القوة. أنتِ لا تختفين من دعواتي كذلك، قوةً يا رب وقرب لقاء بروان وإعادةً للأيام القديمة 🍂
      وأنتِ كذلك قوة. أثقُ بذلك أكثر.

      حذف