الأحد، 17 سبتمبر 2017

ميلاد.

تضيق الدنيا بي وأنا أتخيلها تضيق بأمي قبل عشرين سنة بالضبط وتصرخ "يا ليتني مت قبل هذا" في أروقة المستشفى السلطاني. لا يفيدها تمنيها. تظن أنها ترى الفرج بعد أن زفرت الزفرة الأخيرة لأولد في تمام الواحدة صباحًا، لكن تلك لم تكن إلا نقطة البداءة في مسيرة الشقاء الذي لم يغادرها لثانية طيلة عشرين سنة، كان كل هذا حين قدر الله لها دون اختيارها أن تكون أمي. 

بعد أن ولدتني بإحدى عشر شهرًا، اضطرت اضطرارًا قسريًا أن تتركني عند أختها لتسافر، خلعت روحها وغادرتها. بدت كالمجنونة وهي تبحث عن طفلة تضمها إلى صدرها بدلًا عن روحها التي خلعتها ولم تجد. لم تعد إليها روحها وهي تعود بعد أكثر من سنتين لتجد روحها التي غادرتها تنفر منها بكاءً لأنها لا تعرف أنها أمها. وكأن قسوة الحياة تجمّعت في قدر أمي في تلك اللحظة. أدعو الله لها ألا تكون خلعت روحها مرة ثانية وهي تزفني. 

بلغت العشرين وأنا متزوجة، وكلما اتسعت الحياة في عيني اتسعت أمي في قلبي، وكلما شقيت أتذكر أن أمي تشقى معي أضعاف هذا الشقاء. كان الميلاد في عينيّ هو أنا وماذا فعلت في جياتي، أما اليوم فالميلاد هو أمي، وكيف ولدتني وأرضعتني ونخلت روحها وجسدها وقلبها وقدمت لي خلاصته. 

البارحة كنت أعيش في قلق لأنني سأبلغ العشرين (عكس صديقاتي اللاتي يفتخرن بالعشرين)، لا لأنني سأبلغ من الكبر عتيا، بل لأنني وصلت إلى العمر هذا دون أن أفعل ما يذكر. 

لأمي كل حب موجود في الدنيا أجمّعه وأهديه، لأبي كل حنان ألمه من قلبي الصغير، وللرجل النائم بجانبي كل تقدير لكل ما يبذله لي، لعائلتي كل انتماء ووفاء، لصديقاتي كل الامتنان لوجودهن في حياتي. لي كل المحاسبة على بخلي بكل ما عندي للعالم.