الأحد، 2 سبتمبر 2018

ترميم.

أكتب اليوم بعد انقطاع طويل، أكتب لا لشيء غير ذات الكتابة.أكتب ربما لأتخفف، ولأعود إلى نفسي أكثر. ماذا تعني العودة إلى المدارس؟ الأمر لا يعنيني بأي طريقة لأنني لست طالبة مدرسية ولا مسؤولة عن طلاب مدرسيين، ولكنها استعادة الصباح إليّ يا سادة!

تمر علينا الحياة ونحن نتوهم أننا أصحاء وأقوياء، تمر أدنى وعكة فنتبين أننا ضعاف إلى الحد الذي لا نستطيع معه المقاومة. بين هذا وذا يكمن الإنسان فينا، ولا يستقيم هذا التضاد إلا باللجوء إلى مدبّر حكيم فوق كل هذا الضعف والقوة. في لحظة انكسار النفس والجسد، نرمم الكسور لنغدو أثبت وأصلب في أسرع وقت ممكن. نقصد كل ما من شأنه أن يجعلنا أخف وأقوى. أنا بدلت فراشي إلى بياض ناعم بعيدًا عن الصورة النمطية التي يجب أن يكون الفراش عليها لأرتاح؛ أقرأ كتبًا، رتبت شقتي، واشتريت كتابًا جديدًا رغم وجود كثر قبله لم يُقرَؤوا، وأحسبني أستعيد نفسي شيئًا فشيئًا

بدء الفصل الدراسي الجديد يقترب، لست متأكدة ما إن كنت مستعدة أم لا، المهم أنني أعيد خياطة أزرار عباءاتي استعدادًا، وآمل أن يُبنى ألف أمل ويخاط في روحي خياطة الزر في العباءة. سعدت البارحة بخبر اجتيازي دورة الصيف بامتياز مع مرتبة الشرف في كل المواد، الحمدلله أبدًا، العقبى للجامعة!


أعلم أنني أحتاج إلى ترميم جذريّ يا إلهي؛ ولكنني أسعى وأحاول أن أكون أنقى وأقرب. أنا أعلم أنك تعين المجاهدين دومًا وتحبهم؛ اجعلني من المجاهدين وأحبني وأعنّي وقرّبني.

دفء.

مر عام. لم يغب الدفء يومًا. كان الحب مع كل ضحكة ودمعة حاضرًا. حتى في أحلك الظروف والمصاعب، وحين ضربنا الأخماس في الأسداس، وحين كظمت غيظي ألف مرة، وحين بدوت الغضبى التي لا يرضيها شيء؛ كان الحب السيد دائمًا. 

لم يكن قرارًا سهلًا  أبدًا؛ خصوصًا مع فكرة الارتباط التقليدي الذي يجعل العبء بحمل إنسان يأكل ويشرب ويخرج وينام طاغيًا على الحب والدفء. لم يكن من السهل على فتاة في الثامنة عشر قرار الارتباط الذي لن ينفك إلا بالموت. كانت فكرة احتواء الإنسان حتى يخرج قويًا يواجه قومه بالحق لا يهزه أي أذى كمحمد صلى الله عليه وسلم هي الدافع؛ ولم تزل إلى الأبد. فكرة الاتحاد مع شاب يعينني على مواجهة الحياة وعلى الطاعة، ويشاركني جنوني كله؛ تبقى فكرة جيدة، على بركة الله. 

عمري عشرون، لكنني أنصح الفتيات اللاتي يكبرنني حين يقبلن على الزواج، وأصد ألف فكرة وكلمة عني وعنه من المجتمع ضدنا. لا أظن أن السابقين كانوا في أتم السعادة في زواجهم الذي يملون تبعًا له النصائح علينا؛ لذا سنصنع نحن الحياة الأسعد بإذن الله. ولّى عهد الرابطة القائمة على التكاثر ورعاية الأطفال، جاء عهد التفاهم والحب والسلام.

يندهش كثر من علاقتنا المتفتحة جدًا، كيف أتركه يسافر عني شهرًا وأسافر عنه مع أهلي، أعترف أن البعد كان صعبًا، لكنه زكّى الحب. التفاهم رأس كل شيء الذي لا تقوم حياة الزوجين دونه. لم يكن الحب يومًا قائمًا على علاقة سيد وخادم، أو مسيطِر ومسيطَر عليه، بل هو التفاهم والود الذي يظل الذكر والأنثى قبل أن يظلهما سقف واحد. 

تقول إستبرق: ما من أناس يعيشون تحت سقف واحد إلا حدثت بينهم خلافات؛ إخوة كانوا أو أصدقاء أو أزواجًا. الرحمة التي تهيمن على هذه الخلافات هي القضية؛ أن تتنازل مهما توجعت، أن تسامح مهما تأذيت، أن تعيش التوازن بألا تتنازل عن حقوقك ولا تطغى. هي معجزة المودة والرحمة التي تصيّر كل أذى إلى سكينة.

قوة الحب تدفع للعطاء، مع كثرة التنازلات باشتغالي بألف تكليف واختبار، كان هو يقوم بكل شيء؛ يعتني بي، وبنفسه. كنت مع كل الضغط أشعر بالحاجة الماسة إلى السكن والدفء، مهما ساءت نفسيتي؛ كان هناك مهدئ دومًا. أما لحظات المرض والحمى؛ صارت نعيمًا وهو يحنو عليّ ويهتم بي ويحضّر لي الدواء بنفسه. 

في خلال هذه السنة؛ اكتشفت أنني أملك أطباعًا سيئة جدًا، وأن كثيرًا من الصفات التي أستنكرها في أمي ملكتها تمامًا كما هي عند أمي. كنت في أحيان كثيرة حارّة الأعصاب ويضايقني الشيء واللاشيء بصورة مستفزة جدًا؛ لكن صدره كان أوسع، وكانت الرحمة تطغى دائمًا. هذه العلاقة المقدسة التي يتحمل فيها الطرفان من المشاق ويغضان الطرف عن المنغصات ويعالجان ما لا يُعالج الأمر الذي لا يكون في أي علاقة أخرى.

يبقى الحب هو الشفاء، وهو الدافع لكل عظيم اليوم وغدًا وأبدًا. غشّى  الله بيوت المسلمين جميعًا بالمودة والسكينة والرحمة والحُبّ، وجعلنا سندًا لبعضنا أبدًا، ورزقنا تكملة الحب وجزءه الحقيقي في الخلد الذي يبدو كل ما قبله سرابًا.


_________
*بتاريخ 20 أغسطس 2018. يفترض أن تكون بتاريخ 5 أغسطس ولكن تأخرت.