الثلاثاء، 1 يونيو 2021

ابنتي القرآنية، حظي العظيم.

أن تكون لديّ ابنة قرآنية، يعني أنني أصبحت أمًا؛ أمومة تشبه تلك الحقيقية الفيزيائية الوراثية، مليئة باللذة. ضحكة من طفل تنسي سهر ليلة، وقد يكون السهاد سيد الموقف أحيانًا إن مسه أذى أو خشيت عليه من الأذى دون أن يمسه، لكنّ قرّة العين به لو يعلم عنها ملوك الدنيا لقاتلوني عليها بالسيوف، تلك السعادة التي لا تشترى بأموال الدنيا كلها، تلك البهجة التي تطغى على كل بهجات الحياة الدنيا وزخارفها، بهجة أي إنجاز تنجزه ابنتي القرآنية وخصوصًا القرآنية منها. أن تكون لدي ابنة قرآنية، يعني أن لديّ نصيبًا من السلوى والأنس والفرح مقسومًا لي، خاصًا بي لا تعصف به شواغل الدنيا ولا تسلبنيه ما دمت ملتزمة به، يكون نصيبي من حياة الروح ملازمًا لا ينفكّ عني مهما تبدّلت مسؤولياتي، تلك الحياة التي لا أبغي عنها حولًا، تقرأ ابنتي القرآن فينسكب على قلبي عذبًا زلالًا، تلامسني كل آية كما لم تلامسني من قبل. أي نعيم أكبر من أن يختارني الله للاستماع إلى القرآن كاملًا بصوتها؟   

أن تكون لديّ طالبة أقرئها الفاتحة إلى الناس، لا يعني لي أن أستمع منها القرآن فأقوّم تفخيمها وغننها ومقادير مدودها، بل يعني لي أن بين يديّ روحًا ونفسًا، أقوّم علاقتها بالقرآن قبل أن أقوّم حروفها، وأدغم العطاء والمسارعة في الخيرات في روحها قبل أن أصحّح إدغاماتها، أن أكون أمًا قرآنية يعني لي أن أصبح كل يوم بعزم أن أكون أفضل وأرقى وأوسع، لأكون أحسن عند الله بأن أكون مثالًا أحسن لابنتي، يعني أن أجاهد لطمس أخطائي وكسلي لئلا ترثه مني فأكون دمارًا لها لا عمارًا، يعني لي أن أسعى لأكون صالحة كي يعتني الله ببناتي ويبعث لهن من يقيمُ جدرهنّ ولو اندرس رسمي. أن أكون أمًا قرآنية، يعني أن أحمل أرواحًا غير روحي على عاتقي، أن أضم قلوبًا صغيرة داخل قلبي أخشى عليها أكثر مما أخشى على قلبي. أن أكون أمًا قرآنية يعني أن أحتوي ابنتي وإن لم أصد عنها أذى الحياة فأطبب جروحها منها قدر إمكاني. أمومتي القرآنية هي حصولي على سند أتكئ عليه لخدمة القرآن إن وهنت، وأن يتصل سندي؛ ذرية ترثني دون كل مواليّ، ويجعلها ربي رضيّة. أمومتي هي اتساع حضني لكل متاعب ابنتي، واتساعها لمتاعبي، وتقاسم شظف العيش والاستظلال من حرّه بظلال القرآن بعيدًا عن لظى الركض المسعور في الحياة. أن أكون أمًا، يعني أن أكون ظلًا وارفًا لابنتي، لا يحجب عنها النور فتذبل، ولا يدعها تحترق في الرمضاء.  أن أكون شيخة وأمًا قرآنية، يعني أن كل همزاتي ولمزاتي غدت مراقَبة ممن يبغي قدوةً حسنةً، ويعني أن أستعيذ بالله ألف مرة من أن أكون قدوة سيئة أو أن أتخلى عن خلق من أخلاق القرآن فتستنكره ابنتي أو أن أُفسِد فيها ولا أصلِح. أن أكون أمًا، يعني أن أُدلّل ابنتي وأتلطف بها لطفًا يغمرها دون أن يغرقها فتفسد وتصبح بذرة عفنة لا تمثل القرآن ولا أهله. أن أكون أمًا، يعني أن أكون حليمة ورفيقة، إلا إن ارتبط الأمر بحدٍ أخلاقي أو تهاون في طلب العلم أو تقليلٍ من قدر القرآن العظيم أو رسالته بغير الأخذ به بقوة، فأقسو لتزدجر وقسوتي محض رحمة لا تشفٍ ولا غل. 

ابنتي هي غرسي الذي أسعى لإصلاحه وتزكيته لتغدو شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. ابنتي هي مشروعي الناجح الذي لا أبالي لو تركت مهامي ومشاغلي لأكرس جهدي عليه. ابنتي هي من أتسع لها ولو ضيّقت علينا الحياة، هي من أتآزر معها لتكون حياتنا قرآنًا. ومهما تلوّنت الحياة واغبرّت، ألبستُها عدسةً قرآنيةً جديدةً توضح لها رؤيتها لئلا تتيه. كلما ارتخى عزمي قرأت عليّ آيات ثم ذكرتني بعدها بالله تذكيرًا يدغدغ قلبي. حظي من القرآن أعظم وأنا أمسك بيدها لنمشي في هداية القرآن للتي هي أقوم، وننظر كيف نقوّم حياتنا به. ابنتي هي عدّتي ليومٍ أقف فيه أمام الله ليسألني عما أبليت فأقول هذه يا رب -اللهم أخلصنا وتقبلنا-. ابنتي هي التي أخاف من أن تُكتَب شهادتي فيها زورًا وأُسأَل فلا أملك جوابًا، هي التي تجعلني في كل يوم أعد جوابًا لسؤال الله عنها. ابنتي هي من أحرص أن تتخلق بأخلاق القرآن وأن تكون مسارعة للخيرات معطاءة لا تسد بابًا لا من الدنيا ولا من تعليم القرآن في وجه أحد، بل تأخذ بيد القوي والضعيف ليستنير بنور الله، وألا ترضى لنفسها أن تستنير وتتنعم وهي تترك الناس يعانون في الظلمات. ابنتي هي التي أعدُّها لتكون نصرًا وفتحًا للأمة لا غثاء كغثاء السيل. 

اللهم تقبّل مني بناتي، واجعل بالقرآن ثباتهن واجعلهن ثباتي، وأخلصهن واصنعهن على عينك فإنني مهما حاولت الإحسان مقصرة ومسيئة، خذ بأيديهن واجعلهن فتحًا عظيمًا لأمتنا، ونصرًا للمسلمين ولبيت المقدس، ودحضًا للأعداء. اللهم أطلق بالحق ألسنتهن، واجعلهن بتمسكهن بالكتاب صالحات مصلحات، واجعلهن شفاعة وصدقة جارية لي إلى يوم الدين. اللهم ارزقني الإحسان إليهن ما حييت ومكّن لي تقويتهن وإنارة قلبي وقلوبهن. اللهم أذقهن من لذائذ القرآن أعظمها، واجعلهن خير مذيقات للناس لذة القرآن. اللهم أنِر بالقرآن أفئدتهن وأرواحهن، واجعلهن عاملات بكل حرف قرأنه من القرآن، واجعل ختماتنا شاهدة لنا لا علينا.