الأحد، 17 سبتمبر 2017

ميلاد.

تضيق الدنيا بي وأنا أتخيلها تضيق بأمي قبل عشرين سنة بالضبط وتصرخ "يا ليتني مت قبل هذا" في أروقة المستشفى السلطاني. لا يفيدها تمنيها. تظن أنها ترى الفرج بعد أن زفرت الزفرة الأخيرة لأولد في تمام الواحدة صباحًا، لكن تلك لم تكن إلا نقطة البداءة في مسيرة الشقاء الذي لم يغادرها لثانية طيلة عشرين سنة، كان كل هذا حين قدر الله لها دون اختيارها أن تكون أمي. 

بعد أن ولدتني بإحدى عشر شهرًا، اضطرت اضطرارًا قسريًا أن تتركني عند أختها لتسافر، خلعت روحها وغادرتها. بدت كالمجنونة وهي تبحث عن طفلة تضمها إلى صدرها بدلًا عن روحها التي خلعتها ولم تجد. لم تعد إليها روحها وهي تعود بعد أكثر من سنتين لتجد روحها التي غادرتها تنفر منها بكاءً لأنها لا تعرف أنها أمها. وكأن قسوة الحياة تجمّعت في قدر أمي في تلك اللحظة. أدعو الله لها ألا تكون خلعت روحها مرة ثانية وهي تزفني. 

بلغت العشرين وأنا متزوجة، وكلما اتسعت الحياة في عيني اتسعت أمي في قلبي، وكلما شقيت أتذكر أن أمي تشقى معي أضعاف هذا الشقاء. كان الميلاد في عينيّ هو أنا وماذا فعلت في جياتي، أما اليوم فالميلاد هو أمي، وكيف ولدتني وأرضعتني ونخلت روحها وجسدها وقلبها وقدمت لي خلاصته. 

البارحة كنت أعيش في قلق لأنني سأبلغ العشرين (عكس صديقاتي اللاتي يفتخرن بالعشرين)، لا لأنني سأبلغ من الكبر عتيا، بل لأنني وصلت إلى العمر هذا دون أن أفعل ما يذكر. 

لأمي كل حب موجود في الدنيا أجمّعه وأهديه، لأبي كل حنان ألمه من قلبي الصغير، وللرجل النائم بجانبي كل تقدير لكل ما يبذله لي، لعائلتي كل انتماء ووفاء، لصديقاتي كل الامتنان لوجودهن في حياتي. لي كل المحاسبة على بخلي بكل ما عندي للعالم. 

الاثنين، 31 يوليو 2017

مذكرات طالبة جامعية 3

﴿وَإِن يُريدوا أَن يَخدَعوكَ فَإِنَّ حَسبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذي أَيَّدَكَ بِنَصرِهِ وَبِالمُؤمِنينَ وَأَلَّفَ بَينَ قُلوبِهِم لَو أَنفَقتَ ما فِي الأَرضِ جَميعًا ما أَلَّفتَ بَينَ قُلوبِهِم وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَينَهُم إِنَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ﴾

هل أضيق جدًا واسعًا حين أقول أن هذه الآية نزلت لتتحدث عن صحبة الدورات المكثفة والمشروع القرآني؟ لا أظنني أفعل. 

حضور حلقات فتيات الإقراء لتحفني الملائكة بأي طريقة، الليالي الطويلة في الإقراء مع ابنتي الأولى ميعاد، تحملي مسؤولية حلقة، تضاعف حبي للفتيات اللاتي كنت أعرفهن وأحبهن من قبل بعد اجتماعنا في حلقة قرآن، الكلمات البسيطة والمعايرات التي كانت تلحق بكل واحدة ونضحك عليها حتى اليوم، الحب العميق لكل الفتيات اللاتي لا أعلم حتى أسماءهن لا لشيء سوى اجتماعنا على روح واحدة -القرآن-، الضحك الكثير، تدبري وعبير، الكائنات الليلية التي لا ترغب في النوم، تصويري الفتيات اللاتي يذاكرن ليلًا ونهارًا خاصة بعد تلقي درجاتهن وقليلًا من منازعة من أستاذتهن، مقالبنا، جوعنا الجماعي بعد حلقة الفجر وترقب فتح المطعم، البطاطس الذي تأكله زينب كل وجبة وتحرص ألا تعلم أمها بشأنه، لقاء أختي القرآنية بعد طول غياب وحضننا العميق، تقليدي للهجات الفتيات وإعجابي الشديد بها مع عدم انتباههن إلى أنهن يتكلمن كما نسمع، معايرتي لميا على الذنب الذي لم ترتكبه مشاكسة لها، تهادوا تحابوا ومشاكسات الأوصاف التي خرجت، صلوات القيام بأصوات شجية مع دعاء عميق للأقصى بعدها، دموع الفتيات الوداعية وجفاف صحرائي كما تقول عبير، كل شيء له السلام، وله مكان في قلبي لا يمحى أثره، مع رجاء أن يبقى إلى الجنة. 

السبت، 10 يونيو 2017

هذا خلق الله 15

يدخل الطعام إلى جوفك بعد أن مر بمريئك بمقاييس دقيقة، يدخل إلى المعدة مرورًا بصمام المريء، الذي يمنع الطعام من العودة إلى المريء كقيء، ماذا لو لم تملك هذا الصمام؟ كيف كنت ستوقف الكوارث من الحدوث حين تشرب كوب ماء ثم تميل أو تنحني؟

يأذن الله لمعدتك أن تتمدد لتستقبل الطعام، توفر المعدة طبقة تحميها من هضم نفسها بأنزيماتها الهاضمة شديدة الحموضة، ماذا لو لم تمتلك هذه الطبقة؟ ربما لكانت معدتك مهضومة ثم يتعداها الهضم إلى باقي أعضائك الداخلية!

توفر المعدة حمض هيدروكلوريك الذي يرطب الطعام، ينشط بعض أنزيمات الهضم، ويقتل بحموضته العالية كل الأجسام الضارة التي قد تدخل مع الطعام إلى معدتك، ماذا لو لم يقتلها؟ إذن لمات الإنسان منذ بداءة مرحلة الجلوس عند الرضيع التي يصاحبها مص وتذوق لكل شيء!

تمتلك المعدة 3 طبقات من العضلات تعمل بمثابة الخلاط الذي يقلّب الطعام داخل المعدة ليتحسن هضمه وتكسيره إلى جزيئات صغيرة. ماذا لو لم تقلّب الطعام وكان هضمك كهضم الحيوان الذي يشبه البرطمان (هذا خلق الله 2)؟

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني. 

الجمعة، 9 يونيو 2017

هذا خلق الله 14

سخر الله لك جهازك الهضمي الذي لا تتحكم به ولا تبذل جهدًا ليعمل، فتلك القناة التي طولها 9 أمتار وتدفع الطعام إلى جوفك بموجات من تقلصات عضلاتك، لولاها كيف كنت تتغذى؟

أودع الله فيك الفم؛ وآتاك أسنان لتقطع الطعام، ولسانًا يتذوقه، ولعابًا يرطبه، ماذا لو لم يعطك نعمة التذوق؟ الطعم لتغذيتك، كان بإمكانه ألا يؤتيك لسانًا فيكون الطعام كله سواء عندك، لكنه آتاكه لتتلذذ بأصناف المأكولات الشهية، أشكرت؟ 

ماذا لو لم يؤتك لعابًا؟ إذا لالتصق كل الطعام بجدار مريئك ولم يدخل معدتك فتختنق وتموت، وإذا لما استطعت أن تتكلم وإلا تمزق حلقك ونزفت، وإلا لأصابتك مصائب كثيرة لا تعرفها، أأديت حق شكر الله؟

﴿أَلَم تَرَوا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ وَأَسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَن يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيرِ عِلمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتابٍ مُنيرٍ﴾

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني. 



________
عذرًا على الحلقات المفقودة، نعوضها بعد رمضان بإذن الله. 

الأربعاء، 7 يونيو 2017

هذا خلق الله 12

ماذا لو كنت دودة أرض عوضًا عن كونك دودة شريطية؟ كيف ستتغذى؟ وكيف ستعيش؟

خلق الله دودة الأرض بجهاز هضمي كامل، يتيح له التخصص في هضم الطعام، فكلُّ خلية تستطيع القيام بعمل واحد محدد، أما الدودة الشريطية فهضمها وحيد الخلايا، أي الخلايا كلها متشابهة وليست متخصصة، فلو قلنا مثلًا أن فلانًا متخصص في الهندسة وفلان في الطب مختلف عن كونك فردًا تملك معلومات في كل شيء، الأول يتيح الكفاءة والسرعة. كذلك من مميزات الحهاز الهضمي الكامل اختلاف أطوال الأعضاء حسب وظائفها، وكذلك تخزين الطعام لوقت لاحق. 

خلق الله أعضاء متخصصة في دودة الأرض، منها مضخة لدفع الطعام إلى داخل الجهاز الهضمي، ومنها عضو يخزن الطعام لهضمه واستخدامه لاحقًا، ومنها عضو يحول الطعام إلى معجون ليهضم، ومنها أمعاء تمتص الطعام إلى الجسم، ومنها القولون الذي يعيد امتصاص الماء والأملاح من الفضلات. بينما لم يخلق هذا كله للدودة الشريطية لأنها تتلقى طعامها جاهزًا مهضوما من جهازك الهضمي. فبأي آلاء ربكما تكذبان؟

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني. 

الاثنين، 5 يونيو 2017

هذا خلق الله 10

ماذا سيحدث لو اختل توازن جسمك؟ لا أعني أن تسقط من وقوف بل أن يتلخبط كل ما في داخلك فتموت في الحال!

التوازن هو القدرة على الحفاظ على النظام الداخلي فيك. درجة حرارة جسمك ثابتة 37.5 درجة سيليزية، دمك لديه نسبة ثابتة من الجلوكوز، وتراكيز ثابتة من الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم، كيف يحافظ عليها الجسم؟ بوجود مؤثر ومستقبل، مثل الكبد للجلوكوز، والعظام للكالسيوم، والعضلات والغدد العرقية لدرجة الحرارة. كيف تعمل هذه العمليات المعقدة؟

تعمل بالتغذية الراجعة السلبية، إذا ارتفعت درجة حرارة جسمك عن المعدل الطبيعي تعلن الغدد العرقية حالات الطوارئ فتبدأ بإفراز العرق بكميات كبيرة للحفاظ على درجة حرارة جسمك، لأنها إن لم تفعل وارتفعت حرارتك ستتعطل الأنزيمات عن العمل في درجة حرارتها الطبيعية وستحدث كوارث في جسمك (كما ترى في أعراض الحمى)، ماذا لو كانت درجة حرارة الجو 40 درجة ولا تملك غددًا عرقية؟ أما إذا ارتفعت درجة أو درجتين أكثر، فسيموت البشر. 

يتبع توازن جسمك ظروفك لتحقيق مصلحتك، فدرجة حرارة جسمك تنخفض وأنت نائم وترتفع حين تصحو، وترتفع وأنت تركض لتحفيز العضلات على العمل بكفاءة، وترتفع حين تصاب بالحمى لأن الحرارة العالية تعرقل نشاط البكتيريا والفيروسات التي تهاجم جسمك حين تمرض. من سخر هذا كله؟ أكنت تستطيع وحدك أن تقوم بكل هذا؟ أتقابل هذا كله بالجحود وعدم تأدية ما فرضه عليك لأجلك؟

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني. 



______
أعتذر على فوات حلقة البارحة، بإذن الله نعوض في القادم. 

السبت، 3 يونيو 2017

هذا خلق الله 8

كونك من الثدييات، أنت على قمة المخلوقات (أكثرهم تطورًا)، فجسمك لديه درجة حرارة مرتفعة ثابتة ينتجها جسمك من عملياته الحيوية التي تتيح له نشاطًا عاليًا، لديك رجلان مستقيمتان تحت جسمك تحملانك ذهابا ومجيئا، أسنانك مكيفة لتأكل ما تأكل، ومخك أضخم من أي مخلوق سواك لتفكر وتتعلم، لا تضع البيض كباقي الحيوان وإنما تحمل وتلد أنثاك. من خلقك فسواك فعدلك؟ 

لم يخلقك الله كبعض الثدييات (الجرابيات) التي لا تلد مخلوقًا كاملًا، بل تلد جنينًا في مرحلة ما؛ لتدعه يكمل نموه في جرابها أو جيبها الذي يحتوي على حلمات الأم التي تغذيها لتكبر، هل كعظمة هذا الخالق شيء؟ 

خلقك في أحسن تقويم لتقوم بكل المهام التي أوكلها لك وتلتزم بالحدود التي وضعها لمصلحتك أنت، كيف سعيت؟

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني. 

الجمعة، 2 يونيو 2017

هذا خلق الله 7

تخيل لو كنت نعامة لا تستطيع سوى الجري في الأرض بينما كل أقرانك الطيور يطيرون، كيف تطير الطيور ولا تطير النعامة؟

هيأ الله الطيور بتهيئات عدة لتستطيع الطيران، كألا تمتلك ذيلًا كباقي الحيوانات لئلا يزيد وزنها، وأن تمتلك منقارًا بدلًا من الأسنان الثقيلة، وأن يكون شكل عظامها من الداخل مثل خلية النحل بتجويفات كثيرة ليخف وزن العظم مع الحفاظ على صلابته، وألا تمتلك مثانة للتخفيف من وزنها (وتلقي بفضلاتها عليك وسيارتك)، وأن تمتلك الأنثى مبيضًا واحدًا بدلًا من اثنين كباقي الكائنات، وأن أعضاء التناسل تبقى منكمشة طول العام إلا مدة قصيرة في موسم التكاثر. أتزعم أن تهيئة الله كل هذا للطير ليطير لا تنالك؟ 

﴿أَوَلَم يَرَوا إِلَى الطَّيرِ فَوقَهُم صافّاتٍ وَيَقبِضنَ ما يُمسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ بَصيرٌ﴾

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني. 

الخميس، 1 يونيو 2017

هذا خلق الله 6

هب أنك وجدت نفسك فجأة جنينًا في بيضة، كيف انحبست هنا؟ وكيف ستخرج؟ وكيف ستعيش بين زنازين قشرة صلبة لا تجد عنها موئلا؟
هيأ الله لكل مخلوق حاجات عيشه، فلم يدع مخلوقًا يعاني أو يقاسي. خلق الله البيضة التي تتكاثر بها الزواحف والطيور وفئة خاصة من الثدييات خلقًا متقنًا قد نراه معقدًا في نظرنا، ففي تلك البيضة التي لا ترى منها سوى البياض والصفار أعضاء كثيرة، منها سائل لامتصاص الصدمات، ومنها ما يوفر الغذاء، ومنها ما يجمع الفضلات، ومنها عضو للتنفس، ومنها القشرة الخارجية التي هي أساسًا للحماية، لكنها تحتوي كذلك ثقوبًا صغيرة لتبادل الهواء مع الوسط الخارجي للتنفس، وربما أمورًا لا نحصيها. ثم يعطيك القوة التي تمكنك من كسر القشرة التي لم تكن تنكسر حفاظًا عليك فتخرج خلقًا كاملًا. هل يعجز الذي أتقن هذا الصنع والخلق ووفر للجنين كل حاجات عيشه أن ييسر أمرك أو يقضي حاجتك؟

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني. 

الأربعاء، 31 مايو 2017

هذا خلق الله 5

ماذا لو كنت سمكة قرش عوضًا عن كونك سمكة عظمية؟ صحيح أنك ستمتاز بعدة مميزات كخفة وزنك بسبب دعامة جسمك بالغضاريف بدلًا من العظم، وكذلك بسبب اختزان كبدك الضخم للدهون الخفيفة لإمدادك بالطاقة مع الخفة، ووجود صف احتياطي من الأسنان دائمًا في الاستعداد إن تأثر أي سن يستبدل، وأعضاء الحس القوية، وجهاز الهضم القصير نسبيًا لهضم اللحوم، وغيرها كثير، لكنك لن ترغب بالتأكيد أن تظل تسبح ليلًا ونهارًا بلا نوم أو راحة!

أودع الله في الأسماك العظمية عضوًا اسمه (المثانة الهوائية) أو (مثانة العوم) يحفظ للسمكة طفوها إن توقفت عن السباحة بفعل اختزان الهواء داخل تلك المثانة، وإن أرادت أن تغوص أخرجت الهواء فغاصت، وهذا يتيح لها المكث طافية وإن لم تتحرك مما يدعها تستريح لبعض الوقت خلال اليوم، أما القرش فليست لديه هذه المثانة، لذا فهو يحتاج إلى الحركة المستمرة وإلا غرق!

لأن القرش يحتاج إلى حركة مستمرة، فقد أعطاه الله استعدادات لجني مزيد من الطاقة، مثل اختزان الدهون في الكبد، وصفوف الأسنان التي تتيح له الأكل بفعالية أكبر لجني طاقة أكثر. 

سواءً كنت سمكة عظمية أو سمكة قرش، فالله حباك باستعدادات فطرية تناسب وضعك سابحًا أو نائمًا، وإن رحموا القرش لأنه لا ينام؛ فالله أوسع وأرحم، والله يخلق ما يشاء. 

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني. 

الثلاثاء، 30 مايو 2017

هذا خلق الله 4

القشرة الخارجية للحشرات من الكيتين تمنح أجسادها الصلابة والدعامة (كما تفعل عظامنا)، وكذلك الطبقة الخارجية من كربونات الكالسيوم في بعض الحيوانات البحرية كنجم البحر، ولكن ماذا لو لم تملك عظامًا داخلية تحميك بل خلقك الله بقشرة خارجية صلبة من العظام؟
خلق الله الحشرات بهيكل صلب خارجي يحميها من الضرر ويفرض طبقة عازلة ضد الماء ويدعم الجسم، ولكنه مرتبط مباشرة بعضلاتها مما يتيح لها الحركة، وحلقات أجسادها المقسمة تتيح لها الحركة بسهولة خاصة للركض على الأرض. خلقها الله خلقًا مدهشًا، ولكن ماذا إن كنت أنت مكانها؟ أتستطيع الحركة؟
قدّر الله لكل مخلوق أسلوب الحياة المناسب له وهيَّأه ليكون مناسبًا لذاك الأسلوب، فمهامنا في الحياة ييسرها الله بطبقة خارجية من الجلد واللحم اللين وطبقة داخلية من العظم الصلب، ﴿فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحسَنُ الخالِقينَ﴾!

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني. 

__
نعتذر على التأخير اليوم. 

الاثنين، 29 مايو 2017

هذا خلق الله 3

فلتفرض أن الله خلقك بطبقة خارجية من كربونات الكالسيوم (المكون الأساسي لصدفة المحار) وأنت تعيش في البر؛ إذن لمُتَّ من الاحتياج إلى الكالسيوم الذي لا يتوفر في البرية بالقدر الكافي. لم يكن الله ليدع مخلوقًا يحتاج إلى عنصر حد الموت ولا يجده؛ بل خلق الله الكائنات البرية ذات القشرة الخارجية أو الصدفة (كالحلزون) من الكيتين الذي يتوفر في البرية بوفرة؛ ليتلاءم ذلك مع احتياجها إلى تجديد صدفتها المستمر. 

تجدد كريات الدم في جسمك، النسبة الدقيقة للأنسولين وباقي الهرمونات، المقاييس الدقيقة التي لا تدركها لكن لو اختلت اختللت أنت كلك هي آيات قد تدلك على الله لو كنت واعيًا. 

﴿إِنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقناهُ بِقَدَرٍ﴾.

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني. 

الأحد، 28 مايو 2017

هذا خلق الله 2

ماذا لو خلقك الله تشبه البرطمان* الفارغ بلا غطاء ولا تملك أي أعضاء في جسمك؛ بل خلاياك كلها متطابقة؟ لا تملك رأسًا (فيه دماغ) تفكر به أو تتحكم بحركتك به، بل برطمان فارغ. 

تخيل لو كان هذا البرطمان لا يمثل جهاز هضم بل تهضم الخلايا الطعام بدائيًا، فإن أدخلت ثلاث طبقات من المخلوقات طعامًا لك في البرطمان، يتم هضم الأسفل تمامًا، والأوسط جزئيًا، وما إن يبدأ الجسم في هضم الأعلى حتى يكون هضم الأسفل انتهى وعلى الجسم إخراج الفضلات سريعًا، ولأنك برطمان لا تملك فتحة ثانية لإخراج الفضلات فإن الجسم يدفع المخلوقات الثلاثة خارج جسمك كفضلات ولو لم يتم هضم الأعلى، ليس هذا فقط؛ بل لا تستطيع تخزين الطاقة ولو قليلًا لأنك تستخدمها لحظيًا لذا عليك أن تأكل كثيرًا؛ أكثر مما تتصور؛ تقضي يومك أكلًا.



أنت لم تكن برطمانًا، بل الله فضلك واصطفاك فخلقك إنسانًا كامل الخلقة في أحسن تقويم، الله أودع فيك أجهزة معقدة لتفكّر، تخزن الطعام، وتقوم بكل شؤونك بانسيابية عجيبة لا يشبهها شيء، ألا يستحق تفضيل الله واصطفاؤه عملًا مجهدًا منك لتحقق هدف خلقك وتعبد الله حقًا وأنت الخليفة في الأرض؟ أم ستظل تنحط بخلقك لتقضي يومك أكلًا رغم أنك لا تحتاج إلى ذلك؟

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني. 




_____________
*البرطمانُ إناء من زجاج أو خَزَف، تُحْفَظ فيه المُربَّيات ونحوُها.

السبت، 27 مايو 2017

هذا خلق الله 1

تخيل أنك بذرة ضعيفة منسية في زاوية من زوايا هذا الكوكب، بداخلك نبات لكن لا تستطيع حيلة لتثمر وتصير نباتًا، ولديك واحدة من إحدى هذه الخمس حيل لتتخذها وسيلة للإثمار: 
1- إذا كنت تعيش في مكان جاف قاحل والماء لا يكفيك لتثمر، فعليك أن تنتظر المطر من الله، يغذيك به لتثمر. ودون هذا الماء لا وجود لك!

2- إذا كنت تعيش في منطقة شتاؤها بارد قارص، ستنتظر من الله أن يرفع الحرارة ويأتيك بالدفء لتثمر.

3- إذا كنت تعيش في الغابات، وسط أشجار كثيفة ونباتات كثيرة، فإنك قد تنتظر النار لتشتعل عليك وتحرق النباتات التي تؤذيك فتموت هي ليحييك الله!

4- أحيانًا قد تنتظر حيوانًا ليأكلك، لأنك تملك في الأصل قشرة سميكة لا تستطيع أجهزة الحيوانات الهضمية هضمها مهما حاولت؛ لكنها تُضعِفها فيجعلك الله بعدها صالحًا للنمو.

5- إذا كنت بذرة صغيرة ضعيفة، لن تتحمل النمو داخل التربة، فأنت لا زلت أضعف من ذلك، ولكنك ستنتظر صعودك إلى سطح التربة لتستمد الضوء من الشمس مباشرة دون حواجز فيحولك الله لشجرة مثمرة. 


أنت في الحقيقة بذرة أودعها الله في رحم أمك واعتنى بك إلى هذه المرحلة، وقد يكون من الظروف ما يحرقك أو يجمد مشاعرك أو يدفنك بعيدًا عن الأعين، عليك أن تقاوم الظروف لتصبح شجرة تثمر في النهاية؛ لأنك من خلق الله العظيم. 

تسبيح الله فيما حولك تناغم وإيمان يقيني.







________________
سلسلة (هذا خلق الله) هي سلسلة رمضانية ستنشر بإذن الله في وقت الأصيل يوميًا، مقتبسة من مادة الأحياء (Biol2102 course) المقدمة لتخصص الأحياء. 
هدفها تسبيح الله في خلقه والتفكر فيه التفكر الموصل إلى الله. 

الأحد، 12 مارس 2017

انفجار أودى بي.

نمت بلا شعور على جوعي بعد يوم منهِك من المشي إلى الطرف البعيد للمخيم لأخرج وأحتطب لئلا تموت أسرتي بردًا؛ أعني من بقي منها (بعد أن اختار الله لجواره أمي وجدتي -أمانَ الحياة- وأختيّ). النوم على جوع عادة لدينا لأننا لا نجد ما نأكله، وما نأكله في الصيف -مما نجده أمامنا من الدواب- مختبئ لسباته الشتوي، لذا ليس هذا هو المعضل لأننا نجوع أشتية طويلة. وأنا أغط في نوم عميق، باغتني انفجار هز فرائصي وأفزع نومي، هلعت منتفضًا إلى أبي ومن تبقى من إخوتي وجدي، ما إن التفت وركضت إليهم، حتى وصل الصاروخ ليسحقهم سحقة واحدة أمام عينيّ، ولتنسكب دماؤهم عليّ، ألا يكفي يا رب أننا في مخيم خيماته لا تسمن ولا تغني من جوع أو برد؟ أكنا ننقص يا رب أن تلاحقنا الصواريخ التي تركنا هربًا منها الأرض التي ولدتنا وأرضعتنا وآوتنا لنجدها هنا في المخيم؟ كان المشهد سريعًا، كل ذلك أخذ أقل من 30 ثانية لتنتهي حياتي ببقائي وحيدًا بلا أدنى مقومات للحياة، "أَيا لَكِ نَظرَةً أَودَت بِقَلبي 
                   وَغادَرَ سَهمُها جِسمي جَريحا
فَلَيتَ أَميرَتي جادَت بِأُخرى 
                   فَكانَت بَعضَ ما يَنكا القُروحا
فَإِمّا أَن يَكونَ بِها شِفائي 
                   وَإِمّا أَن أَموتَ فَأَستَريحا "


المشهد الأصلي في الجانب الآخر من العالم:
في عمق نومي متدثرة بدثار مريح متوسدة فراشًا لا أريح منه، سمعت صوت انفجار مدوي، نهضت من نومي فزعة، أنقشع السقف عني لقنبلة أفقدتنا أمننا؟ لا. أسقطت السماء على الأرض؟ لا. أهي قنبلة قريبة يصلني دخانها وانعكاس نيرانها؟ لا. أدعى تفاخر العمانيين بأمجاد آبائهم وتأخرهم عن إكمال مسيرتهم أن تنزل اللعنة عليهم فيذيقهم بأسًا محرقًا ويغيب أمنهم؟ لا. ما الخطب إذن؟ رف مكتبتي ثقل عليه وزن الكتاب فسقط وتناثرت كتبي. ظللت اليوم بأكمله مذعورة تأكلني الحمى والإنهاك وفقدان الشهية من الفزع، كيف يعيش من هم تحت وطأة القهر؟ 
إلى آل عمان، والآمنين في أوطانهم جميعًا: ﴿فَليَعبُدوا رَبَّ هذَا البَيتِ الَّذي أَطعَمَهُم مِن جوعٍ وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ﴾.

الثلاثاء، 7 مارس 2017

مذكرات هبة - في مكان غريب وحدي!

كان صوت خالتي مشوشًا وهي تناديني لأستيقظ، لمَ أستيقظ ولا شيء لدي ليفوتني؟ ألعابي تنتظرني وحدي، بيضتي التي تعدها لي جدتي كل صباح ومرضعة الأمل لن ترحلا، فلأتجاهلها وأتقلب. لم تتركني إلا دقائق حتى حملتني من السرير بعد أن تركتني أمي إلى العمل كعادة كل صباح. لماذا تعمل الأمهات؟ اعترضت على عملها بالبكاء الكثير ولم يجدِ شيء من ذلك، اضطررت إلى التعايش فحسب. حشرت خالتي فرشاة الأسنان الصغيرة في فمي؛ هذه الحركة الكئيبة التي اعتدت مقاومتها بإغلاق فمي والبكاء، لكن اليوم أنا أكثر تعبًا من أن أقاوم. غيرت لي ثيابي، أعطتني جزءًا من بيضة، نادت جدتي بسرعة لأننا مستعجلون. اعتادت خالتي الخروج وحدها صباحًا هي وحقيبة ظهرها الضخمة التي تزعم أنها للجامعة، أنا سعيدة لأننا نخرج لأنني أنتظرها من الله، لكن إلى أين؟

دخلنا بعد رحلة في السيارة المكان المدهش، لم أتمالك دهشتي وقلت: "الله!"، كانت حديقة واسعة خضراء فيها أراجيح وألعاب كثيرة، وكان فيها قسم للطيور، صرخت من الحماس، دخلنا ثلاثة أنا وأمي وجدتي، وجدت نفسي فجأة أخرج إلى الحديقة مرة أخرى وحدي. كان المكان غريبًا، لكنني أحب التعرف على الغرباء. قضيت يومي بين يدي فريدة حاضنتي المصرية أراقب الطيور وأقول لها أن هناك "كوكو" وأنا أشير إليها، لعبت مع الصغار، صرخت في وجوههم ثم أطلقت لضحكتي العنان، أطعموني طعامًا لذيذًا، أعطوني مرضعتي، كان حضن المربية دافئًا، لكن دومًا حضن جدتي وأمي وخالاتي أدفأ. 

استمتعت بمقابلة أطفال أضخم مني، وكان هناك كثير من صغار الحجم الذين كنت لا أكف عن إخبارهم أنهم "دادا". قبّلت الصغار، وحشرت نفسي مع الكبار أرقب ما يفعلون، كلهم يظنون طولي وحجمي لا يسمح لي بمعرفة أو فهم ما يجري حولي، لكن الله حباني بفطنة لو علمها الكبار المتكبرون لخافوا وراقبوا كل حركة وسكنة، فأنا مثلًا أستخدم مصطلحات الصغار مثل: "دادا" و"نمنه" للإشارة إلى الأطفال والطعام، وأنا أفقه تمامًا معناهما وأربط كل ما يتعلق بهما، فكلما شاهدت إعلانا أو صورة أو صوتًا عرفت أن هذا مرتبط بهما. الكبار يستصغرون قدراتي، وأنا أدعهم إلى حين، وأرد بعض ما يظنون بالشغب. 

عادت خالتي بعد يوم قصير مر سريعًا، أخذتني بلهفة، كنت حزينة لمفارقة الأطفال والحاضنات، كنت أودعهم بقبلة طائرة أوزعها عليهم بالعدل والإحسان، حين خرجنا من الباب وانغلق، كنت أؤشر لها لعلها تفهم وتعيدني إلى مجتمع الأطفال لأتواصل معهم أفضل مما أتواصل معها وهي بحجم أمي، لكن هيهات! عدنا إلى البيت مع جدي، على الأقل؛ هنا لي حرية الاستكشاف في أدراج المطبخ؛ ليكتمل يومي بسعادة. 



______________________________
*هبة ابنة أختي، عمرها عام وخمسة أشهر. 

الثلاثاء، 28 فبراير 2017

مذكرات طالبة جامعية ٢

ما الهدف من حياة الجامعة؟ من مواقف الكلية إلى نزول ذاك الدرج الهائل إلى الممر الضيق فالفسيح إلى المحاضرة إلى أستاذ يشرح لنفسه لا لسواه إلى توقيع الحضور إلى الخروج إلى الممر الطويل إلى الاستهلاكية المزدحمة التي تفيض أكلًا غير صحي إلى كرسي الاستراحة الأخضر أو الوردي. ثم ماذا؟

رأتني قبل أيام زميلة أعرفها في المواقف فابتسمت لي وسفهتُها حتى أدركت غباءها في ذاك الموقف، أكثرت الاعتذار منها لاحقًا لأنني فعلًا لم أرها، قلت: المشي في تلك المواقف التي لا تجدين فيها موطئًا لسيارتك إلى الدرج العظمى هو وقتي الأعظم لتأمل الحياة وفلسفاتها المعقدة اللامفهومة جميعًا، تتكون فقاعتي الخاصة حين أفكر فلا يفجرها شيء إلا شمس حارقة تشويني.

ما الذي يستحق الاهتمام في هذه الحياة؟ "الدكاترة" لا يبالون إن انهرست أو انسحقت أو متّ أو حييت، لا ينقص ذلك من مرتبهم شيئًا، الأرض لن تبكي علي إن اختفيت، فلج حديقة العلوم لن يتوقف عن الجريان إذا أكلتني الاختبارات وهجرتها أمدًا، الاستراحة لن تدفأ أكثر إن غبت. أف لي، لمَ أفكر بقتامة كهذه؟

أتحسب على الذين سواء عليهم أنجحت أم لم أنجح لا يبالون، أحاول أن أشد عزمي، أتنفس بعمق، أتذكر أن هذا في النهاية معدلي أنا وأنا التي سأنجح أو أرسب، أتذكر أن الله مع الضعفاء المساكين، وأنه لا يضيع أجر المحسنين، أذكرني بالصبر، هل شعر موسى بالاستفزاز حين قال له الخضر عليه السلام "إنك لن تستطيع معي صبرا"؟ هأنا أقولها: "ستجدني إن شاء الله صابرًا".

بيقين الصابرين تكتمل الحياة، برضا المؤمنين تزهر، يا رب، الجامعة تستثير قواي وتسحلها، أمدني بالإيمان الذي يجعلني آخذ الكتاب بقوة، وآنسني بالعلم مهما ساء المعلمون. يا رب، هذا العلم لك، وكلامك القرآن يلهمني، ولا أريد سوى الوصول إليك به، ثم رفعة الأمة المتهالكة. ألا يا رب إن كنت لا أستحق فأنت الكريم العظيم الرحيم، هيِّء لي من أمري رشدًا. 

الجامعة هي ليست ذاك المكان الذي يفيض حلاوة، وليست الممر المظلم الذي لا ينتهي، هي نور وظلام، وشقاء وأنس. أنت العيون التي تحدد ما الجامعة، فلا تُصب بعمى الألوان.