الأربعاء، 16 مارس 2016

حديث أخفت من حديث.

كنت متأكدة أن شمس البارحة البرتقالية المستديرة التي تغرب بشموخ كانت تسخر مني، وأن ما كان يضايقني ليلًا ويدع انفعالاتي كالحلوى الهلامية لم يكن الجوع والإرهاق فقط، وأن راوية (لولو) حين كانت تترجاني لألعب معها وأرفض مع أنني في العادة ألاعبها حتى تتعب دون أن تكلف على نفسها بطلب ذلك؛ لم ترد إلا تخفيفي باللعب معها، وأنني حين قلت البارحة بعد سؤال صديقة قلقة أن لا سر لاختفائي سوى الاختبارات ونفسياتها؛ الله يعلم أنني لم أعطِها إجابة كاملة، فضاعت درجاتي هباء إلا نُصيف درجة. 

تأمل المشاهد اليومية الذي يمارسه كل كاتب مرهِق، بل الأحرى له أن يكون مُستنزِفًا. لا يدرك الثقلان إنسهم وجنهم الألم والمخاض الذي يقاسيه الكاتب وحيدًا ليخرج بمقال منير، أو قصيدة فاتنة. لو أدركوا تصحر النفس حين تُدهِش النخلة آكل تمرها بلذيذ عسلها وهي ظمآنة في عمق البادية، لطأطأوا رؤوسهم قبل أن يوسوس إليهم الشيطان استقلال ذلك الإنسان. 

مصطلحاتي العلمية التي يزدحم بها حديثي في الآونة الأخيرة تسعدني بقدر ما تُضحِك مستمعيّ، آه بالمناسبة؛ الورقة التي ألصقتها على ظهر هاتفي كتبت فيها ملحوظات تعينني على وضع ما سيرد في اختبار اليوم نصب عينيّ. فاطمة كانت تقول وهي تضحك أنك يا خالتي تستميتين لمقاومة الغش ثم تضعين على هاتفك براشيمًا؟ هههه فاطم، البراشيم حركات الكفار، هذه حركات المسلمين وهي أن يقرأ ويحفظ ما سيلج في سم الخياط -أعني الاختبار- حتى آخر ثانية ورمق. 

يبدو ذلك مرضيًا لي، أو لضميري على الأقل، أنا التي أضاعف الاجتهاد وأنا أتلو عليّ آيات اليقين وأغلق عليها قلبي، ثم أكتشف أنني لم أصل إلى ما بغيت. أكان إيماني ناقصًا فكنت بشناعة المتواكلين؟ أم كانت ثقتي بـ"دحّي" زائدة فصرت بنتن الأغنياء عن الله؟ الوصول إلى إجابة على هذا السؤال استهلك مني عمرًا، وإصلاح عطبه دهورًا تعدت عمري. 

يجدر بي أن أعود إلى مذاكرة الأحياء، أعني عودتي إلى دهشتي بعظيم صنع الله، ثم إنني ينبغي علي أن أحفظ المحاليل الكيميائية على ظهر هاتفي وكمياتها ووقت مكثها على عينتي. لكن الأجدر دومًا أن أعود إلي؛ ألا أسمح لكل ما يشغل بالي وقلقي ويقيني أن يدمروني علي، وألا أدع هموم الناس والحياة والأوطان تغرقني عن العمل، وأن أتجسد -أخيرًا- ترتيلي بأن الحياة عقيدة وجهاد. قائمة مهامي لا تنتهي، أحبها لا نهائية لا يقطعها إلا موتي. سلام عليّ -إن جاهدت-.