السبت، 17 سبتمبر 2016

قطرة المطر ١٩.

زفرات أمي المتكررة لتسعة أشهر في أصعب حمل مر عليها في حياتها، وخز الولادة الأول إلى الطلق الأخير، السعادة بمجهولة الاسم التي احتير فيها كثيرًا ثم شاء الله لها أن تكون مزنة -أملًا في اسم على مسمى-، أذان سيدي والدي الأول في أذني، ودغدغة اسم الله لفطرتي، ضحكتي الأولى التي أضحكنيها الله، خطواتي الأولى التي خطوتها بعيدة عن والدتي قريبة إلى أمي الثانية، سناي الأوليين، مزاجي المتقلب وتعلقي بأمي الثانية، بكائي الذي يذكره الحابل والنابل، دلع طفولة آخر العنقود المرتبط بالغياب والفقد، كل التفاصيل التي أقف أمامها، "ربنا ما خلقت هذا باطلًا سبحانك". 

من ضعف الطفولة الأول، وحاجتي إلى من يحميني ويؤويني، أكبر فتقل حاجتي المادية إلى إرضاع وإطعام وتنظيف، وتبقى الحاجة العاطفية أزلية أبدية، يقوي الله عودي فأتخبط وأسقط ألف مرة قبل أن يأخذ الله بيدي فأنهض مرة ثانية، أنتبه انتباهة المغشي عليه، أدرك وضعي ومآلي، أحسّن طريقي، أرقَع من هنا، وأخيط المثقوب، وأخصف التالف من نعل حياتي، أتنفس الصعداء، أتشبث بالله مجددًا وأمضي. 

أدرك يا الله بعد ١٩ عامًا في حياتي أنني لم أكن لأضيع أوقاتي ولا لأعيش سبهللة، أدرك أن أحاديثي وفكري إن لم تقدم ولم تؤخر وزادت عن الحد اللازم انقلبتُ ضد هدف حياتي، أدرك يا الله أنني أعيش لك، لذا فعليّ أن أحيا بأعلى همة وسعادة وأن أنجز وأنفع وأكظم أذاي أو حتى أكف "لا-فائدتي". أدرك يا الله أنك خلقتني وأنت تعلم أنني على قدر المسؤولية الثقيلة التي ألقيتها علي لأجعل الأرض للإنسان أحسن، وأنك لم تقدّر لي أقداري إلا لتصنعني على عينك فأكبر قبل أن أكبر. يا رب، أنا أجاهد وأسعى لأكون ذات نفع وإزهار وإمطار ينعش العالم، وأنا أعلم أنك تساعدني دومًا، خذ بيدي. 

شكرًا لأنك بعد التسعة عشر عامًا لا تنفك تحنو عليّ دومًا، تطبطب علي إذا حزنت، ترعاني بكل اللطف لأرجع إلى صراطك مهما أصررت على غيره واستكبرت، ترسل لي أسوأ المواقف لتصنعني على عينك، ثم تصطفي لي خيرة عبادك يحيطون بي من كل مكان فتغدو حياتي نعيمًا. شكرًا لأنك اخترت لي أبي العظيم، وأمي المجاهدة، وإخوتي السند الأبدي وأهلي الكرام، شكرًا لأنك في عامي الأخير اصطفيت لي من الناس سليمان؛ إضافة حياتي الأجمل، وممتنة أنا للأبد -يا رب- على صديقاتي اللاتي إن جار العالم علي جرن عليه عني، وإن هفوت أعززنني وقومنني وفهمن كل شيء دون حديث مني ولا إشارة. شكرًا لأنك الله ربي الذي كلما حاولت أن أفكر أن أدعو غيرك جُنِنت لأنك الحق ولا شك. 

أمطِرني أبدًا إلهي؛ حية وميتة.