الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

فلأسأل نفسي، لماذا أدرس؟

يا الله؛ ما أبعد السماء وأقربك!
في وسط صخب الحياة وتعب الثانوية، وحياتنا التي أصبحت الآن تشبه الدوران المجنون في خلاط كهربائي يعكس تقلبات الأحداث والحياة؛ وبعدما أحسسنا أننا فعلًا أصبحنا أقوى؛ أقوى بكثير لأن الحياة قد أوسعتنا ضربًا حتى أقسمنا أننا سنصبح أقوى وسنقاوم كل شيء حتى نصل للجنة، ومع كمية الصبر التي زرعها الله فينا منذ ولادتنا ثم رأيناها الآن قد أزهرت وبلغت أشدها، "نحن هنا وللحلم بقية".
كلما جئت لأتنهد أو أعلن تعبي؛ أتذكر ذاك الرجل القرآني حين رفض تعليم النبي "قَالَ إنَّكَ لَنْ تَستَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا"، أقول لنفسي: هل ترغبين بنيل العلم وتحقيق آمالك؟ مالك لا تستطيعين صبرًا!
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة بالجهالة ينعمُ . 
ومع كل هذا النصب والجهاد؛ أقف لحظة لأغضب، في الحقيقة لا أدري أهو غضب أم حزن؛ حين أرى الطلاب معظمهم يصبرون، ولكن لماذا يصبرون؟ لا أحد يعلم، ربما للورقة التي تشهد أنهم أنهوا الثانوية أو الجامعة -وقد لا يستحقونها-؛ ليس لذاتها بل لأنها تستجلب الوظيفة أي المال -بمفهومهم-، وهناك سيعيشون سعداء. أضحك ضحكة ساخر حزين؛ أهذه حياتكم؟ 
درسنا قبل فترة عن المواد المؤثرة على العقل وتأثيرها عليه؛ كالخمور والمخدرات والسجائر وغيرها؛ حتى وصلنا إلى أحد أنواع المخدرات فناقشنا أضرارها؛ ردت إحداهن قائلة:ً أحب هذه المادة! لولا أنها ممنوعة في بلدنا لتعاطيتها؛ إنها تجلب السعادة! قلت لها: أنى تجلب السعادة وإثمها أكبر من نفعها؟ وهي أصلًا مذهبة للعقل كالخمر! فما الفرق بينهما؟ قالت: إنها لا تذهب العقل تمامًا بل تجعلك تضحكين وتسعدين، وإن أذهبته فأين تكمن المشكلة؟ قلت لها: وتعيشين تأكلين وتشربين وتنامين؟ إذن ما الفرق بينك وبين البهيمة! ألا تفكرين وتعملين؟ قالت وهي تضحك: بربك! وكأنني أفعل شيئًا الآن غير الأكل والنوم والضحك! ابتسمت ابتسامةً صفراء وأدرت ظهري لأن النقاش احتد فأسكتونا.
أنا حقًا أستخسر تعب المسلمين الذين يتعبون ليأكلوا ويناموا ويحصلون على المال. الحمدلله الذي وهبنا آمالًا تنفع أمتنا نصبر ونعيش لأجلها.
من حديقتنا التي آثرت المذاكرة فيها لأن الطبيعة تبهج النفس؛ وبعد أن كدت أن أعلن تعبي في وسط كتبي وهمّي وصبري، وحين ينطلق كل أذان، سأصبر وأحتسب لله لأن الله لا يضيع أجر المحسنين.
"إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِيْنَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنّٓارُ مَثْوًىٰ لَهُم".

(كتبتها قبل أيام، آخر تدوينة تُنشَر في ٢٠١٤ لحاجة في نفس يعقوب.)

السبت، 8 نوفمبر 2014

ربُّ الرحمة.

الله لكل محتاج.
يزيد إيماني كل يوم بهذه العبارة أكثر؛ فحين أجاهد لأقصى حد وأتحمل كل شيء لأجلك؛ يأتون هم ويستهزئون أو ينهرون، أرحل عنهم وأبتسم لأنك تعلم ما يسكنني وتفهمني وتحبني وتؤجرني.
يا الله، حين هطل المطر اليوم، كان غزيرًا جدًا، ذكرني بالإعصار الذي أصاب بلدنا قبل سنين فأهلك الحرث والنسل، كنت أضحك ملء فيّ وأركض تحت المطر الذي يكاد يقتلعني من مكاني ويطير بي، لكنني كنت خائفة. نحن يا رب حين يهطل المطر نفرح ونعتقد أنها رحمة منك ونلهج بالدعاء والشكر، ولكننا ننسى يا الله أنه قد يكون تأديبًا وتعذيبًا حتى نتهذب، نحن ننسى أن حبيبنا كان يفزع حين يرى مزنة مطر ويهرع إلى الاستغفار والبكاء والدعاء ألا تكون نقمة؛ صعقني كلام أختي لي فضحكت لأنني لم أستطع أن أبكي، حين بدأ السحاب الأسود بالتجمع والبلاد المجاورة كلها أصابها المطر والريح حتى تضرروا؛ كنت أنا في المطبخ أعد الفطور لي ولها وأترنم على ألحان أغنية فلسطينية، فقالت لي وهي تضحك: "مُزنة الناس يدعوا ويستغفروا ويصيحوا على السحاب والضرر الي أصابهم وأنتِ تغني وتطربينا!".
يا رب، في ظل تلك العاصفة العميقة، كنت أركض تحت المطر وأنا شبه متأكدة أنني سأمرض بعدها لكن لم أكترث. رميت هاتفي لأراك تحت المطر وأحبك أكثر. كنت أراك في كل زاوية وكل ملجأ أو مهب ريح، كنت في كل مكان تتمثل لي كعظمة ما بعدها عظمة، وحب ليس كأي حب.
يا رب، حين كان المطر يهطل بغزارة، كانت قطة صغيرة تموء وتبكي لا تدري بماذا تلتجئ وإلامَ تسكن! كنت أحاول الاقتراب منها لمساعدتها بإيوائها وتجفيفها وتدفئتها، لكنها يا الله كانت تفزع مني، كانت تموء أكثر عندما أقترب؛ ابتعدت ورحت وجئت فسمعت مواءها قد قل وخوفها بدأ يسكن، أنا متأكدة أنك يا الله كنت تحميها على عينك، كنت تحتضنها وتؤويها، كنت تقول لها أن لا تخافي ولا تحزني، أنا معك وسأهديك وسأحميك وأؤويك، أنا متيقنة أن همساتك المتشكلة بشكل إلهامات وطمأنات تبثها في قلب كل محتاج هي أساس بقائه على قيد الحياة، وهي أساس سكونه ووقف دمعه.
يا رب؛ نحن حين كنا صغارًا نلعب في الخارج فيهطل المطر؛ كانت أمهاتنا يخرجن ليصرخن علينا أن ادخلوا لا يصيبنكم المطر فتمرضوا، يا رب، حين يهطل المطر أو تأتي عاصفة؛ ماذا تقول القطة لصغارها؟ وبمَ تحمي الشجرة ثمارها؟ وكيف لا تذبل الزهرة من الخوف؟ وأنى تنقذ النملة نفسها وقريتها حين يجتاح الماء كل شيء؟ وإلى أين تلوذ الفراشة الجميلة كي لا تتبلل فتموت أو يموت جمالها؟ يا الله؛ حين تظلم السماء وتشتعل عاصفة؛ من يطبطب على أم اليتامى العراة الذين لا يمتلكون مأوى؟ من يربت على كتف المطرود من وطنه المفجوع بأهله أجمعين؟ يا رب؛ من يحميني أنا من نفسي حين أتمزق أنني أكتسي وأحتمي وأسكن وأدفن نفسي في حضن أمي بينما هم تصفعهم الحياة؟ من يقول لي أنني علي أن أعمل أكثر لأساعدهم لا أن أتذكر فقط أن لبسي وطعامي وراحتي علي حرام إن لم يملكوها هم؟ من للمحتاجين؟ أنت لهم يا الله.
يا رب، حين خافت مريم، حين كان إبراهيم يقاوم كل شيء في نفسه حتى ينصاع لأمرك ويترك زوجته وابنه في وسط لامكان، حين كان موسى محتاجًا لمأوى أو مأمن بعدما سقى لامرأتين لا يعرفهما، حين كان لوط يحاول أن يتشبث بأحد ويصرخ فيهم جميعًا فيضحكون ولا يفهمه أحد، حين كان يونس في وحشة وخرج بعيدًا عن كل أحد لأنه تعب وضاق ذرعًا، حين كان محمد يرتجف من هول ما سمع، حين كان صالح مستاءً لأن قومه خذلوه في شيء كان يجدر بهم أن يكونوا عند حسن ظنه، حين كان يبني نوح سفينته لوحده وهم يضحكون جميعًا، حين كانت امرأة فرعون تقاوم ظلم زوجها وتكتم إيمانها في نفسها، حين كان هارون يحاول أن يستعيد رشد أخيه الذي لم يفهمه رغم أمس حاجته لفهم أخيه ومواساته، حين كان هود ينظر إلى الأرض والسماء فلا يجد من يملك كعقيدته، حين كان شعيب يقاوم ضعفه ليوصل رسالته فوجدهم يريدون قتله لكن لأنه ضعيف فهم يشفقون عليه، حين وجد آدم نفسه وحيدًا في قفار موحشة بعد أن سكن الجنة، حين سكن الإيمان سحرة فرعون، وحين احتاجك أي إنسان، أنت دومًا رحمن بكل مخلوق.
يا رب، أنا أعرف أن حق البكاء لأنني وحدي أو لأنهم لا يفهمونني لا أستحقه وأنت دومًا معي تعلم ما بي وتجزيني أضعاف ما أعاني وتمنحني لطفًا وحماية ورحمة ورعاية. أنت ألطف من كل شيء.
يا رب المطر والحب والرحمة، أحبك.

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

عجَزَة وحَدِيثُو ولادَة ٢

عجبت لقوم يتحسفون ويرجون لو أنهم ولدوا لأبوين غير مسلمين ثم هداهم الله إلى الإسلام بعقلهم؛ يريدون أن يستشعروا شعور النقلة من الظلمات إلى النور، نعم هو شعور رائع يختلف عما نشعر به نحن، ولكن في الحقيقة أنت تملكه كل يوم لكنك لا تشعر به.

وصف حديثي الإسلام للحظة إسلامهم مبكٍ؛ ربما بكاء فرح! أعلم أنك تود تجربته وتعتقد أنك ستكون أكثر إيمانًا وتمسكًا بدينك إن فعلت؛ ولكن هب أن هذا الشعور يمر عليك كل يوم ويلقي سلامه عليك وأنت لا تلقي له بالًا! بالله هل سمعت الشهقة التي خنقت صوت حديث إسلام حين تحدث عن أهله؟ حين قال أنك أنت في نعمة عظيمة لا تستشعرها، حين تملك أذانًا يدعوك للصلاة وأم تعد لك الفطور في رمضان وأب يوقظك لصلاة الفجر وأخ يرافقك لصلة رحم أو حضور حلقة علم؟ هل أحسست بالعبرات التي تزاحم أنفاسه في صدره وتدفعها بعنف؟ لا أظنك سمعت أو أحسست.
أنت حتمًا تمتلك تلك اللحظات التي لا تعرف فيها من أنت، أو الثواني الطويلة التي يتزاحم فيها كل شيء فتفقد نفسك وتبدأ بالمقاومة أو الانهيار، وأجزم أنك تمتلك أحيانًا تهرب فيها من كل شيء لتبكي فقط؛ لا لشيء إلا لأنك قد تعبت من كل شيء! وأقسم أنك تملك الأوقات التي يجتاحك فيها المرض ويرميك جثة هامدة لا تستطيع أن تكلم الناس إلا رمزًا، وأحلف أنك كثيرًا ما تمر بمواقف صعبة وحالات تكون فيها متعبًا ولا تستطيع التصرف بأي شيء؛ حينها تنطلق منك "يا رب" لا إراديًا -تلقائيًا- ولو كنت كافرًا. أتتذكر أنك تمر بذي المواقف أم لا زلت لا تعترف أنك لا تمتلك اللحظات التي -إن كنت فيها حكيمًا- تكون كيوم ولدتك أمك؟
إن الضعف الإنساني الذي يسكنك ويشرق كشمس الظهر أحيانًا هو لطف رباني؛ لعلك تشعر أو تستعيد نفسك، إن مررت بأزمة لم تجد منها مخرجًا فاستشعرتها واستغللتها وحققت غايتها الفعلية، هناك ركز على شعورك، أظن أنه سيتعدى شعور المسلم الجديد، ربما لأنك ازددت نورًا على نور بينما هو لم يخض في النور بعد؛ بل خطا أول خطواته حالًا.
سأقول عن تجربتي -ولا أزكي نفسي-، قبل عام أُصِبت بمرض الحصبة بغتةً بلا عدوى للمرة الثانية في حياتي. كانت أروع تجربةً في حياتي -بالمعنيين لكلمة روعة، الفزع والجمال-؛ ربما لأنني خرجت منها إنسانًا آخر بعد أن كنت حطامًا. في موسم اختباراتي الفترية كانت المصيبة فلم أكمل اختباراتي بل جلست في المنزل، كثيرًا ما مر طيف الموت حولي وعانقني آنذاك، كان يعانقني ويذهب بلا مبرر! استشعرت مدى ضعف النفس البشرية ومدى لطف الله وعظمته ورحمته، كنت أئن وأبكي في الليالي لشدة ما ألاقي ولا أحد يسمعني أو يجفف دمعي سوى الله، عادتي في التحمل الجسدي جدًا كتومة وربما أمرض ولا تعلم عني أمي التي تكون معي دائمًا، أما آنذاك لهول ما كنت ألاقي كنت أبكي وأصرخ وأشهق فجأة وكأنني أرى الموت، وأمي وأختي مفجوعتان لا تملكان لي نفعًا ولا ضرًا. كانت حرارتي تسخن كل ما حولي حتى ظننت أن ما حولي سيذوب، ولم يكن ثمة دواء! الماء يضر الحصبة، وشتى الأبواب مغلقة، مالي سوى رحمة الله. أظن أصدق صلاة صليتها في حياتي الصلاة في ذاك الليل الذي أظنه كان مخاضي لأستعيد نفسي وأستمتع بعدها بالحياة، كنت أبكي طوال الليل وحدي بلا صوت لأنني لا أستطيع الحراك لأن طفح جلدي قد بلغ أشده، وحرارتي كان بإمكانها أن تذيب الحائط الذي يجاور سريري، ولشدة حرارتي لم أكن أستطيع التنفس أبدًا! كل ما أذكره أن الموت كان يشد وثاقي ويحتضنني في كل لحظة أقوى ويتشبث بي، لم أستطع فعل أي شيء سوى شعور قطرات تبلل شعري ومخدتي، لم أستطع أن أئن أو أصرخ أو أستنجد. ربما كانت أطول ليلة في حياتي. استيقظ الناس فجرًا ليروني أحتضر، حاولوا مساعدتي فلم أستطع، كنت أشرح لهم ما حصل بكتابة على جهاز إلكتروني لا أدري كيف كانت تخرج، لم أستطع تلقي مساعداتهم، كنت أموت بصمت. صليت الفجر وأنا مستلقية لا أحرك سوى عينيّ وإصبعي. وبعدها في طوارئ المستشفى بدأت قصة موت أخرى. عمومًا، كان مرضي طحنًا لقوتي مما جعلها تتلاشى أمام قوة الله كي يظهر ضعفي البشري. خرجت أسعد وأقوى إنسان، خرجت مولودةً جديدةً تعانق الحياة.
في الحقيقة؛ نحن حين نتعامل مع الأزمات والمصائب نتعامل مع لطف خفي من الله يمسح علينا بلطف أن تقربوا إلي أكثر، الحاذق من يجعل أزمته حبًا لله، والأحمق من يدعو الله حينها ثم ينساه حين تُفرَج. {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ () الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ () 
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} ، مصيبتهم جعلتهم ينغمسون في حب الله فقالوا إنا لك وإنا إليك راجعون؛ نحن منك وإليك؛ وكأنهم يقولون: (فافعل بنا ما شئت فنحن لك!) -كما حارب المسلمون الجدد كل شيء لأنهم لله وإليه يرجعون- فجُزوا الخير كل الخير، أتصور الصلوات الربانية والرحمة والهداية أعظم بدرجات من شعور مسلم جديد، ولكن هل تعقل؟
عمومًا؛ عش الأزمات كأضعف إنسان بطريقة مثالية وستكون أطهر وأسعد من مسلم جديد؛ فقط لو عشتها ولم تمتها! -كما يفعل معظم البشر حين يقولون "لماذا أنا يا رب؟!"-

الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

ثرثرات لا تهمكم ٤

قبل أيّام، قيل لي أن عرفينا على نفسك أمام ملأ، وقفت؛ قلت لهم اسمي وأني في المرحلة الثانوية ومكان سكني، ثم وقفت بصمت ثم قلت: ليس عندي ما أقول بعد! هذا كل شيء! بين أضلعي كان شيء يؤلمني أنني لم أفعل شيئًا يستحق الذكر! حين قلت هذا كل شيء؛ ردت إحداهن قائلة: وناشطة لقضية فلسطين أيضًا. فلم يسمعها أحد، أعادتها، وأنا أنظر إليها وأقول: فلسطين تخجل أن يذكر اسمها بجانب اسمي، لم أفعل شيئًا.
في الأيام الأخيرة؛ كلما رآني أحد ضحك وقال جاءت أم فلسطين، ربما بسبب الرسائل التي كثيرًا ما أرسلها عن أخبار القضية ومتطلباتها، ولكن أظل أصغر في نفسي كل يوم أكثر، أعني؛ من قال أن رسائل تحرر فلسطين وتحل القضية؟
كلما أثير مجلس وكان أحدهم يعكف على حل أمر بسيط عقده هو بنفسه، ملّ الناس تشبيه "كأنه يحل مسألة فيزياء" واختاروا التشبيه الجديد "كأنه يحاول حل قضية فلسطين"، هناك يضحك المجلس كله وأبتسم أنا ابتسامةً صفراء أموت عندها ألف ميتة.
من قال أن العرب -الذين يقولون أن فلسطين سقطت لابتعاد أهلها عن الدين وهم وحدهم من سيعيدها- سيعيدون فلسطين؟ من قال أن العروبة وسم على صدر كل عربي أيًا كانت دولته وحدوده؟ من قال أن العرب لم يعبدوا الدول والحدود والحكام بل عبدوا الله؟ من قال أن تحرير فلسطين على يد العرب؟ من قال؟
عمومًا، جاء عام هجري جديد، عام استقبلته بفرح تعقبه حمى، ربما كان الفرح بسبب الأناس الذين يهدونني فرحًا كل حين، أو لأنني استقبلته بإهداء ممضى من صديقة الذي هو كتاب في فلسطين. أما الحمى فأظنها كانت الأجدر بي؛ لأن عام قد مر ولا شيء يذكر قد حققت، أدعو أن أكون نسمة من نسمات القدس يومًا.
أقبل العام الجديد وجميعهم يوصون بمراجعة مخططات العام الماضي وإعداد مخططات العام الجديد بأهداف مرسومة محددة، مع بالغ الأسف لم أطبق مخططًا ثابتًا في حياتي. أنا فقط لا أتفق مع المخططات والجداول المرسومة، أهدافي وجدي يكفيني، لكن هل أنجز؟ فلأتأرق عامًا لأجيب عن هاتين الكلمتين.
أعتقد أن أكثر شيء يربط على قلبي ويجعلني صامدة حتى حيني -ولا أقصد مدح نفسي ولا أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء- ؛ هو أنني أحاول قدر المستطاع أن أسعد إنسانًا على الأقل كل يوم. تخيل مدينة تضحك يتنافر حزنها منها أنت سببها! تخيل أن إسعاد الناس هي عمارة الأرض التي خلقك الله لأجلها، فلتصدق أن إسعاد إنسان وتغيير نفسيته إلى الأفضل قد يرد حسنات كل عمل صالح يفعله إليك! لأن لولا إسعاده لطغى عليه حزنه ويأسه ولما أفاد ولا عمل شيئًا، ألم تتخيل بعد؟ بلى إن سعادتك تعمّر العالم وتزهره؛ لا تفارقها! 
أعتقد يقينًا أنك لن تعيش حياة هادئة وديعة إلا إن سفهت كل ما لا تحب في عالمك؛ بإمكانك تجاهل الكلمات المؤذية التي تسمعها، إما لأن من تفوه بها سفيه لا يستحق مثقال ذرة من اهتمام، أو أن من تفوه بها لا يقصدها بل يخاف عليك، أو أولًا وأخيرًا: أنت لا تستحق الضيق وكلمة لن تغير مجرى حياتك بالتأكيد! فعلامَ تعكر زرقة السماء؟
جرب يومًا أن تستغني عن إحدى الثانويات من حاجاتك لتضحك سن محتاج -أيًا كان الأمر-، جرب ألا تأكل لأنك تشتهي طعامًا بل لأنك تبني به نفسك لتجتهد أكثر، جرب أن تتجاوز مرحلة الأكل والشرب والنوم إلى مرحلة النفع، أقسم لك أن حياة البهائم ليست ممتعة كما يتراءى لك. أظن أن الأنعام حين تموت تبقى في حفرة مظلمة كئيبة لا متعة فيها، تخيل أنك عشت لتنفع فمت لتجد قبرك جنة ومرتع فرح، ألا يبدو ذلك أكثر متعة؟
بلى إنك مخلوق لتتعب، "يٰا أَيُّهَا الإِنْسٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلٰقِيهِ" ! ستشقى وتشقى ثم تلقاه، أفيكون شقاؤك طعامًا ونومًا أم تعمير أرض استعدادًا للانتقال إلى الجنة؟ فلتكشخ للقائه!
في النهاية والبداية، لن تعمر روحك حقًا إلا بالتنفس بشيء كهذا "وَاصْبِر فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيْعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِيْنَ"! .

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

فرح عيد أو شتات عيد. ٢

حين كنت في ربيعي التاسع؛ استنكرت جدًا موقف جدتي حين رفضت أن تلبس ملابس العيد لوفاة رجل غريب لا تعرفه ولم تلقه في حياتها! ربما عددته نوعًا من أنواع الاستهانة بالعيد واستجلاب الأحزان والكآبة وربما حتى الحماقة! -وأستغفر الله على غباء اعتقادات الطفولة-؛ كبرت لأرجو أن أقبل رأسها إلى أخمص قدميها. أنا لم أكن أعرف كثيرًا عن الرجل الغريب سوى أنه حاكم دولة عربية تحبه صديقة أختي وتمجد أفعاله ويذكره أبي وأمي في أحاديثهم، كبرت وعرفت أنه كان عظيمًا من عظماء التاريخ، وأنه كان يرفض الظلم ويقول لا، وأن عقله عقل عربي حر يرى المذلة كفرًا. كبرت وتيقنت أن العيد لم يكن ليكون عيدًا بلا حرية وفكر وعقل وعقيدة، العيد ليس عيدًا حين تكون العقول نسخًا مكررة مستعبدة، تمجد ما يقول بعض المسؤولين تمجيدًا إلهيًا ولو كان ظلمًا وهضمًا لحقهم، تعودوا الخضوع لقولهم وتقبيل رأس المسؤول بعد أن يصدر قرارًا في ظلمهم فينفذونه فورًا. أعتقد جازمة أن العيد لو كان إنسانًا لانتحر؛ من شدة ما فرط المعيدون في معاني العيد الروحانية وجعلوه لباسًا وزينة والروح جاهلية.
عمومًا، مرت ثمان سنين على رحيل شهيد الوطن، ونحن لا زلنا كما نحن نتغنى بالحرية ونتراقص بها ووجودها الحقيقي يكاد ينعدم إلا في أغانينا. أنا حقًا أرجو أن أكون مثله لأقول لا للظلم، ليكون فكري فكرًا عظيمًا ينير الأمة، لأكون بإذن الله استنهاضًا للمجاهدين المبدعين الخاملين في أمتي. لا أريد أن أقول فيه كلامًا مستنسخًا يقوله شعراء الرثاء، لكني حقًا حين آتي للحديث عنه يلجم لساني وأخرس! 

ربما أحب العيد لأني -أحاول وعسى أحقق- أستشعر معانيه الحقيقية، أنه وجد ليوحد فرح الأمة، وليكون هدية بعد جهاد العبادات، ليكون المسلم سعيدًا بما أنجز من عبادات وبحال أمته، فيتزين ويتطيب ويلبس الجديد ويخرج مسرورًا ليرى العالم -في حدود الحلال-، أنا لم أستطع أن أفهم حقًا لمَ يفرح أولئك الذين لم ينجزوا شيئًا من عبادات، أو أنجزوا والروح خاوية ليستدلوا بخواء أرواحهم بأن يرتكبوا ما حرم تحريمًا مباشرًا في يوم العيد! لمَ يفرحون؟ ربما كما يقول إخوتنا المصريون "بيضحكوا على خيبتهم" .

قالت امرأة حين كانت تقدم الفتيات الصغيرات لتحنيهن على الكبار أن العيد الحقيقي عيد الصغار لا عيدكم الزائف. قالت وصدقتها أنا. لا أدري كيف نفرح فرحًا مبالغًا فيه حين نكون أطفالًا، ثم نكبر فنفقد معاني الفرح تدريجيًا، ربما كان يلزمنا أن نفرح أكثر لأننا ننجز أكثر ونعبد أكثر -على حسب تقديري-، لكننا لا نفعل. جاهدت هذا العيد لأفرح أكثر من أي شيء. لأترك شعور الخواء في روحي في أيام العيد مهما كان الوضع لا يساعدني. قلت سأفرح. وحقًا فعلت.

في اختلاف رؤية الهلال وتفاوت الأعياد، يظهر عقل الفتى الحقيقي، فمنهم من يهزأ، ومنهم من يفرح، ومنهم من يتكبر وكأنه قد أتاه كتاب موحى من ربه يقول له اليوم عيد وأنت أعقل إنسان قد خلق وهاك مفتاح الجنة. فإن أردت أن تقيس عقل الفتى؛ فالعقل عين العقل أن يعتقد أن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب، فيكون الحق عنده بنسبة ٥٠٪ ولدى الآخر بنسبة ٥٠٪ ؛ فيكون عاقلًا متفتحًا رزينًا ولو اختلف مع الناس، ولا يظن -بحماقة- أنه أوتي مفاتيح الجنة. لذا فأي إنسان لا يتقبل رأي إنسان ويهزأ من عقليته أو رأيه، فاعلم أنه هو الذي لا يفهم فقه الاختلاف ولم يكتمل عقله بعد. ولنأخذ درسنا من الإنسان العالم الذي سئل في أي يوم عيد؟ فجاوب جوابًا شبهته في مشهد، كمثل الطفلين المتشاجرين واحتكما إلى أبيهما لإقرار أيهما أذكى وأنبه، فقال لهما أنت أذكى وأنت أذكى فرضي الاثنان، ولم يكن الأذكى إلا الحكم الحكيم العاقل.

عمومًا، لا زلت أفرح بكل عيد، لكن العيد الحقيقي الذي سأفرح به بإفراط هو عيد حرية العقل المسلم حرية تامة تلحقها حرية أراضي العرب وسمو راياتهم. يا رب أرجوك اجعله قريبًا.

السبت، 4 أكتوبر 2014

فرح عيد أو شتات عيد.

ما العيد؟
لم أجد تفسيرًا مناسبًا للعيد، حاولت أن أفهمه منذ صغري فلم أستوعب! فإذا قلنا مثلًا أن العيد هو العيدية التي لطالما تقنا إليها وأرقنا الشوق لتجميعها؛ فهي سرعان ما تتلاشى بشراء الحلوى والألعاب! وإذا افترضنا أنه الأهل فلا أظنه سيكون صحيحًا، فابنة عم أمي التي هي في مقام خالتي وأبناؤها الذين منذ أن طلعنا على العالم ونحن نعهدهم إخوتنا وهي أمنا الثانية، ويجمعنا العيد في الشرقية في بيت الجبل والضاحية* والفلج والدكان، ها قد فرقتنا الدنيا، وكبروا وكبرنا ولم نرهم منذ صغرنا. وأبناء خالاتي الذين كنا وإياهم نملأ بيت جدتي -أول العيد- ضجيجًا بلعبنا ومرحنا حتى تتأذى منا جدتي، قد صيرت الدنيا عالمنا إلى عوالم شتى فأصبحت أمضي العيد وحدي مع الكبار. وإذا حاولنا أن نقول أن العيد مكان فربما يكون خطأ، لأن العيد فرحة أينما كانت. ولا حتى يرتبط العيد بالحلوى أو اللحم؛ غير العرب لا يفعلون ذلك ويسعدون بالعيد.
أظن تعريف العيد الحقيقي هو الشعور الداخلي بالفرح مهما كانت الظروف أو الأقدار، هو أن تتبسم ولو لم تستطع الابتسام، وأن تتفرح ولو لم تستطع الفرح، هو أن تكون الأمة كلها في يوم العيد ابتسامة مع غمازات لطيفة، وسلامًا داخليًا ينتشر مع النسيم. أظنه أصدق تعريف للعيد! 
لسنوات طوال كان العيدان والهلال ورؤيته وهله موضع خلاف وجذب وارتخاء، فمنهم من يحتفل بالعيد ومنهم من يؤخره ومنهم من يصلي العيد ومنهم من لا يفعل، لطالما تميزت دولتي عُمان بعيدها؛ لأنها تترصد الهلال بدقة ولا تتبع تقويم أم القرى، فيصبح الناس في عيد ونحن في صيام، حتى يصبحون ثاني أيام العيد فنعيد نحن. لن أخوض كثيرًا في الموضوع، لكن ما أردت قوله الآن هو أنني في العيد الماضي اقتبست تعريف العيد من كتاب وحي القلم للأسطورة الرافعي رحمه الله ووضعتها صورة عرض:

ما أريد قوله يكمن في أن شيئًا ما من أساسيات العيد لا يتحقق! "فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمة الواحدة في ألسنة الجميع". اختلفنا ولنا حق الاختلاف وهذه سنة الله في الكون والبشر، ولكني أعترف أنني عامًا بعد عام أفقد فرحة العيد أكثر، وأكتسب شعور التشتت أكثر. لم يعد عيدنا يومًا معروفًا يتراقص فيه الصغار طربًا وتتعالى فيه ضحكات الكبار وينتشر نسيم حلوى العيد وتزهو ألوان اللبس الجديد، بل أصبحنا ما بين معيد اليوم ومعيد غدًا! فأنا إن افترضت أنني أريد أن أفرح بالعيد مع صديقتي التي هي جارتي، قد أجدها وأهلها لا يعيدون اليوم بل غدًا بسبب الخلاف الواقع، فأفقد جزءًا من فرحة العيد معها، وجزءًا من فرحة عيدي أنا بذاتي؛ لأنني أقف فأشك في عيدي أهو عيد أم يوم يسبق العيد! أنا أشعر بالشتات حقًا. يا رب لطفًا بالمشتتين.
أكان عيدنا نصف ابتسامة صفراء مزيفة لأن نصف الأمة تعيد غدًا لا اليوم؟ أم أن حقيقة عيدنا ابتسامة مزهرة وغمازات لطيفة؟ أظن أن محاولتي للتبسم والفرح بالعيد رغم جراح الأمة شبه ناجحة، أما أن نتشتت حتى في عيدنا ولا نفرح معًا فهذا كفيل أن يجمع فيّ شعور الشتات الذي لو وزع لكفى العالمين أجمع. لا أعرف ما أقول بعد. يا رب اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.

الاثنين، 22 سبتمبر 2014

حين أضع الحروف على النقاط.

قالت إستبرق:
"*تتنهد* .. إيه؟ متى كنّا بروحنا هنا آخر مرة؟ كم مرّ على أن ندخل هذه المساحة بدون أن ننظر نظرة شفقة على حروفنا المنسيّة؟ مرّ الكثير عليها على ما أظنّ.. في هذه الفترة خسرتُ الكثير من الأشخاص/ الأشياء.. وكسبتُ الكثير أيضًا.. في هذه الفترة مررتُ بمرحلة مخاضٍ فكريّ شديد ولم أخرج من ذلك المخاض بشيءٍ سوى الألم! كانت هذه السنة التي تركتُ فيها كتابة الأشياء الطويلة بمثابة تحوّل مسار لكثير من المبادئ والقواعد في حياتي.. كانت سنةً صعبة بما يكفي لأن أحبّ الحياة أقل مما كنت أحبها سابقًا .. لكنني لم أيأس، لازلت أكافح.. لازلت أرغم نفسي على أكل طعامٍ لم أفكر بأن آكله سابقًا فقط لأن “الحاجة” دعتني لذلك.. دعتني لأن أتخلى عن كرهي لذلك الطعام بدون سبب وأن أستشعر علاقة الاحتياج بيننا، و هذه العلاقة تتميز بأنها لا تستلزم الحبّ مطلقًا.
حين قررت أن أضع سماعتي وأن أكتب هنا.. قررت أيضًا أن لا أتوقف، وقررت أن أستجمع كل قواي كي لا أحذف ولا حرفٍ إلا في حالة الخطأ الإملائي، وها أنا الآن أتحمل مسؤولية قراراتي.
لو قلت لكم بأنني أرتجف الآن هل سوف تصدقونني؟ هل أرتجف من هواء المكيف البارد؟ أم من دموعي التي تنسكب وكأنني أرى حروفًا لي تُكتب لأول مرة؟ أم من تأثّري بكلمات أغنيتي المفضلة؟ .. لا أعلم.. المهم بأنني أرتجف.
لم أعلم مطلقًا أن الكتابة تسكنني عميقًا إلى هذه الدرجة. تسكنني لدرجة أنني في كلّ ليلة أقول لنفسي: “سأكتب عن يومي هذا غدًا”. لكنني لا أكتب، لأن قلمي يذوب بين أصابعي .. وحروفي تستكين.. وأنا أطلب النجدة، من يخرجني من مأساتي؟ لا أحد.. لم يكن هنالك من يعرف بأنني أتألم نتيجة عدم كتابتي أصلاً.. فقررت أن أتخلى عن الاستنجاد وأن أبدأ بإنقاذ نفسي.
ها أنا أطير، أطفأت المكيف حتى لا أرتجف، لكنني أستمر بالارتجاف.. لا بأس، يبدو بأن مشاعري لم تكفِها الحروف فقررت أن تتجسد على هيأة رجفة، هذا يريحني إن كانت لن تراودني مرة أخرى.
في عامي هذا، الذي كنت فيه بعيدة عن كل شيء ولم أكن قريبة سوى من سقف غرفتي، حدث الكثير.. 
...
إنها هي النقطة الأكبر التي أحدثت أكبر تحول في حياتي.. وفاته ، قربتني من حقيقة الموت أكثر، عن حقيقة الرحيل.. وهذا ماكنت أرجو أن أستوعبه بعد وقتٍ طويل.
لكن لا بأس، كل يوم ٍ أدعي بأن يقربني الله من الأعمال والصلوات التي تؤدي إلى الجنة، حتى أرى وجهه هناكَ مضيئًا ..حتى أغرس عيناه في قلبي كي لا يموت مرةً أخرى أبدًا ...

في هذا العام أيضًا كبرت أكثر، أصبحت أملك أصدقاء أكثر.. أحببت شخصًا ما أكثر.. فبما أنّ الحياة كانت تمضي كان لا بد لي أن أشرعَ بالركضِ ، لأسبقها..وأغيّر حياتي قبل أن تغيرها –هي- رغمًا عني. لهذا ، أنا كبرت أكثر.
حتى وإن استمر عنادي، أو استمرت ضحكتي الصاخبة التي تدل على طفولتي التي تكبر معي، لازلتُ أشعر بذلك الذي نضج بداخلي فجأة، وجعلني أنظر إلى وجهي في المرآة بثقةٍ لم أعتد عليها ، و سلّحني لكي أحارب النوائب بقوّةٍ عُظمى لم أشعر مثلها مطلقًا ..هذا مايجعلني أبتسم. ويجعلني أؤمن أكثر بأنّ الله يراقبني.. يدبّر خطواتي.. يحيطني بحفظهِ، ويصبر عليّ حين أخطِئ، ويغفر لي حينَ أتوب.. إن الله يجعلني أكبُر على أشيائي الصغيرة.. ليهبني أشياء أجمل.. إنّهُ الله، المُعطي الصّبور.. وأنا أحب الله."

______________

الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

ثرثرات لا تهمّكم ٣

كلهم تمنوا ورجوا ودعوا الله ألا يموتوا حتى نسترد القدس، ماتوا ومات أولادهم ولم نستردها، أخشى ألا يستجاب دعائي مثلهم وأن يكون ظن الناس بي أنني "محررة الأقصى" هباءً منبثًا .
كبرت اليوم فجأة، أو لعلي أقول أنني كل يوم أكبر وأشيخ وأقترب إلى الموت وأنا أضحك، ليتني أعمر الكون بفرح يذكر . لم أفعل كما فعلوا جميعًا أن نشروا تاريخ ميلادهم كي يعرفه الجميع، لا أدري لمَ لم أود ذلك، بل اكتفيت بمراقبة من سيتذكر أنني كبرت ومن لا يزال يراني طفلة . تذكر كثير من صديقاتي وأسعدنني حتى النخاع، كلهم يظنون بي أنني محررة الأقصى، تذكرت قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: يظن الناس بي خيرًا وإني لشر الخلق إن لم تعفُ عني .
عمومًا، كبرت عامًا وتغيرت أعوامًا، وكأن السنة التي مرت كانت سنين عجاف لا سنة مجردة ، علمتني هذه السنة كم أن العمر الحقيقي عمر العقل لا السنين، وأن الحقيقة هي حقيقة الروح لا الجسد البالي الخاوي، وأن الحياة أكثر من مجرد نداءات للتحرير والقوة، وأن السم الذي لا يميتني يقويني . أظن أنني أصبحت أكثر مسؤولية عن أي وقت مضى، أنا وحيدة أمي وأبي -حاليًا في المنزل- وعلى عاتقي عملهما والعمل على حلمي، على عاتقي أمة .
حلم أمي رحمة الله عليها الذي أكمل ٣ أعوام مؤخرًا على وشك أن يتحقق، أنا أثق أنها في مكان ما فخورة بي!
كبرت وأوشك أن أموت ، صحيح أنني تحملت مسؤولية أعظم وألقيت على عاتقي أحمال أثقل بكثير، ولكنني ما أظنني فعلت شيئًا يستحق أن يذكر حين يسألني الله عن عمري فيمَ أفنيته . اهدِني لعمر أقوم وأكثر إزهارًا يا رب . 💗

ثرثرات لا تهمّكم ٣

كلهم تمنوا ورجوا ودعوا الله ألا يموتوا حتى نسترد القدس، ماتوا ومات أولادهم ولم نستردها، أخشى ألا يستجاب دعائي مثلهم وأن يكون ظن الناس بي أنني "محررة الأقصى" هباءً منبثًا .
كبرت اليوم فجأة، أو لعلي أقول أنني كل يوم أكبر وأشيخ وأقترب إلى الموت وأنا أضحك، ليتني أعمر الكون بفرح يذكر . لم أفعل كما فعلوا جميعًا أن نشروا تاريخ ميلادهم كي يعرفه الجميع، لا أدري لمَ لم أود ذلك، بل اكتفيت بمراقبة من سيتذكر أنني كبرت ومن لا يزال يراني طفلة . تذكر كثير من صديقاتي وأسعدنني حتى النخاع، كلهم يظنون بي أنني محررة الأقصى، تذكرت قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: يظن الناس بي خيرًا وإني لشر الخلق إن لم تعفُ عني .
عمومًا، كبرت عامًا وتغيرت أعوامًا، وكأن السنة التي مرت كانت سنين عجاف لا سنة مجردة ، علمتني هذه السنة كم أن العمر الحقيقي عمر العقل لا السنين، وأن الحقيقة هي حقيقة الروح لا الجسد البالي الخاوي، وأن الحياة أكثر من مجرد نداءات للتحرير والقوة، وأن السم الذي لا يميتني يقويني . أظن أنني أصبحت أكثر مسؤولية عن أي وقت مضى، أنا وحيدة أمي وأبي -حاليًا في المنزل- وعلى عاتقي عملهما والعمل على حلمي، على عاتقي أمة .
حلم أمي رحمة الله عليها الذي أكمل ٣ أعوام مؤخرًا على وشك أن يتحقق، أنا أثق أنها في مكان ما فخورة بي!
كبرت وأوشك أن أموت ، صحيح أنني تحملت مسؤولية أعظم وألقيت على عاتقي أحمال أثقل بكثير، ولكنني ما أظنني فعلت شيئًا يستحق أن يذكر حين يسألني الله عن عمري فيمَ أفنيته . اهدِني لعمر أقوم وأكثر إزهارًا يا رب . 💗

الاثنين، 8 سبتمبر 2014

ثرثرات لا تهمكم ٢

بعد فترة كان فيها إلزامًا ألا أكتب، قررت أن أزيح المشبك العالق في أنفي وفمي ؛ لأتنفس .
أنا طفلة قررت أن تكتب لأنها تحب أن تكتب، لا لأنها تعرف عمَّ تتحدث وإلى من توجه حديثها!

 عمومًا ، زواج إخوتي الثلاثة في وقت واحد واشتغالي بفوضى إعدادات الزواجات يجعلني أتفكر عميقًا، هل سيتزوجون لينجبوا ثم يوبخوا أولادهم ويتعبوا في الإنفاق عليهم ثم يكبروا وينفقوا هم عليهم ثم يموتون فحسب؟ أم سيكون أحد ذراريهم من سيشعل في العالم أنواره بفكرة وعقيدة؟ هل سيذهب تعب إعداد الزواجات سدى؟ هل يعلم الله مني إخلاصًا ونية حتى يخرج من أصلابهم من يزهر الأرض ويعمرها؟ أم سخافات الدنيا تطغى عليَّ فلا أدري كيف أو ماذا أنوي ولا أتصرف! عمومًا فرحي في زواجات إخوتي كان فرحًا مفرطًا، تراكضي وجنوني وحتى الأغاني والطرب كان فرحًا بجرعة زائدة استعدادًا لما سيواجهنا من ألم جهاد عام كامل، ربما الرقص كان إعلانًا عن فرح أمل بتجاهل كل ما سألقاه مما يسوءني، كلهم لا يعلمون سر انتشائي وجنوني، "لا يعلم أحد شعورنا تمامًا إلا الله" .
إغلاقهم جميعًا لهواتفهم وتجربة العيش في عالم نتن لوحدنا حقًا مزرية ، استشعار معية الله وحده فحسب هو ما يجعلنا نتنفس . أسوأ ما في التجربة هو محاولتي أن أجمِّل ذاك العالم في عينيّ لأعيش، وكيف سأثور وأغيره ما لم أرَه بسوئه القذر؟ أنا حقًا لم أعد أدري كيف أوفّق بين بقائي حية والمحافظة على النظرة الواقعية لبيئتي بالغة السوء ! أمامي مشوار طويل يجب عليّ أن أبقى فيه حية بكامل كياني، أمامي حلم كبير لأحققه .
أستطيع أن أستشعر الآن حجم النعمات التي تتهاطل عليّ كل حين، على ذكر النعم، نعمة عظيمة أنك تستطيع أن ترى شخصًا جيدًا كل يوم -ولو على بُعد- ، ربما من شكر النعمة أن تقترب منه وتكون صديقه، أو على أقل تقدير تحادثه كل يوم ! حسنًا إن كنت لا تريد ذلك فلا بأس، ولكن رؤيتك لذاك الإنسان بحد ذاته نعمة عظمى! أن تراه يشابهك في نفعك وبعدك عن السوء، أن يملك إيمانًا يشابهك، وعقلًا قريبًا إلى الفطرة والفكر السليم، أن تراه يتصرف كإنسان بمعنى إنسانيته، أو كخليفة في الأرض، خذ كلامي وأنا أختك، هذه أعظم نعمة . كنت أقدسها ولكن كأنني فقدتها بغيابهم .
بينما كنت أحادثها عن هذا الموضوع، كنت أبالغ في تقديس الأشخاص الجيدين حولها وتحريضها على أن تكون صديقتهم، أدركت بعدها أن تحريضي المبالغ فيه غباء، ربما لأنني أحمل فوق كاهلي ثلاثة عشر روحًا من أبناء إخوتي، ليس علي من طعامهم ولا شرابهم ولا لباسهم ولا معيشتهم من شيء، ولكن ما داموا في البيئة النتنة ذاتها، أو مستنقع الوحل الذي أحاول ألا أغوص فيه، إذن عليّ أن أنتشلهم بقوة مما نحن فيه، بصفتي أكبرهم وعمتهم -وخالتهم أحيانًا-، المهمة جدًا صعبة بحق، كونك غريبًا ربما يُحتَمَل، لكن محافظتك على ثلاثة عشر روح في غربة؟ صعب. وأوقن أنه ليس مستحيلًا بإذن الله . 
وصاياي لابن أختي الذي يصغرني بعامين أدرك تمامًا أنها بالغة الصعوبة في التنفيذ، وأدرك حجم الثقل الملقى على كاهله، أتيقن أنها ستربيه وتقويه، أرجو أن تكون حقًا كما أوقن لا أن تكون سبب هلاكه، في الحقيقة لو كان بيدي لحملت كل الثقل عن الثلاثة عشر ولا أبالي، لكن يجب عليهم أن تعلمهم الحياة، وكما أقول لعيسى : "دائمًا الغرباء هم الذين يصبحون عظماء، طوبى للغرباء 💗 :") " .
واقعنا الكئيب عامةً وواقع استحمار الطلاب في بعض مناهج المدارس خاصةً يجعلني أشمئز وتضيق علي نفسي، أنا أدرك أن هذا الضيق ذاته سيغير العالم -بإذن الله-، لكن لا أدري لمَ أنا حزينة عجولة كثيرة الشكوى! أوقن أن غدًا أجمل بإذن الله . 

الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

ابنُ آدَم الخَلِيفَة -2

حين قالَ الله أنّ الخليفة الجديد سوف يخلق الآن ؛ تفاجأ الملائكة  مما سيكون، أولئك الملائكة الذين يرتبط اسمهم دائمًا بالخير المطلق حين سمعوا بالخبر تخيلوا الشرّ، ربّما قد خاضوا تجربةً سابقةً مريعة أو أنهُم لا يستطيعون تصوّر وظيفةً من خلق غير التسبيح! فافترضوا أنها الحقيقة الوحيدة في هذا الكون وغيرها شر، فقيل لهم "إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" !
كانت غاية الخلق الأولى أعظم مما يستطيع تصوره أي كائن، فـ"خليفة" هي أكثر من خمس حروف عابرات . كانت الملائكة حينها تسبح بحمد الله وتقدس له وترى أنها لا تتفانى في ذلك ولم تقصر يومًا، فأنى يخلق الله شيئًا قد يفكر أن يفسد ويتمرد بالعصيان ببساطة؟! ربّما كانت غايةُ الخلق أعظم من التسبيح، كانت غايته تطبيق التسبيح في الأرض؛ عمارة الأرض!
سخّر الله هذا الكائن الجديد لكي يكون كما يقال في إعلانات العروض المغرية (2 في 1) ! لكي يكون مسبّحًا عمارًا للأرض ، لكنّه -مع بالغ الأسى والتعازي- نسي غاية خلقه فتظاهر بالإعمار وهو لا يملك من التسبيح أي جزء ولا هو قد أتمّ إعماره بخير ولا سبّح! إذن للذين نسوا تسبيحهم وتعميرهم أقول: راجِع حساباتك، لماذا تكون -وزنًا زائدًا- عالة على أرض الله؟!
نعود لموضوع الخلق مجددًا، أسائلكم؛ لمَ لم يأمر الله ملائكته بتعمير الأرض؟ أولم يكن قادرًا على ذلك؟ أم أنهم سيقفون وقفة احتجاج ويقولون "لن نفعل!" ؟ أرجّح أن حقيقة تعمير الأرض تحتاج كائنًا ذا طبيعة أقرب إلى الأرض ، فأقدر كائن على أن يعمُر دارًا أو يهدّها هو إنسان. نتساءل هنا، أولم تكن مهمته شاقةً عليه؟ فلنرسم في أذهاننا تصور التعمير كأنه برج ارتفاعه ميل، كيف يمكن لمخلوق لا يزيد طوله عن ستة أذرع أن يعمر ما يفوقه بأضعاف؟ ألم يُخلَق الإنسان ضعيفًا؟! بلى؛ هو ضعيف، لكنّه جُبِلَ على طبيعة فطرية صخريّة! الله حين خلقه لم يضعه في مكان أكبر مما يطيق ليراه كيف يلعب! {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} . خذها قاعدةً تنفعك إلى الأبد !
خلقَ الله الكائن الجديد والغرس فيه أهل للنمو، غُرِس فيه الإيمان والصبر والقوة والإرادة والهمة والرحمة، ووُهِبت له طاقات كامِنَة لم يمتلكها أحد، فمن لم يمتلك إحدى هذه فليتأكد أن الله قد غرسها فيه لكنه هو الذي اقتلعها من نفسه اقتلاعًا عنيفًا أحمقًا! خُلِق وهو أهل لأن يسعد بعمارة الأرض وهو يسبّح وتُزهر به الأكوان .
”خليفة الله في أرضه هذا الذي قد يفسد أحيانًا، وقد يسفك الدماء أحيانًا؛ ليتم من وراء هذا الشر الجزئي الظاهر خير أكبر وأشمل، خير النمو الدائم والرقي الدائم؛ خير الحركة الهادمة البانية؛ خير المحاولة التي لا تكف، والتطلع الذي لا يقف، والتغيير والتطوير في هذا الملك الكبير.“ *
خلق الله الكائن الجديد ، ولم يفتح له الأبواب على مصراعيها ليطلقه كما يفتح الراعي باب حظيرة الأنعام فتفز هاربة، بل علّمه . لا أتخيل كائنًا بشريًا يستطيع الوصول إلى حقيقة العلم إلا إن علّمه الله، وإن كان الذي علمه هو الله وحده ولم يوكّل أحدًا بتعليمه، فمن بقدرك أيها الإنسان؟ ثم أنت اليوم تفر هاربًا من ذكر العلم حتى وتهزأ به! علّمه حتى نعرف أن الحياة تحتاج منّا إلى علم، كيف بالله نواجه عالمًا لا نعرف أي شيء فينا ولا فيه ونفلح؟ يظل دومًا وأبدًا سبيلنا إلى التسبيح وتعمير الأرض، "وَعَلَّمَ" .
عُلم الإنسان الأسماء التي لم تعلمها الملائكة؛ لأنه يحتاج إليها أمس الحاجة بينما لا تحتاج إليها الملائكة المنشغلة بالتسبيح .
وإذا أردنا أن ندرك عجائب مكانتنا، فلنرَ إلى أمر ربنا للملائكة بأن يسجدوا لأبينا . أنّى يسجُد من "يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" لـ"مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ" ؟ "إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ" !
أمرَ الله الملائكة المطهرين بالسجود لآدم الذي هو وذريته "مِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ" ، لله الحكمة العظمى فيما أمر، لكننا نستبين بعضًا من عجائب التكريم، أننا وُهِبنا قدرةَ المعرفة، ووُهِبنا قدرة الإرادة، نحن نعرف الحق والباطل، ونملك أن نختار الحق أو الباطل كأسلوب حياة! فماذا أجبنا داعي خلقنا؟ هُنا السؤال المطروح . نرجع ونقول أنه يستحيل على أي كائن بشري أن يدخل الجنة حتى يحقق اثنين، التسبيح والتعمير .
أما الآن، فقم واصرخ ملءَ فيك : "لقد صرتُ حمّالًا للأمانة التي كعّت عنها السماوات والأرض اعتِمادًا على لُطفٍ يأتِيني مِن حَضرَتك" .


_________________
*في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/٦٦

الخميس، 7 أغسطس 2014

فلسطِينُ وَنَحن .

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمٰن الرحيم 
"سُبْحَٰن الَّذِي أَسْرَىٰ بِعبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَّا حَوْلَهُ لِنُرِيَّهُ مِنْ ءايَاتِنَا إِنََّهِ هُوَ السَمِيْعُ البَصِيْرُ " [1الإسراء] صدق الله العظيم.

كانت حكاياتُنا الجميلةُ تحت ظلّ الياسمين تحكي الشّغف! 
كانت وأحلامٌ عظيمةُ تروي حكايا الزيزفون ! 
كُنّا، وكان الأقصى لنا قبلة! وبطهر الإسلام أقصانا يشابهه حديثُ الحرفِ كالعسجدِ ! 
هناك مسجدنا، وأقصانا، وأحلامٌ كما الأشياء نعرفها تخالط طهر مصحفنا! 
وفي اكليلِ حبٍ كان سيّدنا يُصلي !
إمامًا للأنبياء أُسريّ في ليلة ..
يا حبيبي يا رسولَ الله كنتَ هُناك ! 
أتدري يا حبيبي.. أننا لم نرهُ مثلك !
لم نصلِّ فيه ولم نَسجد !

فلسطين ! 
حَرفي المضوّعٌ بالحبِّ يحويها ! 
و على أوراق أحلامي
قد دُوّنت : فلسطيني ..
فلسطيني ! 
ودمع يعانق مقلتي ويفيض مني الوجد ..
فلسطين يا شوقي الكبير، يا منبع الأفضال والبيت الكريم ..
مالي أراكِ ذويتِ اليوم بعد كرامةٍ !
وبريقُ ذاكَ المجد مُلطخٌ بذل العَرب!
تصبحين حمرَاء بِأرضٍ دموية تحكي نضالاً ورباطة جأش من أمَد!
هلّا حكيتِ رواية الأبطال؟ 
وبأنهُم ماتوا وأُحيوا للأبد !


فلسـْطين !
حبكِ وحده يوقظ الفجر من غفوته! 
حبكِ وحده يقذف نور الصباح من ثنايا الليل! 
حبكِ وحده يخرج زهور الحياة من بنادقِ العَدم !
يَا عروسَ عروبتنا أيَا طهرًا حَاول الأوغادُ سلبه!
وما كان للطهر يوما أن يكون لأبناء صهيّون ..
كان نقيّا صفيّا وقد عكّر الأنجاس أرضه، وهتكوا بمُجنهم حرمتها المصون .. 
فلسطين صبرًا فمنكِ ورثنا التّجلّد! 
فلسطين صبرًا إن تخاذل عهدنا.. وصار عُرسك يومًا مؤجلاً  وحريّةً مشبوهة !
وبُدّل ياسمينكِ الأبيض بشتلاتِ دحنونٍ حُمرٍ وسود
وتخلّف عن الزّفة عريسك ولسانه يردد أغانٍ ويغرد 
بوعودٍ كاذبة أنْ غدًا عهدنا ويدُق طبوله ... !
فلسطين صبرًا إن تقادم عهدنا ولم تعودي بيننا تلك المبجّلة!

فلسطين !
كل حرف يروي قصة تعددت رواياتها ..
فلسطينيون بدمائهم ينحتون على جبهة التاريخ
فخراً وشهادة بـ مقاومةٍ وعزيمةٍ وإصرار!


فلسطين..
وكل ما أصابها علمه من كان على صراط مستقيم!
حين رأى حماتها يلهون ويلعبون حول مسجدها المقدس!
فأخذ يستنهض شبابها وشيابها!
نساءها وأطفالها!
كبارها وصغارها!
لكن.. وقع الفأس في الرأس!
انتشر الداء وتمكن من الجسد!
فأصبح العلاج شديد الصعوبة!
لكن شعب فلسطين الأبي لم يستسلم حينها..
وظل يناضل لعقود وسنينَ طويلة..

ولأن فلسطين سُلبت بإسقاط دين الله وعقيدته..
فوالله لن تقوم حتى تكون أمتنا بالله عزها..

ولو تأملنا ما حدث مع المؤمنين وليس المسلمين في سورة محمد..
لوجدنا أن التاريخ يعيد نفسه!
فحينما نزل أمر الله للمؤمنين بالقتال تخاذلوا..
وتظاهروا باقتراب نهايتهم..!

لكن الله حين ذكر كل داء أتانا بدوائه!

فكان الحل باتباع:
١- "فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم"
٢- "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم؟ أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم"
فمن يظلم يُظلم، ومن يقهر يُقهر، وكما تدين تدان!


وكي نصل إلى هاتين الخطوتين .. "أفلا يتدبرون القرآن.. أم على قلوب أقفالها؟"

والمقصد الحقيقي من التدبر هو أن يعظم الله في قلوبنا..
فإذا عظم في قلوبنا.. 
وامتلأت قلوبنا بحبه..
نصرناه وأقمنا رسالته على هذه البسيطة..

وضعوا أملكم بعدها في وعد الله لكم..
"يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"


يا أمة الإسلام ..

هناكُ طفولةٌ تُقتل وأم تُحجز وهذا شابٌ يُدفن وذاك أبٌ يضُم رصاصة محتّل!

فلسطين تسلب! فلسطين تصرخ، تستنجد!
فلسطين يا أمتي! فلسطين يا عرب! 
قضيةُ الإنسانيّة ليست قضية فلسطين!
قضيةُ أمّة تلاشتْ فيها معاني العقود والعهود! 
في سبات عميق بغفلة مصطنعة هُمّشت! 

بعد أن كانتْ لنّا في الهندِ والسندِ راياتُ الفتح والتحرير مرفرفةً بـ شموخ! 
كان الدين قويا بمن سبقونّا وهَا نحن ذَا نجعله ضعيفاً بنّا ! 
أضعتِموها وضاع معها عزنّا واغتصبتُ الوردةُ النديّة واستِنفذَ عطرهَا ! 

يقاومون وأنتم في نوم تتخبطون، ويحكم !
ويأتيكم حلمُ النّصر تزفهُ الأفراح وأنتم بين غطاء الكسل والخمول ساكنون! 
لم ترَ أعينكم النور حتّى! ويح العروبة فيكم يا عرب ويل رايات الهزيمة بأيديكم !

غبار الظلم مازال يكسوكم 
والذل يغلفكم وغشاوة قاتمة تغطي قلوبكم!

ويحنا من كَم العار والعيب علينا ..
يحيط بنا من الشرق والغرب!
وما يزيدنا عاراً على عار وهماً وغماً!
أن منّا من يسند أعداء الله أعداءنا لعنة الله عليهم
بالله عليكم ما الذي أعمى بصائرهم؟
والله إن لفلسطين رجالاً أكفاء وإلا ما بقيتْ لنا باسم المقاومة الأبيّة فيها ! 

حتى نجعل كُل روحٍ تتنفس بسلام وتتسع لنا أحلامنا وحتى نُعيد ابتكار وصياغة عقولنا ونُدرك بأن الجنّة هي المُراد ونصل إليها ولحُبِ الاشياء التي لم نرزق بها بعد ،
 نحن نحتاج إلى إسلام حقيقي! حينها لن نحتاج لأن نهتم في أدق التفاصيل، هو يكفينا .
 لـ نزع المضطهد من هذه الدار لانريد منكم الا بضعة أدوار وواجبات ، اذا فعلناها على الوجه الأكمل كُنّا ممن أدى حق فلسطينيّتهُ و يكتب الله لنا أن نكون أحد أسباب نصرتها :
يجب علينا أن نعلم جيدًا من نحن ولماذا خلقنا وما الذي فرض علينا ولم يُفرَض، وأن نتعلم كل شيء يفيدنا ونطبقه في حياتنا، وأن نعلم حقًا ما هي فلسطين وكيف كانت وصارت وإلا يكون حبنا مجرد نواح على صورة حرب أو تغيير رمزياتنا في وسائل التواصل الاجتماعية ولا حتى الدعاء ببكاء وخشوغ قبل الخلود إلى النوم . وإذا تغلغل الحب في أرواحنا فسنخبر كل أحد عن قضيتنا وأمتنا وسنفهِم العالم من فلسطين ومن نحن وما يجب علينا، وسنصل الليل بالنهار لنعمل لها ولا تنام قلوبنا حتى تكون أمتنا حرة عزيزة .

لا تتصالح ولا تتوخَّ الهرب 
سبقونا للفداء بعد ما عرفوا بأن هذا الشتات يتزعزعُ بآيتين و ركعتين 
وقلب صبور لا ينفطر ولا يشكو . 
بعدما ندرك حجم المهام الملقاة علينا ، سنصنع منا دعاء عمل ، قوّة وأمل
 تحرك بالدعاء ، لا تطلب من الله شيئًا وانت لا تتحرك للشيء ذاته ، او تقول يارب انصر هذه الأمة وأنت بسبات !
نحن لا ننتصر إلا حين نرجع لله وهذا ما يربط على قلوبنا 
بأننا سَنُحييهَا و نُحييها 
حتى يُحيي الله من فَوق السماوات نصرًا
صحيح أن ما أخذ بالدم لا يُسترد إلا بالدم، لكن حربنا الآن حرب أخلاقية فكرية لا حروب سيف . علينا أن نكف عن كل ما لا يفيد ونهتم بالأساس، نهتم ببناء عقولنا بالعلم وأرواحنا بالصلة بالله والاعتزاز به، وعلينا أن نعمر الأرض حبًا وإيمانًا، وأن نحتسب الصغار شتلات نزرعها فكرًا وعقيدة لكي تزهر غدًا في فلسطين . علينا أن نكف الاهتمام بالقشور والمظاهر والترف واللهو وننصرف إلى ما يبنينا لكي نكون عمارات القدس . وهذا كله طبعًا لا ينبع إلا من القرآن ، ثم شتى العلوم . وعلينا أيضًا أن نترك بعض ما نشتهي لنقاوم رغبات أنفسنا ونعطي أموالنا للأمناء الذين يوصلونها إلى فلسطين . حتى وإن كانت زكواتنا ، ستملأهم فرحًا وعزة وسيدعون لنا .
والمُقاطعة إلحاق الضرر بالمُنتج او الدولة ويعتبر كشكل من اشكال الاعتراض ، لذا يجب علينا مقاطعة كل منتجات الأعداء مهما كانت لذيذة كـ شعوب عربية وإسلامية من اجل فلسطيننا .

آه ! فلسطين الحبيبة ..
قد سمعنا عنكِ قولًا كثيرًا ..
قولًا رفع عزَّتكِ وقدركِ ..
مكانتكِ وشرفكِ ..
أيا فلسطينَ المُعزّة ..
أوَ يعلمُ من حولكِ أنَّ الحياة لأجلكِ
والسَّعي لأجلكِ
والبذلُ لأجلكِ
والجهادُ لأجلكِ
وحبُّ الفتح والنصر لأجلكِ
يوفقُ لنصرِ الله وفتحه ؟!
إن لله عباداً صدقوه وعدهم فصَدقهم وعده بتوفيق وتسديد منه وجندٍ من عنده! 
وإن لنا فيهم لعبرة بإخلاصهم وتضحياتهم في دروب الشهادة!
وبنصر الله في أمصار المسلمين المؤمنين نصرنا .




*مجاهداتُ القلم /
نُهى الجابرية، هاجر الشكيلية، صفا الرحبية، رحيق الحضرمية، البلجاء العيسرية، أسماء الخروصية، أروى العَبرية، مُزنة الراشدية، روان الرحبية، عفراء الكندية.

الاثنين، 21 يوليو 2014

رَمَضَان تطبيق لا قيَام ليل وصيَام نهار مجرّد .

كلنا نعرف أن رمضان أجمل الشهور، رمضان نزهة الروح، رمضان شهر العتق من النيران والمغفرة العظيمة، كل العالم يعرفون ذلك، هذا ليس محور جدل، الجدل الحقيقي حول التطبيق!
أكبر مشكلة تواجه الأمة الآن ليست المعرفة، كل العالم يعرفون؛ المشكلة الحقيقية هي مشكلة مساواة المعرفة بالواقع! المشكلة الحقيقية في التطبيق الواقعي .
أعرف إنسانًا يحفظ القرآن بأكمله وعالم بعلوم الدين، وهو أبعد الناس عنها! هو لم يستطع مواجهة أعظم تحدٍ للبشرية، لم يكن قويًا بما يكفي! هلّا كنا أقوياء؟ 
فلنسل أنفسنا كم معلومة نحفظ؟ ثم كم نطبق في حياتنا؟ رمضان شهر العتق؛ فلنكن أهلًا للعتق! هلّا تركنا التغني بالدعاء وتفعيل الدعاء في حياتنا معدوم! هو كله ”أَيّامًا مَعْدُودَات“؛ انفض غبارك وانتفض، كون الله يحتاجك.
فلندع كل ما يدعو للتراخي في رمضان ولنفزع عرض أعمالنا كي نعد لها، ألم تر كيف مد ربك عمرك إلى الآن؟ أفلا تشكر أن الله لا زال يحيطك بلطفه أكثر من أي شيء؟ كم من مرة لم تستطع الاعتناء بنفسك فاعتنى الله بك عناية خاصة؟ أفلا تشكر؟! ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خاف أدلج ، ومن أدلج ، بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، إن سلعة الله الجنة»
رمضان لا يحتاج منا لعلم بوجوب الصيام واستحباب تكثيف العبادة فيه والاعتكاف، رمضان يحتاج منا أرواحًا قوية تستقوي بالله بالصيام وتهذب نفسها بكف شهواتها وتطبق ما تعلمه حقًا، ألم تر إلى ربك كيف قوى أمة من قبلنا بأنها صامت وقامت وعبدت ربها حقًا؟ كان قلب أحدهم كقلوب أمة تامة؛ قلبه كقلوب مليار من البشر الذين يسمون أنفسهم مسلمين. هكذا قلب مسلم لله رباه ربه بصيام رمضان، الله دومًا يربينا أن نجعل قلوبنا لا تحمل هم طعامها وشرابها ونومها، بل تحمل هم أمة بأكملها، هلّا سمحنا لرمضان بأن يحمّل هم أمة على عواتقنا؟ فلنمتثل لتربية الله العظيمة ولنعش رمضان!
رمضان ليس كلمات جامدة نحفظها ولا أدعية نرتلها، ولا حتى آيات نسارع بختمها، لو مكثت شهر رمضان تتأمل آية واحدة وتطبقها وتستغل رمضان لتهذيب نفسك وتربيتها لكفتك. تأمل أحوال أقوام هزموا رمضان ولم يهزمهم بجعلهم ضعفاء بالصيام! وأنت تقرأ سيرتهم وتتأملها ستستشعر أن رمضان كان يخجل من قوتهم العجيبة، أما الآن فأظنه يتوارى من القوم من سوء ما بُشِر به من حال الصائمين؛ لا أقصد الصائمين بل أقصد الذين يكفون الطعام والشراب في النهار ليأكلوا أضعافه ليلًا وهم سامدون؛ ”كأنه سجن أقفل على شيطان يمسكه إلى الصبح، ثم يفتح له لينطلق معمرًا، أي مخربًا... أو هم جسم جبار كفر بالله وبالإنسانية ولم يؤمن إلا بنفسه وحظوظ نفسه فمسخه الله بناء، وأحاطه من هذا الظلام الأسود بمعاني آثامه وكفره...“* . إن لم تطق سماع سير السابقين فابحث مليًا في حقيقة الصيام أنه تهذيب، أنك تجوع لتصبح إنسانًا مسلمًا بكل المقاييس، إنسانًا يستحق الجنة!
إن لم ترتقِ صحتك ونفسك وروحك في رمضان؛ وإن لم يكن رمضان زادًا لعام وعمر، أو إن لم يكن حالك في رمضان كحالك في غيره، فراجع نفسك مليًا، وتذكر أن الله ليس له حاجة في أن تدع طعامك وشرابك!


______________________________
*وحي القلم، ج1 مقال (أحلام في الشارع)



مقال كتبته منذ بداية رمضان بعد أن طلبوا مني الكتابة في إحدى الصحف، بفضل الله  نشر اليوم وإن كان متأخرًا نوعًا ما 😅

الأحد، 20 يوليو 2014

عَجزة وحَديثو ولادَة .

نحن الذين تحملت أمهاتنا آلام المخاض عبثًا فأشرقت الدنيا في وجوهنا ومُنحنا ما يتوافق مع فطرتنا تمامًا في كل التعاليم، أضع ألف ألف خط تحت كلمة "عبثًا" لأن أعمالنا في الحياة حقًا لعب أطفال.
قد نُضرَب ضربةً نسقط عندها نوشك على الاحتضار فنتذكر كل شيء ونتوسل للرب بأي حيلة كي يمنحنا ثانية نستعيد فيها ديننا كي نقيمه، ثم ما إن يمدنا بقوة نقوم كأن لم ندعه إلى سقطة مستنا راكضين للعبنا الأحمق ، كل ذلك هو ظلم البشر وحماقتهم . لكننا حين نرى بشريًا يُسلم كي يخوض الحياة بحقيقتها نتباكى ونود لو أننا مكانه كي نعبد الله حقًا، ولا يكون منا ذلك!
لا الريحان ولا المسك ولا الطيب شذى ذاك الجو، لا الخرير ولا الهديل ولا الزقزقة متعة ذلك الحس، لا "طلعت يا محلى نورها" ولا "أخاصمك آه" تحيينا ، توترهم حينها هو التوتر الوحيد الذي أعشقه، تقطع صوتهم حين يقولون أشهد أن لا إله إلا الله لأول مرة، هو اليقين الحقيقي، هو الصوت الذي لا تعادله أي موسيقى، هو الحياة .
قصص المسلمين الأحداث تسري القشعريرة في جسدي، ربما لأنني حقًا أكتشف أنني لم أكن يومًا مسلمة! سكينة أرواحهم واطمئنانها يوحي إلي بوحي سماوي أنكِ مولودة سعيدة فلم تعطي السعادة بسمتك، تأثرهم بكلام الرب يغرسه في قلبي أكثر، منهم أتعلم الإسلام لا مني يتعلمون.
تلك الشابة التي لم تكن تعقل ما أقول لأنها لا تفهم أي لغة نتحدثها كان تمازج روحها معي عجيبًا! كنت أحدثها وأهنئها وهي تضحك وكأنها تعقل ما أقول، ربما تلك الشهادة جعلت روحها شفافة .
لكل مسلم جديد: أهلًا بك في الحياة .
لكل مسلم مولود: أنت حيٌّ منذ ولادتك، انفَع العالم بحياتك، استحِ من البالغين حديثي الولادة وقدّم لدينك، الحياء شعبة من شعب الإيمان :) .

_________
خارج النص: لنصف العالم الذي استبعد عني العروبة، أقول كيف تحكم على ما لم تحط به خبرا؟ شكرًا لأنك تجعلني أتشبث بعروبتي أكثر. نعم أتحدث بغير لغتي بطلاقة، ولكن "عروبتي شرفي وناصيتي وعنواني"، لا قال ربي أن تسقط عني عروبتي! لعلي في المرة القادمة أطبع على جبيني أنني عربية مسلمة.

السبت، 19 يوليو 2014

البَهرجَة تُشعِرني بِالسُّوء .

منذ تعلمت الصلاة قبل سنين طويلة، قيل لي أن الصلاة عمودها الخشوع، لم أكن بعبث الطفلة أعرف معنى الخشوع حقًا، ربما ظننت أنه الوقوف لفترة طويلة ومقاومة آلام رجلي بلا حركة، عمومًا أنا منذ تعلمت الصلاة إلى أن عقلتها لم أخشع يومًا، كنت أتخيل أشكالًا في سجادة الصلاة وأربطها ببعضها وأرسم حدائق في مخيلتي وأنا أتخيل أنني أصلي في خشوع تلك اللحظة. ربما كنت قادرة على أن أخشع بشكل أو بآخر، لكن زخرفات سجادة الصلاة لم تغثني ولم تساعدني أبدًا.
صدقًا؛ البهرجة تشعرني بالسوء، أن ينام أحدهم على حرير وآخر على صخر؛ هذا خراب! أن تشرى قطعة قماش بمائة ريال عماني (260 $) هذا يشعرني بالسوء حقًا! ربما لهذا أنا أحيانًا أكره التسوق الفاره، أكره شراء حقيبة باهظة الثمن بينما يأكل شعبٌ التراب ليعيشوا!
أنا متأكدة أن الله لم يكن ليرضى يومًا على أقوام مبهرجون! لم يكن الله ليحب يومًا إنسانًا يدعي أنه يحب الله، ثم لا يكون هو إلا أكول نوَّام لا ترجو الدنيا أي منفعة منه وتود لو تلتحفه بأتربتها، لا يهتم إلا بتزيين مظهره وفي داخله أعجاز نخل خاوية! لا أرى له من باقية! أنا متأكدة بأن الله يمهل المبهرجين بحلمه لا بأي شيء آخر، ربما لو كنت المتحكمة فيهم لسحقتهم! أو ربما لأخذت منهم كل أموالهم ووهبتها لمن يستحقها! أستغفر الله، ربي دومًا حكيم، وسيؤتي كل ذي حق حقه. {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}
يقال "إن كثرة الاستهلاك تؤدي إلى الهلاك."، إذا أشبع الإنسان همه ورغبته بالشراء والشراء والشراء، ما يشبعه إن أتى يوم لا يملك فيه درهمًا؟ وقد قيل أن الإنسان لا يشبعه إلا التراب، ولكن المخلوق الذي يستحق مسمى «إنسان» هو الذي حين يفكر بشراء غرض لا يحتاجه، يمسك نفسه ويعللها بأن الذي افترش التراب والتحف السماء أولى من غرض يجعله يبتسم ليوم ثم يمله. أيا فقه الاكتفاء بالحاجات فلتنهض رجاءً، نحن في أمس حاجتنا إليك الآن!
يا صديقي، أسبق أن اشتريت حاجة فما لبثت أن سئمتها وأحببت تغييرها بلا عيب أو سبب واضح؟ {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} ، سأعطيك حلًا أمثل، غير نمطها من خلال تغيير شيء فيها ببساطة، أو غير مكانها أو ترتيبها، فإن لم تستطع فغير فكرتك عنها! استبدل فكرة شراء الجديد لك -إن ملكت النقود- بشراء الجديد لمحتاج معدوم. لأن أوقاتنا وأموالنا وفكرنا أثمن من أي شيء، أمتك تحتاج إليك. {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا}.
ماذا بربك كان بإمكانه إسقاط دولة أقل ما يقال عنها أنها كانت "عظمة" في ثوانٍ؟ {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}. الحقيقة أننا يجب علينا أن نخجل حين نتغنى شوقًا لأندلس من بهرجاتنا وترفنا الزائد فيها بلا اهتمام بقواعد تقيم صلبها؟ ألم يعلمنا التاريخ أن البهرجات دومًا فاشلة؟ دومًا مهلكة؟ دومًا وأبدًا هالكة؟ كيف تهاوت دولة الأندلس بقوتها التي ملأت الأرض بنورها وعلمها وعظمتها؟ تهاوت لا لنقص علم أو نهضة، بل لأن الترف أغشى ظلامه عليهم فلم يبصروا إلا مراقص الليل؛ فوجدوا أنفسهم فجأةً في الحضيض! لهذا البهرجة تشعرني بالسوء يا صديقي! {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}.
أنا أؤمن تمامًا بحل اللهو المباح، بل بوجوبه أحيانًا! كل إنسان فينا يحتاج لأن يستمتع أيامًا يبتعد فيها عن كل ما يثقل به عاتقه ليلهو ويدلع نفسه بما شاء من ملذات لأنه أنجز وبذل، أنا أعشق اللهو في فندق فاخر وأكل ما لذ وطاب في بلد غير بلدي، ولكن أن تكون معيشتنا كلها فارهة لأقصى حد؟ عذرًا.. ماذا بقي للجنة من أحلام؟!
دمي يحترق حين أرى كعكًا بأغلى ثمن مكون من ٣ طبقات احتفالًا بعرس، طيب لا بأس أن يكون كعكًا لذيذًا سيأكله الحضور ابتهاجًا بليلة هي أقرب للعيد للعروسين، ولكن ما شأنها إن استطعت أن أقسم لكم أن لا أحد سيأكل أكثر من ربعها؟ أكره أن أرى زوائد لا حاجة منها وبيوت المسلمين زوائدها بل أساسها الفقر والجوع! عوا رجاءً أن القبة المكسوة بالذهب في المسجد كان العرايا السقامى الثكالى الحزانى أولى بثمنها.
أرى أن حياتنا تحيط بها الأمور التي لا نحتاجها أو ربما نستصغر عقولنا بشراء سلع بأثمان أضعاف ما تستحق، وتحيط بها أوهام الأسماء التجارية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. أعتقد جازمةً أن حياتنا ستكون أفضل إن كانت بسيطة، إن كان تفكيرنا بحاجة إخوتنا أكبر من اسم تجاري أو ترف زائد. وما الاسم التجاري إلا زيف يوحي لمشتريه أنه عظيم بذاك الاسم وما هو إلا نطفة استحالت إلى بشر يوهم نفسه بأنه عظيم لنقود رماها في سلة مهملات الاسم التجاري الذي لن يرافقه إلى قبره ولن يواسيه إن حزن -على أقل تقدير- ، والمال الذي تنفقه لشراء زوج أقراط لأذني كلب الشارع الذي يجاوركم؛ ربما زوج أحذية لامرأة تستخدم قدميها لحمل جسد هالك وجثث عشرة أيتام تبصر فيهم أمل غد سيسعدك أكثر من جمال كلبكم الفاضل . لم أجد يومًا حكمة أعظم من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يمتلك قصرًا فاخرًا و"ليموزين"، بل حصير وقميص وإزار، وكسرة خبز ومكحلة وطيب وسواك. الإسلام دين يدعو لسد الحاجات ثم -إن كان ولا بد- الالتفات للثانويات. ‘انثروا القمحَ فوق رؤوس الجبال.. كي لا يقال جاعَ طيرٌ في بلاد المسلمين’ درستها في صفوفي الأولى في الابتدائية، لكن لم أرَ في حياتي تطبيقًا لها، أنا فقط رأيتنا نشتري أضعاف ما نحتاج ثم ننثره في مكبات القمامة، كي لا يقال أن أقوام المفاجيع يغيثون الشحّاذين. أنا التي كنت قبل بضع سنين الطفلة المهووسة التي تحصل على المال بعرق جبينها كي تسرف في شراء الحلوى وتبخل بها على العالمين، قررت أن أبدأ بنفسي -لأنني جزء كبير من سبب خراب الأمة- وأقسم عيديتي القادمة إلى قسمين، قسم لمساكين الأمة، وقسم أستثمره لكي ينفعني وينفع مساكين الأمة مستقبلًا.
أطالب نفسي مرارًا بألا تظن أنها أفضل مسلمة على وجه الكوكب وأن تحتقر نفسها بقراءة سير من يتصفون بصفتين أفني عمري لأجلهما ، الإنسانية والإسلام . أنا دومًا وأبدًا أسمع صوت عمر بن الخطاب في أذنيّ يقول لي: "أوكلما اشتهيتِ اشتريتِ؟!" . شكرًا لله طول عمري على الإسلام وشكرًا للإسلام لأنه يجعلني إنسانًا. 
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} ، آمل أن يصلح الله حال أمتي ولا تدمر نفسها ببهرجاتها. 
________

شكرًا للأبد لأبي الذي ربانا على ألا نشتري إلا ما نحتاج، لطالما تذمرت من هذا الحال إلا قريبًا، جزاه الله عنا الفراديس. أبي رجل وسع الله عليه في المال، ولكن نظرة من يقول أنه بخيل خاطئة لأنني صدقًا تفاجأت قريبًا حين اكتشفت أن أبي ينفق على بعض المجتمع من معسرين وبناء مساجد وغيره، لا أقول أن أبي يجعلنا نحتاج لكي يساعد المجتمع! ولكنه كريم في حاجاتنا وفي إمتاعنا وفق حدود. 
خارج النص: هذا كلام أريد توصيل رسالته منذ زمن ولا تسعفني حروفي، ألهمني الله بحلقة برنامج خواطر العشرين .
أوَكُلما اشتَهَيتَ..!

الأحد، 29 يونيو 2014

كلمات على هامش منسي!

أستطيع أن أقول أنني مللت وكرهت حقًا تأمين الشعب العربي المسلم بأكمله واكتفاءهم به حين يقول الإمام والخطيب :"اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل (هذا البلد) آمنًا مطمئنًا يا رب العالمين"! أكره أن يكون اجتماع أمة بأكملها على قلب رجل واحد في مباراة كرة قدم، ولو حدثتهم وذكرت الله لانقسموا إلى ألف ألف حزب! أكره أن تكون أمتي كالذي يتضرع بأن تتحرك طاولته وهو لم يبذل أي طاقة لتحريكها! يحز بفؤادي أن أصرخ في أمتي كلها (كبر مقتًا عند الله أن تدعوا بما لا تفعلون!)، أنا حقًا أبغض أن يكون تذكر مجتمعي الوحيد لأمته في هذا الدعاء، ثم لا دين ولا عروبة ولا مروءة، فقط هم يقولون أنهم أدوا واجبهم بالدعاء!
وددت لو أني صليت تراويح اليوم على تراب وبيننا وبين الرجال قطعة قماش قياس ما تسترنا؛ في حين أن أمتي لا يوجد فيها جائع، وددت لو أن رمضان يغيرنا ويجمعنا على قلب رجل واحد؛ ولكننا غيرناه وشتتناه إلى صخور تحل محل قلوب مليار مسلم . 
لا أدري حقًا لمَ أنا بائسة يائسة لهذا الحد، أعلم يقينًا أن الله محقق وعده وناصر عبده ومعز جنده، ولكنني كلما رفعت عينيّ عن همي وهمتي لأطمئن، تحطم في داخلي شيء كثير كبير لا يصلحه اللصق الخارق الذي يعيننا في الطوارئ خفيةً حين نكسر شيئًا مما تحبه أمي ، عمومًا، على مر التاريخ الذي يعاد كل فصل جديد لم تطل نكبة أمة إلا نهضت -وآمل ألا يكون طول نكبتنا حدثًا تاريخيًا جديدًا!- 
نحن الذين نحمل على عاتقنا أمة من مليار مسلم يجب علينا أن يكون صدرنا أوسع من صدور ١٠ أضعافهم، وأن يكون لدينا -حقًا- صبر أيوب! وأظننا نحتاج قلبًا يغلف بمواد كيميائية تجعله أقوى من طرق مليار مسلم محاولًا كسره! 

صب اهتمامنا على القشور والمتع مروع، تجاهلنا واكتفاؤنا بعيشنا الذاتي بسلام مزرٍ ، وأسوأ من ذلك كله؛ يأسي!
اللهم اسقنا غيث النصر ولا تجعلنا من القانطين!

 ﴿ وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ () فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ (هود-١١٥-١١٦)

الخميس، 19 يونيو 2014

السُّوق وأنَا . 1

لو كانت الأنوثة تقاس بالتسوق؛ إذن فالأنوثة لا تمت لي بأي صلة .
إذا حدث في يوم أن سمعتم بأني ارتكبت جريمة شنعاء، فلتعلموا يقينًا أنها كانت حين كنت أتسوق، تعرف أختي كم كنت أود تفجير ذاك الرجل الذي قابلته وآلاف أشباهه وحرقه وسحقه حين أراه يدخل في وسط قسم ملابس النساء الخاصة ويتفحصها، لو ارتكبت جريمتي الشنعاء فيه وأبدته لأضفت شيئًا جميلًا للعالم! ولقللت ذكرًا يريد أن يريكم بشعيرات نبتت على وجهه بأنه رجل وهو لا حياء ولا دين ولا عقل ولا ضمير فيه! أظنني لو فعلتها سأجعل العالم مزهرًا أكثر -بصدق-!
عمومًا، إن اضطررت لأن أتسوق، فأنا أتحول إلى وحش فجأة على أقل تقدير، لا أستطيع أن أصف مدى كرهي وبغضي للتسوق، ربما كان التسوق لذاته يتناقض معي، أو أرجح أن ما أرى أثناء التسوق هو ما يغضبني ويجعلني نارًا تستعر. أنا أشكر بعمق كل من يتحملني وأنا أتسوق، وأعتذر عن مزاجي الفظيع أثناءه.
قالت لي أختي اليوم وهي غاضبة: كفي عن التحديق في هاتفك وأريحي عينيكِ وأعطي التسوق حقه واختاري! قلت لها: حقًا أعتذر، لكنكِ تعلمين كم أن مزاجي سيء في لحظات التسوق وأود أن أتناسى وأمضي الوقت في شيء يفيدني ويبرد لظى فؤادي قليلًا! هي لا تعلم أنني قبل كل رحلة تسوق -بغيضة- أتأكد أن شحن هاتفي ١٠٠٪ وأنه يحوي كتابًا  إلكترونيًا جديدًا مثيرًا يجعلني أستمتع وأبرد فؤادي بعيدًا عن كمية الغضب والضيق والكرب التي تسكنني!
حسنًا، فلأحاول الآن كف ثرثرتي في وصف مشاعري ولأخبركم قليلًا لماذا أكرهه ولا أطيق قربه . 
- السوق في نظري دار مضيعة الوقت والميوعة والتبرج وكل ما يمكن وصفه بكلمة "الفساد"، أعرف أنني يجب أن أتغاضى عن هذا كله وأركز فيما أحتاج، لكن حقًا لا أستطيع كبت الغضب الذي يعتريني! كشعوري حين رأيت اليوم ذاك المشهد؛ رجل ملتحٍ تبدو عليه آثار الالتزام ويبدو مرتبًا أنيقًا يفهم معنى الدين، لكنه يمشي مع امرأة قد لا أبالغ حين أقول أن الدين براء منها في مشيتها وملبسها وفوق رأسها شيء أظنه عش طير، ووجهها أصفه بأنه -حزنت لأجلها لأنها ربما كانت ضحية- تلطيخ بالأصباغ! والرجل يحادثها ويضحك! حين كنت أحكي لأمي قالت أخواتي لي أنكِ لا تعرفين حاله ربما هو يرشدها ولكنها لا تطيعه! قلت لها ليس عذرًا ولا أستطيع التماس أي عذر واحد له، إن لم تطعه فلمَ يخرج معها؟! هل ضروري أن يبدو ملتزمًا بالشرع ثم يفعله ما فعل؟! حقيقةً في تلك اللحظة لم أتمنَّ أن أعلمه ولا أرشده ولا أصرخ عليه، بل تمنيت أن أقص -ببساطة- لحيته ليبدو خارج إطار الدين ثم ليفعل ما يشاء!
أكره أن أدخل السوق لأقضي ساعات طوال أتجول فيه حتى تنفد طاقتي، فلنأخذ ما نحتاج ونرحل بسلام آمنين!







أسبابي الأخرى في التدوينات القادمات في الأيام القادمة بإذن الله، آمل أن تحبوا شكل مدونتي الجديد بعيدًا عن الرتابة ولإراحة العيون بالنجديد ^^ 

الاثنين، 2 يونيو 2014

عذرًا فلسطين، أنا حبي صامِت .

صمتت كلماتي . دائمًا ما تخونني الكلمات حين آتي لذكر فلسطين، ففلسطين منذ بدأت أتنفس بالكتابة إلى لحظتي هذه هي تلازمني أكثر من روحي ولكنني كلما ومهما حاولت لا أستطيع أن أكتب عنها! لا أعرف كيف وأين وماذا ولماذا، كل ما أعرفه أنها أجلُّ من الكلمات. وكما يقال: "الصمت في حرم الجمال جمال!"
قبل يومين شاهدت مرياءً (مقطع "فيديو") لطفلة حكت عني وألجمتني لجامًا قاسيًا، لم تلجم كلماتي فقط بل استبدتني وألجمت دموعي ومشاعري وكل أحزاني وهمومي وأصمتتها عن الكلام. ربما تحدث عن بعض ما كان يعتريني القشعريرة التي انتشرت في جسدي انتشار النار في الهشيم، كانت قشعريرة جعلتني أخشى على نفسي أن أسقط بعدها مريضة لأيام كعادتي حين يعتريني شيء يشبهها. تركت المقطع بعد انتهائه وقمت منتفضة، لم يكن شيء ليرد لي روحي كما تردها الصلاة. توضأت، لا أدري وضوئي ذاك أكان غسلًا للذنوب والخطايا أم غسيلًا لبرد روحي المرتجفة في أوضاع العالم، المشتاقة ليوم فتح الناصبة نفسها لأجله! خرجت متوضئة لأتذكر أن أختي كانت قد سألتني عما اعتراني ولم أستطع أن أتحدث فقط أعطيتها المقطع لتشاهده، وبعد أن خرجت كان المقطع قد وصل للجزئية التي أحالتني إلى أشلاء! شهقت شهقة رميت على إثرها نفسي في أقرب كنبة، أدركت حينها أن تلك القشعريرة السيئة بدأت تعود لتجتاحني بقسوة. لملمت روحي بسجدة سألت الله فيها كثيرًا كما يعلم كم أنصب لخدمة أمة نبيه؛ أن يفتح علينا وأن ينصر الحق ولو بعد حين.


ملحوظة: لمدونتي الفخر كل الفخر أن تكون التدوينة رقم 100 هي عن فلسطين، أعتذر لفلسطين مجددًا عن صمتي .

ربما يتبع إن أتيح لي كلام!

السبت، 24 مايو 2014

ذَكَاءُ أنثَىٰ وفِطنَةُ ذَكَر 1

دخل جميع الأطفال صف الروضة في رياض الأطفال، بينما أبت الطفلة مزنة التي بلغت عامها الرابع دخول ذاك المكان قط، كانت آنذاك ضحية رواية شتات مرض وهجرة وكانت تخشى الفقد مجددًا. مضى عام ووافقت على مضض دخول الصف التمهيدي؛ كانت تحب المدرسة والروضة ومعلمتها التي ترجو لقاءها حتى اليوم، ولكن شيئًا كان يمزقها إربًا ويبكيها حتى التعب؛ ذلك الفتى المسمى (قصي) الذي كان يجيد القراءة بمهارة وهو لم يكمل عامه الخامس، كان نجم المدرسة آنذاك، لم تكن لتهتم أنه نجم المدرسة بقدر ما كانت تذوب غيظًا حين تعايرها أخواتها الكبار بأنها طفلة حمقاء لا تستطيع أن تجاري قصي في قراءته، كانت تبكي بشدة وتترجاهن أن يعلمنها كيف تقرأ لتصبح مثل قصي، كن يقلن لها أنها في العام المقبل حين تدخل الصف الأول سوف تتقن القراءة وعليها ألا تستعجل، ولكن في الوقت ذاته كن يقتلنها غيظًا بقصي! لا أعرف لو كان قصي حيًا أو ميتًا، ولا أعرف أين هو أو كيف حاله ولا أعرف أي شيء عنه، لكنني آمل أن يكون يبذل جهدًا عظيمًا للأمة، وأقول له شكرًا لأنني تعلمت القراءة بسرعة وعشقتها بسببه!
بعيدًا عن بعض أجزاء طفولتي البائسة، سأقول شيئًا أرجو أن يكون ذا صدى وأثر، فالكيل قد طفح ولا أجد من سامع يسمع إلا ثلة قليلة من الشباب، وليتنا نحس منهم من أحد أو نسمع لهم ركزًا!
سؤال لطالما طرح وتسوئل في كل مكان وزمان؛
 "لماذا البنات أشطر من الأولاد؟!"
لا أكتب هنا لأعتدي على الذكور أو أستنقصهم، ولكن شيئًا في خاطري أريد بوحه، ورسالة في باطني يجب أن تصل!
على مر سنين حياتي لم أحد جوابًا شافيًا لهذا السؤال، ربما قال أحدهم أن الذكور يملكون الحرية أكثر من الإناث، إذن فهم يستطيعون الخروج من البيت وفعل ما يحلو لهم متى ما أرادوا، أما الإناث فهن شبه مقيدات لا يستطعن الخروج إلا مع أهاليهن وعليهن حدود كثيرة؛ ولذلك هن مضطرات للمذاكرة لأن جلسة البيت تفرض عليهن ذلك! -كما يقولون-، ولكنني لا أرى ذلك أبدًا! الأنثى وإن كانت أقل حرية في الخروج إلا أنها ولو جلست في بيتها ليست مجبرة أن تذاكر! هناك ملايين الأشياء التي يمكنها قضاء وقتها فيها -وأنا أشهد!-، إذن فالقضية ليست قضية خروج أو جلوس في المنزل. قال آخرون أن الذكر بطبعه متهور أكثر من الأنثى وطائش؛ لذلك فهو لا يحب اتباع أوامر المذاكرة ويحب التمرد والخروج عن قانون أنه يجب أن يذاكر، وأنا أقول أن الإناث أيضًا كذلك! إذن لا فارق هنا. قال بعضهم أن الأنثى بطبيعتها هادئة والذكر مشاغب؛ لذلك هي تفضل الانزواء والمذاكرة، أما الذكر فيفضل إظهار تمرده، وأنا أقول أن هذا أيضًا سواء، ففي بنات زمننا قلما تجد طالبة مدرسية هادئة تحب المذاكرة لهدوئها، وإنما تجد الطيش يغلب عليهن -ومنهن أنا-. قال بعضهم: أن الإناث يدللن في المدارس أكثر من الذكور، وأن المدرسات يعطين كل ما عندهن عكس المدرس الذي قد يكون جافًا مع الطلاب، وأقول أيضًا أن هذا ليس معيارًا، فكثيرًا ما أرى من مدرسين يعطون ويبذلون ويساعدون ويحتوون طلابهم أكثر من المدرسات بكثير، وكثيرًا ما يكون عناد الطلاب وتمردهم سبب لحرمان مدارسهم كثيرًا من الأشياء عنهم. قال بعضهم بأن غريزة الأنثى العاطفية وطبيعتها الغيورة هي التي تدفعها للمذاكرة أكثر من الذكور حين ترى زميلاتها متفوقات تشعر أنها يجب أن تكون مثلهن، ربما يكون هذا سببًا ممكنًا ولكنه ليس إجابة، بإمكان الذكر أن يذاكر وينافس أكثر من الأنثى إن صمم. قال آخرون أن الشاب يجب عليه أن يهتم بدراسته كي يحصل على وظيفة مرموقة تسنده في حياته، والأنثى لا تهتم بالوظيفة بقدر الذكر لأن الذكر قوام عليها سواءً أعملت أم لا، ويقال أن الذكر حين يرى أن الوظائف متوفرة سواءً أجتهد أم لا؛ يتكاسل عن المذاكرة. وهنا أعتذر عن كلامي، ولكنني أرى حقيقةً أن عذره أقبح من ذنبه! تجادل كثيرون وأدلى كل واحد بدراساته بعضهم يقول أثبتت الدراسات أن عقل المرأة أذكى من الرجل وقال آخرون أن عقل الرجل أذكى من المرأة بدراسات جامعات ومختبرات، أنا أقول أن كل ذلك هراء! لا الرجل أذكى ولا المرأة أذكى، إن الله فطر عقل الإنسان على الذكاء، صحيح أن الله ميز عقول الذكور بشيء والإناث بشيء، ولكن لن أجد لأي واحد منهما عذرًا لتقاعسه، كما قال الشاعر:
إن الذي يرتجي شيئاً بهمّتهِ
 يلقاهُ لو حاربَتْهُ الانسُ والجن
فلا السبب ذكاء ولا دهاء، السبب همة!

عذرًا لأنني سوف أشرع الآن في مقالي بإثارة قليل من الاستفزاز تجاه الذكور، لا أفعل ذلك استنقاصًا لقيمة ذكورة أو فخرًا بأنوثة لأنني أنثى! بل أفعل ذلك لغم ما لاقيت من وضع مخز هم عليه. أعلم جيدًا أنني قد أجد أنثى واحدة أفسد على الأمة من ألف ألف رجل، ولكن أمتنا تحتاج إصلاحًا عامًا، وأمتنا تحتاج -أمس الحاجة- رجالًا!
تساءل دكتور كبير في إحدى الجامعات بعجب: كيف تكون الإناث ذوات معدلات أعلى من الذكور؟! الإناث غالبًا ملتزمات بأعمال منزلية يساعدن فيها أمهاتهن ما بين طبخ وتنظيف ورعاية للصغار، أما الذكور فبمَ يكلفهم أباؤهم حتى لا يقتدروا على المذاكرة جيدًا؟! الأنثى قد تقضي يومها تساعد أمها في أعمال البيت وتسهر للمذاكرة وتنام متأخرة وتصحو مبكرة، طبعًا في زمننا الحالي نرى كثيرًا من الإناث مدللات بخادمات وليس عليهن الاهتمام حتى بأبسط شيء يخصهن، لكنني بالتأكيد لا أعمم، أقول عن المتعارف عليه العام. فمثلًا أمي -حفظها الله وآجرها- تقوم بكل أعمال البيت تقريبًا في منتصف الأسبوع، لأن المنزل يكون خاوٍ من أختيّ الجامعيتين، وأعود أنا مرهقة أحتاج راحة وأحتاج مذاكرة وأحتاج أشياء أخرى، فمن رحمتها قلما تدعونا لمساعدتها في عمل من أعمال المنزل، ولكن في عطل الأسبوع، غالبًا ما لا تكون أمي في المنزل وتنشغل أخواتي بمذاكرتهن وأقوم أنا بأعمال المنزل، فمع انشغالي بأعمال المنزل معظم اليوم أجد فترة بسيطة لا أعرف كيف أوزعها ما بين راحة ومذاكرة واهتمام بنفسي، أتساءل هنا: ماذا للذكور من أعذار حتى يهملوا دراستهم؟
أرى دائمًا وخاصة في فترات الاختبارات أن أمهات الذكور يحملن هم أولادهن ويترجينهم بأن يذاكروا ولا مجيب، بل تقول النساء دائمًا أن أمهات الذكور في فترات الاختبارات كأنهن هن اللاتي يخضن الاختبارات لا أبناؤهن! وحتى أنهن يتكبدن كثيرًا من العناء لمطاردة أولادهن والمذاكرة لهم وهم يتهربون بلامبالاة! بينما تقول أمهات الفتيات أنهن لا يقلقن أبدًا حتى لو خرجن أينما أردن في أيام اختبارات بناتهن لأنهن يعلمن أنهن أكثر عقلًا وأعلم بمصلحتهن وأعمل لها!
سأتحدث عن نفسي وابن أخي الذي هو في نفس سني، لا أنكر أن اهتماماتنا تختلف كثيرًا وأنه يتفوق علي كثيرًا في أشياء، ولكن على طول سنوات دراستنا لم يتفوق هو يومًا علي دراسيًا، أقول لكم أنه بحق يملك ذكاءً خارقًا لا يضاهيه أي ذكاء، ولو استغله لسحقني بتميزه، ولكنه لا يملك الدافع أو الهمة للتفوق رغم تشجيعي له أحيانًا، وأقسم بربه أنني لو تحديته أو استفززته بعبارة متعمدةً كي يخرج طاقاته، يبهرني بعظيم ذكائه وعبقريته وقدرته! الموضوع ليس موضوع ذكاء هنا، القضية قضية تسخير طاقات وهمة!
ويقول الدكتور سيف الهادي في محاضرة أقامها بجامعة السلطان قابوس أن النساء غالبًا بعقولهن تراهن "مكتبات متنقلة"! وإن أردت أن تبني أمة فابنِ امرأة وهي تتكفل بالباقي!
لا أقول هنا أن النساء أذكى ولذلك هن أكثر علمًا، بل أقول أن الرجال أحيانًا أقل حرصًا على العلم من النساء! وأجدر بالرجل أن يستحي أن تكون امرأة تهزمه في علم وعقل! أؤمن اعتقادًا جازمًا أن المرأة هي بانية الأمم، لأنها كما يقال نصف المجتمع وهي التي تبني نصفه الآخر، ولكنها حين تبني هذا النصف الآخر تحتاج استجابةً منه ورغبةً في بناء الأمة، أمتنا لن تبنى بالنساء وحدهن! وكما يقال غالبًا أن الفتاة في سن محدد تجد تفكيرها وعلمها أرقى بكثير من فتى بنفس السن؛ لذلك هي تلجأ للزواج برجل يكبرها بسنين ليتساوى مستوى تفكيرهما، أعيد وأكرر أن القضية ليست قضية عقل امرأة، بس قضية همة وعمل! لسان مقالي هنا: "عيب أيها الرجل أن تسمح لامرأة بأن تعلو همتها على همتك، ويعلو علمها على علمك، عيب أن تكون أكثر حريةً منها وتكون هي بتفوقها أكثر حرية منك! عيب أن تهدم أمة تبنيها امرأة!"
" ذو الهمة إن حُطَّ، فنفسه تأبى إلا عُلُوّاً، كالشعلة ِ من النار يُصَوِّبُها صاحبها، وتأبى إلا ارتفاعا" -ابن قتيبة
في ختام موضوعي، أكرر وأعيد أن القضية ليست قضية ذكاء، القضية قضية همة وعمل، متى ما علت همة الفتى لم يمسكه شيء، وإذا علت همة الحمار أصبح عالمًا! أعتذر في نهاية مقالي على الإطالة واستفزاز الذكور، لم يكن ذلك إلا حرصًا على استنهاض شبابنا، نحن بأمس الحاجة إلى رجال يقودون الأمة لا إلى زيادة ذكور! وأقول للنساء ألا يغتررن بما هن فيه، حقيقة أجد كثيرًا من الفتيات اللاتي قد يكن أسوأ من الذكور بكثير! عمومًا أدعو الشباب من ذكور وإناث للاهتمام بأمر أمتهم، فلا التكسع في شوارعنا كل يوم ينفعنا ولا هوس مستحضرات التجميل، أرجو أن تقدموا شيئًا تستطيعون الإجابة به حين يسألكم الله على رؤوس الخلائق ماذا أعددتم لأمتكم، الشام تبكي وفلسطين لم يتخثر جرحها، والإسلام ينادي والعروبة بح صوتها، أجيبوا داعي الله فيهم!
تحية إجلال وتوقير لكل شاب اهتم بأمته وعلمه وفكره؛  دمت منارةً وفخرًا لأمتنا، وعسى تكون من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله!


(ربما يتبع!) 

الأربعاء، 21 مايو 2014

رحلَةٌ، بينَ عُرُوبَة وَثَقَافَة!

أمضيت سنينَ أظن أنها كافية جدًا لأكتشف؛ من أين تبدأ الرحلات؟ لم أكتشف الإجابة بعد. أعتقد أن السفر دائمًا ينتهي قبل أن يبدأ، ونفترق دائمًا قبل أن نلتقي. الله يريد أن يثبت لنا أن الحياة مهما أهدتنا وابل سعادات فهي ستمضي سريعًا وتؤول إلى الهلاك، السعادة الحقيقية سعادة الجنة وفقط!
ربما بدأت رحلتي من سؤال أمي المستمر قبل أيام هل أعددت حقيبتي للسفر أم لا، وأنا بكل برود أرد عليها أن الوقت ممدود وسأعدها في اليوم نفسه، وربما بدأت حين تفاجأت بالأستاذة في سلم المدرسة وأنا مستعجلة لأنني متأخرة عن حصة الفيزياء فبشرتني بفوز، وما جعلها الله إلا بشرى لي وليطمئن قلبي به، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، أم بدأت حين بدأت بجر حقيبتي وحدي في المطار، أم في اللحظة التي استأمنتني تلك المرأة على ابنتها الصغيرة، أنا حقًا لا أعرف لأن كل شيء كان سريعًا!
قبلات أختي قبل خروجي للمطار، دعوات رفيقاتي وتشجيعاتهن التي ما فتئت تحفني، وسؤال أمي وحرصها رغم بعدها عني بحكم الظروف، كل ذلك كان يشعرني بحجم الأمانة التي كنت أجرها مع حقيبتي في المطار حين أقلني أخي ودعا لي بالسلامة، كنت أشعر أنني كبرت فجأة وأصبحت مسؤولة تمامًا عن نفسي، حيث لا أحد إلا أنا ووفد من بلدي سنمثل عمان بأكملها أمام العرب، كان وفدًا لا أعرفه بعد، كنا مجرد غرباء سمعنا أننا سنترافق في السفر، يمكنني أن أقول أنني كنت وحدي تمامًا، لأنني حين وصلت كنت أودع من أعرف بهاتفي ولم يحدثني أحد، كنت مجرد غريبة جالسة بجانب الوفد العماني في زاوية من زوايا أحد كراسي المطار القليلة التي يقف كثير من الناس متعبين لا يستطيعون الجلوس لقلة الكراسي. كنا واقفين ننتظر التذاكر، وكل صغيرة تودع أبويها، لا أعرف حقًا ما الذي دفع أمًا حريصة على ابنتها الصغيرة تبدو أنها مدللتها على توصيتي أنا بالذات على ابنتها بعد مباشرتها بسؤالي هل أنا مشاركة أم مشرفة وجوابي أني مشاركة، وكيف كانت تقول لي أنها تستأمنني على ابنتها أكثر من المشرفة، وأنها أختي الصغرى وأكثر من أختي، وأنني سأكون التي أدبر لها شؤونها وأصفف لها شعرها وأعتني بها. أتوقع أن الله ساق إلي حينها القدر الذي أحالني إلى أم فجأة! خاصة وأن بنات إخوتي الصغيرات أهتم أحيانًا وأقوم بشؤونهن، ولكنهن -بدلعهن- لا يرضين أن يصفف أي أحد شعرهن سوى أمهاتهن. رضيت بفرح وبشرت الأم خيرًا بعد وصاياها على ابنتها، ولكن القلق كان يصارعني، لم أكن متأكدة أنني أستطيع حقًا الاعتناء بالطفلة التي في داخلي التي يعدونها ناضجة، فكيف بتحمل مسؤولية طفلة لم تكمل التاسعة، ابتلعت قلقي وبدأت أمثل دور الأم الحريصة، عمومًا؛ أعتقد أنني أبليت بلاءً حسنًا جدًا! أسعدني شكر أمها اليوم بعد عودتنا من السفر واستلام ابنتها!
كان السفر إرهاقًا، كل ما فيه مر بسرعة إلا التعب الذي كان لذيذًا نوعًا ما، رمى كل أحد بنفسه واستسلم إلى سريره بعد هلاك السفر، إلا أنا التي لم أكن أود النوم فعلًا! كنت أشعر أن هناك شيء أهم من النوم! أرغمت نفسي ونمت بعد أن اطمأن أخي علي وعلى سلامة وصولي.
في اليوم الذي نعده الأول، افتتحنا الصبح بعقد علاقة جديدة مع الوفد الأردني، كانت الفتيات وديات يحببن الثقافة والتعارف، ارتحت إليهن لأول وهلة وسلمت لهن الأمان للاقتراب. استمر يومنا بزيارات هي أقرب لمضيعة الوقت من الفائدة أو الاستمتاع، فار دمي بسبب امرأة مسؤولة يعلو صوتها في مكان عام وتبدأ بالصراخ على أحد الوفود لسبب سخيف لا يذكر، وتمنع ذلك الوفد من التحرك إلا تحت سطوتها وحسبما تقول، وتهددهم بل وتعاقبهم! لا أدري بأي عقل استطاعت أن تظن نفسها راعية غنم، بأي عقل استطاعت أن تصدق ذلك؟! هي مسؤولة عنهم ولكنها تظل لا حق لها أن تتحكم فيهم لدرجة غبية وتفضحنا أمام الأمة! ربما استطعت أن ألتمس لها بعض الأعذار أنها وليدة رضعت الخضوع وهي نتيجة تربية حكام عرب! سكب على فؤادي بعض الماء البارد في وسط غليله قميص ذاك الشاب، كان الشاب فلسطينيًا مع الوفد الفلسطيني يرتدي قميصًا أتمناه منذ مدة وأسعى بكل الطرق للحصول عليه ولم أزل لم أتوصل إلى شيء! قميصه صنع في القدس ورسمت عليه خريطة فلسطين وكتب عليها (الأرض النا)، بعد طول نَوح قلت للفتاة التي بدأت تصبح صديقتي من وفدنا أن الشاب لو سمع نواحي وعلم مدى رغبتي العارمة المجنونة في قميصه لوهبني إياه! عمومًا مر الجزء الأول من اليوم بسرعة رغم أن الغباء كان يعتريه وكنت أضرب كفًا بكف غمًا؛ لكنني كنت أحاول الاستمتاع بكل شيء، ما دمت ملزمًا فاستمتع! كنت أحاور وأسعد مع من بدأن يصبحن صديقاتي وطفلاتي، ثم ما إن خمد الجميع تعبًا واتخذوني سريرًا ومرتع راحة، تذكرت أختي ودعوت لها كثيرًا، ربما عرفت معنى أن تبقى صاحيًا بينما جميعهم في سبات يتخذون حضنك مخدة ووسادة؛ لتكون الأمان وسط النصب أو تكون حنانًا وسط وحشية! دعوت لها كثيرًا حبيبة القلب، كنت نادمة لأنني لم أصطحب كتابًا معي، فبدأت بقراءة كتاب إلكتروني بهاتفي، حين استيقظ النائمون، كنت أبتسم حين كانوا يقولون: حتى في الرحلة تقرئين! يا لثقافتك! كنت أتساءل هل أنا حقًا مثقفة؟ وهل يستغني امرؤ عن طعامه أو شرابه لأنه في رحلة؟ أم يقتات منها للضرورة ويستمتع بها في رحلته! مضى اليوم إلى أن وصلت بعد المغرب جزئية مرحة لعبنا فيها في المدينة الثلجية، هنا لا أعرف حقًا لماذا كنت ألزم نفسي بالاستمتاع وتأبى! حتى أن إحداهن سألتني عما يعتريني فقلت لها لا شيء، هو حقًا لا شيء ولكن لا أعرف ما الذي دفعني لتكبد عناء عظيم حتى أستمتع! هل يعقل أن نفسي كانت تعاقبني بإضراب عن السعادة لأنني لم أسمع صوت أمي ليومين؟! حقًا لا أعرف. المهم أن تكبد العناء أفاد قليلًا واستطعت الاستمتاع. هناك كان الاعتناء بالصغيرتين صعبًا، خاصةً بعد أن اختفيتا فجأة فذعرنا وبدأنا نبحث عنهما بجنون في كل مكان ولا نجدهما، وبينما أنا في شتاتي وهمي العثور عليهما إذ بي أقع بقوة على حافة صخرة جليدية في جو متجمد، قمت متجاهلة كل ما بي كي أعثر عليهما! كنت أعلم أنني أتألم ولكنني لم أتوقع أن الأمر بالسوء الذي كان عليه، فحين وصلت الفندق واستبينت رأيت أن ركبتي تحولت إلى ورم عجيب بألوان الطيف كلها وعروقي حتى تظهر واضحة، ظللت في الأيام التالية أثير رعب صحبتي بتهديدات لمن تقترب أو تمس ركبتي لأنها تؤلمني كفاية، تعلمت هناك كم أنني مسكينة مثيرة للشفقة، سقطة بسيطة آلمتني وبت عندها ضعيفة إلى هذا الحد، بل وأهدد من تلمسني هناك! يا لضعفي ويا لفقري! ويا لبؤسي حين أتشاكى من كدمة بسيطة وأنسى أو أتناسى -بمعنى أصح- أهل المشافي والمصائب، وأشفق على نفسي حين ينعدم الضمير فيّ فأنسى وأضرب من أصيب بابتلاء في أحد أعضائه بلا أدنى هم ثم أتذكر لاحقًا وأعتذر بحماقة!
كان صباح اليوم الثاني مميزًا، فأنا التي أتمنى التقرب إلى الوفد الفلسطيني أكثر وأبحث عن فرصة لذلك وأدعو الله، الله أرسل لي الفلسطينيات حتى مكاني وأنا أفطر ليجلسن برغبتهن معي، تحادثنا قليلًا، أدركت حجم جهادهم وهم يصفون لنا طريقهم إلينا بعد سؤالي، وكيف احتجزهم الصهاينة عند الحدود وأخروهم، ثم ترد امرأة من وفدنا: "حكم القوي!"، انشطرت في داخلي إلى ملايين القطع، وتجاهلت الغصة التي خنقتني قائلة: "الأرض لنا وتعود غدًا بإذن الله، صبرًا فنحن سنكون الأقوياء"، لا أدري لمَ حينها أنزل الجميع رأسه وكأنها كانت لحظات حداد على ما قلت، ألثقل الأمر وصعوبته أم لبعده؟ تسارع انتهاء فطوري بإعدادي للأولى من وفدنا للتصفيات على مستوى الوطن العربي وامتصاص توترها، كنت أثق أنها لن تخيب ظن عمان خاصة بعد أن كنت أدربها على الحوار حتى وقت متأخر من الليلة السابقة بعد أن نام جميعهم وأمرونا بالنوم حتى نصحو مبكرًا ونتعب في اليوم الثاني، لكنني لم أكن مهتمة بالنوم، أظن أن فلسطين وأمتي كلها تحتاجني أكثر مما يحتاجني النوم! اتجهنا بعدما لبست جميع الفتيات من الوفد العماني الزي العماني ما عداي، كن يبدين أنيقات وجميلات ورغب كل الناس بالتقاط صورة معهن وأعجبوا بزيهن، كنت سعيدة بهن، كنت أرتدي أنا زي مدرستنا الساتر ووشاح يحمل علم عمان ويمثلنا وقيل لي أن أقف في وسط البنات كي يعرف زيهن أنه تابع لعمان، لم أكن داخليًا أرغب تمامًا بارتداء الأعلام، إنه لفخر لدولتي عمان أن تمثلها بناتها في محفل دولي، ولكن قصص الأعلام أحيانًا لا تبين مجرد وطنية وفخر، بل تسبب لي أحيانًا بعض الألم وأنا أرى كل عربي يتغنى بدولته وفقط! ليت للأمة أغنية يرددها كل طفل وكهل! وعلمًا يرسم على الجباه يهابه كل من يراه لعزة وقوة هذه الأمة! بعيدًا عن أحلامي ارتديت وشاحي وأعلامي. مشهد سعيد أن نرى الأعلام كلها يجمعن لسان الضاد عليها، كنت أتذكر الموقف قبل عامين، حين كنت الأولى على عمان، وتأهلت لأمثل عمان أمام الوطن العربي، لا أعرف  كيف كانت عقليتي تحثني على أن أفوز على مستوى الوطن العربي كي يقال أني فزت! لحظة إعلان النتائج كنا نترقب، وإذ بالمركز الأول تحصل عليه فلسطينية، عندما اعتلت المسرح علمتني معنى الفوز، قالت: "أنا لم أجتهد وآتي إلى هنا وأبذل ما بوسعي للمركز الأول بذاته، بل فعلت كل ذلك لحاجة، لكي يتاح لي قول هذه الكلمة أمامكم جميعًا! فقط جئت أقول: أن فلسطين ليست قضيتنا وحدنا، فلسطين قضيتكم جميعًا! فلسطين تحتاج إليكم فلا تخذلوها!"، كان كلامها في محفل دولي أشبه بخيط حياة! علمت حينها أن خسارتي لم تكن إلا ضرًا، أأفوز لنفسي وكي يقال أنا؟! عدت بذاكرتي إلى الوقت الحاضر، أشلاء أوطاننا يحتفون بها، لم أعجب من شيء كما عجبت لهذا الشيء، وفد من وفود إحدى الدول العربية لم يكن يبدو عليه أي مظهر لعروبة أو دين! كنت أعتب في بعض الوفود أن الفتيات اللاتي لسن صغيرات لا يرتدين الحجاب، ولكن تعجبت من ذلك أكثر! لم تكن الفتيات وحدهن غير محجبات، بل مشرفتهن وقائدتهن كانت ترتدي ما أستحي لبسه حتى أمام محارمي! كنت أعجب كيف يقرأ أولئك الناس؟ بل ماذا يقرؤون؟ لذا لم يكن الجمع كله يبدو مثاليًا للعروبة والإسلام، لم يكن كل الحضور مصطفَون لطاعة الله أو لحمل اسم العروبة! أعتقد حقًا أن الفكر الإسلامي الواعي الراقي اصطفاء من الله وحده، حتى هؤلاء الذين اختيروا من بين المئات لم يكونوا على اصطفاء! عدت بفكري إلى أرض قاعة الحفل، تم تكريمنا وسعدت جدًا وأنا أرى شباب بلدي من فريق (عمان أمانة) لهم حضور قوي في حفل دولي كهذا، أسعدني وجودهم وجهدهم أيما سعادة، في شباب بلدي خير! وصل التكريم إلى إعلان العشرة الأوائل على مستوى الإمارات، ثم وصلوا سريعًا لتكريم الأولى ومدحوها حتى تشوقت لرؤية فتاة بتلك الأوصاف وتخيلتها فتاة تبني أمة، أعترف أن ظني خاب قليلًا حين رأيت مظهرها. في تلك اللحظات كنت أحدث ربي في داخلي، أقول لو أنني كنت الأولى على عمان وتأهلت لأمثلها أمام العرب لربما فزت، كانت الفتاتان العمانيتان لا تعابان، ولكن لم تكن أسئلة التقييم النهائية مراعية لسنهن، كنت أقول في داخلي أيا رب! لو كنت أنا لأجبت عنها! أنا لا أهتم الآن بالمركز بقدر ما أهتم بأن يتاح لي قول كلمة أمام كل هؤلاء! كان ربي يعلم ما في داخلي وما أود قوله كما يفعل دائمًا، ولكن أنى يكون لي ذلك؟! قطعت خيالي داعية الله أن يكون الأول على العرب أهلًا له! كان الثالث جزائريًا والثانية أردنية، والأول كان مصريًا، من عجائب فعل الله ولطفه بي أن كان الأول مستحقًا للأول، وقال الرسالة التي أود إيصالها بالذات! لفتني قبل أن يتحدث أنه لم يكن يرتدي أي علم لبلده، أعطي ناقل الصوت فقال: "أنا لم آتِ إلى هنا لأمثل بلدي فحسب، أنا هنا لأمثل العرب والمسلمين، كل واحد هنا يعتز ويفخر بدولته، ولكن ألن يكون أجمل إذا افتخر كل منا بعروبته وإسلامه وعزته؟! لن تنهض أمة ما دامت حدود دولية تفرقنا، لن تنهض إلا لو كنا مسلمين عرب فقط! لو كانت قضية أحدنا قضية أمتنا! لن تنهض أمتنا إلا بالعلم والعودة لحضارتنا. فلسطين تنتظر تحريرها بعودتكم لدينكم ولغتكم وحضارتكم، لا تتأخروا عليها!"، عجز قلبي إلا عن الحمد والشكر كثيرًا، كان مستحقًا للمركز وعلم الله ما في نفسي فأنطقه ليقولها! حمدت الله كثيرًا؛ انطلقنا لنلتقط صورًا ثم نتوجه لنأكل الغداء جميعًا، كان لي حديث لطيف مع اللاتي أستطيع أن أقول أنهن أصبحن رفيقاتي من الوفد الأردني، انتهى الحديث سريعًا لنتوجه للحافلات وأواصل قراءة كتابي الذي ناقشتهم لتوي عنه، كانوا يستمرون بالتعجب مني ومن حب القراءة فيّ، كنت أبتسم وأكمل، ألم يعوا بعد أن القراءة لإنسان مثلي كالرضاعة لإنسان في شهره الأول؟! تغدينا ورافقت الصغيرات للعب، وبعدها قررنا أن نتمرد ونخرج عن سيطرة المسؤولة، في أحيان كثيرة نحتاج أن نتمرد ونخرج عن قانون بعض من يحكمنا لكي نعيش بسعادة وسلام! توجهنا إلى السوق وبعده إلى مركز تجاري آخر، كان التعب يلفني بقوة وأصارعه، لم تكن السعادة يومًا لمرتاح يلا حدود! طوال الرحلة وأنا أكرر لهم أني أشتاق لوالديّ جدًا، ولكن حين وصلت للمركز التجاري الذي أتيح لي فيه التواصل مع امي، أدركت كم كنت حقًا أشتاق إليها بقوة! استمتعت قدر استطاعتي هناك ثم عدنا إلى الفندق لليلة الأخيرة، في الحافلة لم أستطع القراءة، كنت أتحدث مع الصغيرة المصرية التي كانت تجلس بجانبنا، ثم انتقلت للحديث مع مشرفها، كنا نتحدث في اللهجة المصرية وثقافتها وارتباطنا بهم. وصلنا وقد كنت أعزم قبلها على أن نمضي الليلة الأخيرة في سهرة مع الوفود الأخرى، رغم تعبنا لم أكترث، النوم متاح في أي وقت لكن لقاءهم لا يتم إلا الليلة! أشفقت على رفيقاتي التي رمت كل واحدة منهن بنفسها فور وصولنا، كان إرهاقًا تامًا! استسلمت للنوم.
بعد فجر يوم السفر، استيقظت متأخرة لأراهم جميعًا مستعدين للخروج للمطار، لا أدري كيف وماذا، جهزت سريعًا، نزلنا إلى الاستقبال لنرى الوفود الأخرى أيضًا مستعدة، قابلت بعض رفيقاتي الأردنيات ورأيت البقية في الكراسي كأنهم شهداء معركة! تبينت لاحقًا أنهم عادوا في وقت متأخر جدًا من الليل ولم يناموا الليل أبدًا! عرفت حينها أن الانقياد للقائد رغم ميله عن الصواب ليس شجاعة، وأن التمرد أحيانًا كثيرة حكمة! وتبينت أننا استمتعنا جدًا بينما تعذبوا هم، ازدحمت لحظات الوداع ووعود التواصل وتبادل الأرقام والحسابات، سرنا إلى المطار وافترقت جثثنا. 
في المطار طال وقوفنا وانتظارنا، حتى جلست أصغرنا طفلتانا شذى (٨ سنوات) ومريم (٩ سنوات) على أرض المطار غير مباليات بمن حولهن من التعب! جلستا تلعبان وتعبثان وتتشوقان للعبة التي اشترتها مريم وكانت تحملها في يدها، قالت لي رفيقتي انظري إليهن كيف جلسن! قلت لها أنهن يعجبنني! أحب في الصغار بساطة قلوبهم وصنع سعاداتهم بأنفسهم غير مكترثين بما حولهم أو بالتعب. سهوًا من مريم وكعادة متاعب السفر، اكتشفنا لاحقًا أنها نسيت حقيبتها الصغيرة التي تحمل فيها هاتفها الذي أودعته أمها عندها كي تتواصل معها ومالها وحاجاتها، فغضبت المشرفة عليها أيما غضب وبدأت بالصراخ في وسط الناس واللوم والنزاع والشتم، بينما لو تعاملت بهدوء لكان خيرًا لها! غضبت أنا على تعاملها مع الصغيرة، أستطيع أن أقسم أنني لو كنت في مكان تلك الطفلة ربما لبكيت رعبًا! كنت أقول في داخلي: هذه متاعب السفر وخاصةً إن كان في السفر أطفال، إن كنتِ لا تستطيعين التحمل فجلوسك في بيتك في عمان خير لك! لا نحتاج لمن يلعب علينا دور المتحكم الغاضب الذي يصرخ ويلوم ويلعن! يحتاج بعض المسؤولين أن يراجعوا أنفسهم لأنهم مسؤولون! أوشكت الرحلة على الانتهاء. لم يسعدني في الرحلة مع رفيقاتي ومقابلة العرب كما أسعدني شيء واحد، كنا في الرحلة على ثلاث مذاهب: أباضية وسنة وشيعة، واختلفنا في أشياء لكننا كنا قلبًا واحدًا، كان ما يهم حقًا هو إسلامنا! أقرب رفيقات السفر إلي وأكبرهن سنًا بعدي كانت شيعية، كنا نتناقش في قضايا الإسلام والأمة غير مكترثين بمذهبي أو مذهبها، ربي وربها واحد، معتقدنا واحد، إذن ماذا يضيرنا فيمَ نختلف من مسائل بسيطة؟! إن لم نكف عن التعصب الديني والمذهبي والتركيز على نقاط الاختلاف فلن ننهض!

كانت رحلتنا رحلة رائعة لفوزنا بمراكز متقدمة على مستوى سلطنة عمان في مسابقة قطار المعرفة القرائية الدولية، وكان هذا محاولة تقليد لأدب الرحلات، أرجو ألا تكون كتاباتي إساءةً في حق الأدب!






شاهد برنامج القارئ الصغير - القارئة: مزنة بنت مبارك الراشدية  YouTube -: http://youtu.be/WT8MOH2d6fA

الخميس، 15 مايو 2014

أكره السياسة .

“أوقن أنّي أكره السياسة، وأكره الأخبار، وأكره الحدود والدول ..
لكني لا أحتمل صرخة طفل، من حقه أن يبني قصرًا على شاطئ دون أن يلتفت فيجد جثث ذويه متناثرة خلفه، بفعل قذيفة من موت!” - هديل الحضيف

أنا في الحقيقة لا أكره السياسة لأنها مسألة متعلقة بكل إنسان، فكيف إذا كان مسلمًا؟! كل مسلم مسؤول أن يقوم بإيصال صوته وإبداء رأيه في كل أمر يتعلق بدولته أو حاكمه، وعلى كل مسلم أن يكون سياسيًا، لكن إن كانت السياسة بمفهومنا الحالي الضيق؟ أنا أكره السياسة!
لم تعد السياسة حديثًا عامًا، بل كممت أفواه العامة باللجم وأصبح مأوى المتحدث بالسياسة وراء الشمس، ومن يتجرأ ليتحدث عن السياسة فهو غالبًا سيتحول إلى مريض نفسي أو إلى أصم أبكم كعامة الشعب، لا شيء يجدي، فالسياسيون يختلفون فيما لو أن الأرض تدور حول نفسها أو أن نفسها هي التي تدور حولها! هل من سبيل للإصلاح؟ اعتقدت كل فرقة رأيها وكفرت الرأي الآخر وسفكت واستباحت باسم السياسة، تبًا للسياسة!
لا أود أن أخوض كثيرًا في هذا الحديث، ولكن أعجب من منهج دراسي منمق بالكلام المثالي والواقع ليس مثاليًا كما أحسبه! غضبت اليوم وبدأت بمناقشة أستاذتي بحدة فيما ذكرت وذكروا في المنهج الدراسي، انتهت الحصة وانقضت الفسحة وبدأت الحصة التي تليها وأنا لا زلت غاضبة، وكلما مر أحد أسكتني وقال هي سياسة لا تتحدثي فيها! كنت مستعدة أن أبقى على نقاشي مهما طال الزمن، ولكن يبدو أن أستاذتي تعبت وانسحبت، انضمت إلينا في وسط النقاش ابنة أختي التي تصغرني بأربعة أعوام تقريبًا، وبينما كانت الأستاذة تهدئني وتسكتني، قالت لي ابنة أختي: ما فائدة حديثك وهي تسكتك؟ قلت لها: أظنك تعرفينني جيدًا، حين يتعلق الأمر بحق، يسكت العالم ويملون ولا تسكت مزنة! ثم حين قلت لأمي ما يجول بخاطري قالت لا تخوضي في السياسة أبدًا، إياكِ ثم إياكِ ثم إياكِ!   

أنا لا أهتم بما يقولون، ولكنني إنسان لي حق الحديث لذا أحب السياسة؛ ولا أخفيكم أنني أحب الإنسان الجهور  بالحق وإن كانت أمورًا سياسية، تعجبني إحدى الكاتبات العمانيات في حديثها عن كل الشؤون ولو كانت سياسية وتدخل في التفاصيل بلا اهتمام بما سيأتيها، أتخذها أحيانًا كثيرة قدوة عائشة! وفي الوقت نفسه أكره السياسة! لأنهم مرة استوقفوا أبي ومرات استوقفوا أخي وكادوا يسجنونهما بسبب أنهم ظنوا أنهما يشبهان أحد السياسيين المعروفين! وأنا أكره الخوض فيها فقط لأن أبي منعني عن الخوض فيها فأنا طواعية لأمره.

لا أقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل، وعسى الله يبدل حالنا للحسنى.


يعجبني حديث مصطفى صادق الرافعي في السياسة، وخاصة في مقال (أمراء للبيع)، أرجو أن تصل الرسالة! ولا شيء أحبه كقصيدة (التأشيرة) للشاعر هشام الجخ!

الأربعاء، 14 مايو 2014

*آمل أنني أصبحت حقًا "مَا أُبَالِي عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحْتُ عَلَى مَا أُحِبُّ أَوْ عَلَى مَا أَكْرَهُ؛ وَذَلِكَ لأَنِّي لا أَدْرِي الْخَيْرَ فِيمَا أُحِبُّ أَوْ فِيمَا أَكْرَهُ"*، وآمل أكثر ألا أكون أزكي نفسي وأفاخر بها. هي أصغر من ذلك، اللهم اغفر لي ما لا يعلمون واجعلني أحسن مما يظنون. بالأمس في تكريم المتفوقين كنت في أتم السعادة حتى حين لم يكن اسمي بين الثلاثة الأوائل في الصف، أنا أعلم يقينًا أنني أولى عند الله وأن الذين نالوا المراكز الأولى ذوي أقنعة مزيفة تفرح بهتافات الناس لا تعلم ناتج ١+١ إلا أن تسأل أو تختلس النظر، الحمدلله رب العالمين، أأكون أولى عند الله وأحزن لأنهم لم يهتفوا لي؟! يكفيني أن الله عليم، ومعظم بل كل الناس يشهدون أنني التي أستحق الأولى. لم تعد تغريني بهرجات هتافاتهم الزائفة، أعترف أنني كنت أحزن وأضيق في المرات الماضية حين كانوا ينالون ما ينالون بهتانًا وظلمًا مع استحقاقي لمراكزهم، ولكن عقلت وألهمني الله أن لا يهم حقًا من أنا في الأرض، ما يهم حقًا هو من أنا في السماء أو عند الله! كنت سعيدة أنهم على أقل تقدير اعترفوا أنني طالبة مثالية وتم تكريمي بناءً على ذلك، سعادتي كانت مبنية على أنني -رغم أنها مخالفة للزي المدرسي- كنت أرتدي عباءتي لأنه كان يوم رحلة، فبينما كان الجميع في سفور كنت أرتدي عباءة أحاول أن أبدو فيها أنيقة بحشمة وسط سفور الثياب أيام الرحلات، وحين وصلنا إلى وجهتنا ارتديت بنطالًا وقميصًا أنيقًا بحشمة في وسط مناسب، ثم حين خرجنا أعدت ارتداء عباءتي، لن أنسى النظرة التي أعطتني إياها مديرة المدرسة عند تسليمي الجائزة، ولكن عنادي ربما كان في محله عكس عناد بقية الفتيات السافر! الحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

*خلاف نشب شرارة شيطان وتحول في غضون ثوان إلى حريق ضخم، بينما لو نفخ أحدهم نفخة باردة باستعاذة لانطفأ كل شيء وعم السلام! امرأتان رأت كل واحدة منهما أنها مظلومة من قبل الأخرى وأنها جرحتها وظلمتها وأنكرت جهدها ولم ترعَ كل العلاقات التي بينهما وحولتا يومهما إلى كآبة ودموع وجروح، وتقول كل واحدة أن الموقف لم يكن ببساطته بل في القلب ما هو أكبر من ذلك وهذا التصرف البسيط هو علامة حقد أو أكثر! حاولت الدخول والإصلاح ولكن حين رأيت إصرار كليهما على رأيها ولعب دور الضحية وكل واحدة منهما توكل أمرها لله أن ينتقم من الأخرى أو يسامحها، هنا أخرجت نفسي خارج الستار وانسحبت، فكرت كيف شبت النيران المضطرمة، بيد أن لو أحسنت كل واحدة الظن في الأخرى وقالت في نفسها أنها لم تقصد إلا خيرًا لما حصل إلا الخير ولأتيحت فرصة ثانية للخير الذي أسيء التفاهم فيه! صدقت يا لطيف: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}!

*حين رأيت أنني أصبحت أبصر أشياء كثيرة فيّ بضباب، قررت أن أستعيد نفسي وأرفع عينيّ عن هاتفي، كان قرار إغلاق هاتفي قرارًا مفاجئًا تفاجأت به أمي وأخواتي وابن أخي خاصةً، وهم الذين يعلمون أن لا شيء أبدًا يدعوني لإغلاق هاتفي وأنا التي توعدت ألا أغلق هاتفي أبدًا حتى في أيام اختبارات الثانوية العامة، لأن الهاتف لا علاقة له بمستواي، لو أريد حقًا سأذاكر ولو هاتفي يرن بلا صمت، ولو لم أرد المذاكرة لن أذاكر حتى لو كنت في غرفة لا شيء فيها سوى الحيطان والكتب وأنا وقليل من الهواء! قررت أن أرفع عينيّ لا لشيء إلا أن أستعيد توازني، كان القرار مشتركًا باقتراح رفيقتي التي لا يكتمل يوم إحدانا دون الحديث مع الأخرى وحكايات المدرسة وإلا فقد اليوم طعمه! قررت أن أرفع عينيّ لمدة ثلاثة أيام ابتداءً من البارحة حتى الغد، أعترف أنني أفتقد هاتفي ولكنني سعيدة وبدأت أستعيد نفسي حقًا!**

*أي نعمة تضاهي نعمة أبناء إخوتي في المدرسة خصوصًا؟! سواءً الخريجَين اللذان يكبرانني بعام، أو ابن أخي الذي في صفي، أو من يصغرونني جميعًا. أرتاح أيما راحة حين أرافق أحدهم بين ممرات المدرسة، وكأنني معهم فقط أشعر بالأمان! سئمت -حتى تعودت- تعليقات ونظرات واستنكارات الأساتذة أو الطلبة أو كل من يراني معهم، أعجب كيف لا يظن أحدهم إلا ظن سوء! واجهني موقف قبل سنوات أن إحدى المدرسات أمام الناس جميعًا تفول لي أنها لم تتوقع مني كوني فتاة خلوقة أن تراني يومًا مع شاب! كنت أود الضحك والبكاء في اللحظة نفسها حين كنت أقول لها أن الشاب هو ابن أخي وأنا عمته! أسعدني أحد الأساتذة حين رآني يومًا مع ابن أختي -أكثر من يساء الظن فيه خاصة وأن قبيلته تختلف عن قبيلتنا- فقال مباشرةً: كيف يقرب لك؟ فأجبته أنه ابن أختي، فقال أنه توقع أنه من محارمي وإلا لم يكن ليظن في أخلاقي وديني سوءً بأن أكلم شابًا وأمشي معه وأمازحه وأشاكسه وهو ليس من محارمي!

*كيف تواجهون الموقف بأن تكون المعلمة المتحدثة عن آداب الحوار هي أول من يفتقدها؟! وأن تكون هي التي يفترض أن تكون قدوة في غياب القدوة الصالحة تختفي فيها كثير من معاني الإسلام؟! بل كيف يعقل أن تحاول أن تصلح فتأتي معلمة التربية الإسلامية لتغير مسار الإصلاح؟! لا أعرف حقًا كيف أشرح مفهوم الغربة! ربما سأشرحه لاحقًا!



يا رب سهل اختبار الكيمياء الذي ذاكرت له بلا فهم أو بفهم ذاتي!
ملحوظة: أضفت رابطًا في تدوينة (عقبة تعليمية أم عيب نفسي) لمن أحب الاطلاع عليه! 
_________________________
*مقولة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
** شاهدوا مقطع "ارفع عينيك- Look up!"