الخميس، 24 أبريل 2014

نُحِبُّ لنُزهِر!


حين أرسلت هذه الصورة قبل أيام إلى رفيقاتي وقلت: "إذا ما دلعنا إخواننا من بيدلعهم؟!"
ردت علي إحداهن قائلة: زوجاتهم المستقبليات! غضبت بشدة وأبيت إلا أن أكتب.
على إجماع المفكرين أن مجتمعاتنا العربية هي أكثر المجتمعات التي ينتشر فيها الجفاف العاطفي، بعكس الغرب حيث تبقى الأم تحتضن ابنها إلى أن يشيب، وأيًا كان الذي يحادثونه في الهاتف من الأقرباء فإنهم لا يغلقون السماعة حتى يقولوا كلمة: (أحبك!).
ديننا الراقي السامي العلي أكثر أساليب الحياة مثاليةً وروعة، ولو بحثنا في أعماقه سنجد أنه كامل كمالًا لا مثيل له! أتظنونه يغفل عن أسمى العواطف؟ عن شيء لا نعيش بدونه! ألا وهو الحب.
الحب مكنون سامٍ لا يعيش أي إنسان أو يهنأ دونه، حتى أن هرمون الحب في الإنسان دفع الكفار إلى اختلاق آلهة للحب لضم هذا المكنون السامي واحتواءه احتواءً يظنون أنه أمثل، لكن الله وهبنا الاحتواء الحقيقي للحب في الإسلام! كما قال الدكتور طارق الحبيب عن حب السيدة زينب بنت محمد لزوجها واحتواء الحبيب صلى الله عليه وسلم لذلك الحب قائلًا: 
"فحاربت الحب بالحب، واجهت الحب بالحب، أرادت أن تنتصر لحبها من خلال حب محمد لخديجة، ... لأنه نبي يا سادة! لا تجعلوه جلادًا فقط يأتي إلى الجنة والنار ويوجهنا إليها، بل يوجهنا إلى الحياة الراقية النبيلة التي لا تنتهي إلا بالجنة! لا نعيش لؤماء لكي نصل إلى الجنة، فنعبد ونصلي لكننا لؤماء، نكون راقين فنصلي صلاة جميلة فنصل إلى الجنة! ...كان يعلمنا الرقي يا سادة، كان يعلمنا معاني الحب الجميلة، كان يعلم الإنسان، كيف؟ لم يكن مشغولًا بنا، كان مشغولًا أن يتلذذ بذلك في نفسه فيبثه بالطيبة في الآخرين!"
الحب في الإسلام مقدس، فليفهم شبابنا رجاءً أن الإسلام لم يقيد الحب أبدًا، بل جعله راقيًا بعيدًا عن معاني البؤس والعذاب للحب، لم يقيده بين "أقفاص الزنازين الزوجية" كما يظنون، أحب من شئت، ولكن لا تعصِ، لا تخادن ولا تفحَش، أكنّٓ في نفسك الحب ودعه يتنامى حتى تبديه بالخطبة! الحب فطرة، الله عليم بحبك، لكن لا تعصه وتقول: فطرة! {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} !
يقول الدكتور طارق الحبيب في مقاله مكملًا: "...لكن الحب! (هذا قسمي فيما أملك) قالها أبوها فهي تسير عليها! ...قدر ذلك النبي الأعظم احترامًا لحبها، وقدر ابنته، لماذا؟ لأنه يقدر شيئًا معناه الحب، لأن الله سبحانه وتعالى من إعداده الإنساني كنبي وضع له أفخم النساء في طريقه، فعاش الحب. ...ما كان ينتقد الحب، أسألك في أي لحظة من لحظات التاريخ، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتقد الحب، لكنه كان يوجهه إلى الطريق الصحيح، بل في حياته: (هذا قسمي فيما أملك)، كان يعترف أن الحب لا سلطان له، لكن هناك توجيه له ولا يقع في الحرام، هذه اللمسة الأساسية!"
***
فلنفترض أن أباك يذهب إلى العمل ويرجع منهكًا متعبًا، ينام، يستيقظ ليذهب إلى الدكان بعد أن استلم مرتبه اليوم ليملأ بيت جارتكم طعامًا وأغراضًا يستخدمونها وأخرى لا يحتاجون إليها، ويخرجهم ليستمتعوا، ويذركم أنتم جوعى عطشى تتكففون الناس ليعطوكم لقمة عيش، هل يبدو ذلك عقلانيًا؟! وهل أبوك هنا فاعل خير وصواب؟ مأجور بإذن الله، لكن أليس أهل بيته أولى بإنفاقه من جاره؟!
هكذا نحن نقلب الموازين -إلا من رحم ربي-، نجد في مجتمعنا الفتاة تحب صديقتها حبًا جمًا وتكرر عليها كل يوم أنها تحبها، وفي أسوأ الأحوال نجدها تحب خليلها أو "حبيبها" بالحرام ولا تقدّر معنى الحب الحقيقي، بينما حب أمها لها كان في الكتاب مسطورًا، تقول: هي تعلم أني أحبها، لا داعٍ لأن أخبرها! أبوها لم يحتضنها منذ أن أكملت عامها الأول، إخوتها لا يطيقون فراقها ولكنهم "لأنهم إخوة" لا يتجرؤون أن يقولوا لها نحبك، ثقافة مجتمعنا فرضت علينا أن الإخوة لا حب بينهم إلا بالسوء، فقليل ما سمعت عن أخت تقول لأختها: أحبك وتحتضنها وتحتويها، وإن سمعت عن إنجاز ضحكت وقالت: هذه النتفة يطلع منها؟! وَيكأنّ ثقافتنا صارت: (إن أحببت شقيقك فاملأه شجارًا ولا تحنُ عليه ولا تبكِ لشأنه إلا إذا مات!)، من بالله فرض علينا هذا القانون البائس؟ كيف نرجو من فتاة تحتاج الحب أكثر من حاجتها للطعام والشراب، ثم نغلق عليها الأبواب ويوسعها إخوتها مزاحًا مجردًا ثم لا نرجو منها أن تحب صديقتها أكثر منهم وتميل إليها، من بربكم جعل الحب محصورًا للزوجين، فما إن تذكر فلانة كلمة (حبيبي) حتى يشتعل فكر الناس من ظن السوء، ألا يعقل أن يكون هذا الحبيب أبًا أو أخًا أو عمًا أو خالًا أو ابن أخ أو أخت؟! ألا ننظر إلى أسمى معاني الحب والرحمة في النبي الذي أرسل رحمة للعالمين، إذ يقبل أطفاله ويشم ريحهم ويلثمهم، فقال له أعرابي: أتقبلهما يا رسول الله؟ إن لي عشرة فما قبلت أحدًا منهم. فرد عليه ناصر الحب: "أوأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة!"، أيا مجتمعي، أوأملك لكم أن نزع الله من قلوبكم الرحمة؟! إخفاء الحب وعدم إبدائه وتشجيعه كفر به وطمس لرقيه، {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}!
قرأت قبل أيام مقالًا لا أعرف كاتبه كتبه بلهجة عامية، يحكي قصة صديقين عند شاطئ البحر، يرن هاتف أحدهما فيرد وإذ بالمتصل به أنثى، يقول لها: "أينك حرمتِنا طلتك طلة القمر، ننتظرك بفارغ الصبر لتنهي اختباراتك، صحوتِ من النوم حبيبتي؟" ويسألها عن بعض شؤونها، ثم يقول: "طيب الغالية، تعشيتِ حبيبتي؟"، فأجابت بالنفي، فقال لها: "سأحضر لك عشاءً من المطعم الذي تحبين، دقائق وأكون عندك"، فضحك صديقه وكان يسأله عن هذه الحبيبة وأين تسكن كي يوصل لها الطعام، ففاجأه بالرد أن غرفته تجاور غرفتها وأنها أخته، فصعق صديقه وقال: كيف ولماذا؟ قال أنه يجب عليه أن يحب ويحتوي أخته بدلًا من أن تلجأ للبحث عن هذا الحب خارجًا! إيه لو كان فكر مجتمعنا يصل لهذا الحب الحقيقي الذي نحتاجه بعمق! لو أن الأسرة تهب بعضها حبًا وتظهره واضحًا، لو أن الأم ترضع طفلها حبًا لا حليبًا! لو أنها تلثمه وتقبله حتى بعد أن يتزوج وينجب ويشيب، أعرف رجلًا كان يغار من ابنته حين تحتضنها وتقبلها أمه، فيأخذ ابنته من حضن أمه ويحتضن هو أمه، يقول أن ابنته لديها أم تحتضنها، أما هو فله كل الحق بحضن أمه! ولو أن الفتاة تتزوج وتنجب لكنها لا تزال لا تجد حضنًا كحضن أبيها. صديقتي فتاة ناضجة لا تزال تنتظر أباها حين يعود من عمله عند باب المنزل وحين يدخل تزاحم إخوتها الصغار على حضنه، ولا تجد بديلًا عن حضنه أبدًا!
أعود للقصة الأولى، حين أعددت الشاي الذي يعشقه أخي ورتبت له الكعك بشكل جميل وقدمته له، فردت علي صديقتي أن زوجته ستدلعه وتعد له ما يحب! أخي ليس متزوجًا الآن، أينتظر زوجته التي لا نعلم متى يقدر الله وصولها إليه ليشعر بالحب والاهتمام؟ أم أنه يحتاجه طيلة حياته مهما كان! ردت علي أخرى: اعملي لي مثلما عملتِ له، يبدو مثاليًا! قلت لها مازحة: لم يقدر الله أن تكوني أختي وإلا لدللتك مثلما أدلل إخوتي كل يوم! الحمدلله رب العالمين الذي وهب لي علاقة لا مثيل لها مع إخوتي الذكور والإناث، فكلما أشعر بفجوة أعد لهم ما يحبون وأصنع سعادتهم وأدللهم، وأنادي أمي وأخواتي بألفاظ عاطفية، حتى أن صديقاتي يتعجبن حين يسمعن حديثي وأختي بشدة لدرجة الاستنكار!
ومن العيوب التي يشيب لها الرأس وهي واقعة في مجتمعنا بشكل كبير جدًا حتى أن أمي تقع فيها أحيانًا لأنها لم تعد تتعلق برأي أو تعصب شخصي، بل بفكر مجتمع! حين ينادي أحد إنسانًا بلفظ عاطفي قريب إلى القلب فمعناه أنه يريد مصلحة لنفسه من ذلك الشخص! والمصيبة أن المنادى ليس وحده من يظن ظن السوء، بل أن المنادي نفسه يعرض نفسه لئلا يقول هذه الألفاظ إلا حين يحتاج شيئًا لمصلحة!!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " (رواه مسلم) ، السلام ليس سلامًا بالحديث فقط، السلام بث السعادة والحب، السلام أن تسعى لتنمي الحب بينك وبين الناس، السلام هو الحياة في الدنيا في جنة الحب ثم الوصول لجنة الآخرة بالحب! عن أنس بن مالك قال : مر رجل بالنبي صلى الله عليه و سلم و عنده ناس، فقال رجل ممن عنده: إني لأحب هذا لله، فقال النبي صلى الله عليه و سلم "أعلمته؟" قال: لا، قال:" قم إليه فأعلمه" فقام إليه فأعلمه، فقال: أحبّك الذي أحببتني له ثم قال، ثم رجع فسأله النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بما قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم:"أنت مع من أحببت، و لك ما احتسبت" (رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي)، وعن المقدام بن معدى كرب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه" (رواه أحمد و غيره).
فلتبادر أنت أولًا ولا تخجل، أخبر كل من تحب أنك تحبهم، اصنع لإخوتك كل حين ما يحبون ودللهم باللفظ والفعل، لا تخف حين يبدو الأمر غريبًا في البداية ويستنكرون فعلتك، اضحك وقل لهم حقًا أحبكم! لكن صنع لإخوتك ما يحبون وتدليلهم لا يعني أن تضحي فوق طاقتك، الأمر أيسر مما تظن إن أخلصت لله وسعيت حقًا، تعال بعد فترة وأخبرني بما تشعر. وافصل رأسي عن جسدي إن لم تذق سعادة حقيقية بانتشار الحب فيكم!
عمومًا، الحب يحتاج أن يظهر فينا لنرقى ونعود للإسلام حقًا ونزدهر! و{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}، حتى أطيب الكلام إنفاق في سبيل الله يبث السعادة، وكما قيل: الأقربون أولى بالمعروف!






ملحوظة: مرفق مع التدوينة مقاطع مرئية، لمن قرأ التدوينة من الهاتف ولم تظهر معه المقاطع وأحب الاطلاع عليهما فليفتح التدوينة من الحاسوب ويشاهدها ^^

الاثنين، 14 أبريل 2014

عَقَبةٌ تَعليميّة أم عَيب نَفسيّ؟


قد قيل يومًا أن أهم ما تواجهه في دراستك أن تحب المعلم، فإذا أحببته أحببت مادته، وإذا بغضته بغضت مادته، لطالما آمنت بهذه المقولة. لم أكن ذات شغف بالرياضيات طيلة سنوات عمري، لأن معلمة الروضة وكل من علمني بعدها لم يجدوا جوابًا لسؤالي البسيط: (لمَ ندرس الرياضيات؟)، حتى أن موجه المادة الذي جاء يومًا إلى صفنا قبل سنوات وحاول إصلاح علاقتنا بالرياضيات وترميم الحب، حين سألته هذا السؤال ضحك محرجًا وقال: أنا حقًا لا أعرف! وحين كبرت علمني أستاذ فاضل كرهت ذكر الرياضيات بسببه وأصبحت عقدة حياتي! إذ أنني كنت مبتلاة بابتلاء عظيم وأحتاج إلى كلمة طيبة -على الأقل- فكان لا يبالي ويراني أكثر الناس إهمالًا وكسلًا وكان يستفزني بشتى الطرق ويكرر على أسماعنا دومًا بأننا كسالى فشلة لن نفهم الرياضيات يومًا،   وحين تقترب الاختبارات النهائية أستنجد بأختي -مدرسة الرياضيات التي بكيت مرة عندها وقلت لها ألا تدرسيني بدلًا من وحش الرياضيات- فتأتيني وتفجع بأن أختها الصغرى حقًا لا تفقه أبسط شيء مما تدرسه طول العام! بل ولديها عقدة كبرى ولا تستطيع التفاهم أو الاقتراب من الرياضيات! فكانت النتيجة مفزعة وكارثية أن كانت درجتي في المادة ٩٩ وفي السنة التي بعدها انحطت انحطاطًا إلى درجة تقارب درجة الرسوب!! عمومًا، أنا أعتقد أن المدرس المؤمن لا يترك طلابه بأسئلة حائرة ويعطيهم الهدف مما يفعلون عوضًا عن أن يستفزهم بحركات لا تليق ببشر! جُبِل الإنسان على ألا يحب ولا يتقن ولا يفهم إلا ما يعرف الطائل وراءه، لمَ لا يحتوي المعلمون هذه الفطرة الإنسانية ويجعلون طلابهم عباقرة بأبسط ما يكون؟! لمَ لا يكون التعليم عملية مشتركة يكون فيها الطالب هو الركيزة الأساسية! فوالله لا فائدة من حصة يهلك فيها الأستاذ نفسه شرحًا والطلاب كل واحد منهم في عالم، وفي الاختبار يندب الأستاذ جهوده وتعبه الذي يضيع سدى، أشركنا أستاذي وسنذهلك!
 شكرًا عميقًا لأستاذ الثانوية للرياضيات الذي يكرر لنا دائمًا أن الرياضيات إنما وجدت لتعلمنا كيف نفكر وكيف نتصرف بالطريقة الصحيحة، وأنها أبسط مما نتصور إذا أحببناها، فتحولت -بفضل الله- من طالبة كانت على وشك الرسوب في الرياضيات إلى عبقرية عجيبة -رغم أن المنهج صعب ولم يسهل-، "قل لي وسوف أنسى، أرني ولعلي أتذكر، أشركني وسوف أفهم!" *أحمد الشقيري عن الحكيم الصيني كونفوشيوس

معروفة أنا منذ دخولي رياض الأطفال أنني مولعة بمادة تسمى الفنون التشكيلية، فأتحمس للحصة قبلها بأسبوع وأحضر كل أدواتي، ومن ذا يغيث أمي إذا لم نشترِ ما أحتاج لحصة الفنون من بكائي وعويلي كأنني أم ثكلى، أو ربما الثكلى لا تبكي كبكائي على شيء بسيط للفنون! درسني لسنين طوال مدرس لم يكن مسلمًا بل من أهل الكتاب، كان اهتمامه وإتقانه وإيمانه وأسلوب حياته أفضل من كثير من المسلمين، حيث كنت أتشوق بحرقة لحصة الفنية للعمل بحب عميق مع أستاذ راق في تعامله يعاتبنا عتاب الحريص حين نخطئ ولو كان خطأً لا يمس أي أحد بضر سوى إسلامنا، صدق من قال أن الفنون في مدرستنا ماتت برحيله! الآن أجدني في مرحلة كنت أتحرق لها شوقًا طيلة حياتي وكنت أغبط أختي حين كانت في مكاني أنها تدرس ٤ حصص فنون في الأسبوع. الآن أجدني لا أبغض شيئًا كما أبغض الفنون! عشق الفنون في ذاتي متأصل، ولكن صرت أتباكى وأتهرب حين أسمع أن الحصة القادمة هي الفنون! استغربت إحدى صديقاتي من موقفي العدواني تجاه هذه المادة فجأة وأنا التي كنت أزجرهن وأقول لهن استمتعن فالفنون من أقرب المواد إلى قلبي! كرهتها بسبب أن مدرسها لا يمثل الإسلام والإسلام لا يمثله! فمثلًا، رغم قلة عددنا ينادي كل طالبة باسمها وقبلها (حبيبتي)! بميزانه أننا كبناته، نحن "مثل" بناتك ولسنا بناتك ومحارمك حقًا! ونرى مشروعًا أنيقًا لطالب بذل كل جهده فيه، فنجده يأخذه ويمزقه ليعطينا نحن الخامة المستخدمة لنستخدمها! وحين نصرح له بأنها فاجعة وحرام، يقول كلا دعوني، هذه لا تليق بمعرض الفنون! ونجد في خامة أعطانا لنعمل عليها اسم طالب أحضرها ووضع اسمه لكيلا تستباح، وحين ننبهه لاسم الطالب يقول: "لا بأس سيحضر غيرها!" أعترف أنني أصبحت أمقت الفنون مقتًا لا يضاهيني أحد فيه!
لا إيمان= لا حب= لا إتقان= لا إنجاز= خسران مبين في الدارين!
قد أتحمل أي نوع من الأساتذة إلا الذين يبرأ منهم الإسلام والإيمان، كأستاذ يدع لطلابه حرية الغش وهو سعيد! وفي المقابل مدرس مؤمن متمسك بالمبادئ أعشق مادته أيما عشق وأبجله وأضعه "على رأسي"!

لن أكتفي بالأمثلة السيئة، فلقب (عبقرية النحو) لا زلت أفخر به وأسعد كل السعادة حين يذكرونه، كان من مدرسة قبل سنين أرسلها الله لتهبني حب أشياء كثيرة لم أكن ألقي لها بالًا، وربما لولا كلماتها لما كتبت يومًا أو صرت إلى ما صرت إليه، ومنهم أستاذ الأحياء الذي يعطيني أروع الأمثلة للإيمان الحقيقي والتفاؤل وتوصيل المادة بأبسط ما يمكن للطلاب وتيسير كل صعب عليهم ووهبهم حب الشيء قبل فهمه وحفظه!

الخلاصة: شكرًا لكل مدرس مؤمن، شكرًا هنا تفيد دعوة بأعالي الفردوس لأنك تستحق!

*اقتباسة للكاتب علي الطنطاوي.

*أحببت أن أرفق تدوينتين تحمل معاني فكري 
*{مدرسة بلا فسحة (رسالة إلى المعلم)}!
{البدار البدار معلمتي}
http://hanaiaaleman2.blogspot.com/2014/04/blog-post.html

السبت، 12 أبريل 2014

قِنَاع مُبَهرَج علىٰ قَريةٍ خاويةٍ عَلىٰ عُرُوشِها!

علَى ذكر القضية التي حصلت قبل أيام ولم يعقد حلها بعد، وبين متاهات الغربة القاسية التي نشعر أنها هدية عظيمة من الله ليعلمنا كيف نرجو الجنة حقًا، ولأن أختي كتبت فأثارت فيّ أشياء كثيرة فأبيت إلا أن أكتب!
بصدق؛ أن تكون الأول بلا منازع وبجدارة ليست قضية، وأن تكون الأخير بجدارة أو لأنك لم تبذل ما يكفي ليس أمرًا محزنًا، ولكن العجيب بحق بأن تكون الأخير والأول لم ينل ما نال إلا بقناع أخضر ولماع على جسده، ووالله لو سألته كم عدد الحروف العربية لقال انتظرني حتى أسأل أو أرى ممن حولي ثم أخبرك! كيف بالله تفخر بأنك الأول يا صاح؟ ألا يوجد شيء في داخلك يجعلك تشعر بالعار ولو قليلًا لأن كل تلك البهرجات والهتافات والفرح لم يكن لأجلك حقًا؟ بل لأجل شيطان كان يلعب معك إذ قال لمَ تتعب يا صاح وأنت تحتاج للراحة وبإمكانك أخذ كل ما تحتاج جاهزًا بلا قراءته حتى، فبات الناس يهتفون لأجل شيطان مارد!
إيه يا صديقي، كل يوم يزداد يقيني أن الأمور هنا ليست على وجهها الصحيح وكل الموازين هنا مقلوبة -إلا ما رحم ربك-، فأن تكون الأول بقناع ضاحك، كان حقيقة حين كنت طفلًا لكن كبرت وانحططت وصغرت في داخلك فاضطررت إلى لبس القناع الضاحك لترضي الجميع أنك بجمالك ذاته -ولو لم تكن-، أمر لا يسر حقًا! وأن تدع الأول الحق ينكوي بأساه في زاوية منسية وتضحك ملء فيك يدل على انعدام حس الضمير المؤمن أو الإنساني -بمعنى أصح- فيك! ولكن الله عدل حكم عليم، في كل يوم أتخيل المحكمة الإلهية ومدى عدلها اللانهائي، وأتخيل -إن كانت نيتي خالصة وفعلًا أستحق- تكريمي والعالمين كلهم من آدم إلى آخر مخلوق قد يدخل الجنة أو جهنم يهتفون لي ويعطونني كمًا هائلًا من الهدايا، وأنظر إلى أقنعة المراكز الأولى وأضحك باستهزاء، أقول لنفسي ستتذكرون غدًا يوم التكريم الحقيقي حين ستسقط الأقنعة، وسيعلمون غدًا من الكذاب الأشر!



السبت، 5 أبريل 2014

كَفىٰ بِالمَوت وَاعظًا!

"كفى بالموت واعظًا"
استيقظت صباح اليوم على صوت أمي تقول: أحسن الله عزاءكم، أرنبتكم الثانية في ذمة الله"
لا أعلم ما مر في بالي تلك اللحظة، لربما ربطته ببعض أحلامي هذه الليلة، لكن الموت يأبى إلا أن يغرس فيّ عظة عظمى! عدد الموتى من أهلنا وصل إلى 10 في غضون 5 أيام!
قالوا لي أن أدفنها أنا، فرحت لأنها ستكون أكبر موعظة لي خاصةً وأنني لم أجرب في حياتي الدخول إلى مقبرة للتذكير عوضًا عن دفن إنسان! حملتها، أخذت المعول وتوجهت لأدفنها، تذكرت الكائنات التي اعتدت الاعتناء بها في صغري ولم يطل عمرها حتى ماتت من فرط إهمالي وشدة معاملتي -لكوني طفلة-؛ فبكيت عليها بعد أن ماتت بكاء الثكلى، تذكرت أننا قبل شهرين كنا نحتفل بزواج أختي فوق قبور المساكين ولم نتذكر حتى أي شيء يخصهم، لا أحد يستطيع أن يثبت لي  حين يموت الإنسان أن الناس لا ينسونه ويبقى وحيدًا، لا أنكر أن ذوي الأثر يطول حزننا عليهم، ولكن لا يلازمنا حقًا، هذه سنة الله!


لفقتها بفوطتها البيضاء التي كنا نجففها بها بالأمس بعد مرحها تحت المطر، كانت رجلها ممدودة مشدودة، حاولت ثنيها كي أدفنها بشكل لائق فلم أستطع، كانت صلبة وهي في شدها لا تنحني، تساءلت كيف كان ألم سكرات الموت الذي عانته أرنبتي الصغيرة؟ لم أخف عليها ولا على ألمها، هي سترتاح وتكون أجمل بإذن الله بعد موتها، خفت وبكيت على نفسي المسكينة التي تذنب كل يوم بلا أدنى تفكير وتنسى سكرات الموت التي ربما تمحو كل أثر جميل في حياتها! كنت أصور كل لحظة في مراسم الدفن، كنت أكبر الله وأصفع نفسي داخليًا مرارًا وتكرارًا وأقول لها أرجوكِ اصحي واتعظي! تذكرت البارحة حين كان أبناء أخي سعيدين بالأرنبة يتسابقون لإطعامها وتتعالى ضحكاتهم حين تتحرك وتجري، ومر على ذهني أيضًا حين أمرتني أختي برقيتها فنسيت ونمت، ففارقت الحياة. تمر علينا أشرطة الذكريات بعد رحيلهم تترى ونرجو الله أن يعوضنا بأطنان فرح تنسينا كل أفراح الدنيا في الجنة!


الخميس، 3 أبريل 2014

خَوَاطِر مِن زَحمَة الحَيَاة

*شيء ما دفعني غداء الأمس لمقاومة تلك النزعة المزنية التي كنت بسببها -حين كنت طفلة- أتذمر إن اختيرت لي قطعة لحم تختلط بعظم، فكان أبي وأمي -أيدهما ربي وجزاهما خير الجزاء وأطال في عمريهما- يوزعان اللحم الصافي لي ولأخواتي، ويأخذان القطع الي تختلط بالعظم لكي لا نتأذى منها! اعتقدت أنه ربما حان الوقت لنعيد بعض ما كانا يسعداننا به.
{رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا}


*بعد ثلاث وفيات من أهلنا قبل البارحة في الحين نفسه، وفي النفسية المنحطة في فترة الاختبارات*، يرسل الله لنا أشياء تقول لنا {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} ، مشيت مرافقة ابنة أختي التي تصغرني بسنين ثلاث، فيأتيني أذاهم الذي لا يجوز لمسلم التفوه به، ولا يليق بي! لا أتأذى من حديثهم بقدر ما أتألم وأخشى أن يكفروا بسببه! رغم أن الحديث كان مبهمًا ولم تفهم ابنة أختي إلا أنها حين رأت وجهي صرخت في وجه التي قالت ما قالت تقول لها: لا أرضى على خالتي، وكيف تتجرئين أن تقولي هذا عنها؟
ابتسمت عميقًا وعلمت أننا حين نتعب إخبارهم بأن يكفوا هذا الأذى بالذات لأنه وإن حسبوه هينًا فهو عند الله عظيم فنسكت، يظهر الحق ويزهق الباطل ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون!


*أن يترافق أخوان شقيقان كل صباح في الحافلة فيدخل أحدهما فيمر صامتًا ويدخل الآخر فيقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيء مبهج، قد يكون فتى لا يمت لي بأي صلة ولكنه يهديني سعادة الدنيا بسلامه الصباحي بلا أن يشعر، يبعثني للتفكر كل صباح في عظمة هذا الشيء الذي يجمع البشر من عرب وعجم على قلب واحد، واستشعار "سلام عليكم" تبعث شيئًا عميقًا في داخلي، وكأن المليار مسلم يدعون لي بالسعادة والسلام، إلى أمة الإسلام: أرجوكم لا تكفوا عن هذه الكلمات البسيطة التي يأمرنا بها ديننا وهي تنشر السعادة والسلام!


*بغض النظر عن الاستشعار العميق للموت في هذه الأيام بعد أن كثر موت الفجأة، وبغض النظر عن غنية رحمة الله عليها التي رحلت إلى ربها قبل أسبوع، رحل ثلاثة من أهلنا قبل البارحة، ورحل اثنان اليوم، ورحلت أيضًا أرنبة أختي الصغرى، 6 عزاءات في 3 أيام شيء كثير لا ينبغي أن يمر بلا أثر عميق لا يمحوه غبار الحياة، سأدعني عن البشر وأتحدث عن تلك الأرنبة التي جاءت بيتنا يوم الأحد، ففرحت كأن أمي ولدت طفلة وديعة، ولم يُقَدَّر لها إلا أن تعيش يومًا في بيتنا فاختارها ربها، بقدر ما كنت أعشقها وبقدر ما أحبها ابنا أخويّ اللذان زاراني فجأة فوجداني أحفظ إحدى القصائد في حديقة منزلنا وأراقب لعب الأرانب، ربما بقدر حبي لتلك الكائنة الفاتنة اختارها الله؛ لأن الله يريد أن يعلمني أن لا أتعلق بدنيا وأن في الجنة سيكون لي أرانب أجمل من هذه بقدر ما رفض أبواي أن أمتلك واحدًا، ولربما يريد تذكيري أن قبركِ على حافة رجليك، فعيشي تفاصيل يومك للختام!









_____________
*انحطاط النفسية في الاختبارات لا للاختبارات لذاتها، فأنا أجد في أيام الاختبارات محمسًا حقيقيًا لبذل الأفضل ولا يشتتني ولا يوترني أي اختبار، ولكن انحطاطها لصعوبة أن لا تغش في مجتمع منغمس في وحل الغش سعيد، وحين تظهر النتائج تظهر نتائجهم المثالية ونتيجتك لخير من الله أقل منهم، وأصعب شيء أن ترى كل أحد يهوي بتصرفه ذاك في قعور لا يعلمها وهو يضحك! يسعدني أحد الأساتذة بعد أن أيدني وأكد لي أنني حقًا متفوقة عليهم بكل المقاييس وحياني حين فوجئ بدرجتي وأنهم تفوقوا علي، فقلت له أنها كانت سهوات مني لا أكثر، وأنني سعيدة حقًا بدرجتي ولا يهمني تفوقهم علي ما دامت درجتي حلالًا طيبًا ودرجتهم تحاج ضدهم عند الله!

الأربعاء، 2 أبريل 2014

الجَنَّةُ مَنبَع الفَرَح

قصة قصيرة أكرمني الله بالمركز الأول في مشاركتي في مسابقة القصة القصيرة بها، الحمدلله من قبل ومن بعد ^^


سلمت رأسها الذي كاد يفتك بها لحضن يدها الموضوعة على الطاولة، المقعد يحتضن جسدها النحيل، تغوص الكلمات في جوفها، يستبد بها الألم والوهن، ترتخي عضلات وجهها وتلين ملامحها، بعدما اكتشفت مرضها وبدأت رحلة العلاج، ثم اكتشفت فجأة أنها كانت ضحية خطأ طبي، هي راضية بما كتبه الله لها، لكن لمَ يحكم الأطباء على أجسادنا بأدوية قوية ونصبر على مضاعفاتها ومشاكلها، ثم نكتشف في النهاية أنه خطأ طبي! ما الذي بربنا ينقصنا وينقص أجسادنا المتهالكة التي تحاول الصمود كي تزاد بلاياها بدواء فتاك خاطئ؟! قيل لها أن لا علاج يرجى فيها الآن إلا أن يشاء الله، هي متجلدة دومًا صابرة راضية رضا لا أجد له مثيلًا! تعلم أن هذه الدنيا تعب وأنها ستكون بأتم عافيتها في الجنة، تعلم أن الابتلاء سنة ربانية وأن لولا البلاء لوردت إلى الله مفلسة، وتتيقن تمام اليقين أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وأنه كله من الله خير، هي تعلم أنها حين يهضمها الألم يجب أن تكون أقوى، أن تتجلد وتتماسك، وتقدر على العطاء مهما وهنت بها القوى.. أغمضت عينيها على أصوات الفوضى السائدة حولها، وحاولت أن تمنع نوبة البكاء داخلها على أنغام الجنة، لم تكن لتنام وجسدها يعصف بها، ولكن ربما كانت لتأخذ غفوة من أعاصير الدنيا التي فيها نار تحرق كل ما تلقى! أيقظ غفوتها حين وضع يده على كتفها وسألها: مالي أراكِ متعبة؟ همست: "لا شيء، فقط مرهقة وأحتاج راحة"، أسكت قلقه وبُعد اطمئنانه عليها ودعا لها بالقوة من الله.
هي لا تدعو لنفسها بالعافية بالقدر الذي تدعو به لأمتها والمسلمين، ولا ترجو شيئًا سوى ألّا تموت قبل أن ترى عزة الإسلام، لطالما أرقها حال أطفال الحرب، وخوف على فلسطين، وأنين على جوعى أفريقيا، وأسهرها الحنين إلى الأندلس! تعلم أن بعض الأرق يحتاج منا أن نعقد معه جلسات ونحتسي معه بعض القهوة لنذهبه، لكن شيئًا من ذلك لم يفد! لا زال الحال هو هو، والأسى هو هو، تعلم أن الله وعدنا بالنصر وأننا لا شك منتصرون، لكن جبرية المسلمين تغضبها حتى الإرهاق، أنى لهم أن يرضوا بما أقنعهم به الحاقدون أن كل ما يحدث هو قدر الله، وأن كل أمة لا بد لها من كبوة وأن أمتهم ستعود بعد حين، لا تدري ماذا بربهم دفعهم ليصدقوا هذا الهراء! ماذا قد غرس في داخلهم ألا يجاهدوا ولا يتعلموا وأن النصر آتٍ لا محالة فعموا وصموا ثم عموا وصموا! لطالما نصبت لله لتحقيق شيء لهذه الأمة، ويبقى تجسيد حلمها إلى واقع ملموس هو محور القضية وجوهرها! لا تدري كيف تهنأ بالطعام وهي تعلم أن آلاف الجياع لا يكادون يجدون رغيفًا يسد جوعتهم، كيف يداعبها الرقاد الهنيء وآلاف المشردين لا يجدون مأوى يلجؤون إليه ولا حتى سقفًا يقيهم حرارة الصيف اللافحة وبرودة الشتاء القارصة؟ كيف تفرح بالثوب الجديد وأجساد الأطفال تعبث بها الرياح العاتية وتصفعها الرمال السافية؟ كيف تضحك ملء جوارحها والدموع تغرق وجنات أم ثكلى تندب ولدها، أو أرملة مسكينة تبكي زوجها، أو طفل يتيم لا يجد من يمسح على رأسه ويكفكف دمعه؟ أو مريض يتلوى ألمًا لا يجد جرعة دواء لتسكن بعض أوجاعه؟ كيف تطيب لها الحياة وآلاف الضحايا تسلب حياتهم بكل قسوة ودناءة ووحشية؟!* وباتت حتى تستحي من أن تشتري الفستان الغالي الذي أعجبها وتملك ثمنه، وأن تأكل في مطاعم فارهة بين فينة وأخرى، وأن تمتلك أفضل الأجهزة؛ لأن الكعبة لم تُكسَ بالحرير إلا بعد أن لم يبقَ في بلاد المسلمين جائع! لطالما قيل لها أنها تهلك نفسها وتحملها ما لا تطيق، لكنها ترى أنها لا تفي حق أمتها حقًا، تريد أن تلقى الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو فخور بها أنها كانت سهمًا وقيادة للفتح الإسلامي في آخر الزمان، تريد أن تنسى أطنان الأوجاع في الفردوس برفقة كل من تود احتضانهم بعمق هناك!
تبهجها صديقتها حين تعدها أنهما ستصليان معًا في المسجد الأقصى كما تمسك بيدها اليوم إلى كل صلاة، وأنهما ستلعبان كما يلعب الأطفال هناك، وأنهما ستتذكران أيام الجهاد على أطلال الأندلس، وسترتلان معًا سورة آل عمران والأنفال ومحمد وكل ما كانتا تتذاكران فيه، وستسعدان كل السعادة حين تتلوان:{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}. :")
دائمًا ما يعطيها الله أكثر مما تتوقع وترجو وتحتسب؛ لأنها تصبر وتثق به، ولأنه كريم رحيم لطيف، يفتح لها أبواب الدنيا سراعًا وتأتيها راغمة. هي تثق أن الله يعد لها ما لا يخطر ببالها بعد هذه الحياة، هي تظن أنها تستحق شيئًا عظيمًا على كل تلك الأشياء التي تشتهيها ولكنها تتخلى عنها لله، وتلك الأيام التي تكون فيها في قمة التعب وتشهق بقوة، ثم تزفر وتكمل نصبها لله وتقول أن الراحة في الجنة، عظيم شعورها أنها ستتوج بعد كل هذا التعب في الجنة، وأن مرضها سيكون شفيعًا لها حين كانت تجاهد وتجاهد إلى أقصى حد يمكنها التماسك فيه! غدًا بإذن الله ستنسى معنى الألم.
إيه، متى يصبح حلمها حقيقة؟




__________________________________________________________________

*نص مقتبس بتصرف من كتاب (حين يرحل الغمام) لمي الحسني.