الأحد، 26 يونيو 2016

إلى صاحب العهد، رمضان القيام. ٢

إلى صاحب العهد، 
لعلك انطلقت بقوة أو لعلك تقاعست، لعلك صليت في الصف الأخير ولم تدع المارة يمرون والصفوف فارغة أو لعلك لم تتأخر عن الصف الأول في التراويح قط، لعلك نمت نهارك إلا قليلًا أو هجرت النوم، أكتب لك على أي حال. 

سأخبرك عني قليلًا عوضًا عن أن أملي عليك وصاياي كل مرة، اليوم أنا شعرت وكأنني مزيف وأنا أتنقل من صديق إلى آخر لأتأكد أنهم جميعًا قيام وقت السحر وأعمل كمسحراتي؛ أتجلى لي منافقًا لأنني بالأمس نمت عن القيام وعن الفجر وعن البكرة لأصلي والنور ملأ أركان الدنيا إلا قلبي، وأما اليوم فأظهر أمامهم الرجل الصالح القائم، هل يستويان مثلًا؟ لا تُسكِت ضميري بتذكيري أنني قضيت اليوم أحاول السعي في الخير للتكفير عن خطيئاتي، لا يجدي ذلك دائمًا ما دام قلبي منكوتًا عليه. 

أتعلم ماذا؟ أشعر أنني بدأت أحبك أكثر الليلة، حين قضينا ليلنا معًا نذكر بعضنا بآيات الله ونتلمسها في قلوبنا عمقًا، ذلك يشعرني بالحب أكثر من أي شعور آخر، أكثر حتى من سكرات الليل وضحكنا المجنون، نشوتي بك يا صديقي تتعدى أوقاتنا السعيدة وأحاديثنا الضاحكة الراقصة؛ لأننا نشاء لنشوتنا أن تتصل بالأبدية فلا ترضى لها مقامًا أدنى من الجنة. 

كم مرة قلت لنفسك على انفراد أنك تعبت وأن رمضان طال أكثر مما ينبغي؟ وكم مرة شهقت بقوة وأنت تسمع أحدهم يذكر تاريخ الليلة لتستبصر أنها {أيامًا معدودات}؟ أكان لك عجبًا أن أوحى إليك الله أن تعمل خيرًا حتى تشعر به وكأنك حزت الدنيا وما فيها؟ قلبك قلبك يا صديقي، هو العدو فاحذره! لا تدري كيف يتلصص بين جنباتك ليوقظ فيك إعجابًا وتزكية ما كانت لك بعملك المتتأتئ الذي ما إن وقف وخطا حتى وقع على وجهه. 

أسكنتني أمنيتك الصغيرة تلك حين قلت أنك تتمنى لو يقف الزمن في لحظات التراويح لئلا تنقضي ويبقى عمرك كله بتلك السكينة والأمان المكنوزين فيها. ما كان عمرك يا صديقي إلا امتدادًا لذاك الأمان الذي تجده فيها لتسعى في الأرض طالبًا السكينة فيها بتعميرها ونشر العدل في كل تفاصيلها، ولعلك تفهم جيدًا أن صلاتك تطمئنك وحدك، وعملك المنطلق منها يطمئن العالم معك. ما كانت التراويح لك إلا تلك التنهيدة التي تقف بعدها قويًا مواجهًا كل صعب بإقدام، وما كان الصيام إلا التجربة التي تعيشها كل يوم لتثبت لنفسك أنك فوق مستوى الشهوات البحتة، وأنك تعيش أسمى منها وبين عينيك كل زهرة تنبت، وكل نملة تعمر دارها، وكل طفل يبتسم، وكل شيء يصير أفضل.

رمضان يا صديقي هدنة لاستمداد القوى لعام قد يثقلك ويرهقك ويغشيك ويضعفك، رمضان انتصار منك عليك وعلى أمارتك بالسوء وعلى شيطانك ليقول عنك: "إنساني قوي كاسح!"، رمضان إيمان يشعلك عطاء لا ينطفئ، ورمضان -بعيدًا عن تنميق الكلمات المستهلكة- وقود حياتك، فأحسن في خير عشر بقين منه!




بُكرة ٢٠ رمضان ١٤٣٧ 
بعد الرسالةِ الأولى بلحظات -ربما يكن طوال نوعًا ما-.

الاثنين، 6 يونيو 2016

إلى صاحب العهد، رمضان القيام.

إلى صاحب العهد،
أتذكر رمضان الفائت حين احتضنتني عشية رمضان فابتهجنا لأننا التقينا ولأننا سنبدأ رمضاننا معًا؟ لم يكن لقاؤنا خبط عشواء، بل كان خير تدبير من الحكيم لنصير أحسن مما كان، ولينير رمضاننا! 

الآيات التي نتنادى بها، الانتظار للتفرغ من الجهاد في خدمة الناس لرشف آية، الأرق الذي لا يفارقنا لأننا لم نرتوِ من القرآن اليوم، كل ذلك جعلك أحسن صديق؛ لأنك زاحمت وقتك بالقرآن فخافت كل المشاغل أن تطغى فتؤذيها، لم تعتزل الحياة والناس لتنزوي في ركن تبدو أنك ترتل، بل أنت في وسط الناس تسعى وتعيش بالقرآن؛ لأنك فهمت أن القرآن إنما أُنزل ليقوم بالناس لا ليركنَهم في رفٍ بالٍ أو زاويةٍ منسية، فهمت أن الله إنما جعله لنتحرك به بين الناس والحياة، وفهمت أنك تحتاج أن تمص الآية مصًا لتذوق شهدها، لا أن تجعل لك جدولًا لختم القرآن مرات ومرات وأنت لا تعي منه إلا الحروف والصوت، وتحسب كمّ الأجر الذي تجنيه مع كل حرف ولا تعلم أنك بإهمالك العيش في ظلاله قد تقصم ظهرك بالوِزر. صديقي، لا تزاحم على الصف الأول في صلاةِ التراويح ما دمت الآخر في إنجازك.

دعني أكون شديدًا معك وأقول لك: إياك أن تحذر من بطلان صيامك أو من التعب بالجلوس تحت المكيف تعد وجبة الإفطار وتهتم بها، إياك أن تقوم الليل وتؤثره على عملك وتَضعف على المسؤوليات الملقاة على كاهلك نهارًا، إياك أن تلغي فكرة العمل من رأسك -لأنك صائم- وتؤجل كل شيء إلى الليل لتسهر تقضي أعمالك -إن لم تكن تضيع وقتك ليلًا-، لا أريدك أن تكون صاحبًا يقضي يومه يفكر في لحظة الإفطار ويعد عدًا تنازليًا لساعتها، ولا يقضي ليله يأكل أضعاف ما لم يأكله نهارًا، ولا صاحبًا ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، آمل أن يكون صيامك ركيزة تعيد التوازن إلى حياتك، تذكرك أنك تأكل لتعيش لا تعيش لتأكل، وتذكرك أنك مكرم فوق الاستهلاك وفوق كل الغرائز وأنك تحكمها لا تحكمك، وأن يجعلك الصيام حرًا طليقًا!

أفخر بك مستغلًا لرمضانك نائلًا العلم، قارئًا الكتب، عاملًا بملء عرق جبينك، متحركًا بالقرآن تاليًا وحافظًا ومرتلًا، تثلج صدري نافعًا للناس متعاملًا معهم بالحسنى، وترضيني وأنت خير الناس لأهلك، أحبك خليفة لله في أرضه. 



_________
قبيل إقامة صلاة التراويح الأولى. 
ليلة ١ رمضان ١٤٣٧.