الخميس، 14 مايو 2015

كلمةُ الخريجين ٢٠١٤-٢٠١٥ 🎓

حزن، فرح، أفكارٌ تتصادمُ من شدة الضغط الدراسي حتى لا أعرف ما أفعل أو أترك، صرخت بأعلى صوتي مغمضةً عينيّ عن إنهاكي: لن أحتمل أكثر! فتحت عينيّ فتفاجأت أنني هنا، في حفل تخرجي؛ أرتدي لبس التخرج وقبعته وأتوَّج بشهادتي وأمي في زاوية ما تترقب اسمي لتتفاجأ أن صغيرتها التي كانت تبكي لتبقى بقربها ولا تذهب إلى الروضة تتخرج بعد مسيرة أعوامٍ طويلةٍ حافلةٍ بتعلُم حرفٍ فكلمة فخطاب فموسوعات، هأنا هنا اليوم وكل الخريجين نقول سلامٌ عليكم أيُّها المعلمون، سلام عليكم أيها الآباء، سلام عليكن أيتها الأمهات، بذركم الذي غرستموه فينا بدأ يزهر. 

حين كنا صغارًا كنا نرى الحياةَ هي ألعابنا ورفقتنا وأهلنا، ثم اكتشفنا أنها أكثر من ذلك، هي بيت وعائلة ومعلمة،  وكلما كبرنا كبرت الحياة معنا، وحين وصلنا إلى هنا، اكتشفنا أن الحياة أكبر من ذلك كله، الحياةُ فرحٌ وحزنٌ، وكثيرٌ من جهادٍ وبذلٍ حتى نكونَ ما نريدُ، تعلمنا أن التعبَ أوجبُ من الراحة، وأن الفرحَ يخرج من بين التحدي والأهوال، وأن الإرهاقَ ملازمٌ لنا حتى ننفعَ ونثمر، وأن الجنة هي موطن الراحة ولن نبلغها إلا بالتعب.

بدأنا مسيرتنا بالروضة التي لم نكن نعرف فيها سوى الحروف والأرقام واللعب، ثم بدأنا بمرحلة العلوم البسيطة والقراءة؛ حيث كان همنا فيها حل الواجب ثم الانصراف إلى اللعب والشغب، كثيرًا ما علت أصواتنا وزُجرنا لإزعاجنا وعوقبنا لمقالبنا وأُدِّبنا لهفواتنا، وأكثر من ذلكَ ما استغفلناهم لممارسة جنوننا بعيدًا عن كل شيء، بكينا ببراءة لزجر معلمة، وسعدنا بنجمة حمراء في الدفتر، نما شغبنا معنا حتى وصلنا إلى الإعدادية يشقى المدرسون فينا، فمرةً نسعدهم بتفوقنا، ومراتٍ نشاغب حتى يصبح الوضع لا يطاق، صبروا وبذلوا وجاهدوا فينا جهادًا كبيرًا، كنا في كل تلك السنين نبكي إذا بكى أحدنا، نفرحُ لفرحِه وفوزه، نذوب قهرًا إذا ظُلمَ زميلنا، وننتفض إذا أخطأ ونأخذ بيده حتى يصبح أفضل، نقفُ كالبنيان المرصوص إذا تعرض أحدنا لمشكلة، نتشاجر كثيرًا ولكن نحتضن بعضنا بعدها بثوانٍ، نتشارك الحلو والمر، ونتنازع أحيانًا حتى على اللقمة ومال المقصف، كبرنا أكثر لنتجه إلى جديةِ الثانوية التي كثيرًا ما خالطها الشغب الراسخ فينا، ولكن الأمس القريب احتوى فينا طموحًا وبذلًا لنصل إلى أحلامنا ونتخرج بسعادة لننفع كما انتفعنا.

أقف اليوم أمامكم متحدثة باسم -عدد الخريجين- خريجًا وخريجة، أشكر معلمة الروضة التي لم ألتقِ بها منذ كان طولي ثلاثة أقدام، أشكر معلمة الابتدائية التي كانت تبذل جهدًا جبارًا لإصلاحنا وإخراجنا جيلًا متعلمًا يبني المستقبل، أشكر كل من تحمل أذانا ومشاكستنا في أحيان كثيرة لأجل رسالةٍ أعظم، لأجل أن ننتفع فننفع، أشكر من أوصلنا إلى هنا، أشكر كل من وضع طوبة في بنياني، لا أقول طوبةً بل ذرة رمل أو حتى حصى لأصل هنا، حروفي ضعيفة وواهنة أمام الشكر والوصف، والله يعلم ما يختلج في الفؤاد. 

على رأس أبائنا قبلةٌ، وفي حضنِ أمهاتِنا وطنٌ، شكرًا لأنكم دومًا أكبر الباذلين، شكرًا لأنكم أساسنا، ولولا فضل الله علينا ورحمته لكنا لا شيء دونكم، شكرًا لأبي قلقه علي وسهره لراحتي، شكرًا لأمي لتحملها كل شيء عن عاتقي لتلقيه على كاهلها وتهمس لي: لا تهتمي بشيء، فقط كوني بخير واهتمي بدراستك، شكرًا أبدًا على إمساكِ يدنا في الخطوة الأولى التي خطتها أرجلنا في المدرسة وإسكان روعة فؤادنا وبكائنا حينها، شكرًا على الخطوة الأخيرة التي سنخطوها بعيدًا عن مدرستِنا، على بذلكم ونصحكم المستمر أن ثقوا بالله وابذلوا ولن تلقوا إلا خيرًا، شكرًا جزيلًا بلغات لا يستطيع اللسان تحدثها ولا يقدر العقل على استيعابها، شكرًا بلغة الدعاء.

في الختام، نشوةٌ تستولي علينا نحن الخريجين حتى لم نفرق بين واقع وحلم، ها نحن يفصل بيننا وبين اللحظات الأخيرة بضعُ دموع وكثيرٌ من سعادة وأمل، اليوم نتخرجُ وغدًا بإذن الله تزهر بنا الدنيا وتسعد.


هناك تعليق واحد: