الأحد، 22 مارس 2015

صراع وأفكَار في "وَأعِدُّوا" ٢

ربما أكثر دعاء يتردد على لساني: "يا رب بلغني فرحة صبر وجهاد السنين لأفرح على أرض العراق وترجع لي فلسطين". لا أعرف لمَ أقول ذلك الآن ولكنّ الصخب في داخلي يتعالى حتى كاد يصمني، ولا يرى أحد في مظهري إلا السكون.

بغض النظر عن اختبار الكيمياء الذي ينتظرني في الغد، تشغلني نفسي، إني أعوذ بك يا الله أن أكون كالحكومات العربية التي تتحدث كسراب بقيعة تحسبه الشعوب الظمآنة ماءً، إني أعوذ بك يا الله أن أكون كمن يخشون ذكر كلمة سياسة* حتى لو أُكلَت رؤوسهم، وأخاف يا الله أن أكون من الذين لا يفهمون الأشياء فيتصرفون على هواهم.

في كل لحظة يا رب أسأل نفسي كم عمري؟ لا أقصد سن الثامنة عشر بل كم حقًا يُحسب من عمري؟ أعني ماذا ستذكره عندك أنني نفعت به قبل أن أموت؟ أنا غالبًا لا أجد لنفسي إجابة، فأخجل وأحاول أن أعمل أكثر.

حتامَ نظل نبتئس لسوء حالنا وننسى؟ زيف الجرائد والإعلام، رخص الدم، حِل العرض، وحرمة الحقوق، ألا يكفي أيا قومي؟ أيا شعبي؟ أيا عالم؟ أما ترون علائم النصر تبتدئ تظهر؟ قد مررنا بالبقرات العجاف، وأكلنا السنبلات اليابسات، ولكن هل زرعنا السنين دأبًا؟ وأقول دأبًا ودأبًا ودأبًا، أم نظل نقول طنينًا ولا نرى طحينًا؟

أيا رب، أنت تعلم أننا نجاهد لنزرع دأبًا وسنظل نزرع دأبًا أبدًا، فأتِنا بفجرٍ فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، آتِني قطفَ زيتون الأقصى وإعطاءه لطفلٍ صومالي جائع، أنِلني أمان مصر وشربةً هنيئة من نيلها في اليمن، أعطِني جمال المغرب عراقيًا، أكرِمني بهناءٍ عربيٍّ حرٍ عزيزٍ.


_________________________
*السياسة في تعريفها الحقيقي: 
(تنظيم أمور دنيا الناس على أحسن وأرفه وجه. وهو ما قاله الله عن رسوله: "وَيَضَعُ عَنهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم") ، وقد نرى في واقعنا ما يناقض التعريف تمامًا ويُسكَت عنه!
-من كناب (واقع السياسة في الإسلام) للكاتب صادق الشيرازي.

الصبرُ وفاطمة.

قصة قصيرة كتبت بتاريخ ٢٤ صفر ١٤٣٦، ١٧ ديسمبر ٢٠١٤ لمسابقة القصة القصيرة سريعًا وفوجئت أن الله منحني بها المركز الأول في المسابقة، ولم أتشجع لنشرها لأنني لم أرَها كما يجب.





تنهيدة عميقة تحررت وقد أوشكت روح فاطمة أن تودع جسدها كما ودعه الهواء في الزفير. بخاطري أن أقترب لأسأل؛ ما الذي جرى يا فاطمة؟ كل ما جرى هو أنها تعبت من الحياة وأوشك صبرها أن ينفد، كلا يا فطيم، "وَاصبِر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين".
لم يعهد أهل القرية فاطمة هي فاطمة، ففاطمة التي تبذل كل جهدها في مساعدة أمها في أعمال بيتهم المتواضع، فاطمة المتفوقة المتميزة، فاطمة التي قاربت على ختم القرآن حفظًا، وفاطمة التي لا تجرؤ نسمات الهواء أن تشكك أحدًا في خلقها أو استقامتها؛ لم تعد هي فاطمة الواهنة الواهية التي تقضي الليل إلا قليلًا ساهرة وتستبدل السبح الطويل في النهار بقسط من النوم. أصبحت كسولة كما يقولون ويعتبون، سأقول لك لا بأس يا فاطم؛ ربك أعلم.
أنا أعلم يا فاطم أن عائشة صديقتك المقربة التي تشاركينها في كل حسن ومر حاولت أن تحفزك لتعودي كما كنتِ وتعاتبك لأنها تريدك أفضل منها، لا تحبسي الغصات يا فاطم ولا تسكبي الدمع؛ هم لا يعلمون أن (كسلك) ليس كسلًا.
منذ زارت بيتكم تلك السيدة السمينة وبالغتِ في إكرامها؛ لم تعودي تفهمين من أنتِ ولماذا تتصرفين هكذا، قال معالج القرية أنك لا تشتكين من علة، ربما هو إرهاق سيمر كراكض تحت المطر، مر المزن والمطر والراكضون ولم يمر (الإرهاق)، أتعجبين يا فاطم من عجزك عن كل شيء؟ رحمة الله وبركاته عليكم، الضعفاء.
قالت جدتك: "عين ما صلت على النبي" كما تقول دائمًا، ضحك أبوك وأمك وإخوتك، فالجدة كما تنهاكم بغلظة أن تشتروا أي غرض يوم الثلاثاء لشؤم مصيره، فلا غرابة أن تحلل كل شيء حسب معتقداتها التي لا أساس لها، ضحكت الأسرة جميعًا وتبسمتِ وعدتِ إلى فراشك.
وكأنك فرشت للحمى المفارش والحشايا فعافتها ونامت في عظامك، أنتِ لا تعلمين لماذا وكيف تصيبك وتزورك في كل حين، لكنك تعلمين أنك تتألمين جدًا. تركتِ معلم القرية مع أقرانك، وجلستِ وحدك في غرفتك لا تملكين لنفسك نفعًا ولا ضرًا، لا تريدين مقابلة من سيذكرونك أنك كسولة وتغيرتِ إلى الأسوأ، فقط تكتفين بترتيل ما تحفظين على نفسك وتعوذينها كأنك تحمينها من كل شيء. 
جاءتك فتحية تسعى وهي تخشى تريد أن تسر إليك قولًا، قالت لك ما جعلك تلوذين بالصمت والانطواء أكثر، قالت أنها تخشى أنها تعلم ما أصابك، تعجبتِ حتى فسرت قولها بأنها أعجبت بك وغارت كما تغار النساء وربما كانت عينها أسخن مما حاولت أن تبرد، ابتسمتِ حتى خرجت ثم احتضنتك الدموع.
عولجتِ بالقرآن وبماء اغتسلت به فتحية ثم غُسلتِ به، ولكن كما يقولون: الزجاج المنكسر حتى وإن حاولت إعادة جمعه لا يجبر. فسرتِ كل ما كان يحدث في حياتك، أعدتِ تحديث نفسك مجددًا. حسنٌ جدًا يا فاطمة؛ هأنتِ الفاتنة الحافظة الفطنة!
قالت النساء أن فاطمة تمردت على عادات قريتنا فقررت أن تعاند الناس، وقالت الفتيات أن الجني الذي يسكن البيت المهجور أغرم بك فعشتما قصة حب ثم سكنك، فاطم؛ لن ترضى عن النساء ولا الفتيات حتى تذوبي في قعر جهنم، فلتصمي إن كان الصمم عما يظنون أو يفتشون في العيوب.

الجمعة، 20 مارس 2015

صراع وأفكَار في "وَأعِدُّوا"

١٩ مارس ٢٠١٥
اليوم أثير شجن ذكرى هامة، وأرسلت إحداهن صورة ورد ذابل وقالت اكتبن فيه، وكنت أحادث مرابطًا مقدسيًا، أظن أن هذه كلها دفعات من الله لي لأكتب.

٢٠ مارس ٢٠١٥
أعترف أنني أكره تأجيلي للكتابات حين أباشرها، لكن تلاطم الأشغال وسقوطها فوق رأسي بألم يؤلم، عمومًا ربما اختار الله ظروف هذا الصباح لتكون أفضل.
يجب أن نتذكر جميعًا أن السماء حين تمطر؛ لا تمطر لتفرحنا فقط، أظن أن قطرات المطر تتقاسم المهام، فجمع يحيي بذرة ميتة منسية، وقطرة تجري مجرى كاد يجف، وقطرات ترطب قبور الموتى، وأخرى تطرب بصوتها العاجزين والمرضى لينخفض أنينهم وينصتوا إلى نغماته، إن في ذلك لآية لقوم يسمعون.
بالأمس كنت أحادث مقدسيًا فألححت عليه في طلبٍ ما، ثم انتبهت لوقاحتي فاعتذرت عن إلحاحي وتعجيزي إياه، فقال لي كلمةً عابرةً لم يلقِ لها بالًا: أقل ما نستطيع فعله لكم. بدأت بلملمة ما تساقط مني دهشةً وكأنه صدمني بقوة غير متعمد وأسقط كل أغراضي، ارتبكت وأوشكت أن أعتذر مجددًا لعلي أنا التي اصطدمت به، لكنني فوجئت بنفسي اجترأت وقلت ما كان عالقًا في صدري لسنين، قلت: وأقل ما نستطيع فعله ليس لكم بل للأمة أن نعد أنفسنا لنصل إليكم فاتحين منتصرين أعزاء، في الحقيقة نحن حين ندعو للأقصى لا ندعو لكم بل ندعو لأنفسنا! أظن الرجل تفاجأ من ردي الغريب فبدأ يرقّع الموقف بدعائه بموعد لنا في الأقصى قريب، صمتُّ حينها وكل شيء فيّ لم يصمت.
يتذكر كل الناس غض البصر حين يرون سوء الصور الدموية الفلسطينية في غزة والقدس وكل شبر من فلسطين، وينكسر المهتمون بالقضية حين يرون انحدار الحال إلى الأسوأ، ويقول الناس بشفقة: مساكين، كم عانوا. يشتعل كل شيء في داخلي وأود لو أصرخ: لا أحد منهم مسكين! أنتم المساكين حين ترون كل شيء وتشفقون ثم في الحال تنسون وتنصرفون إلى دنياكم، ادعوا الله لأنفسكم بالرحمة والقوة والعمل لأجلهم، هم يقاومون وأنتم لا تفعلون.
كثير من الصبر نحتاج حين نعد أنفسنا وننتظر النصر  كأبٍ يرتقب خروج مولوده ويرجو أن تزول آلام حبيبته، "فصبر جميل، وحدها الشعوب قادرة على ولادة أوطان حرة وإن اشتد المخاض."، هكذا أسكت نفسي دائمًا. يا الله كثيرًا من الصبر والقوة.
عمومًا، المطر كله رحمة أيًا كان ما يفعل، وكذلك البشر كلهم خير أيًا كان ما يعدون به أنفسهم لنصر الأمة، إلا السيول السيئة! فكن رحمةً وخف من أن تكون زبدًا يذهب جفاءً، بل انفع الناس وامكث في الأرض وإن غاب جسدك.

الجمعة، 13 مارس 2015

ما الجديد؟

ارتجاف جسدي تحت المطر ذكرني بأشياء كثيرة، ذكرني برجفتي والجو ليس ببارد حين ماتت أمي وأنا في رحلة سياحية في أوروبا وأبي قد ألزمني إلزامًا ألا أظهر أي أسى لكي لا يعلم من لا يعلم من أهلي، ولكن الرجفة والسرحان وانحباس الدمع لم يفارقني أبدًا، وذكرني برجفتي حين موت صديقتي، وذكرني برجفتي حين أسمع ذكر فلسطين، وذكرني تمامًا بالارتعاش حين يُذكر شتات الأمة.
ما الجديد؟ لا جديد، لا جديد سوى طرح شجرة التفاح ثمرًا طعمه لا حسن فيه لأن جذورها امتدت إلى ماء المجاري، لا جديد سوى أن النحل كتب لتوّه في "تويتر" أنه يكره العسل، وصور نفسه وكتب (ملل)، والنملة ملّت عملها واستقالت، وأخبرها حامد البراشدي أن عاصفة قادمة ولم تقل لنملها لا تحطمن العاصفة أم مساكنكم، لا جديد سوى أن الأسد صدر قرار بإقالته عن قيادة الغابة لتعيين القرود. أظن أن هناك جديد؛ كادت ذبابة تأكل حوتًا فاستغاث بطائر فلم يغثه حتى مات نزفًا.
أتقبلون الأخبار القديمة؟ سأمثل دور قناة الجزيرة؛ حدثت اشتباكات يوم أمس الأول بين شجرة العنب وشجرة الرمان حيث حاولت شجرة العنب تفجير عبوة ناسفة في فروع شجرة الرمان فسبقتها الرمانة بتنفيذ عملية انتحارية لا لشيء إلا لتثبت لعالم النبات أنها الدولة العظمى، وعبّر القط من جانب آخر عن استيائه من شجرة التفاح لأنها أساءت إليهما حين قالت أنهما سبب في ذل جماعة النبات وعبر عن رأيه بقوله أنه نبات مصطفى من الجنة لا ينبغي لمخلوق أن يسيء إليه بأي حال من الأحوال. 
تذكرت أمورًا يجب تحذيركم منها، إن "فازلين" عدو فاتخذوه عدوًا؛ اكتشفت أبحاث من جماعة من (الشُقر) أنه صار كاويًا للجلد، وحذر أيضًا أحد المشائخ من المعاصي لأنها تسبب رؤية الحروف ترقص رقصة البطريق عند فتح المصحف، وحذر من جانب آخر جورج مايكل من تقبيل يد الأم لأنها تؤدي إلى ولادة ابن حرام، وشدد الورد في التحذير من لمسه وإلا تقيأ روث فيل.
اليوم صدر قرار بتكفير المصلي، وقبل قليل وصلتنا أنباء أن آلات التصوير خافت من نقل الحقيقة لئلا تُعاقب للتحدث عن السياسة ثم تُعدم بقطع الضوء عنها، لم أخبركم أن الورق البارحة اشتكى التجاعيد، والمسلمون أقاموا عهدًا بالعزم على عملية شد وجه للورق رغم إجماع الخليلي والقنوبي والصوافي على حرمتها، والقلم أيضًا فر من بلادنا ولجأ إلى روسيا لاستنجاده من البرد والجوع والخوف ولا أحد أنجده.
وقررت جامعة الدول العربية عقد قمة طارئة لمناقشة قضايا الدول ومنها هل يثبت إغلاق الزر الأول من القميص وهل الدجاجة جاءت أولًا أم البيضة والبطاطس تغسل ثم تسلق أم تسلق بلا غسيل ثم تقشر، وأهم ما قرر مناقشته في القمة الطارئة هو موضوع دفء الوسادة حين قلبها والشعور ببرودتها من عدمه.
فجأة توقف التصوير بصراخ امرأة مجنونة تقول أن روح الأمة ماتت تبعه ضحك الجمهور حتى بالوا على سراويلهم وغضب المخرج لفساد مستحضرات التجميل.
يا أيها الحر أنت حرُّ عربي، فكن حرًا عربيًا وكف عنك السخافة.

الأحد، 8 مارس 2015

تنهيدة وابتسامة، الله معك.

"حسبي الله ونعم الوكيل"؛ أذكر أنني سمعتها لأول مرة من امرأة كويتية فزِعَة في لعبة في ملاهي -مدينة ألعاب- في إحدى الدول حين كنا مسافرين وكان عمري لم يتعدَّ الرابعة أو الخامسة، كنت حينها -بفهمي القاصر- أحسب أن هذه تقال فقط من امرأة فزعة تخشى أن تموت، كبرت أنا وعلمت أن الحياة هي ما قالت تلك المرأة.
كم اجتاحني الأسى، كم احتلني المرض، وكم هزمني اليأس، وما وجدت الله يومًا إلا كتفًا أستند عليه حين آسى، ويد تمسح على شعري وتدلك جسدي حين يضعفني المرض، ووجدته كتفًا أبكي عليه فأغدو ضاحكة مستبشرة، وكفًا تتشبث بي وترفعني وتنفض ما بي من أذى، أنى لا أؤمن به إذًا؟
قبل ثمانية عشر عامًا وتسع شهور تحديدًا، اكتشفت أمي بأنها تحمل في أحشائها جنينًا، استاءت وبكت، تذكرت عناءها في أحمالها السابقة وتحسرت، أرادت التخلص مني بأي طريقة، شعرت لوهلة أنها تكرهني، ولكن الله حفظني وسخر لي كل شيء من حيث لا أدبر ولا أحتسب رغمًا عنها، لا تحميلًا لها فوق طاقتها بل لطفًا بي، حملتني كرهًا وولدتني كرهًا، ربما لو كان الأمر بيدها لقطعت عني النفَس أو الطعام أو الدم، لكن الله حفظني وأحاط بي رعاية، وُلدت مثل هذا اليوم قبل ثمانية عشر عامًا وفتحت عينيّ على الحياة البالية، ومن يومها رحمة الله وبركاته تُصب علي صبًا، حتى وإن أردت السوء لنفسي منعه الله عني.
لا أقول ذلك عن أمي لتبدو امرأة شريرة ولا تحب أبناءها وتظل ترجو الشقاء لهم، ولكن اقترب لأخبرك سرًا؛ لا بد أن أمك وكل نساء العالم فعلن ذلك في لحظة من اللحظات ولو أظهرن السرور بحملك وولادتك.
في الواقع؛ تظل الحياة تصفع وتقرص الإنسان حتى يكتفي ولا يريد منها شيئًا سوى أن تدعه وشأنه، لكن أقسم أن الله لا يدع الإنسان يضيع، بل أقسم قسمًا مغلظًا أن أسوأ الأشياء في عين الإنسان هي ألطف الأقدار له، وإن حنث قسمي فليجمع العالم على حرقي، أو ليعذبني الله.
قد يضيق صدر الآدمي حتى لا يستطيع التنفس إلا بسم الخياط لأنه يستمر في فقد كل شيء ولا يستطيع أن يفعل شيئًا سوى البكاء والحسرة، قد يُظلَم، قد يفقد حبيبًا بل أحبابًا، قد يُلقى عليه ما هو بريء منه، وقد يرى أبواب الدنيا تتسابق في الانغلاق على وجهه، فلتتنهد يا صديق، فلتبتسم بدمعك، الله لن يتركك تعاني، صدقني لن يتركك حزينًا، سيعوضك سيرجع حقك وستضحك غدًا ملء فيك في الجنة مع أحبابك -إن أحسنت-، ربّت على قلبك يا حبيب، الله لا يحمّلك فوق طاقتك.
هل تبتسم وأنت تقرأ؟ أرِني ابتسامتك وانسَ دموعك، ألا زلت لا تعرف من هو الله؟ راقبه في حياتك وستتأكد، اعرفه من أزماتك ولطفه البالغ بك، حتى أمك التي تسهر وتبكي ضعف بكائك حين ألمك، لا تملك لك شيئًا، تأمل كم يخفف هو عليك ويقول لك اهدأ، لا بأس عليك، غدًا تنعم بسعادة لانهائية، فقط تحمّل، ستجتاز الحياة بأمان بإذني ورحمتي.
أترى الكتف الذي تستند عليه ويطبطب على ظهرك ويشد على يدك؟ دعني أكون معك بالغة الصراحة يا صديق، هذا الكتف لن يكون معك لأبد ما حييت، سينشغل، سيضطر أن يغيب، سيبتعد، وربما يموت، لا أريد أن تنظر إلي كحاسدة أو متشائمة أو كئيبة، لكن كن واقعيًا! سيغيب يومًا، ستفتقد كل شيء يخصه، ضحكته وطبطبته وحزنه وفرحه وبكاءك على كتفه وحضنه وصوته وحتى مسحه عليك بلطف، ستفتقده حتمًا ولا مفر، ثق دومًا أن الله يسندك دومًا ويطبطب على ظهرك ويشد على يدك بل ويقوي قلبك وينعش روحك. الله وحده يلطف بك، حتى غيابه وفقده لطف بالغ، فقط ثق بكلامي بعد أن تثق بربك.
يا صديق، لتكون سعيدًا فقط كن متأملًا في تفاصيل أقداره ولا تزد. أتصدقني إن قلت لك أنه قد يرسل قدرًا يتضجر منه العالمين ويكرهونه بل ويبكون تذمرًا، لكنه لطف خاص بك من الله؟ أتتصور لو جاءك طردٌ برسالة لطيفة وكل ما تحب وتتمنى مرفقًا ببطاقة فاتنة كتب عليها: "لك فقط وإن سخط العالم."، هل ستراها ألطف من أقداره العجيبة؟ أعني كلمة عجيبة حقًا، لطفه سيجعلك تعجب.
أنا يا صديق حين أقول "الله معك" أو أقول "أستودعك الله"، فأنا أعنيها حقًا، أعني أن السعادة والرحمة واللطف معك، أعني أنني أودعه إياك كي يفعل بك ما شاء، فكل فعله رحمة. 
ما دمت في كنف الله ولا تعمل سوى ما يرضيه ويجعله يحبك، لا تخف واطمئن، لا تبكِ، أو ابكِ له، لا تبتئس بما يحصل لك، هو لطف ورحمة، ثق بي.