الأربعاء، 24 فبراير 2016

#مذكرات_صعيدية_منتزقة ٧

أخرج سعيدةً أترنم كأنني كنت في موعدٍ مع حبيبي ونلت لعينيّ اكتحالًا تصطبران به على مر الأيام، لا أدري إن كان ذاك يسمى موعدًا، ولكنني على كل حال تعرفت عن كثب إلى شيء من اللطف الذي لم أكن أعرف منه إلا ظاهرًا من الحياة الدنيا، ما للسعادة تجتاحني إلى الآن؟ لا أدري. ربما صنع ذاك السحر يومي. 

لم يكن سحرًا لا يفلحُ به الساحر حيث أتى، بل كان موعدًا مع أصدقاء جدد، أولئكم الأصدقاء الذين يعيشون فينا وحولنا وبيننا ومن فوقنا وأسفل منا ونحن لا نعرفهم، الأصدقاء اللطفاء الذين لا نراهم لأنهم أصغر من أن نفعل. كانت دهشتي لا تفتر حين مضيت أردد أنهم لطفاء وجميلون، وحين رددت زميلتي بحب عظيم عن قطعة من فطر المشروم أنها "ملكة جمال مملكة الفطريات"! حسنٌ، مهووسةٌ بالأحياءِ بلى، لكن دقة التصميم وجمال الشكل واستعصاء الرؤية بلا مكبرات خلق عظيم، الحب ينبع من: ﴿هذا خَلقُ اللَّهِ فَأَروني ماذا خَلَقَ الَّذينَ مِن دونِهِ بَلِ الظّالِمونَ في ضَلالٍ مُبينٍ﴾!



لا زال من الصعبِ عليّ أن أكون في مختبر الأحياء ولا أجد من أشاركه تسبيحًا أو ذكرًا في كل الخلق العظيم الذي أستكشفه، فأنا مهما كانوا يقولون عني مزن أظل جافة شحيحة دون رواء الذكر والتسبيح، وأظل أردد:
حدائق الذكر تحيي قلب صاحبها
فاسمع لقلبك هل غنت بلابله؟
لا بد من الاعتراف رغم التفكر الفردي أنه ليس كافيًا،﴿قُل إِنَّما أَعِظُكُم بِواحِدَةٍ أَن تَقوموا لِلَّهِ مَثنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّروا﴾، رب لا تذرني فردًا. 

أظنني أكون كافرة صريحًا إن اكتفيت بما قلت متجاهلة تأملات الحدائق مع خير صحبة. المهم، سعادتي بالمختبر أنستني ما قبله، دعوة أختي لحظة استلام الورقة، الاختبار في بداية المختبر الذي يجب علي أن أعترف دائمًا وأبدًا أنني كلما اعتمدت على مذاكرتي -ولو قليلًا- خبت وتقهقرت، ولا أزال أرتل على نفسي أنني أثق بالله أكثر من أي شيء ثم إذ بي أتذكر كل شيء ذاكرته برقم الصفحة والتفاصيل السخيفة والنكت التي أطلقها وأنا أذاكر ولا أتذكر الاسم المكون من بضع حروف ذاك، أسلم الورقة فتُصب المعلومات عليّ صبًا، من الواضح جليًا أنني كنت متكلة على نفسي فقال إلهي: أتظنينك عبقرية دوني؟ ارتميت بين يديك يا ربي ذليلة فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين. 

ذاك النهوض الذي لا أستطيعه ولكنني أفعله وأردد عليّ: "واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين."، الامتناع عن الطعام مع حاجتي إليه لئلا أنعس، المذاكرة مع عدم القدرة، الدعاء بالقوة، القرآن وتلاوته مع آسيا، التأملات القرآنية السريعة، الفطور، اللقاءات، النهوض الفجري، الشريط الذي يعود بي إلى الوراء لأتأمل كل يوم كم يصنعني الله على عينه وأنا لا أدري ما يُفعل بي! 

التنهيدة السعيدة بعد المختبر، المصلى، قولها: "انكسرت بعد فرحة" وردي: "لعلّه تنبيهٌ من اللهِ ليصنعَك قويةً ولتترممي في المراتِ القادمةِ. ليس لعل بل هو كذا فعلًا."، لقاء صديقتي، العودة معها إلى البيت، غروب الشمس وتأمل السحاب، ويا إله الخلق العظيم حبًا. 

الاثنين، 8 فبراير 2016

حبيبي الواعي.

السلام عليك يا عزيزي ورحمة الله وبركاته، 
وبعد..
فإن الله حين أنزل الحب أنزله إنزال الحديد، فلا تستطيع صخرة أن تتجاوز احتواءها على الحديد أو تصده، ولا يستطيع قلب دفع الحب عنه مهما تسلح بالدروع والتروس، "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك." بثها حبيبي الأول لله بثًّا آسيًا عن حب لم يملك قلبه عنه. 
والحب يا عزيزي كما قلت لك لا يُفسَّر ولا يُؤول، فمعظم الأشياء ما إن فسرتها ماتت. ولكنني سأعطيك أرواحًا تحيي حبنا كيلا يؤول إلى الزوال. 
أنا يا حبيبي أحبك لا حب القدح للكأس، ولا حب الروح للآلهة، ولا حب المتصوف لصومعته، ولا حب عقص شفتيه بشفتيها ولا حب لمساتها وسخافة الواصفين، أنا أحبك حبًا راقيًا عن قذارة الأوصاف والكلمات والحروف، حبًا مترفعًا عن زيف قصيدة أو شطحة كاتب.
لم أدرِ كيف أختصر حبي، ولكني أقول مجددًا أنني أحبك مندمجًا في عالمك حسنه وسوئه باتزان مواكبًا عصرك تنسج الحرف لتنسج نهضة العالم وكماله ونفعه وزهره، لا حداثيًا تلوك الكلمات لتصل إلى إلحاد أو كفر أو شرك أو ما قارب، أحبك واعيًا. 


"يا سيدي يا نبي العصر يا ولدي
آمنت باللهو ما آمنت باللهِ!"*

_______________
*يوسف الكمالي. 

الثلاثاء، 2 فبراير 2016

إليك أنت الآخر، سأكون صديقًا صالحًا.

أنت الذي ما قرأت آية عن الأصحاب أو مر ببالك ذكر صديق إلا وجل قلبك وازددت إيمانًا بمعنى الصديق فخفت وسارعت إلى ترقيع ما بك من علل لتكون خير صديق، أنت الذي ما قصرت يومًا لكنك تراك خرقة بالية  على جسد غض فتسارع بترقيعها وهي الديباج والاستبرق والسندس، أنت الذي تضرب نفسك ضربًا مبرحًا إن شككت أنك لا تتخلق بأحد أخلاق القرآن فما تلبث إلا أن تعود قرآنًا، أنت صديقي الصالح. 

إليك حين يذكر الناس صديقًا سيئًا فتستعني، حين تطيل الجلوس معي بالآيات والذكر، وحين تصمتني عن أحاديث لا تجدي لتناقشني في موضوع مفيد، إليك حين أراك فيستبشر وجهي فتذكرني "وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة" ، وإليك لأن الهم مهما لاحقني كنت أنت جلاؤه حين أراك فأنسى شقائي. 

كيف أضيق والله أرسلك إلي هدية مغلفة لم أحسب يومًا أنني استحققتها؟ أنى لي الحزن وأنت ما تنفك تقويني وتذكرني بأوجاع الأمة وأنها لا تنقصها أوجاع لكي أكون أنا وجعها؟ أنى لي الشقاء وأنت في حياتي قرآن لا يكف عن الدعاء لي؟ وكيف خطر ببالي أن أخبو وأنت جذوتي وقبسي الذي لا يدع غافلًا ينطفئ؟

تالله وبالله إنك لمن آيات الله! حين تكون آيات تتحرك، حين تنافسني على القراءة، حين تعرض علي كل يوم فكرة ومشروعًا جديدًا يخدم الأمة، حين لا تعيش تنام وتأكل كما تأكل الأنعام. أعشقك حزينًا وأود لو لا تذهب عنك غمامة الحزن حين يكون أقصى حزنك جائع أو ثكلى أو يتيم، أعشقك سعيدًا بإنجاز أو بعلم جديد أو لأن والدك سعيدان! أحبك متزنًا لا تنغمس في وحل الدنيا ولا تعتزلها وتتمنى بالآخرة، أحبك فاهمًا أن الدنيا مزرعة الآخرة وأنك لن تجني جنانًا إلا إن زرعت نفعًا وأثمر. أحبك نافعًا.

كتبت إليك يا خليفة الله في أرضه، يا غيمًا ماطرًا، وأنا أعرف أنك أبدًا لن تدرك أنك مقصود لأنك ذو نفس لوامة لا تراك كما أراك، سواء عليك أتعظت أم لم تكن من المتعظين، لا أطفأ الله نورك ولا أراني فيك ذبول جذور في دنيا ولا أخرى، أحبك.