الثلاثاء، 11 أغسطس 2020

مذكرات خرّيجة 11.

 مرّ أمد بعيد لم أكتب فيه، ربما لأنني قررت التوقف عن مشاركة بؤسي الدراسي مع العالم ولو مؤقتًا، ويبدو أنني لا أتوب ولو أقلعت زمنًا. مرّت أحداث كثيرة منذ التدوينة الأخيرة، أهمها أنني سلمت مشروع تخرجي ويقال معه أنني تخرجت، كانت فرحة الإنجاز عارمة، ومؤقتة جدًا، عدنا بعدها إلى موجات التعب والإرهاق والحالات التي تشبه الاكتئاب أو تكون على شفا حفرة منه. رغم لحظات البهجة المتخللة، لم أكف عن كآبتي وأنا أعلم أن الإنسان خلق في كبد وأنه خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا، أصحب القرآن لئلا أجزع ولا أمنع ولأكون إنسانًا أحسن يقاوم كآبات الحياة بنور القرآن، كثيرًا ما ينتشلني القرآن، وكثيرًا ما أغرق وأتشبث به. المهم هو أنني أحاول أن أكون إنسانًا خيّرًا. تركت الآن الخوارزمية والبرنامج الذي أبرمجه منذ الثانية عشر ظهرًا -وأنا أنوي أن أنهيه مبكرًا لأنصرف إلى أعمالي- إلى الآن دون نتيجة واضحة سوى التخبطات ومحاولات الاستيعاب والتشبث، تركتها لأدوّن هذه التدوينة التي ربما لا يقرؤها أحد.

سلمت رفيقة دربي مشروع تخرجها فكان سَعدي، كان شعورها استثنائيًا، ظننت أنني لا أمتلك المشاعر الجارفة التي تحملها هي وأنني لن أتأثر كثيرًا لحظة تسليم مشروع تخرجي حتى سلمته. أيام العمل المتواصل الذي لم يعد للعيد طعم معه ولّت بعد طول كفاح، الليلة التي خارت فيها كل قواي لكنني كنت أكمل بقوة لأنهي عرض مشروع تخرجي "المسجل" وأخطائي التي تجعلني أعيده مرات كثيرة، ولحظات التسليم التي أكتشف فيها أنني فقدت المقطع الذي سجلته كاملًا ولا أجد له أثرًا لأضطر إلى إعادة التسجيل فأجد المقطع الثاني لم ينحفظ كذلك ووقت التسليم ينتهي الآن، أركض لأكتشف أن الله اللطيف الحفيظ حفظ لي المقطع الأول الذي تأكدت مرارًا أن لا وجود له، أسلمه وأنا لا أدري ما حاله، ولكنني أريد تسليمه فحسب. تسليم تقرير مشروع التخرج الذي عكفت عليه عمرًا كان محفوفًا بحب الأصدقاء الذين قرأوه وراجعوه وعلقوا عليه، كان تسليمًا هادئًا بلا ضجيج، من حاسوبي إلى بريد الدكتور مايكل مباشرة، دون احتفال ولا زفٍّ ولا بهجة. مقابلة مشروع التخرج التي كانت كابوسًا بعدما اكتشفت أن أسوأ معلم علمني في الجامعة سيقيمني، وتقييمه كابوس لكل طلبة القسم. لم يكن أحد قربي هذه المرة ليربت على كتفي، كنت أنهار وحدي، لكن رسائل الأصحاب ودعواتهم ما كانت تذرني وحدي. كانت ثقة مشرفة مشروعي بي كافية لأتخطى كل شيء بقوة. تخطيت كل شيء، مضى، وهأنذي أتخرج!

كانت مدة الاختبارات كبتًا وضيقًا كعادتها، وكانت كبتًا وضيقًا مضاعفًا دون مذاكرة المكتبة والصحبة الذين يكفي إبصارك أعينهم حتى تكون بخير، عوضًا عن قربهم وضحكاتهم ولمساتهم التي غدا انعدامها كابوسًا لانهائيًا. تلك الحياة التي تصر فيها على الإكمال بقوة، ولا أحد يعلم سواك أن القوة التي تكمل بها مُدّعاة. قرب الصحب -ولو بعدوا- عافية، حتى صديقاتي (اللاتي أسميهن أهلي وخاصتي) اللاتي أنهين اختباراتهن قبلي بأيام لم يتركنني وحدي، ينهي الناس اختباراتهم يومًا بعد يوم، وأبقى أنا، ودفعتي التي تدرس معي المادة نفسها؛ علم المناعة: المادة الأثقل الأحب الأعنف الألطف، وأنا السنور الذي يحب خانقه. مجال التسبيح والتعظيم فيه واسع وأنت تبصر في نفسك وفي الحفظة الذين يرسلهم الله عليك وأنت لا تدري، الكتاب الذي لم أود مفارقته حتى كتبت فيه رسالة لمن سيأخذه بعدي: (مجال واسع للتسبيح ولتذكر نعم الله، استمتع). 

مرّ الفصل الأثقل في الحياة، ألتفت حولي فإذا بأغلب الدفعة والرفقة قد تخرجوا، وبقيت أنا في وسط ساحة المعركة بلا أسلحة، وأنا أعلم أنني في هدنة مدتها أسبوعان فقط، أسبوعان لا يكفيان لترميم كل ما أفسده الدهر في هذا الفصل، أسبوعان لا أعرف ما أفعل فيهما وما أترك، كان التخفيف أنها مادة واحدة فقط ستمر سريعًا ولن تثير نقعًا، نزل الجدول فاكتشفت أنها محاضرات يومية في تمام الثامنة صباحًا، من هنا بدأ الضبح الذي لم ينتهِ حتى اللحظة وهو قد بدأ منذ سبعة أشهر، منذ كانت حياتي في لِهاث غير منقطع، منذ وجدتني لا أعطي أي شيء حقه التام، لا نفسي ولا أمي ولا أهلي ولا صحبي ولا دراستي ولا شيء، أركض فحسب. وسط هذا الركض كله، كان لا بد من ثبات لا أجده إلا في القرآن وصحبة القرآن وبرامج القرآن التي ألزمت نفسي بها لئلا أجد نفسي لاهثة دون شيء أمسكه في يدي من هذا كله. لم تكفِني في هذه المرحلة شهادة البكالوريوس، ثم ماذا؟ كان لا بدّ من رسوخ، فكانت جلسات الإقراء وجلسات التسميع مع بناتي حرزًا لي، وكانت مسؤولياتي في مشروع الإجازة القرآنية ومشروع الإجازة بالسند والتزاماتي القرآنية هي الثبات والأمان والسلام، كانت ملجئي ومغاراتي ومدخّلي الذي أولي إليه وأنا أجمح.

بقيت هنا، في الفصل الأخير، الفصل الصيفي الذي لم يُعطَ إلا للخريجين، أعيش الوحدة والعناء في كل معانيها، فلا أعيش مع صحبي الذين يدرسون كلٌُ في بيته مع أهله وحياته الخاصة، ولا أدرك أين أنا. أدرس البرمجة التي كلما قاومت فكرة غبائي فيها وأقنعت نفسي بكل اجتهاداتي وأوهامي أنني ذكية، عدت إلى نقطة الصفر دون شيء. أنا التائهة رغم اجتهاد معلمتي في توصيل المعلومة وحثّها إيانا على طرح الأسئلة والتفاعل، أنا التي أطرح سؤالًا قبل شهر فتجيب عليه بكل ود بدقة، فأهز رأسي وفي عينيّ حروب وهي لا ترى عينيّ ولا حيرتي ولا تخبطي ولا تضاربي -كما يراها معلميّ في العادة فيبددونها-، فتقول: واضح؟ فأصمت لئلا تُكتَب عليّ كذبة، أملًا في طالب غيري يجاوبها. تناديني: مزنة، واضح؟ أفتح ناقل الصوت، أقول: كلامك واضح. وهي لا تعرف أنني أمر إلى اليوم على المحاضرة وأنا أُكثِر مذاكرتها لأفهم وأقتنع فلا أفهم ولا أقتنع، بل أكبت تساؤلاتي لأسير على النهج الذي حدد لنا. أنا السؤولة التي يضيق مَن يدرس معها لكثرة أسئلتي التي أعتذر للمعلم قبل طرحها بقولي: "ربما يكون سؤالًا غبيًا، لكنني سأطرحه". فيقول بشغف أحيانًا وبضجر أحيانًا: "مزنة مجددًا؟ تفضلي!"، ثم حين أغيب عن محاضرة يبحث عني لأن لا أحد يسأل. أنا التي كلما حاولت أن ترسم حياة مفعمة مشرقة بالأمل والتفاؤل والعهد الوردي الذي أفهم فيه كل أسس البرمجة، أفتح عينيّ فأجدني في مستنقع ضحل. أنا التي تذاكر كثيرًا ولا تفهم إلا قليلًا أو تحسب أنها تفهم كل شيء ثم حين يأتي آن التطبيق تجد نفسها لا تعرف شيئًا وتتخبط أكثر مما تذاكر بمراحل. أنا التي لا تطيق الوحدة، فتارة ألحّ على صديقات التخصص لمذاكرة جماعية، وتارة أتشبث بصديقتي الأقرب التي لا تشاركني تخصصي ولا أيا من موادي لترافقني في مصابرة النفس في المكتبة مع بقية الرفقة، وتارة أجلس في السكن إلى وقت متأخر من الليل لئلا يتسلل اليأس ولا التعب إلى نفسي، ثم يبدأ مشهد الخروج المتأخر من السكن الداخلي ومساءلات أمن السكن والقصة الطويلة التي تهون في نفسي مقابل ألا أواجه كل شيء وحدي. أنا هنا الآن بينما كلٌّ في إجازته الصيفية، وقليل في فصلهم الصيفي يعانون وحدهم، أقاسي كل شيء وحدي.

بقيت هنا في هذا الفصل أراقب الحياة تجري من حولي وأنا محتجزة في شباك صياد، لا أستطيع حضور حلقات التلاوة ولا دورة متشابهات القرآن التي كلما أعطتنا المعلمة استراحة أو تأخرت لدقيقتين ركضت إليها لأسمع كلمتين من الشيخ (تبرّكًا) ثم أعود دون أن أمسك شيئًا في يدي لا من هنا ولا من هناك. أعيش حياة النقائض وأنا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل عالقة في المنتصف دون أن أدري إلى أي صوب أميل هذه المرة. "سيمر هذا الوقت مهما اشتد باس".

لم يرَني أحد وأنا أتسلل بسيارتي يوم العيد لأتجول بين حنايا الجامعة، لم يعرف أحد التماع عينيّ حينها، ولا الزوايا التي أودّ لو أقبلها واحدة واحدة وأنا أتذكر فيها حلو الأيام ومرّها، وأنا لا أراها زوايا بل أرى فيها أصحابي. لم يعلم أحد إلا الله حنيني واكتمال عيدي بهم وأنا أراهم في كل مكان. لم يعلم أحد عن أزيز صدري الهادئ الذي لو ضجّ لخرق الأصمخة.

هذا الفصل الأخير، هو الفصل الأقسى، لا لأنه الأخير الكئيب في حياة كل خرّيج، ولا لأن مادته -الوحيدة- قاسية، بل لأنني فيه مُبعَدة عن إنسان أقابله أمامي فأطرح له كل ما يدور في رأسي من أسئلة "غبية" أخرجها من رأسي ليجيبني فأصير ذكية. هذا الفصل الذي توقظني فيه لمحاضرات الثامنة نور التي تدرك صعوبة استيقاظي صباحًا، وتتأكد من نهوضي آلاء، وتمسح عل قلبي في كل حين ماريا، وتجيب عن تساؤلاتي اللانهائية وتواجه غبائي وتشرح لي شهلاء، وأشتكي أو حتى أنهار عند ميثاق، فتطبطب عليّ بحلو كلامها وتجاربها وتكرر عليّ أنها متأكدة أنها ستراني قوية في حفل التخرج لتكون الأكثر فخرًا بي بينهم جميعًا. الرفقة البعيدة القريبة، الذين أقاوم بؤس الحياة بهم. رغم كل شيء، لا شيء يساوي أن أقتحم غرفة نور وهي نائمة أو أن تترك لي مفتاح غرفتها إن كانت في محاضرة وأن أرسل لماريا أن إياكِ أن تعودي إلى البيت دون أن أراك وأن نقيم حلقة تلاوة فجائية مع الصحب فيذهب الله عنا بها كل الحَزَن، لا شيء يساوي أن ألمس أحدًا أحبه، وأن أرى عينيه دون حواجز. لا شيء يساوي أن أتجه إلى المختبر 18 أو مختبرات الإحصاء وأنا أوقن أنني سأجد أحدًا يشرح لي، أو أن أتجه إلى بيتنا في استراحة التربية وأنا جازمة أنني سأخرج من قاع إحباطي إلى قمة نعيمي. لا شيء يساوي أن أطلب من أحد أن يجيب عن أسئلتي دون أن أخشى أن أفسد عليه إجازته أو أكدر عليه جلسته مع أهله أو آخذ من وقته كثيرًا وهو ليس متفرغًا لي. لا يستوي القرب والبعد، ولا الأمان ولا القلق، ولا تستوي الرفقة الطيبة القريبة والمنفى الذي لا أقابل فيه إلا صديقًا واحدًا قريبًا يحيل وهني إلى عزم على المواجهة بقوة؛ أقابله -على وجل-.

في وسط سأمي في مذاكرة المكتبة ذات يوم قبل فصلين، كتبت لي ماريا ورقة تقول فيها: "لن يتركك الله وحدك في الطريق الصعب، سيسخر الدنيا ومن فيها لك. إن هي إلا أيام، من لم يذُق مُرّها لن يدرك حلاوةَ ما بعدها". لم تدرك هي آنذاك أن هذه الورقة ستكون زادي الأساسي في أيامي الصعبة كهذه. "وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" زادي الأبدي، وأقول مهما تعسّرت: "سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا". بقي أسبوعان على نهاية هذه الحرب، أبذل فيهما كل ما لم أبذل من قبل حتى أنتصر ولو كانت خائرة قواي. يا عليم يا حكيم يا صبور، آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.

الخميس، 6 أغسطس 2020

مكلوم.

من أكثر المشاهد رسوخًا في ذاكرتي، وأكثر الأصوات رسوخًا في سمعي، أغنية "موطني" حين نغنيها حشودًا من كل الدول العربية بصوت واحد، أطفال وراشدون، من الدول المنعّمة وتلك المنكوبة التي حاربت لأيام على الحدود لتصل إلى هذا الحفل الذي وصلت إليه مرتاحة مرفهة، نغني ونقول "هل أراك سالمًا منعمًا وغانمًا مكرمًا؟". كنا نقولها والدول المنكوبة أقلّ، فعلتها معهم لخمس سنين متتالية، كانت الدول المنكوبة في السنين الخمس المتتالية تزيد، والدول الحاضرة أيضًا تزيد، لأن الشعوب العربية شعوب تلفظ الذل وترفضه، وتحيا هي وتشق حياتها الكريمة ولو انعدمت أسباب الكرامة. 

أنا لست محللًا سياسيًا، ولا أعرف في الاقتصاد ولست جيدة في تخمين ما قد يحدث لشعب ما بعد عشر سنين، لكن كان لديّ حلم أن أدرس الطب في سوريا لأنها تدرسه بالعربية، وانهار حلمي حين انهارت سوريا. كنت أحلم أن أزور بلاد الشام وأشم فيها رائحة فلسطين وأكحل عيني بجمال العمارة والطبيعة وأذوق من طيب ثمارها، انهارت كل احتمالات أحلامي، حتى احتمال أن أطل على فلسطين ولو من بعيد. أنا لي ذكريات في مصر التي لم نعد نشعر بالأمان لزيارتها كل بضع سنين، والعراق التي ظننتها تتعافى وتنهض ما تعافت ولا نهضت، واليمن السعيد الذي لم يعد سعيدًا وأنا أحلم بزيارته، وأحلامي العربية تتهاوى واحدًا تلو الآخر.


"أنا العربى لا أخجل
ولدت بتونس الخضراء من أصل عماني
وعمرى زاد عن ألف وأمي لم تزل تحبل
أنا العربى فى بغداد لي نخل
وفى السودان شرياني
أنا مصري موريتانيا وجيبوتي وعمّاني
مسيحي وسني وشيعي و كردي ودرزي وعلوي
أنا لا أحفظ الأسماء والحكام إذ ترحل"

يبدو العالم رماديًا موحشًا جدًا حين أراه بعين واحدة، أو حتى بأقوى منظار معروف (ماديّ)، حين أراه ببُعد واحد وأنا أحتاج إلى أبعاد لأرى الصورة كاملة. كل هذا الدمار، الوباء المكتسح، الفقر والجوع، ألا مِن قوة عليا تنزع هذا الأسى؟ بلى، القوة العليا ترعى كل شيء، الله يسمع ويرى، والإنسان يظلم ويطغى، ﴿قُل مَن يُنَجّيكُم مِن ظُلُماتِ البَرِّ وَالبَحرِ تَدعونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفيَةً لَئِن أَنجانا مِن هذِهِ لَنَكونَنَّ مِنَ الشّاكِرينَ ۝ قُلِ اللَّهُ يُنَجّيكُم مِنها وَمِن كُلِّ كَربٍ ثُمَّ أَنتُم تُشرِكونَ ۝ قُل هُوَ القادِرُ عَلى أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عَذابًا مِن فَوقِكُم أَو مِن تَحتِ أَرجُلِكُم أَو يَلبِسَكُم شِيَعًا وَيُذيقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ انظُر كَيفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُم يَفقَهونَ﴾. قادر وحليم، ولو أكل الناس بعضهم بعضًا.

يقول لنا دائمًا أن لا مكان للظلم بيننا، وأن السلام هو الحياة، ثم حين يأكل الإنسان حق الإنسان، يظل الله ينبئنا مرارًا عمن طغوا وعمن طُغي عليهم واسودّت الدنيا في أعينهم وهم يشتكون ﴿قالوا أوذينا مِن قَبلِ أَن تَأتِيَنا وَمِن بَعدِ ما جِئتَنا قالَ عَسى رَبُّكُم أَن يُهلِكَ عَدُوَّكُم وَيَستَخلِفَكُم فِي الأَرضِ فَيَنظُرَ كَيفَ تَعمَلونَ﴾. سيستخلفكم وسينظر كيف تعملون، ﴿فَقُطِعَ دابِرُ القَومِ الَّذينَ ظَلَموا وَالحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾. جاءت النهاية السعيدة بعد بلاء طويل ممتد مميت، هل أرى الضوء -على خراب العالم- في نهاية النفق بعمق نظرتي الغيبية؟ هل تلمّست نفسي وأحوالنا وأنا أردد قصص الأقوام السابقة المكررة مرارًا؟ أم أرى الأشلاء والدماء والدخان والدمار والجوع فقط وأنهار كلما انهار وطن؟

قلبي العربي مكلوم وموجوع، ضياع الأوطان ضياعي، والجهات تضيق عليّ ولو اتسع لي وطني. يا رب أوطانًا حرة صالحة، يا رب عربًا مسلمين أقوياء أعزاء، يا رب تعبنا، أغثنا، استعملنا ولا تستبدلنا.