الثلاثاء، 16 يونيو 2015

ثرثرات لا تهمكم ١١

سلامٌ علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حية، سلامٌ عليَّ لا تكبيرًا ولا تصغيرًا، سلامٌ علي لأنني امرأةٌ تتغلبُ على الطينِ الضعيفِ بداخلِها لتتشبثَ بنور الله قويةً لا مبالية.

أعدُكم أن هذه المرة الأخيرة التي أثرثرُ فيها عن جنون اختبارات الثانوية، ها لَم يبقَ شيء إلا بضعُ مركبات ومعادلات ورموز وأحماض وقواعد، وتنتهي الثانوية بسعادة!

ابتداءً من مغايرةِ ابنةِ أخي الصغيرةِ وعبثي معها، مرورًا بالاختبارات التي قد ترفع أو تحط، وصولًا إلى دعوات والديّ قبل اختباراتي وصديقاتي وكل الناس، كيف لا أكون قوية؟ 

لمزيد من الصراحة، أنا التي لم أولَد لأخاف ولا أقلق ولا أحملَ همَّ الدراسةِ ما دمتُ أفعل ما علي، تأكلُني الثانويةُ بشراسةٍ وكأنها لم ترَ طعامًا قط! أغيبُ كثيرًا، أصمتُ أكثر، قلَّ اندماجي مع الناسِ لقلة خروجي، لم أرَ أمي زهرة البيت منذ أكثر من 41 ساعة، النومُ الجيدُ يفارقُني، يراني الناسُ لا مباليةً وأنا أكثر من يبالي، وأجاهدُ أكثر مما يستطيعُ إنسان التصور ولكنهم يظلون يستخفون عدم استطاعتي للقيام بكثير من الأعمال، حسنٌ لن أتحدثَ ولن أتضايق لأن ألمي لا يستطيعُ بشرٌ تصورَّه.

اعتدتُ ترديدَ "اشتقت إلي أكثرَ." حين يقولُ لي أحدُهم "اشتقت إليك"، آه حسنًا أنا أشتاقُ أكثرَ ربما، ولكنّ الحياةَ حربٌ نوشكُ على الانتصارِ فيه بحبلِ الله. على ذكرِ الحرب؛ حربُ الإجازاتِ لم ينتصر علي بل هزمتُه، الحربُ الذي يحدثُ حينَ يؤجزُ الناس صفًا صفًا وأبقى أنا أختبرُ آملةً خيرًا، لم يتحركْ في داخلي شيء حين أجزَ اليومَ طلابُ الثانوية (قسم الأدبي) ونحن لم نزل نحارب، صحيح أنني تكلمتُ كثيرًا في البداية معترضة على إنهائهم قبلَنا، لكن أنا الحمدلله صامدةٌ ولا أشعرُ بشيء.

أثقُ باللهِ مليًا حين أقولُ (يا رب جنبني شرَّ الأخطاء السخيفة التي أفسدت علي كثيرًا، وجنبني شر المنغصات التي لا تجعلُنا نحسن.) ، يقول أخي الكبير أن سهولةَ الاختبار لا تهم وإنما النتيجةُ الأهم! أظن العكس، بل أظن رأيه، بل لا أظن شيئًا.

يومٌ يا مُزنة، بل أقلَّ من ١٩ ساعة وينتهي كلُّ شيءٍ، ابلي فيها بلاءً حسنًا وأحسني في اختبارِك الأخير ليحسن الله إليك في حياتيك، {واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين}.

الخميس، 4 يونيو 2015

ثرثرات لا تهمكم ١٠

حين أسأله عن موعد قضائه حاجة لي، يضحك ويقول وهو ينظر إلي: "أنتِ تأمرين، أنا جندي موكل بك!"، أيُّ شعور يعتريني بك يا أبي؟

ازدحامُ المعلومات والأفكار في رأسي صباحَ اليوم والمراجعات السريعة قبلَ الاختبار في السيارةِ وأنا أتناول فطوري هناك، تذكرني بقول عهد حين كنا صغارًا: "حاذري من هز رأسك الآن لئلا تتساقط المعلومات من أذنيك!"، أضحك في داخلي وأعود أكملُ ضخ هذا الرأس بكمٍّ أكبرَ مستبشرة بخير بعد الاختبار، في عمقِ بحثي عنها بعد لقائي بها لثوان وهي متوترة تسعى أراها مقبلة فأزجرها أنني أبحث عنها في كل مكان، أهدئها -أو أهدئ نفسي-، أذكرها بأن تسترخي وتدخل الاختبار قوية وتثق بالله وسيجزل.

أعودُ مثقلةً متخمةً بالتعب والألم وشعور وشك الانفجار، يمرُّ على سمعي كلام كأنني أسمعه للمرة الأولى في حياتي وأنا التي أردده كثيرًا: "إنّا سنلقي عليك قولًا ثقيلًا". ابتسمت ابتسامة قلبية لا شكلية، الحياةُ ثقيلة والمهام المخلوقون من أجلها أثقل، أفأبتغي الراحة؟

صوتُ الرياضياتِ المتعالي فيّ يدقُّ فيّ نواقيسًا صاخبة، والفيزياءُ تقسمُ ألا تدعني حتى تغميني من اصطداماتها المرنة وغير المرنة، أقسم على نفسي ألا أرتاح حتى أنهكَ نفسي لأحسنَ في اختباراتي وأرفع معدلي لدخول الطب والجامعة، حديثُ أبي قبل اختبار الرياضيات عن الجامعة، وحديثُ أختي بعده، أشعرني بأنني حقًا أحتاج لجهدٍ أكثر يولجني إلى الجامعة مع الجمل في سم الخياط، أوقن أنني فعلت كلَّ شيءٍ، ولكن قلة اهتمامي بالجزءِ ذاك لقولي:"هو سهل، سأركز على الأصعب." أشعرني بالحرقة بعد الاختبار وكأنني أقولُ سأعوضُ وأصلُ وأحيدُ عن الوصولِ بفعلي. آه، أسمعتني أختي الآن في صخب زعيق الفيزياء مقطعًا يقول أنك إذا أردت أن تكونَ طبيبًا حقًا وعزمت، ستكون بإذن الله.

اختباراتُ الفيزياءِ محضُ خرافة، هي تمامًا كسؤالِ الأسطورة العجيب في اختبار اللغة العربية الذي لم يحله معظمُنا، يذاكرُ الخلقُ اللغةَ العربيةَ بوجلٍ ليلةَ اختبارها وأذاكرُ أنا الفيزياءَ ليلةَ اختبار العربية قبل اختبارها بأربعة أيام، أنا التي قضيتُ دهورًا أحاولُ التصالحَ والتفاؤل في الفيزياءِ وقد فعلتُ حقًا، لكن اختباراتها تأتي لتقولَ لي: "أتمزحين؟"، حسنٌ، أنا أمزح في كل شيء إلا الفيزياء التي أكافح لأسمنَ كبشي لأذبحه أضحية يومَ اختباره، ولكنَه يبقى هزيلًا، أحيانًا أظنُّه مريضًا، إذ لا أظن المرضَ مني وأنا أطعمُه بشتى الوسائل سنين ولا أرى حتى فضلاته! سأصمتُ هنا لأعودَ أذاكر الفيزياء -أسمن كبشي-، وحُقَّ لي ذبحَ أضحيتي يومَها.

أود أحيانًا لو أنتزع من رأسها كل الألم والإحباط لأصرخ في وجهها: علامَ تبكين؟ أنتِ تقاتلين لتفعلي كلّ ما بوسعك، أعلم أنك تحاربين لذلك والله يعلم، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها! سيؤتيك الله.

أعودُ أقولُ لنفسي في صخب كل شيء: كوني كما قال العظيم ياسر عرفات قبل رحيله رغم تكاتل العرب قبل العجم عليه: "يا جبل ما يهزك ريح"، ائتي الحياة بقبس من نار لعلها تصطلي بالله من صقيع الحياة ولفحها، عمّري فلسطين بتعمير نفسك، واهدئي.

الثلاثاء، 2 يونيو 2015

رحلةٌ بينَ عُرُوبَة وَثَقَافَة -٢

متجاهلةً دغدغةَ تأنيبِ الضميرِ الذي يزاحمُ كلَّ تفاصيلي، ومتنهدة بعد تلاطمِ الأعمالِ حتى كادت تدفعُني خارجي لتبقى هي بقوتها، أكتبُ.

الليلةُ التي قضيتها أكتبُ الأشياءَ التي آخذُها للسفرِ وأشاركها إياها وهي تذكرني بالنواقص، الاستيقاظ مبكرًا وإعداد الأغراض، الاستعداد وتعجيلُ أمي لموعدِ المطارِ، شراءُ علمٍ كبيرٍ، مقاومةُ الحرِّ وجر الحقائب في المطار، لقاؤهم من بعيد بابتسامة عميقة، كلُّ الأشياء تلك تكللت بعميقِ الدعاء من الناس أجمعين، من آباء رفيقات السفر الذين لم أقابلهم في حياتي، دعاءُ أبي وأخواتي، تبتلاتُ صديقاتي، وترديد "عُمان تفخر بك، سترفعين رأسَ عمان." من كل أحد، أردُّ بابتسامةٍ عميقةٍ محشوة بأملٍ بالله عظيم.

مرورًا بتفاصيلِ السفرِ المرهقة إلى وصولِنا إلى الإمارات، وتعبُ طفلاتنا وتباكيهن من التعبِ الذي أجبرني أن أكف تجاهلَ شعوري بالتعب، وصولًا إلى سعةِ صدر وابتسامةِ مستقبلنا في المطار، هذا العالمُ يحتاجُ إلى تعبِنا وبذلِنا.

وصلنا إلى الفندقِ لا نبغي سوى إلقاءِ أجسادنا على الأسرّة، فتفاجأت أنهم ينادونني لأن المسابقة ستكون حالًا، صُعِقت بتعب السفر وجوعه القارص وأنا التي كنت أقولُ لها قبل يوم أنني سعيدةٌ لأن المسابقة صباحًا بعد نوم وفطور، تنهدت، أخبرتها، قالت لي لا تخافي ولا تترددي! قلتُ لها لا أفعل! تنهدتُ بابتسامةٍ عميقةٍ وأمل معقود بالله عظيم بعدَ كلامِهم وتشجيعِهم، ابتسمتُ حتى مع خروجِهم يبكون، همسها "مزنة أنتِ مختلفة، لن تكوني مثلهم."، قلتُ في داخلي:"الله أوصلني بلطفٍ عجيبٍ إلى الأول على دولتي بلا احتساب مني، أفلا يوصلني إلى هنا؟"

"كيف كانت المسابقة؟"، اكتفيت بـ"الحمدلله، كانت جيدة وأديت كل ما علي الحمدلله!"، غضضت البصرَ عن خوضي تجربةً عجيبةً في حياتي، فلجنةُ التحكيم التي كانت من دكتورٍ وأستاذ كبيرين لم تألُ جهدًا في أن ترميَ سؤالًا يلي آخرَ بلا استراحة لأخذ نفس حتى، ولم تلِن حتى لابتسامةٍ أو نصف كلمة حسنة تفرعُ في السماء، لا أدري لعلهم أرادوا بذلك أمرًا ليميز الخبيث من الطيب، لا أقصدُ الخبيثَ بل الأفضلَ من الحسن. كنت أردد قبلها يا رب أعطِني انطلاقَ وقوة موسى في الحديث من بعد ما خاف وسألك هارون الفصيح عونًا، يا رب كن لي وأفصِح لساني وأطلقه فيك.

ليلةٌ طويلةٌ مرت بسرعة، أو ليلة قصيرةٌ تباطأت، لا أدري أيهما كانت، بعد دعاء أمي كنت أجلس مع الفتيات في سهرةٍ قبل النوم نتسامر حتى غلبنا النوم، لنشرق على صباحٍ جديد، إنه الصباح الكبير! لم أفتح عينيّ حتى قلت: "يا رب الأوائل". 

سارعت إلى إيقاظ أمي، وصلاة الضحى ثم الفطور، تجهزت سريعًا مرتديةً علمي الكبير لأذهب لمساعدةِ تجهيز صغيراتنا اللاتي لبسن الثوبَ العماني التقليدي، سرعة تلحقها سرعة حتى أقلتنا حافلةٌ جلست فيها بالقرب من فتاةٍ من الوفدِ الأردني، سرعان ما تعارفنا وتبينّا كم أننا شعوبًا وقبائل نتشابه لكننا نختلف، سعادة غمرتني بلقائي ذاك الذي اقتربت فيه شبرًا من وفدٍ عربي، نظراتي المليئة بالأمل للحديث مع الوفود الأخرى من شتى البقاع العربية لم تفلح سوى في استجلابِ مزيد من الانتماء إليّ، عرب مسلمون ندور في المدارِ نفسِه.

حفلُ التكريم بدأ لتوه، عظمة تكتسي فؤادي إذ يجتمع عرب تحت سقف واحد يمثلُ كلُّ واحد منهم بلدَه، الوفد السعودي خلفي والقطري بجانبي واللبناني الودود أمامي وأمامه وفد فلسطين، ذلك الوفد الذي يرتدي بذخ الثوب الفلاحي، إيه لو يعلمون، شيءٌ بداخلي يدافعُني لأتعرفَ عليهم ولكن مراسم الحفل تلزمني ألا أبرحَ مكاني عاكفة حتى ينتهي الحفل، لا أريدُ سوى أن يعلموا أنهم ليسوا وحدهم يقاسون، أنني ربما أقاسي أكثرَ منهم في البعدِ أحاول أن أبني نفسي ومن حولي وأعدنا لنصلَ إليهم أو لنفعلَ شيئًا مما أحشرجُ بالبكاء حين أذكرُ عجزي وبعدي -رغم أنني أجتهد وأوقن أنني سأصل بطريقة ما-، لأقولَ لهم أنتم لا تعلمون أنني أحملُ علمَ فلسطين بحجمٍ يفوقني بجانب سريري أتأمله مليًا وأعملُ له، ولا تعلمون كم كلن بودي أن أرتدي علمَكم فوق علمي. تجاهلت تضاربَ الشعور فيّ لأغنيَ معهم:
موطنيموطني
الجلالُ والجمالُوالسناءُ والبهاءُ
في رُباكْفي رُباكْ
والحياةُ والنجاةُوالهناءُ والرجاءُ
في هواكفي هواك
هل أراكْهل أراكْ
سالماً منعَّماوغانماً مكرَّما؟
هل أراكْفي علاكْ
تبلغ السِّماكْ؟تبلغ السِّماكْ؟
موطنيموطني
موطنيموطني
الشبابُ لن يكلَّهمُّه أن تستقلَّ أو يبيدْ
نستقي من الـردىولن نكون للعدى
كالعبيدكالعبيد
لا نريدْلا نريدْ
ذلَّنا المؤبَّداوعيشَنا المنكَّدا
لا نريدْبل نُعيدْ
مجدَنا التليدْمجدَنا التليدْ
موطنيموطني
موطنيموطني
الحسامُ واليَراعُلا الكلامُ والنزاعُ
رمزُنارمزُنا
مجدُنا وعهدُناوواجبٌ من الوَفا
يهزّنايهزّنا
عزُّناعزُّنا
غايةٌ تُشرِّفُورايةٌ تُرفرفُ
يا هَناكْفي عُلاكْ
قاهراً عِداكْقاهراً عِداكْ
موطنيموطني 



ها هي المقدمة تنادي اسمَ عمان لتمزجها بصدقِ مشاعر تكسبنا الفخرَ بالعلمِ الذي نحمله، ما إن انتهت حتى تسارعَ الحفلُ ليقارب الانتهاء ولا ينتهي حتى يُعلَن الأوائل على الوطن العربي، وقفنا على المسرحِ والناس محشورون ضحى يرتقبون، تلعبُ المقدمةُ بأعصابنا، وأعود أقول أنني كنت أمشي على حبل لا أدري أهو آيل إلى التمزق أم الوثاق، لكن الأمر كان سيان ما دام الله ربي. لحظاتٌ حتى تعلنَ بعدَ المركز الثالث الفلسطيني أن الثاني عماني حصلت عليه مزنة بنت مبارك، يا للطف الله الذي يبكمني!

كلمةُ الأول الأردني كانت بليغة، وكلمةُ الفلسطيني الثالث بلغت حد النصاب ففاضت الزكوات حتى لم أدرِ أين أكتنزها والمسلمون أغنياء، أمسكت بالمكبر بصوتٍ متحشرج يبدو قلقًا، لم أكن متوترة بل لا أعرف ما كان ذاك! قلت: "( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) ، الحمدلله المتفضل علينا بهذا المركز. في البداية أقول أننا نحن نقرأ لنبني الأمة، لا نقرأ لأنفسنا نقرأ لنبني الأمة، ثم أقول كما قال؛ أننا نقرأ لنرفع شأن هذه الأمة، لنصل إلى عز هذه الأمة، وعزها لا يكون إلا بتحرير المسجد الأقصى، وبتحرير عقول المسلمين أولًا، ثم أراضيهم." ، كنت أحرصُ على عدمِ البكاء حين ألفظُ "المسجد الأقصى" بعد قول الفلسطيني وفي ذاك الموقف وأمام الحشود العظيمة. ووفيت بحرصي.

ما إن نزلت من المسرح حتى اجتاحني حضن أمي تبكي بكاءً شديدًا فرحًا، كنت أحاول أن أهدئها حتى اجتاحني بكاؤها فبكيت، تتابعت الأحضان والتهاني علي بعدها، وما إن أخبرت أخواتي وصديقاتي وأهلي حتى ضج الفرح فينا، الحمدلله حق حمده.

بعد الغداء، تفاجأت أننا لن نخرج كما خططنا بل سنذهب للمطار لنعود إلى عُمان، لم أطق كتمان حزني العاصف حينها، لا للمكانِ الذي سنذهب إليه بل لأنني لم ألحق على التعرف على الوفود عن قرب، لا زال تأنيب الضمير فيّ كأنه حديث ولادة، كنت أحترق لأنني لم أجد سبيلًا إلى القرب من الوفد الفلسطيني لأخبرهم بما يختلجُ في فؤادي، وأنا إنسان لا يحتمل كتمان رسالة أو شعور تجاهَ أحد إلا أخبره فورًا. كيف أعود لأذاكر بجد دروسي وحدي وهم هنا جميعًا؟ لا أعرف. كلُّ ما أعرفُه أن هذا الصبر والجهاد هو تمامًا ما يوصلُنا إلى القوةِ والتكتل، هو الصراط إلى فلسطين -ورقينا وعزنا-.

تنهيدة تتبعُها ألف تنهيدةٍ وأنا أجر حقيبتي وحقيبة أمي في المطار، كل الاصطدامات المرنة وغير المرنة في داخلي أفضيتها إلى سجدةٍ تتولى أمر تهدئتها، صعدنا إلى الطائرة تحدوني آمال عظام، تجاهلت الظلام الذي تلبسه الطائرة لأضيء مصباح القراءة وأقرأ كتاب (الطريق إلى القدس)، أتنهد كثيرًا حتى نصلَ إلى عمان وعيناي على رحلةِ عمّان التي وصلت لتوها وعلى حزام استلام الحقائب (٣) لألتقي بهناء التي عادت أخيرًا إلى الوطن ، لا أجدها! أحسب الحكايةَ قد انتهت، أكاد أغلقُ كتابَ رحلتي بقفل.

ياه! لم تنتهِ الحكايةُ، صديقاتي وأخواتي في استقبالي وأنا مصدومة عجبى! من أين لهن التجمع والاتفاق جميعًا؟ وكيف أتى الورد؟ وأنى لهن أن يخرجن في هذا الوقت المتأخر من الليل لاستقبالي؟ أظنُّ الرحلةَ قد انتهت هنا لأنني لا أستطيعُ الوصفَ أكثر.


٢٨-٥-٢٠١٥م

الاثنين، 1 يونيو 2015

ثرثرات لا تهمكم -٩



الوجعُ الجسدي المخفى غالبًا ما يُضعِف رغم التقوي، والوجعُ النفسيُ يُذوي، فكيف إذا اجتمعا؟ 

١٧ يومًا بالضبط، وينتهي كلُّ شيءٍ، يزاح عني اسم "الثانوية" الذي لازمني أكثر من اسمي، "أغتسل من نجاسة الثانوية" كما يقولُ إخوتي، أنطلق إلى فترة هي الأجمل في الحياة كما يقولون، وأبتعدُ عن الوجوه البائسة التي لازمتني في المدرسة، وأفزُّ إلى الحياة! 

متى يفهمُ الناس أن الثانوية ليست موتًا؟ أن الثانوية هي سنةُ التحدي والإنجاز رغم كل شيء؟ وضعتُ هدفًا منذ بدايةِ العام أن أريَ الناسَ معنى الثانوية الحقيقي، فحاربتني المسؤولة عن مسابقة القرآن لئلا أشارك فيها للثانوية، وأبيتُ إلا أن أشاركَ ليعطيني الله المركز الثاني على مستوى المدارس الخاصة في السلطنة، وفعلت كل شيء لأشارك في مسابقة القصة القصيرة التي جاءت في وسط زحمة الاختبارات -رغم تأخري عن التسليم- ولكن الله لم يرضَ لي إلا الأول، وزجرني كثير لئلا أشارك في مسابقة قطار المعرفة للثانوية فأبيت إلا أن أشاركَ ليعطيني الله الأول على السلطنة والثاني على الوطن العربي بعد إصراري للسفرِ قبيل الاختبارات النهائية مع معارضة إخوتي جميعًا، وحرضني كثيرٌ لإغلاق شبكات التواصل الاجتماعي فأبيت إلا أن أكونَ فيها جميعًا؛ لأنني أعرف كيف أنظمُ وقتي بين وقتٍ للمذاكرة والجد والانقطاع ووقت للتواصل الاجتماعي والاستمتاع بالحياة العادية. أثارتني رؤية بعض الناس إلى التواصلِ الاجتماعي كمضيعةٍ لوقت الطالب الثانوي وتفضيلهم لابتعاده عن كلِّ شيءٍ كي يجتهدَ أكثر ويركز -بطرق مستفزة أحيانًا-، ولكن من قال أن الأسد يعيش في الصحراء والأسماك تحلقُ في السماء؟ لكلِّ صاحب طبعٍ طبعُه.

السوء مؤذٍ من غريب، والسوء أبلغ أذى من قريب. رحم اللهُ لوطًا ونوحًا وشعيبًا وصالحًا إذ كادوا يذوبون أسى لخزيهم من الله مما يفعلُه أقربُ الناس إليهم. أُقهَر لما أرى من أقربائي من حماقاتٍ، وحين يبلغ الحد مداه، أكتفي بتجنب لقائهم والحديثِ إليهم عسى يزدجرون، ولكن هل من مزدجر؟

في ليلةِ أول اختبار لنهايةِ عامِ الثانوية العامة أربت على كتفي وأتنهد، إن الحياة عقيدة وجهاد. بقي قليلٌ على جهادِ الثانوية وهانت عليك يا نفسي.