الأربعاء، 12 أبريل 2023

هُوَّة الفتور

 تمشي في مناكب الأرض وفي جوفك قرآن يسعدك، تمشي، فتسقط فجأة في غيابة جب مظلم لا قعر له، تستمر في السقوط وأنت تدرك سقوطك وتصرخ وتحاول التشبث بكل ما حولك، ولكن دون جدوى! الظلام يزداد، والقعر يتلاشى كلما سقطت أكثر.. تحاول التمسك بخيط ضوء فلا تستطيع الإمساك بشيء، تهوي دون سيطرة مهما حاولت التصرف.. تستسلم للهوي في لحظةٍ ما، تكتشف أن شيئًا ما مات في داخلك مهما حاولت استحياءه، "إنك لا تسمع الموتى"، ولكنني كنت أحاول ألا أموت يا رب! 

يقتل الفتور روحك وينسفها نسفًا، تحاول التشبث بمصحفك فلا تستطيع، تجاهد لتثبّت قلبك بآية فتشعر به يُنتزَع من جوفك دون أن يستقر فيه شيء. تحاول أن ترغم نفسك على التشبث، فإذا هي تتمزق ألمًا دون أن تستطيع التشبث، أين نعيم السرد؟ أين حلاوة المعنى؟ أين خفة القلب بالآيات؟ أين لذة وقوع آية في قلبك أو رؤيتها مشهدًا حاضرًا أمامك؟ تلاشى كل شيء، وبقيت جسدًا ميتًا دون روح، تحاول استعادة روحك فتجدها فنيت.. هل أوتيت قدرة عيسى عليه السلام في نفخ الطين فيكون طيرًا بإذن الله أو إحياء الموتى؟ لا.. لكنك تحاول! 

لا يموت الغريق حتى يكف عن محاولة النجاة، يستمر في الرفس حيًا حتى إذا توقف عن المحاولة مات. الفتور غرق لن تموت فيه مهما اشتدت الأضرار وآثار الاختناق عليك إلا إذا قررت الاستسلام والموت. تدعو في وسطه دعاء الغريق الذي فقد الأمل إلا خيطًا واحدًا منه، دعاء المضطر للنجاة، تصلي صلاة المتبرئ من كل حوله وقوته إلى حول الله وقوته، تدرك حقًا أن الله المحيي المميت الباعث الرشيد الهادي وتتضرع إليه وتتوسل بكل ما تملك، وتكاد تقسم أنك تستطيع التخلي عن كثير من النعم مقابل أن يهبك الله الأمن في فؤادك ويعيد إليك خفة العبادة على قلبك ويمنحك السلام بديلًا للجوى، تدرك أن لا شيء يعدل هذا الشعور الذي ظننت أنك تملكه ما دمت مقبلًا على القرآن، واكتشفت أنه يملكك ويقلّبك بين إصبعيه، أو اكتشفت أكثر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وإن شاء أرسل حتى لا تسعك السماء، وإن شاء أمسك حتى تضيق عليك الأرض بما رحبت وتضيق عليك نفسك، وإن ضاقت عليك الأرض قد تطيق استحمالًا، أما إن ضاقت بك نفسك فلا طاقة لك!

بعد طول القبض حتى شعرت أنك ستموت دون بسط، يبسط الله لك من واسع فضله حتى تحلق في السماء من سعة العطاء، يمطر عليك الخير كله فتشرق روحك وتتسع اتساع الكون، تقبل على القرآن بقوة تنهل بشغف بالغ، تتذوق حلاوة النعمة وتدعو الله أن يكون عهدًا دائمًا متصلًا إلى أن تلقى الله على قوة وأخذ قوي للكتاب، تعاهد أن تزيد الجهد مقابل الفتح، وأن تداوم ما حييت لئلا تموت روحك.

يمضي رمضان ويخرج الفائزون منه بقلوب أتقى وأطهر، يخرج كل واحد منهم بملء وسعه من الهدايا فرحًا جذلًا، ويخرج بجراب ضخم من التقوى والنقاء يكفيه لعام كامل.. بم ستخرج؟ هل ستدع شبح الفتور يأكلك هذه المرة؟ أم ستستمسك بكل ما أوتيت من قوة بالصادقين المفلحين لئلا يفوتك ما بقي من نفحات العشر ليأخذوك بقوة إلى قوة العبادة وإن كنت ضعيفًا لوحدك؟ يا صاح اركض ولو برجل عوجاء وقلب نازف، ففي أي زمن ستجبر إن لم يكن جبرك وقوتك هذه الأيام؟

تقبل الله منك جهادك وحربك الكامنة في صدرك ولا يراها أحد ولا يشم دخانها سواك. أنزل الله عليك السكينة والسلام والأمن الذي جعله لعباده الصالحين حتى يرضيك وتهدأ نفسك ❤️‍🩹. وابقَ على سعيك ما حييت، فالموت انقطاع سعيك ورضاك بالظلمات!