الأحد، 12 مايو 2019

قَبَس 2 - فلسفة الحياة.

﴿ق وَالقُرآنِ المَجيدِ ۝ بَل عَجِبوا أَن جاءَهُم مُنذِرٌ مِنهُم فَقالَ الكافِرونَ هذا شَيءٌ عَجيبٌ ۝ أَإِذا مِتنا وَكُنّا تُرابًا ذلِكَ رَجعٌ بَعيدٌ ۝ قَد عَلِمنا ما تَنقُصُ الأَرضُ مِنهُم وَعِندَنا كِتابٌ حَفيظٌ ۝ بَل كَذَّبوا بِالحَقِّ لَمّا جاءَهُم فَهُم في أَمرٍ مَريجٍ ۝ أَفَلَم يَنظُروا إِلَى السَّماءِ فَوقَهُم كَيفَ بَنَيناها وَزَيَّنّاها وَما لَها مِن فُروجٍ ۝ وَالأَرضَ مَدَدناها وَأَلقَينا فيها رَواسِيَ وَأَنبَتنا فيها مِن كُلِّ زَوجٍ بَهيجٍ ۝ تَبصِرَةً وَذِكرى لِكُلِّ عَبدٍ مُنيبٍ ۝ وَنَزَّلنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكًا فَأَنبَتنا بِهِ جَنّاتٍ وَحَبَّ الحَصيدِ ۝ وَالنَّخلَ باسِقاتٍ لَها طَلعٌ نَضيدٌ ۝ رِزقًا لِلعِبادِ وَأَحيَينا بِهِ بَلدَةً مَيتًا كَذلِكَ الخُروجُ ۝ كَذَّبَت قَبلَهُم قَومُ نوحٍ وَأَصحابُ الرَّسِّ وَثَمودُ ۝ وَعادٌ وَفِرعَونُ وَإِخوانُ لوطٍ ۝ وَأَصحابُ الأَيكَةِ وَقَومُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعيدِ ۝ أَفَعَيينا بِالخَلقِ الأَوَّلِ بَل هُم في لَبسٍ مِن خَلقٍ جَديدٍ ۝ وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ وَنَعلَمُ ما تُوَسوِسُ بِهِ نَفسُهُ وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِن حَبلِ الوَريدِ ۝ إِذ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيانِ عَنِ اليَمينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعيدٌ ۝ ما يَلفِظُ مِن قَولٍ إِلّا لَدَيهِ رَقيبٌ عَتيدٌ ۝ وَجاءَت سَكرَةُ المَوتِ بِالحَقِّ ذلِكَ ما كُنتَ مِنهُ تَحيدُ ۝ وَنُفِخَ فِي الصّورِ ذلِكَ يَومُ الوَعيدِ ۝ وَجاءَت كُلُّ نَفسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهيدٌ ۝ لَقَد كُنتَ في غَفلَةٍ مِن هذا فَكَشَفنا عَنكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَومَ حَديدٌ ۝ وَقالَ قَرينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتيدٌ ۝ أَلقِيا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنيدٍ ۝ مَنّاعٍ لِلخَيرِ مُعتَدٍ مُريبٍ ۝ الَّذي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَأَلقِياهُ فِي العَذابِ الشَّديدِ ۝ قالَ قَرينُهُ رَبَّنا ما أَطغَيتُهُ وَلكِن كانَ في ضَلالٍ بَعيدٍ ۝ قالَ لا تَختَصِموا لَدَيَّ وَقَد قَدَّمتُ إِلَيكُم بِالوَعيدِ ۝ ما يُبَدَّلُ القَولُ لَدَيَّ وَما أَنا بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ ۝ يَومَ نَقولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتَلَأتِ وَتَقولُ هَل مِن مَزيدٍ ۝ وَأُزلِفَتِ الجَنَّةُ لِلمُتَّقينَ غَيرَ بَعيدٍ ۝ هذا ما توعَدونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفيظٍ ۝ مَن خَشِيَ الرَّحمنَ بِالغَيبِ وَجاءَ بِقَلبٍ مُنيبٍ ۝ ادخُلوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَومُ الخُلودِ ۝ لَهُم ما يَشاءونَ فيها وَلَدَينا مَزيدٌ ۝ وَكَم أَهلَكنا قَبلَهُم مِن قَرنٍ هُم أَشَدُّ مِنهُم بَطشًا فَنَقَّبوا فِي البِلادِ هَل مِن مَحيصٍ ۝ إِنَّ في ذلِكَ لَذِكرى لِمَن كانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهيدٌ ۝ وَلَقَد خَلَقنَا السَّماواتِ وَالأَرضَ وَما بَينَهُما في سِتَّةِ أَيّامٍ وَما مَسَّنا مِن لُغوبٍ ۝ فَاصبِر عَلى ما يَقولونَ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وَقَبلَ الغُروبِ ۝ وَمِنَ اللَّيلِ فَسَبِّحهُ وَأَدبارَ السُّجودِ ۝ وَاستَمِع يَومَ يُنادِ المُنادِ مِن مَكانٍ قَريبٍ ۝ يَومَ يَسمَعونَ الصَّيحَةَ بِالحَقِّ ذلِكَ يَومُ الخُروجِ ۝ إِنّا نَحنُ نُحيي وَنُميتُ وَإِلَينَا المَصيرُ ۝ يَومَ تَشَقَّقُ الأَرضُ عَنهُم سِراعًا ذلِكَ حَشرٌ عَلَينا يَسيرٌ ۝ نَحنُ أَعلَمُ بِما يَقولونَ وَما أَنتَ عَلَيهِم بِجَبّارٍ فَذَكِّر بِالقُرآنِ مَن يَخافُ وَعيدِ﴾ [ق: ١-٤٥]


لا أدرك كيف يتجاوز امرؤ هذا فيخرج منه كما دخل، كيف يعرض بعد أن يرى الله يثبت للمكذبين بالحق؛ بما يرون ويسمعون، بما يمرون عليه كل يوم دون إدراك، بما ينظرون إليه نظرة سطحية ساذجة متعودين على هذه المناظر الطبيعية التي باتت جزءًا من الحياة فحسب. كيف تفقد دهشتك وأنت تنظر إلى السماء الرحبة الممتدة المرفوعة بلا عمد، بل والمزينة بالسحاب والنجوم والكواكب لتغدو منظرًا فاتنًا آسرًا ليل نهار؟ كيف تتجاوز الأرض وهي تنبت الزرع من الرمل والصخر والحجر والتربة في أشكال عجيبة بديعة وثمار مختلفة لذيذة وأخرى ذات شوك وأخرى سامة وكل هذا يسر الناظرين؟ كيف لا تفيض حمدًا والله ينزل عليك الماء المبارك الذي تستبشر به بعد قنوط وتتغير به نفسيتك عوضًا عن تغير الأرض واستبشار الخلق جميعًا؟ كيف لا تستوقفك النخلة التي يكثر وجودها في بيئتك وهي تنفلق من نواة هي جزء من عقلة إصبعك لتصبح نخلة مثمرة طولها أضعاف أضعاف طولك تشقى لتتسلقها لتجني ثمرها الذي هو رغم قساوتها وشوكها حلو المذاق يكون رطبًا فينضج تمرًا وأنت تأكله بأنس وسذاجة وأنت لا تفكر في موجده؟ تبصرة وذكرى لكل عبد منيب.

ثم يذكر الله لك عواقب الأمم السابقة؛ فلعلك إن لم تفتح عينيك على ما حولك تفتح عينيك أو قلبك لهذا، حين يخبرك عن أناس عاشوا على الأرض التي تعيش عليها ويجعلك تبصرهم وهم تأتيهم الآية تلو الآية وهم يعرضون، أفلا يؤثر فيك أن أقوامًا قبلك رأوا آيات مشابهة لما ترى، ولكنهم لم يستغلوا الفرصة ولم يؤمنوا وجاءتهم عاقبة لا تسرهم، أفتذهب للعاقبة نفسها بكامل إرادتك وأنت تسمع وترى وتضيع الفرصة التي بين يديك؟

يعود الله فيذكرك بنفسك، يذكرك أنه يعلم كل ما يدور في رأسك وكل ما ينهشك من صراعات محتدمة، يعلم أنك تريد ولكنك تتهاون أحيانًا وتنسى، ويعلم أنك تصارع ليغلب الخير فيك ولكنك تضعف أحيانًا، ويعلم أنك ضعيف جدًا ونفسك والشيطان عليك إن لم تتقوَ به، يعلم كل هذا؛ وهو أقرب إليك منك ومن وريدك الذي لا يمكنك قياس قربه إليك أصلًا لأنه بداخلك. يذكرك الله بحنان مرة ثانية بالدار الآخرة ومصيرك فيها، يقول لك لا تجعل هذا كله يمر عليك كشريط أسود لحظة موتك حين لا تملك شيئًا وتود الرجوع والابتعاد عن ذاك الواقع المرير بأي شكل كان. يقول لك اجعل ما ذكرته آنفًا سبيلًا لك للإيمان اليقيني أن الغيب حق، وأن القيامة حق، وأنك يجب عليك أن تجعلها ماثلة أمام عينيك في كل تصرف وإلا لن يكون مصيرك مريحًا. يقول لك الله أنك كنت تعرف، وسمعت، ومر كل شيء عليك، ولكنك كنت تحسب أنك بذكائك تختار الطريق، وأنك عاقل وأنت تحيد عن الصراط، وتنسى يا إنسان أنك كنت في غفلة فلا ينفعك اليوم شيء. يخبرك الله كأنه ماض حصل لك أنك وجدت نفسك فجأة هناك في ذاك اليوم حيث لا رجوع؛ وجدت نفسك على باطل، وأنك نادم أشد الندم، وأنك متيقن بضلالك وبغفلتك التي كنت تستظل بها ولا تريد أن تخرج من منطقة راحتك الوهمية إلى منطقة راحتك الحقيقية في الدنيا والآخرة. وجدت أن قرينك إنسًا كان أو جنًا يقول أنه ما أضلك وحده، بل أنت كنت غارقًا في الغفلة إلى درجة أنه لم يحتج لبذل جهد حتى تضل في نهاية المطاف، بل كان عليك من نفسك آمر وناهٍ هو الذي يدعك غارقًا وأنت تحسب أنك مرتاح وأن هذا الغرق نجاة. يقول لك أنه قدم إليك بالوعيد، لكنك لم تتأثر، واخترت الطريق الأسوأ!

أما إن كنت أذعنت، وفتحت عينيك ورأيت، وذقت الحلو في الدنيا قبل الآخرة، فهو يعطيك كما أخبرك تمامًا؛ امتدادًا للنعيم الذي كانت روحك تعيشه في الدنيا. هذا كله فقط إن استخدمت ما حولك ووعيت إلى أن وراء هذا كله غيبًا، وآمنت به دون شك، وتعلق به فؤادك حتى وأنت لا ترى منه شيئًا محسوسًا، هذا كله لأنك نظرت أبعد وأعمق، وبالطبع أحكم!

يذكرك الله مرارًا وتكرارًا، يقول لك انظر إلى من قبلك وإلى حالك وإلى من حولك وإلى كل شيء، كن عميق النظر بعيد المرام، هذا فقط إن كان لك قلب أو ألقيت السمع حين شهدت. هذا كله سيمر مرور الكرام على من سمعه ألف مرة ولم يهتم؛ لأنه لا يريد أن يهتم، أو لأن نسيانه امتد حتى طغى عليه. فذكر بالقرآن من يخاف وعيد الله؛ لأنه وحده الذي يسمع ويرى!

______________
رُبّ انقطاع أثار استفاضة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق