الثلاثاء، 21 مايو 2019

مذكرات طالبة جامعية 17

بالأمس كنت أمشي لا على الأرض؛ بل بين السحاب أنط، واليوم، أمشي وكأن عمودًا من السماء أحمله فوق رأسي، فكلما حاولت تخففًا، ازداد ثقلًا ليغرسني في الأرض أكثر. يبدو أن انغراسي في الأرض مجدٍ هذه الأيام.

تمر أيام متعاقبة لا أنام فيها إلا ساعتين أو ما يقاربهما، يطأني الليل بكل قوته وهو يمشي عليّ، وأنا لا أصرخ ولا أبعده، بل أدعه يفعل بصمت لئلا يأتي الصبح -وقت الاختبار- وأنا لم أنهِ المذاكرة بعد. حين أنام بعد أيام من قحط النوم، أنام لأقل من ساعتين ثم أستيقظ دون سبب واضح، غير أن جسمي اعتاد على عدم النوم. تمر أيام عجاف ونحن مذبذون، لا إلى رمضان وإلى غرق في روحانيته وملازمة القرآن فيه، ولا إلى المذاكرة كما ينبغي. نركض بين التراويح وبين المحاضرات المتكدسة التي لم نذاكرها بعد، نخطط لمقاومة النوم أكثر من قيام الليل، ولقضائه في المذاكرة أكثر مما نبتهل فيه. بعد كل هذا، لا ننهي ما علينا ولا نشعر أننا تشبعنا مذاكرةً، نفوض الأمر إلى الله، ونطلب منه مدده، ومعجزاته أحيانًا. 

أسبوع يمر ولا أعرف كيف يمر، أذوق فيه مرّ الوحدة في أصدق معانيها. أمي وسليمان بعيدون، لا بأس فهم في جوار الله، والله وحده يكفلني ويرعاني ويؤويني. أحمل وحدي ما كان يحمله ثلاثة، وحين أتعب جدًا من المذاكرة وأتبعثر قبل الاختبار، أستحضر أمي وهي تلملم قلبي وعقلي وروحي بدعواتها بالتوفيق والتيسير والفتح والتفوق وكل خير. كيف وهب الله الأمهات هذه القدرة الهائلة على إحياء كل ميت فينا؟ لا أعرف. ما أعرفه هو أنني تركت أمي هناك ظهر الخميس، وتركت قلبي معها، وأنتظره ليخرج إليّ صباح الجمعة القادمة! 

نستهلك كل ما آتانا الله من القوة لنبقى، نعطيها من حولنا حينًا، ونستمدها منهم تارة أخرى. يمسح الله على قلوبنا بالمطر الذي يحيينا به قبل الأرض، وبالأصدقاء الذين لا يتركوننا نضعف ولا نتوانى أبدًا. نمشي معهم تحت السحاب والمطر وبين الأشجار تخففًا، ونرقّع تقصيرنا بأذكار هنا، وتلاوة هناك، فرادى، وجماعة لنستمد منها الحياة.

بقي يومان. الجامعة تخلو، المكتبة هادئة مع فائض من المواقف القريبة، ونحن نقاوم التعب ونذاكر بقوة وشغف وحب. لله كل هذا ونحن نرجو أننا نقدم فريضة العلم بغية رفعة الأمة، على نوافل رمضان، ونأمل أن يكون هذا شفيعًا. لله كل الأيام التي لا ننام فيها، وحين ننام نزداد تعبًا من مطاردة الكوابيس، والاستيقاظ وكأن عشرة ينامون فوقنا -كما قالت مروة-. لله الأيام التي ستمضي سريعًا، وسنشتاق لها عمرًا طويلًا. لله كل هذا الجهاد، ومنه وحده نرجو الحصاد ونحن نسأله البركة ليل نهار. ولله كل ما نشعر ونفعل، وهو نعم الوكيل، وهو اللطيف الخبير. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق