الأحد، 4 مايو 2014

إِن أنتمُ بِعتُم بحورَ دِمَاهَا!

لم أتغدَّ اليوم، لم تكن نفسي ترغب بأكل أي شيء؛ ذلك لأنني كنت التي طبخت الغداء. تعودت أن أطبخ وأقطع الدجاج واللحم بنفسي وأطهوه ثم أتلذذ بأكله، لكن اليوم كان مختلفًا، كنت أصارع آلامًا كثيرة بينما كنت أقطع الدجاج، ربما أحد الآلام كان بسبب رؤيتي للدم الذي يقطر والصوت الذي يصدر حين كنت أنصف صدر الدجاج إلى نصفين، كنت أغرز السكين بقوة حتى يتقطع ويستسلم العظم للسكين فيودي بنفسه، أنا لا أتقزز من الدم أو غيره، أجد ولله الحمد كل الأريحية في التعامل مع الدماء وأعضاء الجسم الميتة أو الحية -بعكس أختي-، ولكن فكرة كانت في داخلي كانت تمزقني في تلك اللحظات! خيل لي أنني لا أجد أي بأس في تقطيع هذه الدجاجة لأنها دجاجة ميتة ونريد أكلها على الغداء! ولكن سألني ضميري سؤالًا بُهِتُّ أمامه وبدأت بالضياع بحثًا عن الإجابة، ألا يجد سفاحو العالم الذين يمزقون أجساد البشر إربًا بلا مبالاة ولا ضمير أي بأس في ذلك؟ ألا يخيل لهم كم أن جهنم تستعر شوقًا إليهم؟ وأن تجويع قطة لفترة بسيطة أحرق حابستها في لهيب ما له نهاية، فما بال أمم تباد بلا أدنى أسف أو أسى؟!
على إثر الفلم الذي شاهدته قبل البارحة (سارقة الكتاب)، لم يكن يتحدث أبدًا عن أي موضوع متعلق بهذا، فقط في نهاية القصة عرض مقطع بسيط من الحرب العالمية الثانية والدمار الذي حصل، حيث تكرر القصف على المدينة في ألمانيا عدة مرات، ولكن في كل مرة كانوا يجلون أهل المدينة لملجأ نفقي، إلا المرة الأخيرة التي قصفت فيها المنازل بلا سابق إنذار، فمات خلق كثير، ومنهم أبو وأم وصديق بطلة الفلم (ليزل) التي في ربيعها الثاني عشر، فكانت تبكي بمرارة لأنها الناجية الوحيدة من بين من احتضنوها وكانت تعيش في كنفهم، فكانت في تلك اللحظات تتذكر كل لحظاتها معهم وغصها ألم فقدهم فجأة بهتانًا وظلمًا! في تلك اللحظات تحرك شيء عظيم في داخلي! سببه لا البطلة ولا المشهد ولا الفلم؛ سببه تذكر الآلاف الذين يبادون يوميًا والأطفال الذين يتيتمون وينوحون ويودون لو يفتدون أهلهم بملء الأرض ذهبًا، ولكن الطغاة ينتشون بإبادة ذويهم ونشر الدماء كأنها رسالة سلام لا إعلان وحشية حيوانية بحماقة! وجدت بطلة الفلم زوجة العمدة لتأخذها وتحميها وتربيها، وعاشت إلى ما بعد عامها التسعين، ولكن المفجوعون المساكين ربما لا يعيشون لساعة قادمة لأن أسلحة حضرات المسؤولين تلعب معهم "الاستغماية"، أو كما نقول "مداسُّوه"! وليت جحافل المسؤولين تعي أنهم مسؤولون ومعذبون عذابًا لا يعذب به أحد من العالمين!
حقًا لا أدري ماذا أقول، ربما تقول عني هذه القصيدة بعض ما أقاسي!

قالوا : صباحُ الخيرِ قُلتُ : وقُدسُنا؟! 
قالوا : لعلّ الخيرِ في شكواها ! 
والشامُ ؟! قالوا ما لنا والشامَ يا 
دَعها فربُّ العالمين يَراها! 
وعِراقُنا؟! بورما وغزّةَ أينَ هُمْ 
والضفّة الثكلى ودمع ثَراها؟!
قالوا: صباحُ البؤسِ اشربْ قهوتكْ 
ثمّ "انقلعْ " يكفيكَ أن تتباهى 
أنْ كلَّ يومٍ أنتَ في أرجاءها 
تُرخي الحُروفَ لكيّ تُظلَّ فضاها .. 
دعْ عنكَ آهاتِ البلادِ فكُلّها 
اللهُ يرعى أهلَها، يرعاها .. 
فرميتُ فنجاني وقُلتُ عليكمُ 
منّي البصاقُ، أبعتِمُوهُ هَواها؟! 
كيفَ الصباحُ يجيءُ بالخيرِ الّذي 
تحكونَ عنهُ ودمعُها يغشاها؟!
كيفَ الهناءُ يعودُ في جنَباتِها 
إنْ أنتمُ بعتُمْ بحورَ دِماها؟! 
كيف السعادةُ خبّروني واللقا 
بالأرضِ إنْ هتكَ الطّغاةُ رباها؟!
منْ خانَ دمعَ الروحِ في أوطانِنا 
وبكاء أمِّ يقتلونَ ضناها 
يا ربّ سوّدْ عيْشَهُ وأذلّهُ 
واكتبْ لهُ في النارِ أن يحياها .. 
ومَضيتُ ألتحفُ الجِراحَ وعبرةً 
ومَضى الزّمانُ ولم تزلْ ذكراها
قالوا صباحُ الخيرِ ، قلتُ: إشارةً 
يا صحبُ عذرًا " أخرَسُوا الأفواها " 


لـ © #المرابط* / محمود عيّاد



ربما يتبع...!

هناك تعليق واحد:

  1. مؤلمة حد النزف!
    بعض المواضيع نرى أن الحديث فيها لا نهاية له ..
    مهما حاولنا أن نتبعه بحديث آخر و آخر!
    لن نستطيع رفع القلم لـ نقول أنهيت الحديث!

    http://basil-garden1.blogspot.com/2014/05/blog-post_4.html

    ردحذف