الأربعاء، 21 مايو 2014

رحلَةٌ، بينَ عُرُوبَة وَثَقَافَة!

أمضيت سنينَ أظن أنها كافية جدًا لأكتشف؛ من أين تبدأ الرحلات؟ لم أكتشف الإجابة بعد. أعتقد أن السفر دائمًا ينتهي قبل أن يبدأ، ونفترق دائمًا قبل أن نلتقي. الله يريد أن يثبت لنا أن الحياة مهما أهدتنا وابل سعادات فهي ستمضي سريعًا وتؤول إلى الهلاك، السعادة الحقيقية سعادة الجنة وفقط!
ربما بدأت رحلتي من سؤال أمي المستمر قبل أيام هل أعددت حقيبتي للسفر أم لا، وأنا بكل برود أرد عليها أن الوقت ممدود وسأعدها في اليوم نفسه، وربما بدأت حين تفاجأت بالأستاذة في سلم المدرسة وأنا مستعجلة لأنني متأخرة عن حصة الفيزياء فبشرتني بفوز، وما جعلها الله إلا بشرى لي وليطمئن قلبي به، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم، أم بدأت حين بدأت بجر حقيبتي وحدي في المطار، أم في اللحظة التي استأمنتني تلك المرأة على ابنتها الصغيرة، أنا حقًا لا أعرف لأن كل شيء كان سريعًا!
قبلات أختي قبل خروجي للمطار، دعوات رفيقاتي وتشجيعاتهن التي ما فتئت تحفني، وسؤال أمي وحرصها رغم بعدها عني بحكم الظروف، كل ذلك كان يشعرني بحجم الأمانة التي كنت أجرها مع حقيبتي في المطار حين أقلني أخي ودعا لي بالسلامة، كنت أشعر أنني كبرت فجأة وأصبحت مسؤولة تمامًا عن نفسي، حيث لا أحد إلا أنا ووفد من بلدي سنمثل عمان بأكملها أمام العرب، كان وفدًا لا أعرفه بعد، كنا مجرد غرباء سمعنا أننا سنترافق في السفر، يمكنني أن أقول أنني كنت وحدي تمامًا، لأنني حين وصلت كنت أودع من أعرف بهاتفي ولم يحدثني أحد، كنت مجرد غريبة جالسة بجانب الوفد العماني في زاوية من زوايا أحد كراسي المطار القليلة التي يقف كثير من الناس متعبين لا يستطيعون الجلوس لقلة الكراسي. كنا واقفين ننتظر التذاكر، وكل صغيرة تودع أبويها، لا أعرف حقًا ما الذي دفع أمًا حريصة على ابنتها الصغيرة تبدو أنها مدللتها على توصيتي أنا بالذات على ابنتها بعد مباشرتها بسؤالي هل أنا مشاركة أم مشرفة وجوابي أني مشاركة، وكيف كانت تقول لي أنها تستأمنني على ابنتها أكثر من المشرفة، وأنها أختي الصغرى وأكثر من أختي، وأنني سأكون التي أدبر لها شؤونها وأصفف لها شعرها وأعتني بها. أتوقع أن الله ساق إلي حينها القدر الذي أحالني إلى أم فجأة! خاصة وأن بنات إخوتي الصغيرات أهتم أحيانًا وأقوم بشؤونهن، ولكنهن -بدلعهن- لا يرضين أن يصفف أي أحد شعرهن سوى أمهاتهن. رضيت بفرح وبشرت الأم خيرًا بعد وصاياها على ابنتها، ولكن القلق كان يصارعني، لم أكن متأكدة أنني أستطيع حقًا الاعتناء بالطفلة التي في داخلي التي يعدونها ناضجة، فكيف بتحمل مسؤولية طفلة لم تكمل التاسعة، ابتلعت قلقي وبدأت أمثل دور الأم الحريصة، عمومًا؛ أعتقد أنني أبليت بلاءً حسنًا جدًا! أسعدني شكر أمها اليوم بعد عودتنا من السفر واستلام ابنتها!
كان السفر إرهاقًا، كل ما فيه مر بسرعة إلا التعب الذي كان لذيذًا نوعًا ما، رمى كل أحد بنفسه واستسلم إلى سريره بعد هلاك السفر، إلا أنا التي لم أكن أود النوم فعلًا! كنت أشعر أن هناك شيء أهم من النوم! أرغمت نفسي ونمت بعد أن اطمأن أخي علي وعلى سلامة وصولي.
في اليوم الذي نعده الأول، افتتحنا الصبح بعقد علاقة جديدة مع الوفد الأردني، كانت الفتيات وديات يحببن الثقافة والتعارف، ارتحت إليهن لأول وهلة وسلمت لهن الأمان للاقتراب. استمر يومنا بزيارات هي أقرب لمضيعة الوقت من الفائدة أو الاستمتاع، فار دمي بسبب امرأة مسؤولة يعلو صوتها في مكان عام وتبدأ بالصراخ على أحد الوفود لسبب سخيف لا يذكر، وتمنع ذلك الوفد من التحرك إلا تحت سطوتها وحسبما تقول، وتهددهم بل وتعاقبهم! لا أدري بأي عقل استطاعت أن تظن نفسها راعية غنم، بأي عقل استطاعت أن تصدق ذلك؟! هي مسؤولة عنهم ولكنها تظل لا حق لها أن تتحكم فيهم لدرجة غبية وتفضحنا أمام الأمة! ربما استطعت أن ألتمس لها بعض الأعذار أنها وليدة رضعت الخضوع وهي نتيجة تربية حكام عرب! سكب على فؤادي بعض الماء البارد في وسط غليله قميص ذاك الشاب، كان الشاب فلسطينيًا مع الوفد الفلسطيني يرتدي قميصًا أتمناه منذ مدة وأسعى بكل الطرق للحصول عليه ولم أزل لم أتوصل إلى شيء! قميصه صنع في القدس ورسمت عليه خريطة فلسطين وكتب عليها (الأرض النا)، بعد طول نَوح قلت للفتاة التي بدأت تصبح صديقتي من وفدنا أن الشاب لو سمع نواحي وعلم مدى رغبتي العارمة المجنونة في قميصه لوهبني إياه! عمومًا مر الجزء الأول من اليوم بسرعة رغم أن الغباء كان يعتريه وكنت أضرب كفًا بكف غمًا؛ لكنني كنت أحاول الاستمتاع بكل شيء، ما دمت ملزمًا فاستمتع! كنت أحاور وأسعد مع من بدأن يصبحن صديقاتي وطفلاتي، ثم ما إن خمد الجميع تعبًا واتخذوني سريرًا ومرتع راحة، تذكرت أختي ودعوت لها كثيرًا، ربما عرفت معنى أن تبقى صاحيًا بينما جميعهم في سبات يتخذون حضنك مخدة ووسادة؛ لتكون الأمان وسط النصب أو تكون حنانًا وسط وحشية! دعوت لها كثيرًا حبيبة القلب، كنت نادمة لأنني لم أصطحب كتابًا معي، فبدأت بقراءة كتاب إلكتروني بهاتفي، حين استيقظ النائمون، كنت أبتسم حين كانوا يقولون: حتى في الرحلة تقرئين! يا لثقافتك! كنت أتساءل هل أنا حقًا مثقفة؟ وهل يستغني امرؤ عن طعامه أو شرابه لأنه في رحلة؟ أم يقتات منها للضرورة ويستمتع بها في رحلته! مضى اليوم إلى أن وصلت بعد المغرب جزئية مرحة لعبنا فيها في المدينة الثلجية، هنا لا أعرف حقًا لماذا كنت ألزم نفسي بالاستمتاع وتأبى! حتى أن إحداهن سألتني عما يعتريني فقلت لها لا شيء، هو حقًا لا شيء ولكن لا أعرف ما الذي دفعني لتكبد عناء عظيم حتى أستمتع! هل يعقل أن نفسي كانت تعاقبني بإضراب عن السعادة لأنني لم أسمع صوت أمي ليومين؟! حقًا لا أعرف. المهم أن تكبد العناء أفاد قليلًا واستطعت الاستمتاع. هناك كان الاعتناء بالصغيرتين صعبًا، خاصةً بعد أن اختفيتا فجأة فذعرنا وبدأنا نبحث عنهما بجنون في كل مكان ولا نجدهما، وبينما أنا في شتاتي وهمي العثور عليهما إذ بي أقع بقوة على حافة صخرة جليدية في جو متجمد، قمت متجاهلة كل ما بي كي أعثر عليهما! كنت أعلم أنني أتألم ولكنني لم أتوقع أن الأمر بالسوء الذي كان عليه، فحين وصلت الفندق واستبينت رأيت أن ركبتي تحولت إلى ورم عجيب بألوان الطيف كلها وعروقي حتى تظهر واضحة، ظللت في الأيام التالية أثير رعب صحبتي بتهديدات لمن تقترب أو تمس ركبتي لأنها تؤلمني كفاية، تعلمت هناك كم أنني مسكينة مثيرة للشفقة، سقطة بسيطة آلمتني وبت عندها ضعيفة إلى هذا الحد، بل وأهدد من تلمسني هناك! يا لضعفي ويا لفقري! ويا لبؤسي حين أتشاكى من كدمة بسيطة وأنسى أو أتناسى -بمعنى أصح- أهل المشافي والمصائب، وأشفق على نفسي حين ينعدم الضمير فيّ فأنسى وأضرب من أصيب بابتلاء في أحد أعضائه بلا أدنى هم ثم أتذكر لاحقًا وأعتذر بحماقة!
كان صباح اليوم الثاني مميزًا، فأنا التي أتمنى التقرب إلى الوفد الفلسطيني أكثر وأبحث عن فرصة لذلك وأدعو الله، الله أرسل لي الفلسطينيات حتى مكاني وأنا أفطر ليجلسن برغبتهن معي، تحادثنا قليلًا، أدركت حجم جهادهم وهم يصفون لنا طريقهم إلينا بعد سؤالي، وكيف احتجزهم الصهاينة عند الحدود وأخروهم، ثم ترد امرأة من وفدنا: "حكم القوي!"، انشطرت في داخلي إلى ملايين القطع، وتجاهلت الغصة التي خنقتني قائلة: "الأرض لنا وتعود غدًا بإذن الله، صبرًا فنحن سنكون الأقوياء"، لا أدري لمَ حينها أنزل الجميع رأسه وكأنها كانت لحظات حداد على ما قلت، ألثقل الأمر وصعوبته أم لبعده؟ تسارع انتهاء فطوري بإعدادي للأولى من وفدنا للتصفيات على مستوى الوطن العربي وامتصاص توترها، كنت أثق أنها لن تخيب ظن عمان خاصة بعد أن كنت أدربها على الحوار حتى وقت متأخر من الليلة السابقة بعد أن نام جميعهم وأمرونا بالنوم حتى نصحو مبكرًا ونتعب في اليوم الثاني، لكنني لم أكن مهتمة بالنوم، أظن أن فلسطين وأمتي كلها تحتاجني أكثر مما يحتاجني النوم! اتجهنا بعدما لبست جميع الفتيات من الوفد العماني الزي العماني ما عداي، كن يبدين أنيقات وجميلات ورغب كل الناس بالتقاط صورة معهن وأعجبوا بزيهن، كنت سعيدة بهن، كنت أرتدي أنا زي مدرستنا الساتر ووشاح يحمل علم عمان ويمثلنا وقيل لي أن أقف في وسط البنات كي يعرف زيهن أنه تابع لعمان، لم أكن داخليًا أرغب تمامًا بارتداء الأعلام، إنه لفخر لدولتي عمان أن تمثلها بناتها في محفل دولي، ولكن قصص الأعلام أحيانًا لا تبين مجرد وطنية وفخر، بل تسبب لي أحيانًا بعض الألم وأنا أرى كل عربي يتغنى بدولته وفقط! ليت للأمة أغنية يرددها كل طفل وكهل! وعلمًا يرسم على الجباه يهابه كل من يراه لعزة وقوة هذه الأمة! بعيدًا عن أحلامي ارتديت وشاحي وأعلامي. مشهد سعيد أن نرى الأعلام كلها يجمعن لسان الضاد عليها، كنت أتذكر الموقف قبل عامين، حين كنت الأولى على عمان، وتأهلت لأمثل عمان أمام الوطن العربي، لا أعرف  كيف كانت عقليتي تحثني على أن أفوز على مستوى الوطن العربي كي يقال أني فزت! لحظة إعلان النتائج كنا نترقب، وإذ بالمركز الأول تحصل عليه فلسطينية، عندما اعتلت المسرح علمتني معنى الفوز، قالت: "أنا لم أجتهد وآتي إلى هنا وأبذل ما بوسعي للمركز الأول بذاته، بل فعلت كل ذلك لحاجة، لكي يتاح لي قول هذه الكلمة أمامكم جميعًا! فقط جئت أقول: أن فلسطين ليست قضيتنا وحدنا، فلسطين قضيتكم جميعًا! فلسطين تحتاج إليكم فلا تخذلوها!"، كان كلامها في محفل دولي أشبه بخيط حياة! علمت حينها أن خسارتي لم تكن إلا ضرًا، أأفوز لنفسي وكي يقال أنا؟! عدت بذاكرتي إلى الوقت الحاضر، أشلاء أوطاننا يحتفون بها، لم أعجب من شيء كما عجبت لهذا الشيء، وفد من وفود إحدى الدول العربية لم يكن يبدو عليه أي مظهر لعروبة أو دين! كنت أعتب في بعض الوفود أن الفتيات اللاتي لسن صغيرات لا يرتدين الحجاب، ولكن تعجبت من ذلك أكثر! لم تكن الفتيات وحدهن غير محجبات، بل مشرفتهن وقائدتهن كانت ترتدي ما أستحي لبسه حتى أمام محارمي! كنت أعجب كيف يقرأ أولئك الناس؟ بل ماذا يقرؤون؟ لذا لم يكن الجمع كله يبدو مثاليًا للعروبة والإسلام، لم يكن كل الحضور مصطفَون لطاعة الله أو لحمل اسم العروبة! أعتقد حقًا أن الفكر الإسلامي الواعي الراقي اصطفاء من الله وحده، حتى هؤلاء الذين اختيروا من بين المئات لم يكونوا على اصطفاء! عدت بفكري إلى أرض قاعة الحفل، تم تكريمنا وسعدت جدًا وأنا أرى شباب بلدي من فريق (عمان أمانة) لهم حضور قوي في حفل دولي كهذا، أسعدني وجودهم وجهدهم أيما سعادة، في شباب بلدي خير! وصل التكريم إلى إعلان العشرة الأوائل على مستوى الإمارات، ثم وصلوا سريعًا لتكريم الأولى ومدحوها حتى تشوقت لرؤية فتاة بتلك الأوصاف وتخيلتها فتاة تبني أمة، أعترف أن ظني خاب قليلًا حين رأيت مظهرها. في تلك اللحظات كنت أحدث ربي في داخلي، أقول لو أنني كنت الأولى على عمان وتأهلت لأمثلها أمام العرب لربما فزت، كانت الفتاتان العمانيتان لا تعابان، ولكن لم تكن أسئلة التقييم النهائية مراعية لسنهن، كنت أقول في داخلي أيا رب! لو كنت أنا لأجبت عنها! أنا لا أهتم الآن بالمركز بقدر ما أهتم بأن يتاح لي قول كلمة أمام كل هؤلاء! كان ربي يعلم ما في داخلي وما أود قوله كما يفعل دائمًا، ولكن أنى يكون لي ذلك؟! قطعت خيالي داعية الله أن يكون الأول على العرب أهلًا له! كان الثالث جزائريًا والثانية أردنية، والأول كان مصريًا، من عجائب فعل الله ولطفه بي أن كان الأول مستحقًا للأول، وقال الرسالة التي أود إيصالها بالذات! لفتني قبل أن يتحدث أنه لم يكن يرتدي أي علم لبلده، أعطي ناقل الصوت فقال: "أنا لم آتِ إلى هنا لأمثل بلدي فحسب، أنا هنا لأمثل العرب والمسلمين، كل واحد هنا يعتز ويفخر بدولته، ولكن ألن يكون أجمل إذا افتخر كل منا بعروبته وإسلامه وعزته؟! لن تنهض أمة ما دامت حدود دولية تفرقنا، لن تنهض إلا لو كنا مسلمين عرب فقط! لو كانت قضية أحدنا قضية أمتنا! لن تنهض أمتنا إلا بالعلم والعودة لحضارتنا. فلسطين تنتظر تحريرها بعودتكم لدينكم ولغتكم وحضارتكم، لا تتأخروا عليها!"، عجز قلبي إلا عن الحمد والشكر كثيرًا، كان مستحقًا للمركز وعلم الله ما في نفسي فأنطقه ليقولها! حمدت الله كثيرًا؛ انطلقنا لنلتقط صورًا ثم نتوجه لنأكل الغداء جميعًا، كان لي حديث لطيف مع اللاتي أستطيع أن أقول أنهن أصبحن رفيقاتي من الوفد الأردني، انتهى الحديث سريعًا لنتوجه للحافلات وأواصل قراءة كتابي الذي ناقشتهم لتوي عنه، كانوا يستمرون بالتعجب مني ومن حب القراءة فيّ، كنت أبتسم وأكمل، ألم يعوا بعد أن القراءة لإنسان مثلي كالرضاعة لإنسان في شهره الأول؟! تغدينا ورافقت الصغيرات للعب، وبعدها قررنا أن نتمرد ونخرج عن سيطرة المسؤولة، في أحيان كثيرة نحتاج أن نتمرد ونخرج عن قانون بعض من يحكمنا لكي نعيش بسعادة وسلام! توجهنا إلى السوق وبعده إلى مركز تجاري آخر، كان التعب يلفني بقوة وأصارعه، لم تكن السعادة يومًا لمرتاح يلا حدود! طوال الرحلة وأنا أكرر لهم أني أشتاق لوالديّ جدًا، ولكن حين وصلت للمركز التجاري الذي أتيح لي فيه التواصل مع امي، أدركت كم كنت حقًا أشتاق إليها بقوة! استمتعت قدر استطاعتي هناك ثم عدنا إلى الفندق لليلة الأخيرة، في الحافلة لم أستطع القراءة، كنت أتحدث مع الصغيرة المصرية التي كانت تجلس بجانبنا، ثم انتقلت للحديث مع مشرفها، كنا نتحدث في اللهجة المصرية وثقافتها وارتباطنا بهم. وصلنا وقد كنت أعزم قبلها على أن نمضي الليلة الأخيرة في سهرة مع الوفود الأخرى، رغم تعبنا لم أكترث، النوم متاح في أي وقت لكن لقاءهم لا يتم إلا الليلة! أشفقت على رفيقاتي التي رمت كل واحدة منهن بنفسها فور وصولنا، كان إرهاقًا تامًا! استسلمت للنوم.
بعد فجر يوم السفر، استيقظت متأخرة لأراهم جميعًا مستعدين للخروج للمطار، لا أدري كيف وماذا، جهزت سريعًا، نزلنا إلى الاستقبال لنرى الوفود الأخرى أيضًا مستعدة، قابلت بعض رفيقاتي الأردنيات ورأيت البقية في الكراسي كأنهم شهداء معركة! تبينت لاحقًا أنهم عادوا في وقت متأخر جدًا من الليل ولم يناموا الليل أبدًا! عرفت حينها أن الانقياد للقائد رغم ميله عن الصواب ليس شجاعة، وأن التمرد أحيانًا كثيرة حكمة! وتبينت أننا استمتعنا جدًا بينما تعذبوا هم، ازدحمت لحظات الوداع ووعود التواصل وتبادل الأرقام والحسابات، سرنا إلى المطار وافترقت جثثنا. 
في المطار طال وقوفنا وانتظارنا، حتى جلست أصغرنا طفلتانا شذى (٨ سنوات) ومريم (٩ سنوات) على أرض المطار غير مباليات بمن حولهن من التعب! جلستا تلعبان وتعبثان وتتشوقان للعبة التي اشترتها مريم وكانت تحملها في يدها، قالت لي رفيقتي انظري إليهن كيف جلسن! قلت لها أنهن يعجبنني! أحب في الصغار بساطة قلوبهم وصنع سعاداتهم بأنفسهم غير مكترثين بما حولهم أو بالتعب. سهوًا من مريم وكعادة متاعب السفر، اكتشفنا لاحقًا أنها نسيت حقيبتها الصغيرة التي تحمل فيها هاتفها الذي أودعته أمها عندها كي تتواصل معها ومالها وحاجاتها، فغضبت المشرفة عليها أيما غضب وبدأت بالصراخ في وسط الناس واللوم والنزاع والشتم، بينما لو تعاملت بهدوء لكان خيرًا لها! غضبت أنا على تعاملها مع الصغيرة، أستطيع أن أقسم أنني لو كنت في مكان تلك الطفلة ربما لبكيت رعبًا! كنت أقول في داخلي: هذه متاعب السفر وخاصةً إن كان في السفر أطفال، إن كنتِ لا تستطيعين التحمل فجلوسك في بيتك في عمان خير لك! لا نحتاج لمن يلعب علينا دور المتحكم الغاضب الذي يصرخ ويلوم ويلعن! يحتاج بعض المسؤولين أن يراجعوا أنفسهم لأنهم مسؤولون! أوشكت الرحلة على الانتهاء. لم يسعدني في الرحلة مع رفيقاتي ومقابلة العرب كما أسعدني شيء واحد، كنا في الرحلة على ثلاث مذاهب: أباضية وسنة وشيعة، واختلفنا في أشياء لكننا كنا قلبًا واحدًا، كان ما يهم حقًا هو إسلامنا! أقرب رفيقات السفر إلي وأكبرهن سنًا بعدي كانت شيعية، كنا نتناقش في قضايا الإسلام والأمة غير مكترثين بمذهبي أو مذهبها، ربي وربها واحد، معتقدنا واحد، إذن ماذا يضيرنا فيمَ نختلف من مسائل بسيطة؟! إن لم نكف عن التعصب الديني والمذهبي والتركيز على نقاط الاختلاف فلن ننهض!

كانت رحلتنا رحلة رائعة لفوزنا بمراكز متقدمة على مستوى سلطنة عمان في مسابقة قطار المعرفة القرائية الدولية، وكان هذا محاولة تقليد لأدب الرحلات، أرجو ألا تكون كتاباتي إساءةً في حق الأدب!






شاهد برنامج القارئ الصغير - القارئة: مزنة بنت مبارك الراشدية  YouTube -: http://youtu.be/WT8MOH2d6fA

هناك تعليقان (2):

  1. هنيئا لكِ مُزنة ")
    بارك ربي في عملك و يسر أمورك
    و شرح صدرك لكل ما فيه خير لهذه الأمة ..

    أنت مدعاة للفخر بالنسبة لنا !
    بارك ربي خطاك و جمعنا بك في جناته ..

    ردحذف
  2. رائع
    ملحوظة.. لستِ الوحيدة من لم ترتدي الزي العماني
    أرى في الصورة أربعا تقريبا أخريات :)

    ردحذف