السبت، 24 مايو 2014

ذَكَاءُ أنثَىٰ وفِطنَةُ ذَكَر 1

دخل جميع الأطفال صف الروضة في رياض الأطفال، بينما أبت الطفلة مزنة التي بلغت عامها الرابع دخول ذاك المكان قط، كانت آنذاك ضحية رواية شتات مرض وهجرة وكانت تخشى الفقد مجددًا. مضى عام ووافقت على مضض دخول الصف التمهيدي؛ كانت تحب المدرسة والروضة ومعلمتها التي ترجو لقاءها حتى اليوم، ولكن شيئًا كان يمزقها إربًا ويبكيها حتى التعب؛ ذلك الفتى المسمى (قصي) الذي كان يجيد القراءة بمهارة وهو لم يكمل عامه الخامس، كان نجم المدرسة آنذاك، لم تكن لتهتم أنه نجم المدرسة بقدر ما كانت تذوب غيظًا حين تعايرها أخواتها الكبار بأنها طفلة حمقاء لا تستطيع أن تجاري قصي في قراءته، كانت تبكي بشدة وتترجاهن أن يعلمنها كيف تقرأ لتصبح مثل قصي، كن يقلن لها أنها في العام المقبل حين تدخل الصف الأول سوف تتقن القراءة وعليها ألا تستعجل، ولكن في الوقت ذاته كن يقتلنها غيظًا بقصي! لا أعرف لو كان قصي حيًا أو ميتًا، ولا أعرف أين هو أو كيف حاله ولا أعرف أي شيء عنه، لكنني آمل أن يكون يبذل جهدًا عظيمًا للأمة، وأقول له شكرًا لأنني تعلمت القراءة بسرعة وعشقتها بسببه!
بعيدًا عن بعض أجزاء طفولتي البائسة، سأقول شيئًا أرجو أن يكون ذا صدى وأثر، فالكيل قد طفح ولا أجد من سامع يسمع إلا ثلة قليلة من الشباب، وليتنا نحس منهم من أحد أو نسمع لهم ركزًا!
سؤال لطالما طرح وتسوئل في كل مكان وزمان؛
 "لماذا البنات أشطر من الأولاد؟!"
لا أكتب هنا لأعتدي على الذكور أو أستنقصهم، ولكن شيئًا في خاطري أريد بوحه، ورسالة في باطني يجب أن تصل!
على مر سنين حياتي لم أحد جوابًا شافيًا لهذا السؤال، ربما قال أحدهم أن الذكور يملكون الحرية أكثر من الإناث، إذن فهم يستطيعون الخروج من البيت وفعل ما يحلو لهم متى ما أرادوا، أما الإناث فهن شبه مقيدات لا يستطعن الخروج إلا مع أهاليهن وعليهن حدود كثيرة؛ ولذلك هن مضطرات للمذاكرة لأن جلسة البيت تفرض عليهن ذلك! -كما يقولون-، ولكنني لا أرى ذلك أبدًا! الأنثى وإن كانت أقل حرية في الخروج إلا أنها ولو جلست في بيتها ليست مجبرة أن تذاكر! هناك ملايين الأشياء التي يمكنها قضاء وقتها فيها -وأنا أشهد!-، إذن فالقضية ليست قضية خروج أو جلوس في المنزل. قال آخرون أن الذكر بطبعه متهور أكثر من الأنثى وطائش؛ لذلك فهو لا يحب اتباع أوامر المذاكرة ويحب التمرد والخروج عن قانون أنه يجب أن يذاكر، وأنا أقول أن الإناث أيضًا كذلك! إذن لا فارق هنا. قال بعضهم أن الأنثى بطبيعتها هادئة والذكر مشاغب؛ لذلك هي تفضل الانزواء والمذاكرة، أما الذكر فيفضل إظهار تمرده، وأنا أقول أن هذا أيضًا سواء، ففي بنات زمننا قلما تجد طالبة مدرسية هادئة تحب المذاكرة لهدوئها، وإنما تجد الطيش يغلب عليهن -ومنهن أنا-. قال بعضهم: أن الإناث يدللن في المدارس أكثر من الذكور، وأن المدرسات يعطين كل ما عندهن عكس المدرس الذي قد يكون جافًا مع الطلاب، وأقول أيضًا أن هذا ليس معيارًا، فكثيرًا ما أرى من مدرسين يعطون ويبذلون ويساعدون ويحتوون طلابهم أكثر من المدرسات بكثير، وكثيرًا ما يكون عناد الطلاب وتمردهم سبب لحرمان مدارسهم كثيرًا من الأشياء عنهم. قال بعضهم بأن غريزة الأنثى العاطفية وطبيعتها الغيورة هي التي تدفعها للمذاكرة أكثر من الذكور حين ترى زميلاتها متفوقات تشعر أنها يجب أن تكون مثلهن، ربما يكون هذا سببًا ممكنًا ولكنه ليس إجابة، بإمكان الذكر أن يذاكر وينافس أكثر من الأنثى إن صمم. قال آخرون أن الشاب يجب عليه أن يهتم بدراسته كي يحصل على وظيفة مرموقة تسنده في حياته، والأنثى لا تهتم بالوظيفة بقدر الذكر لأن الذكر قوام عليها سواءً أعملت أم لا، ويقال أن الذكر حين يرى أن الوظائف متوفرة سواءً أجتهد أم لا؛ يتكاسل عن المذاكرة. وهنا أعتذر عن كلامي، ولكنني أرى حقيقةً أن عذره أقبح من ذنبه! تجادل كثيرون وأدلى كل واحد بدراساته بعضهم يقول أثبتت الدراسات أن عقل المرأة أذكى من الرجل وقال آخرون أن عقل الرجل أذكى من المرأة بدراسات جامعات ومختبرات، أنا أقول أن كل ذلك هراء! لا الرجل أذكى ولا المرأة أذكى، إن الله فطر عقل الإنسان على الذكاء، صحيح أن الله ميز عقول الذكور بشيء والإناث بشيء، ولكن لن أجد لأي واحد منهما عذرًا لتقاعسه، كما قال الشاعر:
إن الذي يرتجي شيئاً بهمّتهِ
 يلقاهُ لو حاربَتْهُ الانسُ والجن
فلا السبب ذكاء ولا دهاء، السبب همة!

عذرًا لأنني سوف أشرع الآن في مقالي بإثارة قليل من الاستفزاز تجاه الذكور، لا أفعل ذلك استنقاصًا لقيمة ذكورة أو فخرًا بأنوثة لأنني أنثى! بل أفعل ذلك لغم ما لاقيت من وضع مخز هم عليه. أعلم جيدًا أنني قد أجد أنثى واحدة أفسد على الأمة من ألف ألف رجل، ولكن أمتنا تحتاج إصلاحًا عامًا، وأمتنا تحتاج -أمس الحاجة- رجالًا!
تساءل دكتور كبير في إحدى الجامعات بعجب: كيف تكون الإناث ذوات معدلات أعلى من الذكور؟! الإناث غالبًا ملتزمات بأعمال منزلية يساعدن فيها أمهاتهن ما بين طبخ وتنظيف ورعاية للصغار، أما الذكور فبمَ يكلفهم أباؤهم حتى لا يقتدروا على المذاكرة جيدًا؟! الأنثى قد تقضي يومها تساعد أمها في أعمال البيت وتسهر للمذاكرة وتنام متأخرة وتصحو مبكرة، طبعًا في زمننا الحالي نرى كثيرًا من الإناث مدللات بخادمات وليس عليهن الاهتمام حتى بأبسط شيء يخصهن، لكنني بالتأكيد لا أعمم، أقول عن المتعارف عليه العام. فمثلًا أمي -حفظها الله وآجرها- تقوم بكل أعمال البيت تقريبًا في منتصف الأسبوع، لأن المنزل يكون خاوٍ من أختيّ الجامعيتين، وأعود أنا مرهقة أحتاج راحة وأحتاج مذاكرة وأحتاج أشياء أخرى، فمن رحمتها قلما تدعونا لمساعدتها في عمل من أعمال المنزل، ولكن في عطل الأسبوع، غالبًا ما لا تكون أمي في المنزل وتنشغل أخواتي بمذاكرتهن وأقوم أنا بأعمال المنزل، فمع انشغالي بأعمال المنزل معظم اليوم أجد فترة بسيطة لا أعرف كيف أوزعها ما بين راحة ومذاكرة واهتمام بنفسي، أتساءل هنا: ماذا للذكور من أعذار حتى يهملوا دراستهم؟
أرى دائمًا وخاصة في فترات الاختبارات أن أمهات الذكور يحملن هم أولادهن ويترجينهم بأن يذاكروا ولا مجيب، بل تقول النساء دائمًا أن أمهات الذكور في فترات الاختبارات كأنهن هن اللاتي يخضن الاختبارات لا أبناؤهن! وحتى أنهن يتكبدن كثيرًا من العناء لمطاردة أولادهن والمذاكرة لهم وهم يتهربون بلامبالاة! بينما تقول أمهات الفتيات أنهن لا يقلقن أبدًا حتى لو خرجن أينما أردن في أيام اختبارات بناتهن لأنهن يعلمن أنهن أكثر عقلًا وأعلم بمصلحتهن وأعمل لها!
سأتحدث عن نفسي وابن أخي الذي هو في نفس سني، لا أنكر أن اهتماماتنا تختلف كثيرًا وأنه يتفوق علي كثيرًا في أشياء، ولكن على طول سنوات دراستنا لم يتفوق هو يومًا علي دراسيًا، أقول لكم أنه بحق يملك ذكاءً خارقًا لا يضاهيه أي ذكاء، ولو استغله لسحقني بتميزه، ولكنه لا يملك الدافع أو الهمة للتفوق رغم تشجيعي له أحيانًا، وأقسم بربه أنني لو تحديته أو استفززته بعبارة متعمدةً كي يخرج طاقاته، يبهرني بعظيم ذكائه وعبقريته وقدرته! الموضوع ليس موضوع ذكاء هنا، القضية قضية تسخير طاقات وهمة!
ويقول الدكتور سيف الهادي في محاضرة أقامها بجامعة السلطان قابوس أن النساء غالبًا بعقولهن تراهن "مكتبات متنقلة"! وإن أردت أن تبني أمة فابنِ امرأة وهي تتكفل بالباقي!
لا أقول هنا أن النساء أذكى ولذلك هن أكثر علمًا، بل أقول أن الرجال أحيانًا أقل حرصًا على العلم من النساء! وأجدر بالرجل أن يستحي أن تكون امرأة تهزمه في علم وعقل! أؤمن اعتقادًا جازمًا أن المرأة هي بانية الأمم، لأنها كما يقال نصف المجتمع وهي التي تبني نصفه الآخر، ولكنها حين تبني هذا النصف الآخر تحتاج استجابةً منه ورغبةً في بناء الأمة، أمتنا لن تبنى بالنساء وحدهن! وكما يقال غالبًا أن الفتاة في سن محدد تجد تفكيرها وعلمها أرقى بكثير من فتى بنفس السن؛ لذلك هي تلجأ للزواج برجل يكبرها بسنين ليتساوى مستوى تفكيرهما، أعيد وأكرر أن القضية ليست قضية عقل امرأة، بس قضية همة وعمل! لسان مقالي هنا: "عيب أيها الرجل أن تسمح لامرأة بأن تعلو همتها على همتك، ويعلو علمها على علمك، عيب أن تكون أكثر حريةً منها وتكون هي بتفوقها أكثر حرية منك! عيب أن تهدم أمة تبنيها امرأة!"
" ذو الهمة إن حُطَّ، فنفسه تأبى إلا عُلُوّاً، كالشعلة ِ من النار يُصَوِّبُها صاحبها، وتأبى إلا ارتفاعا" -ابن قتيبة
في ختام موضوعي، أكرر وأعيد أن القضية ليست قضية ذكاء، القضية قضية همة وعمل، متى ما علت همة الفتى لم يمسكه شيء، وإذا علت همة الحمار أصبح عالمًا! أعتذر في نهاية مقالي على الإطالة واستفزاز الذكور، لم يكن ذلك إلا حرصًا على استنهاض شبابنا، نحن بأمس الحاجة إلى رجال يقودون الأمة لا إلى زيادة ذكور! وأقول للنساء ألا يغتررن بما هن فيه، حقيقة أجد كثيرًا من الفتيات اللاتي قد يكن أسوأ من الذكور بكثير! عمومًا أدعو الشباب من ذكور وإناث للاهتمام بأمر أمتهم، فلا التكسع في شوارعنا كل يوم ينفعنا ولا هوس مستحضرات التجميل، أرجو أن تقدموا شيئًا تستطيعون الإجابة به حين يسألكم الله على رؤوس الخلائق ماذا أعددتم لأمتكم، الشام تبكي وفلسطين لم يتخثر جرحها، والإسلام ينادي والعروبة بح صوتها، أجيبوا داعي الله فيهم!
تحية إجلال وتوقير لكل شاب اهتم بأمته وعلمه وفكره؛  دمت منارةً وفخرًا لأمتنا، وعسى تكون من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله!


(ربما يتبع!) 

هناك تعليق واحد:

  1. رائعة جدا جدا يا غاليتي مزنة!
    بارك الله فيك وجعلك منبر هداية تقودين به العالم للخير والصلاح
    با

    ردحذف