الخميس، 24 أبريل 2014

نُحِبُّ لنُزهِر!


حين أرسلت هذه الصورة قبل أيام إلى رفيقاتي وقلت: "إذا ما دلعنا إخواننا من بيدلعهم؟!"
ردت علي إحداهن قائلة: زوجاتهم المستقبليات! غضبت بشدة وأبيت إلا أن أكتب.
على إجماع المفكرين أن مجتمعاتنا العربية هي أكثر المجتمعات التي ينتشر فيها الجفاف العاطفي، بعكس الغرب حيث تبقى الأم تحتضن ابنها إلى أن يشيب، وأيًا كان الذي يحادثونه في الهاتف من الأقرباء فإنهم لا يغلقون السماعة حتى يقولوا كلمة: (أحبك!).
ديننا الراقي السامي العلي أكثر أساليب الحياة مثاليةً وروعة، ولو بحثنا في أعماقه سنجد أنه كامل كمالًا لا مثيل له! أتظنونه يغفل عن أسمى العواطف؟ عن شيء لا نعيش بدونه! ألا وهو الحب.
الحب مكنون سامٍ لا يعيش أي إنسان أو يهنأ دونه، حتى أن هرمون الحب في الإنسان دفع الكفار إلى اختلاق آلهة للحب لضم هذا المكنون السامي واحتواءه احتواءً يظنون أنه أمثل، لكن الله وهبنا الاحتواء الحقيقي للحب في الإسلام! كما قال الدكتور طارق الحبيب عن حب السيدة زينب بنت محمد لزوجها واحتواء الحبيب صلى الله عليه وسلم لذلك الحب قائلًا: 
"فحاربت الحب بالحب، واجهت الحب بالحب، أرادت أن تنتصر لحبها من خلال حب محمد لخديجة، ... لأنه نبي يا سادة! لا تجعلوه جلادًا فقط يأتي إلى الجنة والنار ويوجهنا إليها، بل يوجهنا إلى الحياة الراقية النبيلة التي لا تنتهي إلا بالجنة! لا نعيش لؤماء لكي نصل إلى الجنة، فنعبد ونصلي لكننا لؤماء، نكون راقين فنصلي صلاة جميلة فنصل إلى الجنة! ...كان يعلمنا الرقي يا سادة، كان يعلمنا معاني الحب الجميلة، كان يعلم الإنسان، كيف؟ لم يكن مشغولًا بنا، كان مشغولًا أن يتلذذ بذلك في نفسه فيبثه بالطيبة في الآخرين!"
الحب في الإسلام مقدس، فليفهم شبابنا رجاءً أن الإسلام لم يقيد الحب أبدًا، بل جعله راقيًا بعيدًا عن معاني البؤس والعذاب للحب، لم يقيده بين "أقفاص الزنازين الزوجية" كما يظنون، أحب من شئت، ولكن لا تعصِ، لا تخادن ولا تفحَش، أكنّٓ في نفسك الحب ودعه يتنامى حتى تبديه بالخطبة! الحب فطرة، الله عليم بحبك، لكن لا تعصه وتقول: فطرة! {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} !
يقول الدكتور طارق الحبيب في مقاله مكملًا: "...لكن الحب! (هذا قسمي فيما أملك) قالها أبوها فهي تسير عليها! ...قدر ذلك النبي الأعظم احترامًا لحبها، وقدر ابنته، لماذا؟ لأنه يقدر شيئًا معناه الحب، لأن الله سبحانه وتعالى من إعداده الإنساني كنبي وضع له أفخم النساء في طريقه، فعاش الحب. ...ما كان ينتقد الحب، أسألك في أي لحظة من لحظات التاريخ، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتقد الحب، لكنه كان يوجهه إلى الطريق الصحيح، بل في حياته: (هذا قسمي فيما أملك)، كان يعترف أن الحب لا سلطان له، لكن هناك توجيه له ولا يقع في الحرام، هذه اللمسة الأساسية!"
***
فلنفترض أن أباك يذهب إلى العمل ويرجع منهكًا متعبًا، ينام، يستيقظ ليذهب إلى الدكان بعد أن استلم مرتبه اليوم ليملأ بيت جارتكم طعامًا وأغراضًا يستخدمونها وأخرى لا يحتاجون إليها، ويخرجهم ليستمتعوا، ويذركم أنتم جوعى عطشى تتكففون الناس ليعطوكم لقمة عيش، هل يبدو ذلك عقلانيًا؟! وهل أبوك هنا فاعل خير وصواب؟ مأجور بإذن الله، لكن أليس أهل بيته أولى بإنفاقه من جاره؟!
هكذا نحن نقلب الموازين -إلا من رحم ربي-، نجد في مجتمعنا الفتاة تحب صديقتها حبًا جمًا وتكرر عليها كل يوم أنها تحبها، وفي أسوأ الأحوال نجدها تحب خليلها أو "حبيبها" بالحرام ولا تقدّر معنى الحب الحقيقي، بينما حب أمها لها كان في الكتاب مسطورًا، تقول: هي تعلم أني أحبها، لا داعٍ لأن أخبرها! أبوها لم يحتضنها منذ أن أكملت عامها الأول، إخوتها لا يطيقون فراقها ولكنهم "لأنهم إخوة" لا يتجرؤون أن يقولوا لها نحبك، ثقافة مجتمعنا فرضت علينا أن الإخوة لا حب بينهم إلا بالسوء، فقليل ما سمعت عن أخت تقول لأختها: أحبك وتحتضنها وتحتويها، وإن سمعت عن إنجاز ضحكت وقالت: هذه النتفة يطلع منها؟! وَيكأنّ ثقافتنا صارت: (إن أحببت شقيقك فاملأه شجارًا ولا تحنُ عليه ولا تبكِ لشأنه إلا إذا مات!)، من بالله فرض علينا هذا القانون البائس؟ كيف نرجو من فتاة تحتاج الحب أكثر من حاجتها للطعام والشراب، ثم نغلق عليها الأبواب ويوسعها إخوتها مزاحًا مجردًا ثم لا نرجو منها أن تحب صديقتها أكثر منهم وتميل إليها، من بربكم جعل الحب محصورًا للزوجين، فما إن تذكر فلانة كلمة (حبيبي) حتى يشتعل فكر الناس من ظن السوء، ألا يعقل أن يكون هذا الحبيب أبًا أو أخًا أو عمًا أو خالًا أو ابن أخ أو أخت؟! ألا ننظر إلى أسمى معاني الحب والرحمة في النبي الذي أرسل رحمة للعالمين، إذ يقبل أطفاله ويشم ريحهم ويلثمهم، فقال له أعرابي: أتقبلهما يا رسول الله؟ إن لي عشرة فما قبلت أحدًا منهم. فرد عليه ناصر الحب: "أوأملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة!"، أيا مجتمعي، أوأملك لكم أن نزع الله من قلوبكم الرحمة؟! إخفاء الحب وعدم إبدائه وتشجيعه كفر به وطمس لرقيه، {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}!
قرأت قبل أيام مقالًا لا أعرف كاتبه كتبه بلهجة عامية، يحكي قصة صديقين عند شاطئ البحر، يرن هاتف أحدهما فيرد وإذ بالمتصل به أنثى، يقول لها: "أينك حرمتِنا طلتك طلة القمر، ننتظرك بفارغ الصبر لتنهي اختباراتك، صحوتِ من النوم حبيبتي؟" ويسألها عن بعض شؤونها، ثم يقول: "طيب الغالية، تعشيتِ حبيبتي؟"، فأجابت بالنفي، فقال لها: "سأحضر لك عشاءً من المطعم الذي تحبين، دقائق وأكون عندك"، فضحك صديقه وكان يسأله عن هذه الحبيبة وأين تسكن كي يوصل لها الطعام، ففاجأه بالرد أن غرفته تجاور غرفتها وأنها أخته، فصعق صديقه وقال: كيف ولماذا؟ قال أنه يجب عليه أن يحب ويحتوي أخته بدلًا من أن تلجأ للبحث عن هذا الحب خارجًا! إيه لو كان فكر مجتمعنا يصل لهذا الحب الحقيقي الذي نحتاجه بعمق! لو أن الأسرة تهب بعضها حبًا وتظهره واضحًا، لو أن الأم ترضع طفلها حبًا لا حليبًا! لو أنها تلثمه وتقبله حتى بعد أن يتزوج وينجب ويشيب، أعرف رجلًا كان يغار من ابنته حين تحتضنها وتقبلها أمه، فيأخذ ابنته من حضن أمه ويحتضن هو أمه، يقول أن ابنته لديها أم تحتضنها، أما هو فله كل الحق بحضن أمه! ولو أن الفتاة تتزوج وتنجب لكنها لا تزال لا تجد حضنًا كحضن أبيها. صديقتي فتاة ناضجة لا تزال تنتظر أباها حين يعود من عمله عند باب المنزل وحين يدخل تزاحم إخوتها الصغار على حضنه، ولا تجد بديلًا عن حضنه أبدًا!
أعود للقصة الأولى، حين أعددت الشاي الذي يعشقه أخي ورتبت له الكعك بشكل جميل وقدمته له، فردت علي صديقتي أن زوجته ستدلعه وتعد له ما يحب! أخي ليس متزوجًا الآن، أينتظر زوجته التي لا نعلم متى يقدر الله وصولها إليه ليشعر بالحب والاهتمام؟ أم أنه يحتاجه طيلة حياته مهما كان! ردت علي أخرى: اعملي لي مثلما عملتِ له، يبدو مثاليًا! قلت لها مازحة: لم يقدر الله أن تكوني أختي وإلا لدللتك مثلما أدلل إخوتي كل يوم! الحمدلله رب العالمين الذي وهب لي علاقة لا مثيل لها مع إخوتي الذكور والإناث، فكلما أشعر بفجوة أعد لهم ما يحبون وأصنع سعادتهم وأدللهم، وأنادي أمي وأخواتي بألفاظ عاطفية، حتى أن صديقاتي يتعجبن حين يسمعن حديثي وأختي بشدة لدرجة الاستنكار!
ومن العيوب التي يشيب لها الرأس وهي واقعة في مجتمعنا بشكل كبير جدًا حتى أن أمي تقع فيها أحيانًا لأنها لم تعد تتعلق برأي أو تعصب شخصي، بل بفكر مجتمع! حين ينادي أحد إنسانًا بلفظ عاطفي قريب إلى القلب فمعناه أنه يريد مصلحة لنفسه من ذلك الشخص! والمصيبة أن المنادى ليس وحده من يظن ظن السوء، بل أن المنادي نفسه يعرض نفسه لئلا يقول هذه الألفاظ إلا حين يحتاج شيئًا لمصلحة!!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " (رواه مسلم) ، السلام ليس سلامًا بالحديث فقط، السلام بث السعادة والحب، السلام أن تسعى لتنمي الحب بينك وبين الناس، السلام هو الحياة في الدنيا في جنة الحب ثم الوصول لجنة الآخرة بالحب! عن أنس بن مالك قال : مر رجل بالنبي صلى الله عليه و سلم و عنده ناس، فقال رجل ممن عنده: إني لأحب هذا لله، فقال النبي صلى الله عليه و سلم "أعلمته؟" قال: لا، قال:" قم إليه فأعلمه" فقام إليه فأعلمه، فقال: أحبّك الذي أحببتني له ثم قال، ثم رجع فسأله النبي صلى الله عليه و سلم فأخبره بما قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم:"أنت مع من أحببت، و لك ما احتسبت" (رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي)، وعن المقدام بن معدى كرب عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه" (رواه أحمد و غيره).
فلتبادر أنت أولًا ولا تخجل، أخبر كل من تحب أنك تحبهم، اصنع لإخوتك كل حين ما يحبون ودللهم باللفظ والفعل، لا تخف حين يبدو الأمر غريبًا في البداية ويستنكرون فعلتك، اضحك وقل لهم حقًا أحبكم! لكن صنع لإخوتك ما يحبون وتدليلهم لا يعني أن تضحي فوق طاقتك، الأمر أيسر مما تظن إن أخلصت لله وسعيت حقًا، تعال بعد فترة وأخبرني بما تشعر. وافصل رأسي عن جسدي إن لم تذق سعادة حقيقية بانتشار الحب فيكم!
عمومًا، الحب يحتاج أن يظهر فينا لنرقى ونعود للإسلام حقًا ونزدهر! و{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}، حتى أطيب الكلام إنفاق في سبيل الله يبث السعادة، وكما قيل: الأقربون أولى بالمعروف!






ملحوظة: مرفق مع التدوينة مقاطع مرئية، لمن قرأ التدوينة من الهاتف ولم تظهر معه المقاطع وأحب الاطلاع عليهما فليفتح التدوينة من الحاسوب ويشاهدها ^^

هناك 6 تعليقات:

  1. كتبت عن هذا الموضوع في مدونتي القديمة تقريبا 95% نفس الطرح لكن مدونتي الحالية نظام يوميات فقط و تركت المواضيع الثانية أحلها بنفسي ,, دائما اقول لزملائي واجباتهم لأخواتهم و أن ما من شيم الرجل استضعاف البنت و خاصة إذا كانت أخته و إذا ما اخذت الكلمة الطيبة منه بتاخذها من غيره لكن لا حياة لمن تنادي إلا من رحم الله !

    ردحذف
  2. بالضبط! يعني معرف كيف تفكيرهم أن هي أختي وليست زوجتي لأحبها! طيب أختك يا بابا أحق من زوجتك ومن بنات الناس بالحب! ونفس الوضع بالنسبة للبنت مع أخيها، لولا أن هناك حاجة إنسانية لهذا لما جعل الله للمرأة محارم سوى زوجها! نسأل الله السلامة والهداية!

    ردحذف
    الردود
    1. صح و هذا بسبب الفهم الخاطئ لمعنى الرجولة , كنت أقول لهم أن أخواتكم يحتجن للكلمة الطيبة التي تؤنسهن و يحتجن لكم تكونوا سند لهن وسعوا قلوبكم لهن و استمعوا لهن لأن الأخت في بعض الأمور ما تقدر تقولها لأبوها تخاف من عدم تفهمه و تقبله لكلامها لكن تقولها لأخوها لأنه أقرب لفهمها لكن ما كانوا يصدقوا ! فبدأت أضرب في رجولتهم يمكن يحسوا أقول لهم أن طراوة و حلاوة الأسلوب مع حبيبتك أو زوجتك و غلظته و جفافه مع الأخت كسر في رجولتك إذا فهمتوا معنى الرجولة وهذه طريقة وجدتها فعالة جدا و سريعة المفعول للرجال !

      حذف
  3. بالضبط! حقيقة من يهمل نساءه سواءً كانت أمه أو أخته أو ابنته أو زوجته أو أي محرم، لا أعده رجلًا! "خيركم خيركم لأهله" لا تنحصر على الزوجة، أهلك الحقيقيين قبل زوجتك هم محارمك! فما بالنا بالحبيبة!!
    الحمدلله رب العالمين الذي وهبني أبًا يضع نساءه قبل كل شيء، وهكذا ربي إخوتي وأبناء إخوتي كلهم، فهم خير رجال، لا نكاد نتمنى شيئًا ولا ننطق به حتى نجد إخوتي قد غمرونا به، حتى أنهم يخدمون أخواني المتزوجات ربما أكثر من أزواجهن! حتى أبناء إخوتي الذين كما نقول -توهم طالعين من البيضة- يحرصون علينا!
    وفي المقابل لا ننسى أن الأخت يجب أن تحتوي أخاها، فيحكي لها كل همومه وتعينه وتدلله، وربما لو سمع أحد عن تدليلي لإخوتي لظنوه زوجي لا أخي :P

    ردحذف
  4. الله يا مزن !
    لا شيء أجمل من سيرة الحبيب ، لنعود إلى بشريّتنا .

    جميلة أنتِ دائماً وأبدأ :)

    ردحذف
  5. بالضبط، نعود إلى بشريتنا وإسلامنا في الوقت ذاته!
    أنتِ أكثر ألقًا ^^

    ردحذف