الأربعاء، 2 أبريل 2014

الجَنَّةُ مَنبَع الفَرَح

قصة قصيرة أكرمني الله بالمركز الأول في مشاركتي في مسابقة القصة القصيرة بها، الحمدلله من قبل ومن بعد ^^


سلمت رأسها الذي كاد يفتك بها لحضن يدها الموضوعة على الطاولة، المقعد يحتضن جسدها النحيل، تغوص الكلمات في جوفها، يستبد بها الألم والوهن، ترتخي عضلات وجهها وتلين ملامحها، بعدما اكتشفت مرضها وبدأت رحلة العلاج، ثم اكتشفت فجأة أنها كانت ضحية خطأ طبي، هي راضية بما كتبه الله لها، لكن لمَ يحكم الأطباء على أجسادنا بأدوية قوية ونصبر على مضاعفاتها ومشاكلها، ثم نكتشف في النهاية أنه خطأ طبي! ما الذي بربنا ينقصنا وينقص أجسادنا المتهالكة التي تحاول الصمود كي تزاد بلاياها بدواء فتاك خاطئ؟! قيل لها أن لا علاج يرجى فيها الآن إلا أن يشاء الله، هي متجلدة دومًا صابرة راضية رضا لا أجد له مثيلًا! تعلم أن هذه الدنيا تعب وأنها ستكون بأتم عافيتها في الجنة، تعلم أن الابتلاء سنة ربانية وأن لولا البلاء لوردت إلى الله مفلسة، وتتيقن تمام اليقين أن ما أصابها لم يكن ليخطئها، وأنه كله من الله خير، هي تعلم أنها حين يهضمها الألم يجب أن تكون أقوى، أن تتجلد وتتماسك، وتقدر على العطاء مهما وهنت بها القوى.. أغمضت عينيها على أصوات الفوضى السائدة حولها، وحاولت أن تمنع نوبة البكاء داخلها على أنغام الجنة، لم تكن لتنام وجسدها يعصف بها، ولكن ربما كانت لتأخذ غفوة من أعاصير الدنيا التي فيها نار تحرق كل ما تلقى! أيقظ غفوتها حين وضع يده على كتفها وسألها: مالي أراكِ متعبة؟ همست: "لا شيء، فقط مرهقة وأحتاج راحة"، أسكت قلقه وبُعد اطمئنانه عليها ودعا لها بالقوة من الله.
هي لا تدعو لنفسها بالعافية بالقدر الذي تدعو به لأمتها والمسلمين، ولا ترجو شيئًا سوى ألّا تموت قبل أن ترى عزة الإسلام، لطالما أرقها حال أطفال الحرب، وخوف على فلسطين، وأنين على جوعى أفريقيا، وأسهرها الحنين إلى الأندلس! تعلم أن بعض الأرق يحتاج منا أن نعقد معه جلسات ونحتسي معه بعض القهوة لنذهبه، لكن شيئًا من ذلك لم يفد! لا زال الحال هو هو، والأسى هو هو، تعلم أن الله وعدنا بالنصر وأننا لا شك منتصرون، لكن جبرية المسلمين تغضبها حتى الإرهاق، أنى لهم أن يرضوا بما أقنعهم به الحاقدون أن كل ما يحدث هو قدر الله، وأن كل أمة لا بد لها من كبوة وأن أمتهم ستعود بعد حين، لا تدري ماذا بربهم دفعهم ليصدقوا هذا الهراء! ماذا قد غرس في داخلهم ألا يجاهدوا ولا يتعلموا وأن النصر آتٍ لا محالة فعموا وصموا ثم عموا وصموا! لطالما نصبت لله لتحقيق شيء لهذه الأمة، ويبقى تجسيد حلمها إلى واقع ملموس هو محور القضية وجوهرها! لا تدري كيف تهنأ بالطعام وهي تعلم أن آلاف الجياع لا يكادون يجدون رغيفًا يسد جوعتهم، كيف يداعبها الرقاد الهنيء وآلاف المشردين لا يجدون مأوى يلجؤون إليه ولا حتى سقفًا يقيهم حرارة الصيف اللافحة وبرودة الشتاء القارصة؟ كيف تفرح بالثوب الجديد وأجساد الأطفال تعبث بها الرياح العاتية وتصفعها الرمال السافية؟ كيف تضحك ملء جوارحها والدموع تغرق وجنات أم ثكلى تندب ولدها، أو أرملة مسكينة تبكي زوجها، أو طفل يتيم لا يجد من يمسح على رأسه ويكفكف دمعه؟ أو مريض يتلوى ألمًا لا يجد جرعة دواء لتسكن بعض أوجاعه؟ كيف تطيب لها الحياة وآلاف الضحايا تسلب حياتهم بكل قسوة ودناءة ووحشية؟!* وباتت حتى تستحي من أن تشتري الفستان الغالي الذي أعجبها وتملك ثمنه، وأن تأكل في مطاعم فارهة بين فينة وأخرى، وأن تمتلك أفضل الأجهزة؛ لأن الكعبة لم تُكسَ بالحرير إلا بعد أن لم يبقَ في بلاد المسلمين جائع! لطالما قيل لها أنها تهلك نفسها وتحملها ما لا تطيق، لكنها ترى أنها لا تفي حق أمتها حقًا، تريد أن تلقى الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو فخور بها أنها كانت سهمًا وقيادة للفتح الإسلامي في آخر الزمان، تريد أن تنسى أطنان الأوجاع في الفردوس برفقة كل من تود احتضانهم بعمق هناك!
تبهجها صديقتها حين تعدها أنهما ستصليان معًا في المسجد الأقصى كما تمسك بيدها اليوم إلى كل صلاة، وأنهما ستلعبان كما يلعب الأطفال هناك، وأنهما ستتذكران أيام الجهاد على أطلال الأندلس، وسترتلان معًا سورة آل عمران والأنفال ومحمد وكل ما كانتا تتذاكران فيه، وستسعدان كل السعادة حين تتلوان:{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ}. :")
دائمًا ما يعطيها الله أكثر مما تتوقع وترجو وتحتسب؛ لأنها تصبر وتثق به، ولأنه كريم رحيم لطيف، يفتح لها أبواب الدنيا سراعًا وتأتيها راغمة. هي تثق أن الله يعد لها ما لا يخطر ببالها بعد هذه الحياة، هي تظن أنها تستحق شيئًا عظيمًا على كل تلك الأشياء التي تشتهيها ولكنها تتخلى عنها لله، وتلك الأيام التي تكون فيها في قمة التعب وتشهق بقوة، ثم تزفر وتكمل نصبها لله وتقول أن الراحة في الجنة، عظيم شعورها أنها ستتوج بعد كل هذا التعب في الجنة، وأن مرضها سيكون شفيعًا لها حين كانت تجاهد وتجاهد إلى أقصى حد يمكنها التماسك فيه! غدًا بإذن الله ستنسى معنى الألم.
إيه، متى يصبح حلمها حقيقة؟




__________________________________________________________________

*نص مقتبس بتصرف من كتاب (حين يرحل الغمام) لمي الحسني.

هناك 6 تعليقات:

  1. مبارك عليكي المركز الأول,,,, و بعد في الخطابة تفوقتي علي انتي الأولى ^^

    ردحذف
    الردود
    1. بارك ربي فيك، صحيح؟! سبحان الله لم يخبروني، أبدعت وكفيت ووفيت صراحة، حتى خجلت لما سمعت خطبتك من نفسي :P
      لو تريد تفشل طلاب مدرستنا المحترمين، قل لهم:
      إنّ بعضَ القَولِ فَنٌّ فَاجعَلِ الإِصغَاءَ فنًّا!

      حذف
  2. ما أعرف بس رشحتك تكوني الأولى ,, هذه تكملة للخطبة الماضية ,,
    إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد ,, ما أجبرهم يسمعوا قلت لهم شكرا على استماعكم ^^

    ردحذف
  3. مبروووك خالتي على المراكز الاؤلى

    ردحذف
    الردود
    1. ربي يبارك فيك الحبيب، العقبى لأن نراك الأول دائمًا ^^

      حذف
    2. بارك الله فيك
      وأثابك خيرا

      حذف