الاثنين، 14 أبريل 2014

عَقَبةٌ تَعليميّة أم عَيب نَفسيّ؟


قد قيل يومًا أن أهم ما تواجهه في دراستك أن تحب المعلم، فإذا أحببته أحببت مادته، وإذا بغضته بغضت مادته، لطالما آمنت بهذه المقولة. لم أكن ذات شغف بالرياضيات طيلة سنوات عمري، لأن معلمة الروضة وكل من علمني بعدها لم يجدوا جوابًا لسؤالي البسيط: (لمَ ندرس الرياضيات؟)، حتى أن موجه المادة الذي جاء يومًا إلى صفنا قبل سنوات وحاول إصلاح علاقتنا بالرياضيات وترميم الحب، حين سألته هذا السؤال ضحك محرجًا وقال: أنا حقًا لا أعرف! وحين كبرت علمني أستاذ فاضل كرهت ذكر الرياضيات بسببه وأصبحت عقدة حياتي! إذ أنني كنت مبتلاة بابتلاء عظيم وأحتاج إلى كلمة طيبة -على الأقل- فكان لا يبالي ويراني أكثر الناس إهمالًا وكسلًا وكان يستفزني بشتى الطرق ويكرر على أسماعنا دومًا بأننا كسالى فشلة لن نفهم الرياضيات يومًا،   وحين تقترب الاختبارات النهائية أستنجد بأختي -مدرسة الرياضيات التي بكيت مرة عندها وقلت لها ألا تدرسيني بدلًا من وحش الرياضيات- فتأتيني وتفجع بأن أختها الصغرى حقًا لا تفقه أبسط شيء مما تدرسه طول العام! بل ولديها عقدة كبرى ولا تستطيع التفاهم أو الاقتراب من الرياضيات! فكانت النتيجة مفزعة وكارثية أن كانت درجتي في المادة ٩٩ وفي السنة التي بعدها انحطت انحطاطًا إلى درجة تقارب درجة الرسوب!! عمومًا، أنا أعتقد أن المدرس المؤمن لا يترك طلابه بأسئلة حائرة ويعطيهم الهدف مما يفعلون عوضًا عن أن يستفزهم بحركات لا تليق ببشر! جُبِل الإنسان على ألا يحب ولا يتقن ولا يفهم إلا ما يعرف الطائل وراءه، لمَ لا يحتوي المعلمون هذه الفطرة الإنسانية ويجعلون طلابهم عباقرة بأبسط ما يكون؟! لمَ لا يكون التعليم عملية مشتركة يكون فيها الطالب هو الركيزة الأساسية! فوالله لا فائدة من حصة يهلك فيها الأستاذ نفسه شرحًا والطلاب كل واحد منهم في عالم، وفي الاختبار يندب الأستاذ جهوده وتعبه الذي يضيع سدى، أشركنا أستاذي وسنذهلك!
 شكرًا عميقًا لأستاذ الثانوية للرياضيات الذي يكرر لنا دائمًا أن الرياضيات إنما وجدت لتعلمنا كيف نفكر وكيف نتصرف بالطريقة الصحيحة، وأنها أبسط مما نتصور إذا أحببناها، فتحولت -بفضل الله- من طالبة كانت على وشك الرسوب في الرياضيات إلى عبقرية عجيبة -رغم أن المنهج صعب ولم يسهل-، "قل لي وسوف أنسى، أرني ولعلي أتذكر، أشركني وسوف أفهم!" *أحمد الشقيري عن الحكيم الصيني كونفوشيوس

معروفة أنا منذ دخولي رياض الأطفال أنني مولعة بمادة تسمى الفنون التشكيلية، فأتحمس للحصة قبلها بأسبوع وأحضر كل أدواتي، ومن ذا يغيث أمي إذا لم نشترِ ما أحتاج لحصة الفنون من بكائي وعويلي كأنني أم ثكلى، أو ربما الثكلى لا تبكي كبكائي على شيء بسيط للفنون! درسني لسنين طوال مدرس لم يكن مسلمًا بل من أهل الكتاب، كان اهتمامه وإتقانه وإيمانه وأسلوب حياته أفضل من كثير من المسلمين، حيث كنت أتشوق بحرقة لحصة الفنية للعمل بحب عميق مع أستاذ راق في تعامله يعاتبنا عتاب الحريص حين نخطئ ولو كان خطأً لا يمس أي أحد بضر سوى إسلامنا، صدق من قال أن الفنون في مدرستنا ماتت برحيله! الآن أجدني في مرحلة كنت أتحرق لها شوقًا طيلة حياتي وكنت أغبط أختي حين كانت في مكاني أنها تدرس ٤ حصص فنون في الأسبوع. الآن أجدني لا أبغض شيئًا كما أبغض الفنون! عشق الفنون في ذاتي متأصل، ولكن صرت أتباكى وأتهرب حين أسمع أن الحصة القادمة هي الفنون! استغربت إحدى صديقاتي من موقفي العدواني تجاه هذه المادة فجأة وأنا التي كنت أزجرهن وأقول لهن استمتعن فالفنون من أقرب المواد إلى قلبي! كرهتها بسبب أن مدرسها لا يمثل الإسلام والإسلام لا يمثله! فمثلًا، رغم قلة عددنا ينادي كل طالبة باسمها وقبلها (حبيبتي)! بميزانه أننا كبناته، نحن "مثل" بناتك ولسنا بناتك ومحارمك حقًا! ونرى مشروعًا أنيقًا لطالب بذل كل جهده فيه، فنجده يأخذه ويمزقه ليعطينا نحن الخامة المستخدمة لنستخدمها! وحين نصرح له بأنها فاجعة وحرام، يقول كلا دعوني، هذه لا تليق بمعرض الفنون! ونجد في خامة أعطانا لنعمل عليها اسم طالب أحضرها ووضع اسمه لكيلا تستباح، وحين ننبهه لاسم الطالب يقول: "لا بأس سيحضر غيرها!" أعترف أنني أصبحت أمقت الفنون مقتًا لا يضاهيني أحد فيه!
لا إيمان= لا حب= لا إتقان= لا إنجاز= خسران مبين في الدارين!
قد أتحمل أي نوع من الأساتذة إلا الذين يبرأ منهم الإسلام والإيمان، كأستاذ يدع لطلابه حرية الغش وهو سعيد! وفي المقابل مدرس مؤمن متمسك بالمبادئ أعشق مادته أيما عشق وأبجله وأضعه "على رأسي"!

لن أكتفي بالأمثلة السيئة، فلقب (عبقرية النحو) لا زلت أفخر به وأسعد كل السعادة حين يذكرونه، كان من مدرسة قبل سنين أرسلها الله لتهبني حب أشياء كثيرة لم أكن ألقي لها بالًا، وربما لولا كلماتها لما كتبت يومًا أو صرت إلى ما صرت إليه، ومنهم أستاذ الأحياء الذي يعطيني أروع الأمثلة للإيمان الحقيقي والتفاؤل وتوصيل المادة بأبسط ما يمكن للطلاب وتيسير كل صعب عليهم ووهبهم حب الشيء قبل فهمه وحفظه!

الخلاصة: شكرًا لكل مدرس مؤمن، شكرًا هنا تفيد دعوة بأعالي الفردوس لأنك تستحق!

*اقتباسة للكاتب علي الطنطاوي.

*أحببت أن أرفق تدوينتين تحمل معاني فكري 
*{مدرسة بلا فسحة (رسالة إلى المعلم)}!
{البدار البدار معلمتي}
http://hanaiaaleman2.blogspot.com/2014/04/blog-post.html

هناك 6 تعليقات:

  1. المعلم!
    كلمة لا تسعها الحروف ..
    لربما أختصر ما في نفسي بعبارة من عقيدتنا!
    *الحسنات لا تنحصر كما لا تنحصر السيئات*
    .
    .
    شكرا لله أن أوجد شيئا في الحياة يدعى الإخلاص ..

    ردحذف
  2. الله ~
    كلماتٌ لامستِ القلب ~
    بتلكَ الأمثلة الرائعة عن أولئكَ المخلصون ~
    المعلم *
    شخصٌ لطالما احتلّ مكانةً كبيرة في قلبِي منذ الصغر ولا زال ~
    فشكرًا لأولئكَ المعلمين الذينَ يعملون ويعلمونَ ما يفعلون ~
    وحمدًا لله على كلّ معلم أدّى مهنته بوجه حقّ 3>

    ردحذف
  3. لطٱلما رددتُ في صغري أريد أن أصبح مدرسة لأُري المدرسون كيف يكون التدريس الحق_^
    لكني كبرتُ فتعلمت أن المدرس مهمٱ رأينا عليه من سوء إلّا أنه له فضل عظيم جدّا علينا!
    لو علمنٱ فقط حجم التعب الّذي يتعبونه لإيصال معلومة واحدة إلينا
    أو لو شعرنا بحجم السعادة التي يشعرونها حينما يرون أن طلابهم يفهمون منهم!

    كبرتُ فعرفت معنى هاتين العبارتين
    "قم للمعلم ووفه التبجيلا
    كاد المعلم أن يكون رسولا"
    "من علمني حرفا صرت له عبدا"

    الآن أنا حقّا ممتنة لكل مدرسيني!
    لكن بالتأكيد دائما هناك استثناءات كالمدرسين الّذين ذكرتِ هداهم اللّه وعلمهم معنى الأمانة التي يحملون!

    ردحذف
  4. بالضبط
    فللمعلم أثر كبير على طلابه )
    ليكن هذا الأثر إيجابا لا سلبا :
    أعانك الله <
    تتعاملين مع معلمين وليس فقط معلمات .

    ردحذف
  5. ماشاء الله وفقك الله يا مزنه على ما تخطه يداك من ابداع

    ردحذف
  6. المعلم، كلمة لا أستطيع إيجاد مرادف لها من عظمتها! أسكن مدرسينا الفراديس، شكرًا لوجودكم هنا تسعدونني ^^

    ردحذف