الجمعة، 21 فبراير 2014

التَّطَوعُ يَا صَدِيقِي~

رِسَالة إلَىٰ صديقي المتطوع لأجل هذا العالم الجميل،
حبك للخير مذهل، ومسارعتك فيه جوهرة نادرة، وجهودك مشكورة بلا شك، لكن لاح شيء في خاطري وأعلم أنك لن ترفض سماعي يا صديق،
في إحدى المبادرات التطوعية في شهر رمضان الفائت، ملحوظة استثارت حفيظتي يا صاحبي، لم يبالِ المتطوعون بصيامهم فوصلوا نهارهم بليلهم لإدخال السعادة على قلوب المحتاجين، تناسوا التعب والإرهاق والجوع وكل شيء، أعجبت بجهدهم الرهيب، لكن تعجبت يا عبدالله أكثر من أولئك الذين إذا قاموا للصلاة قاموا كسالى، وإذا نودوا إلى التطوع قاموا سراعًا! وتعجبت حين رأيت من ضمن المتطوعات غير محجبات، ثم ناقشتها: الأصل في التطوع أنه بذل جهد لله وحده وهو إنفاق في سبيل الله، فإن كان هذا سلوكهم فلمن ولماذا يتطوعون؟!
أحزن ويفيض قلبي حسرةً يا صديقي حين أرى (س) من الفنانات المعروفات عالميًا -ويحبها الناس على فجورها- تنفق أكثر من نصف مالها في مساعدة الجوعى واللهفى والمحتاجين، وزياراتها المتكررة لهم ورعايتهم بكل ما تملك، أقول في نفسي: آهٍ لو تسلم وتخلص لله وتطيعه، لسيقت مباشرةً إلى الجنة! وقلت: آهٍ حسرةً أخرى أكثر إيلامًا، ما الذي بربها يدفعها لفعل كل هذا ولا يدفعنا ونحن أحق بالفعل منها ولم تؤتَ دينًا عظيمًا كديننا يا عبدالله!
شاركت في التطوع مع أناس عظماء تشعر بحق أنهم لا يعملون ولا يتطوعون إلا لله، وجربت أيضًا العمل مع أناس يبذلون جهدًا عظيمًا في تطوعهم، ولكن الأشياء الأساسية تفوتهم! ليتنا نفهم يا رفيق أننا لا نتطوع لأجل الإنسانية فحسب، نحن نتطوع لأننا مسلمين! يجب علينا أن نوصل للعالم أننا نتطوع لأن إسلامنا يأمرنا بذلك، ولأنه دين إنسانية ورحمة! "أرأيت لو أخبرتك عن إنسان كالنسمة، لا يعطي عطاءً إلا كان الله شاغل همه، أو ذلك الإنسان الذي كل عطاءاته رأفةً ورحمةً بالبشر، بالأطفال والنساء والشيوخ.. ولكنه ما سبح يومًا في السماوات الفردوسية، وبقي رغم عطاءاته بين الثرى والبشرية!"*، ينفطر قلبي أيا عبدالله على أولئك المتطوعين الذين يحسبون العمل التطوعي سبب كافٍ لاختلاطهم المقزز ذاك، والذين يضيعون أعمالًا لا غنى لنا عنها لأجل التطوع، أتراهم يا عُبَيد نسوا الأعرابي الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم فدار بينهما -فيما معناه- سؤال عن أركان الإسلام، فقال الأعرابي أني سأصلي وأصوم وأزكي وأحج ولا أزيد ولي الجنة؟! فقال: أفلح إن صدق! أتظن يا صديقي أننا نفهم هذا الحديث حقًا؟ لا أقول  لك يا رفيقي ألّا تتطوع ولا تستن ولا تنتفل واكتفِ بالصلاة والصيام والزكاة والحج! ولكن أقول أنك إن لم تبذل جهدًا كافيًا في هذه الأعمال فلا داعٍ للأمور الأخرى! لطالما تيقنت أن حكمةً عظيمةً وراء أن الصلاة هي القوام فإن صلحت صلح سائر العمل وإن فسدت فسد، وكدت أشيب يا صديق حين أسمع بعض الناس يقولون لا دخل لصلاتنا في معاصينا "الصغيرة بنظرهم" ولا دخل لديننا في دنيانا! ليتنا نفهم أن الدين كله جزء واحد لا يتجزأ، فإن تجزأ مات!
التطوع يا عُبَيد أكبر من مجرد أعمال نبذل فيها جهدًا جبارًا ليقال أننا عظماء، القضية في هذا العمل هي: هل أنت عظيم عند الله أم حقير؟!
عذرًا لكل الأعمال التطوعية التي باتت شهيتي تحتضر للعمل لأجلها، أسأل الله أن يصلحنا ويصلح أحوالنا ويجعل أعمالنا خالصةً لوجهه.
__________________________
عبدالله اسم رمزي لا يشار فيه إلى شخص معين.
*تضمين من يراع مُزنة الضّامِرية.

هناك 3 تعليقات:

  1. معكِ ومعَهـاآ في كلّ حرفٍ دوِّن هُنـا ~
    ♥يَـا رب اهدنا جميعًا وٲصلحنا وٲصلِح قلوبنا وثبتنا ..

    باركَ اللَّه في ٲقلام تحسنُ نفعَ الغير =[

    ردحذف
    الردود
    1. يا رب، اللهم اجعلنا ممن ينفعون الناس، يسعدني وجودك هنا <3

      حذف
  2. بارك الله فيك أختي فعلا ملاحظه مهم عسى الله ان ينفع بها أمة الحق

    ردحذف