الأحد، 8 مارس 2015

تنهيدة وابتسامة، الله معك.

"حسبي الله ونعم الوكيل"؛ أذكر أنني سمعتها لأول مرة من امرأة كويتية فزِعَة في لعبة في ملاهي -مدينة ألعاب- في إحدى الدول حين كنا مسافرين وكان عمري لم يتعدَّ الرابعة أو الخامسة، كنت حينها -بفهمي القاصر- أحسب أن هذه تقال فقط من امرأة فزعة تخشى أن تموت، كبرت أنا وعلمت أن الحياة هي ما قالت تلك المرأة.
كم اجتاحني الأسى، كم احتلني المرض، وكم هزمني اليأس، وما وجدت الله يومًا إلا كتفًا أستند عليه حين آسى، ويد تمسح على شعري وتدلك جسدي حين يضعفني المرض، ووجدته كتفًا أبكي عليه فأغدو ضاحكة مستبشرة، وكفًا تتشبث بي وترفعني وتنفض ما بي من أذى، أنى لا أؤمن به إذًا؟
قبل ثمانية عشر عامًا وتسع شهور تحديدًا، اكتشفت أمي بأنها تحمل في أحشائها جنينًا، استاءت وبكت، تذكرت عناءها في أحمالها السابقة وتحسرت، أرادت التخلص مني بأي طريقة، شعرت لوهلة أنها تكرهني، ولكن الله حفظني وسخر لي كل شيء من حيث لا أدبر ولا أحتسب رغمًا عنها، لا تحميلًا لها فوق طاقتها بل لطفًا بي، حملتني كرهًا وولدتني كرهًا، ربما لو كان الأمر بيدها لقطعت عني النفَس أو الطعام أو الدم، لكن الله حفظني وأحاط بي رعاية، وُلدت مثل هذا اليوم قبل ثمانية عشر عامًا وفتحت عينيّ على الحياة البالية، ومن يومها رحمة الله وبركاته تُصب علي صبًا، حتى وإن أردت السوء لنفسي منعه الله عني.
لا أقول ذلك عن أمي لتبدو امرأة شريرة ولا تحب أبناءها وتظل ترجو الشقاء لهم، ولكن اقترب لأخبرك سرًا؛ لا بد أن أمك وكل نساء العالم فعلن ذلك في لحظة من اللحظات ولو أظهرن السرور بحملك وولادتك.
في الواقع؛ تظل الحياة تصفع وتقرص الإنسان حتى يكتفي ولا يريد منها شيئًا سوى أن تدعه وشأنه، لكن أقسم أن الله لا يدع الإنسان يضيع، بل أقسم قسمًا مغلظًا أن أسوأ الأشياء في عين الإنسان هي ألطف الأقدار له، وإن حنث قسمي فليجمع العالم على حرقي، أو ليعذبني الله.
قد يضيق صدر الآدمي حتى لا يستطيع التنفس إلا بسم الخياط لأنه يستمر في فقد كل شيء ولا يستطيع أن يفعل شيئًا سوى البكاء والحسرة، قد يُظلَم، قد يفقد حبيبًا بل أحبابًا، قد يُلقى عليه ما هو بريء منه، وقد يرى أبواب الدنيا تتسابق في الانغلاق على وجهه، فلتتنهد يا صديق، فلتبتسم بدمعك، الله لن يتركك تعاني، صدقني لن يتركك حزينًا، سيعوضك سيرجع حقك وستضحك غدًا ملء فيك في الجنة مع أحبابك -إن أحسنت-، ربّت على قلبك يا حبيب، الله لا يحمّلك فوق طاقتك.
هل تبتسم وأنت تقرأ؟ أرِني ابتسامتك وانسَ دموعك، ألا زلت لا تعرف من هو الله؟ راقبه في حياتك وستتأكد، اعرفه من أزماتك ولطفه البالغ بك، حتى أمك التي تسهر وتبكي ضعف بكائك حين ألمك، لا تملك لك شيئًا، تأمل كم يخفف هو عليك ويقول لك اهدأ، لا بأس عليك، غدًا تنعم بسعادة لانهائية، فقط تحمّل، ستجتاز الحياة بأمان بإذني ورحمتي.
أترى الكتف الذي تستند عليه ويطبطب على ظهرك ويشد على يدك؟ دعني أكون معك بالغة الصراحة يا صديق، هذا الكتف لن يكون معك لأبد ما حييت، سينشغل، سيضطر أن يغيب، سيبتعد، وربما يموت، لا أريد أن تنظر إلي كحاسدة أو متشائمة أو كئيبة، لكن كن واقعيًا! سيغيب يومًا، ستفتقد كل شيء يخصه، ضحكته وطبطبته وحزنه وفرحه وبكاءك على كتفه وحضنه وصوته وحتى مسحه عليك بلطف، ستفتقده حتمًا ولا مفر، ثق دومًا أن الله يسندك دومًا ويطبطب على ظهرك ويشد على يدك بل ويقوي قلبك وينعش روحك. الله وحده يلطف بك، حتى غيابه وفقده لطف بالغ، فقط ثق بكلامي بعد أن تثق بربك.
يا صديق، لتكون سعيدًا فقط كن متأملًا في تفاصيل أقداره ولا تزد. أتصدقني إن قلت لك أنه قد يرسل قدرًا يتضجر منه العالمين ويكرهونه بل ويبكون تذمرًا، لكنه لطف خاص بك من الله؟ أتتصور لو جاءك طردٌ برسالة لطيفة وكل ما تحب وتتمنى مرفقًا ببطاقة فاتنة كتب عليها: "لك فقط وإن سخط العالم."، هل ستراها ألطف من أقداره العجيبة؟ أعني كلمة عجيبة حقًا، لطفه سيجعلك تعجب.
أنا يا صديق حين أقول "الله معك" أو أقول "أستودعك الله"، فأنا أعنيها حقًا، أعني أن السعادة والرحمة واللطف معك، أعني أنني أودعه إياك كي يفعل بك ما شاء، فكل فعله رحمة. 
ما دمت في كنف الله ولا تعمل سوى ما يرضيه ويجعله يحبك، لا تخف واطمئن، لا تبكِ، أو ابكِ له، لا تبتئس بما يحصل لك، هو لطف ورحمة، ثق بي.

هناك تعليق واحد:

  1. وأستودعكِ الله.
    اشتقنا لكِ مزن.
    وفقكِ الله ويسر لكِ الدرب.

    ردحذف