الأحد، 22 مارس 2015

الصبرُ وفاطمة.

قصة قصيرة كتبت بتاريخ ٢٤ صفر ١٤٣٦، ١٧ ديسمبر ٢٠١٤ لمسابقة القصة القصيرة سريعًا وفوجئت أن الله منحني بها المركز الأول في المسابقة، ولم أتشجع لنشرها لأنني لم أرَها كما يجب.





تنهيدة عميقة تحررت وقد أوشكت روح فاطمة أن تودع جسدها كما ودعه الهواء في الزفير. بخاطري أن أقترب لأسأل؛ ما الذي جرى يا فاطمة؟ كل ما جرى هو أنها تعبت من الحياة وأوشك صبرها أن ينفد، كلا يا فطيم، "وَاصبِر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين".
لم يعهد أهل القرية فاطمة هي فاطمة، ففاطمة التي تبذل كل جهدها في مساعدة أمها في أعمال بيتهم المتواضع، فاطمة المتفوقة المتميزة، فاطمة التي قاربت على ختم القرآن حفظًا، وفاطمة التي لا تجرؤ نسمات الهواء أن تشكك أحدًا في خلقها أو استقامتها؛ لم تعد هي فاطمة الواهنة الواهية التي تقضي الليل إلا قليلًا ساهرة وتستبدل السبح الطويل في النهار بقسط من النوم. أصبحت كسولة كما يقولون ويعتبون، سأقول لك لا بأس يا فاطم؛ ربك أعلم.
أنا أعلم يا فاطم أن عائشة صديقتك المقربة التي تشاركينها في كل حسن ومر حاولت أن تحفزك لتعودي كما كنتِ وتعاتبك لأنها تريدك أفضل منها، لا تحبسي الغصات يا فاطم ولا تسكبي الدمع؛ هم لا يعلمون أن (كسلك) ليس كسلًا.
منذ زارت بيتكم تلك السيدة السمينة وبالغتِ في إكرامها؛ لم تعودي تفهمين من أنتِ ولماذا تتصرفين هكذا، قال معالج القرية أنك لا تشتكين من علة، ربما هو إرهاق سيمر كراكض تحت المطر، مر المزن والمطر والراكضون ولم يمر (الإرهاق)، أتعجبين يا فاطم من عجزك عن كل شيء؟ رحمة الله وبركاته عليكم، الضعفاء.
قالت جدتك: "عين ما صلت على النبي" كما تقول دائمًا، ضحك أبوك وأمك وإخوتك، فالجدة كما تنهاكم بغلظة أن تشتروا أي غرض يوم الثلاثاء لشؤم مصيره، فلا غرابة أن تحلل كل شيء حسب معتقداتها التي لا أساس لها، ضحكت الأسرة جميعًا وتبسمتِ وعدتِ إلى فراشك.
وكأنك فرشت للحمى المفارش والحشايا فعافتها ونامت في عظامك، أنتِ لا تعلمين لماذا وكيف تصيبك وتزورك في كل حين، لكنك تعلمين أنك تتألمين جدًا. تركتِ معلم القرية مع أقرانك، وجلستِ وحدك في غرفتك لا تملكين لنفسك نفعًا ولا ضرًا، لا تريدين مقابلة من سيذكرونك أنك كسولة وتغيرتِ إلى الأسوأ، فقط تكتفين بترتيل ما تحفظين على نفسك وتعوذينها كأنك تحمينها من كل شيء. 
جاءتك فتحية تسعى وهي تخشى تريد أن تسر إليك قولًا، قالت لك ما جعلك تلوذين بالصمت والانطواء أكثر، قالت أنها تخشى أنها تعلم ما أصابك، تعجبتِ حتى فسرت قولها بأنها أعجبت بك وغارت كما تغار النساء وربما كانت عينها أسخن مما حاولت أن تبرد، ابتسمتِ حتى خرجت ثم احتضنتك الدموع.
عولجتِ بالقرآن وبماء اغتسلت به فتحية ثم غُسلتِ به، ولكن كما يقولون: الزجاج المنكسر حتى وإن حاولت إعادة جمعه لا يجبر. فسرتِ كل ما كان يحدث في حياتك، أعدتِ تحديث نفسك مجددًا. حسنٌ جدًا يا فاطمة؛ هأنتِ الفاتنة الحافظة الفطنة!
قالت النساء أن فاطمة تمردت على عادات قريتنا فقررت أن تعاند الناس، وقالت الفتيات أن الجني الذي يسكن البيت المهجور أغرم بك فعشتما قصة حب ثم سكنك، فاطم؛ لن ترضى عن النساء ولا الفتيات حتى تذوبي في قعر جهنم، فلتصمي إن كان الصمم عما يظنون أو يفتشون في العيوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق