tag:blogger.com,1999:blog-69130363398948784672024-03-13T21:35:25.867+04:00هَمْسُ سَحَابَةٍ ~صَوتِي أبلَغ مِن أنْ يَكُونَ عوْرة.مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.comBlogger264125tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-60033949341685480212023-09-11T22:09:00.001+04:002023-09-11T22:09:28.333+04:00رزق واسع. <p> أبهى مفاخرك، وأبهج أفراحك قد يخفت بريقها عندك يومًا بعد يوم. مع الرتابة وقلة الحمد وسُخف الرضا، تتحول أقصى أماني الفاقد عندك إلى كبش سمين للشيطان حتى يبصّرك بذبول ما عندك وحُسن ما عندهم، ولا تدري أنت المسكين أنه يعميك ولا يبصّرك حين يرفع وجهك ويمد بصرك إلى غيرك، وأنه يضع على عينك غشاوة التطلع وعلى قلبك ختم السخط. أنت لا تشعر أنك ساخط، لكنك بشغف غبطة الآخرين لا تقدّر الحلوى التي ما نالها أبوك إلا بعرق جبين أشهر بينما تنظر إلى تنعّم أولاد المدرسة بها كلّ يوم مع المسك والعود! قتل الإنسان ما أكفره!</p><p>فراغك أقصى منى المشغول، شغلك أقصى منى الفارغ، امتلاؤك أقصى منى الفارغ وفراغك أقصى منى الممتلئ. "قد وزع الله بين الخلق رزقهم لم يخلق الله من خلق يضيعه"، لكنك تغفل عن رزقك الذي تتعدد أشكاله وتمد بصرك إلى شكلك المفضل للرزق عند زيد وعبيد اللذان بدورهما يتمنيان شكلهما المفضل للرزق عندك، لا أنت رضيت ولا زيد رضي ولا عبيد، ولا نظر أحد منكم إلى امتلاء كأسه بالرزق -متعدد الأشكال- حد الفيض! ما أكفره!</p><p>﴿أَلَم تَرَوا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ وَأَسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً﴾، لم يستثنِك من الرزق المغدق والنعم السابغة، ﴿وَإِنّا إِذا أَذَقنَا الإِنسانَ مِنّا رَحمَةً فَرِحَ بِها وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَت أَيديهِم فَإِنَّ الإِنسانَ كَفورٌ﴾!</p>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-75914426095135719082023-04-12T20:33:00.003+04:002023-04-13T05:37:01.727+04:00هُوَّة الفتور<p> <span style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">تمشي في مناكب الأرض وفي جوفك قرآن يسعدك، تمشي، فتسقط فجأة في غيابة جب مظلم لا قعر له، تستمر في السقوط وأنت تدرك سقوطك وتصرخ وتحاول التشبث بكل ما حولك، ولكن دون جدوى! الظلام يزداد، والقعر يتلاشى كلما سقطت أكثر.. تحاول التمسك بخيط ضوء فلا تستطيع الإمساك بشيء، تهوي دون سيطرة مهما حاولت التصرف.. تستسلم للهوي في لحظةٍ ما، تكتشف أن شيئًا ما مات في داخلك مهما حاولت استحياءه، "إنك لا تسمع الموتى"، ولكنني كنت أحاول ألا أموت يا رب! </span></p><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">يقتل الفتور روحك وينسفها نسفًا، تحاول التشبث بمصحفك فلا تستطيع، تجاهد لتثبّت قلبك بآية فتشعر به يُنتزَع من جوفك دون أن يستقر فيه شيء. تحاول أن ترغم نفسك على التشبث، فإذا هي تتمزق ألمًا دون أن تستطيع التشبث، أين نعيم السرد؟ أين حلاوة المعنى؟ أين خفة القلب بالآيات؟ أين لذة وقوع آية في قلبك أو رؤيتها مشهدًا حاضرًا أمامك؟ تلاشى كل شيء، وبقيت جسدًا ميتًا دون روح، تحاول استعادة روحك فتجدها فنيت.. هل أوتيت قدرة عيسى عليه السلام في نفخ الطين فيكون طيرًا بإذن الله أو إحياء الموتى؟ لا.. لكنك تحاول! </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><span style="white-space: pre-wrap;"><br /></span></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><span style="white-space: pre-wrap;">لا يموت الغريق حتى يكف عن محاولة النجاة، يستمر في الرفس حيًا حتى إذا توقف عن المحاولة مات. الفتور غرق لن تموت فيه مهما اشتدت الأضرار وآثار الاختناق عليك إلا إذا قررت الاستسلام والموت. تدعو في وسطه دعاء الغريق الذي فقد الأمل إلا خيطًا واحدًا منه، دعاء المضطر للنجاة، تصلي صلاة المتبرئ من كل حوله وقوته إلى حول الله وقوته، تدرك حقًا أن الله المحيي المميت الباعث الرشيد الهادي وتتضرع إليه وتتوسل بكل ما تملك، وتكاد تقسم أنك تستطيع التخلي عن كثير من النعم مقابل أن يهبك الله الأمن في فؤادك ويعيد إليك خفة العبادة على قلبك ويمنحك السلام بديلًا للجوى، تدرك أن لا شيء يعدل هذا الشعور الذي ظننت أنك تملكه ما دمت مقبلًا على القرآن، واكتشفت أنه يملكك ويقلّبك بين إصبعيه، أو اكتشفت أكثر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وإن شاء أرسل حتى لا تسعك السماء، وإن شاء أمسك حتى تضيق عليك الأرض بما رحبت وتضيق عليك نفسك، وإن ضاقت عليك الأرض قد تطيق استحمالًا، أما إن ضاقت بك نفسك فلا طاقة لك! </span></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><span style="white-space: pre-wrap;"><br /></span></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><span style="white-space: pre-wrap;">بعد طول القبض حتى شعرت أنك ستموت دون بسط، يبسط الله لك من واسع فضله حتى تحلق في السماء من سعة العطاء، يمطر عليك الخير كله فتشرق روحك وتتسع اتساع الكون، تقبل على القرآن بقوة تنهل بشغف بالغ، تتذوق حلاوة النعمة وتدعو الله أن يكون عهدًا دائمًا متصلًا إلى أن تلقى الله على قوة وأخذ قوي للكتاب، تعاهد أن تزيد الجهد مقابل الفتح، وأن تداوم ما حييت لئلا تموت روحك.</span></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><span style="white-space: pre-wrap;"><br /></span></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><span style="white-space: pre-wrap;">يمضي رمضان ويخرج الفائزون منه بقلوب أتقى وأطهر، يخرج كل واحد منهم بملء وسعه من الهدايا فرحًا جذلًا، ويخرج بجراب ضخم من التقوى والنقاء يكفيه لعام كامل.. بم ستخرج؟ هل ستدع شبح الفتور يأكلك هذه المرة؟ أم ستستمسك بكل ما أوتيت من قوة بالصادقين المفلحين لئلا يفوتك ما بقي من نفحات العشر ليأخذوك بقوة إلى قوة العبادة وإن كنت ضعيفًا لوحدك؟ يا صاح اركض ولو برجل عوجاء وقلب نازف، ففي أي زمن ستجبر إن لم يكن جبرك وقوتك هذه الأيام؟ </span></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><span style="white-space: pre-wrap;"><br /></span></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><span style="white-space: pre-wrap;">تقبل الله منك جهادك وحربك الكامنة في صدرك ولا يراها أحد ولا يشم دخانها سواك. أنزل الله عليك السكينة والسلام والأمن الذي جعله لعباده الصالحين حتى يرضيك وتهدأ نفسك ❤️🩹. وابقَ على سعيك ما حييت، فالموت انقطاع سعيك ورضاك بالظلمات! </span></div>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com20tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-56807783364367766862023-02-22T22:38:00.002+04:002023-02-22T22:38:43.805+04:00سكاكين التردد..<p> تقرأ قراءةً حلوةً عذبة، تقف عند الكلمة الأولى لتعيدها، تتجاوز الآية، تقف في وسط كلمة أخرى لأن الحرف الذي مرت عليه لم يعجبها، تتردد وتكمل، يبدو أنها تقاوم جيشًا من الأفكار التي تقرئها في داخلها وتقول لها أنك لم تلفظي هذا جيدًا وهذا الحرف صفته ضاعت، دون أن تنبس شيختها ببنت شفة! كيف تغلبها الشيخة التي بداخلها وتصب عليها هذا الكم من الأوامر والنواهي؟! المصحف الأخضر نفسه، والطبع نفسه، والأماكن تتشابه، والزمن تغير!</p><p><br /></p><p>أي مقدار من الصراعات تعيشها تلك التي ترتل ترتيلًا مجودًا لا أحسن منه، وتقاوم سيولًا جارفة من الخواطر؟ تستجيب لها مرة وتتجاهلها مرات، تعيد وتزيد.. كأني بها وهي تقاوم الصخب بالهدوء، مواجهة وجهًا لوجه، دون أن يبدو عليها أثر الصراع كثيرًا.. لكنني أعلم، لأن هذه أنا قبل ست سنين!</p><p><br /></p><p>بنيتي، إنك إن خضعتِ لما تمليه عليك أفكارك تعبتِ.. ما أحسن تلاوتك! وما أحسنك مجاهدة ساعية! لا تقطعي حبل حسن أدائك بسكاكين ترددك، قولي لنفسك: هلّا سكنتِ وأفسحتِ للأنس والأمان مكانًا في قلبك بدلًا من تضارب الأفكار التي تقول لك أن ذا وذاك خطأ وهو يسري على قلبي عذبًا سلسبيلًا سليمًا حسنًا؟ لا أخفيك أنني كنت مثلك تمامًا، تقرئين وتترددين وتنازعين نفسك وأراني فيكِ جالسةً أصارع نفسي وأنا أقرأ أمام شيختي، ثم ما لبثت السكينة أن فارقتني إلى أن أنزلها الله ومنّ عليّ مرة أخرى، فوجدت الأمان في قلبي، والإتقان في تلاوتي، واكتشفت أن أكبر أعدائي الذي يدمّر تلاوتي هو نفسي المترددة الوجلة! هلّا استجلبنا السكينة بعيدًا عن كل الهواجس؟</p><p><br /></p><p>يدي بيدك حتى نأخذ الكتاب ونصل بقوة، بتلك القوة التي تنبعث من دواخلنا باستشعار فضل الله علينا ومدده بالسكينة، وبأن أن نثق أكثر؛ لا بأنفسنا الضعيفة فحسب، بل بالله الذي وهبها ولم يقطع عنها إحسانه طرفة عين، فهل ننظر بأعين بصيرتنا إلى فضل الله ونستمسك به بقوة؟ أم نفسح للشيطان أفئدتنا ليغزوها بالتردد والشك والضعف؟ هلّا أخذتُ بيدك لنصل بقوة؟</p>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-80174256376150343782023-02-04T12:06:00.003+04:002023-02-04T16:39:17.679+04:00ابنتي القرآنية شيخة! <p> <span style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">اقترب الختم يا بنيتي! ها قد كبرتِ وزاد اعتمادك على نفسك في تصحيح الأخطاء، بدأتِ تدركين أكثر وتميّزين، ويطمئن عليك قلب أمك أكثر بعدما كان ينقبض بشدة عند كل خطأ، صارت تلاوتك عذبةً سلسةً باردةً على قلبها، وبدأت تثق وتطمئن على عينيك الحذرتين وأنتِ تحدرين بسلاسة ورشاقة، ولا يكاد يتأذى قلبها بلحن إلا وتتداركين فيقع استدراكك بردًا وسلامًا على قلبها.. </span></p><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">وتكبرين.. وفرح التقدم والإنجاز وإتقان علم التجويد النظري يصنع أعيادًا في قلب شيختك، ومدح الشيخ وصفت لك لا يساوي الدنيا كلها، وحسن تلاوتك تبعد عن فؤادها أذى الدنيا كله.. إلا اللحون غير المستدركة، يظل وقعها شديدًا على قلبها، بل أشدّ من أي وقت مضى..</div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"> هل ستبكين؟ ربما تنهي الجلسة بحزم وتقول أنها ستذهب إلى عرس وتوصيك أن تكوني بخير وتدير ظهرها عنك وتتركك تظنين أنك وحدك، لكن براكين قلبها لن تخبو مهما كثر الراقصون حولها في ذاك العرس.. ربما تلجئين إلى النوم لتخففي عنك حزن إنهاء الجلسة، ومؤكد أنها لن تنام.. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">تظنين أنك وحدك تعانين، وتدركين بعدما تصبحين أمًا قرآنية أن معاناتك أشد، لأنك لا تملكين لسان ابنتك ولا فؤادها ولا تركيزها وليس لك من الأمر شيء! ستدركين أن حزنك المخبأ يحرق أكثر من استيائك البادي عليك وأنت تقرئين وشيختك حازمة معك.. ستدركين يا بنتي أن الأجور المتصلة لا تُدرَك بالمتعة دون أذى كثير، وأن صدرك يجب أن يكون أوسع من السماء لتكوني معلمة قرآن صالحة، ستدركين أنك ستبدئين طريقًا جديدًا من تهذيب نفسك لتكوني أمًا قوية؛ هينة لينة، وحازمة لا تضيّع الحدود. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">بنيتي، خذيها مني.. لا تفرّطي في ميزانك. لا تجلدنّ نفسك حتى تهلك من مجاوزة حد اللوم، ولا تلقي باللوم على إبليس وأنتِ لستِ متسلحة بكل الأسباب المتاحة. أنا أعلم أنك تعبتِ، والله يرى ويسمع، لكنّ حبل الأسباب مع رجاء الله يا ابنتي لا يُترَك ولو بقي منه خيط واحد، لا تقولي أوشك على الانقطاع، تشبثي بذاك الخيط بقوة، فقد يأتي فتح الله لتشبثك به ويبدلك عن الحبل عشرة حبال متينة. لا تقطعي رجاءك ببذل الأسباب ولو دبّ اليأس إلى قلبك، فأنتِ تدعين الله. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">بنيتي، لا يضيع الله عمل عامل يسعى إليه، مهما بلغه الجَهد وتقطعت به السبل، فانتفضي ودعي الضعف واليأس لأهله، فأنتِ القرآن صاحبك الذي يمسح على مواطن ضعفك ويجبرها حتى تصيري قوية بقوته. فهلّا تركتِ الحزن البادي على عينيك وأبدلتِه جهدًا وسعيًا؟ فالحزن لا يوصِل إلا إذا كان محرّكًا لعمل، وإلا فهو يشدك إلى الأرض لتركني إليها، ولا تصلين يا بنتي كذلك!</div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">حبيبتي، كل صبر تتجشمين عناءه سيغدو حلوًا على قلبك بعد أن تتقوي وتقوّي إنسانًا بكتاب الله، كل أذى تلقينه في هذا السبيل يهون حين ترين أمَةً لله تتمسك بالقرآن ليصير منهج حياة لها وثباتًا، كل همٍّ وغمٍّ يندرس ويبقى أثر القرآن، تبقى أبدًا الصدقات الجارية التي تسعين قدر استطاعتك أن تكون سببًا في غرسها لتجني ثمرها ما حييتِ -بل وبعد موتك!-، أفلا تصبرين؟</div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">ما انقطع حبل وصال امتد لله، ربما يشحّ اللقاء، وتشغل الدنيا، وتتكالب الأشواق علينا، لكنّ الوصلَ يا أمّي ممدود ما دام الود في الله ممدودًا، وما دمنا نسعى على الميثاق، كتاب الله وخدمته. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">لله أنتِ، تذكري دومًا ﴿ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقى﴾، ولا تنسي ما حييتِ ﴿وَمَن جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العالَمينَ﴾، أنتِ المحتاجة، فأنفقي ولا تملّي، فنحن نملّ والله لا يملّ. إني نذرتكِ لله فكوني على قدر الأمانة، رب فتقبل مني إنك أنت السميع العليم.</div>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-87598446328529331822022-08-01T20:25:00.006+04:002022-08-01T22:02:24.027+04:00ماء بارد على الظمأ.<p><span style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">مضى زمن بعيد مذ سِلتُ في نص، اشتقت فيه إلى نفسي أكثر من شوق أحدكم إلى نصي. لم أستطع الكتابة تارة، وأردت الفيضان ولم أجد وقتًا له حتى جفّ ما وراء السدّ، لكن الله الباقي باقٍ، وإبقاؤه الأشياء رغم قحط الأرض من بقائه، فالحمد لله.</span></p><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">كيف يفيض مورد كاد أن يجف؟ هل يفيضه إلا القرآن وأهله؟ انقطعت عن هذا العالم زمنًا، والحمد لله الذي لم يقطعني عن القرآن وأهله أبدًا. بآية من هنا وهناك، وتصحيح لحرف وحكم، وثبات لحفظ وربو معنى وزهر قلب بعد وقع آية عليه وقع المطر على الجرد. قد يضيع الكاتب إن انقطع عن فيضانه، ولا يضيع المستقي من ريّ القرآن وأهله وإن طال يبسه. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">سفر الحياة لا يمسّك وعثاؤه ولا يقربك ما دام القرآن صاحبك وحبيبك. يتشكل قلبك الأجرد برواء القرآن، تصبح كل أراضي قلبك مخضرة خضرة صلالة في الخريف، يرتوي حد الفيضان، وينظر الناظر إلى قلبك وسلوكك نظر دهشته بشلالات دربات. تنتعش من حيث تشعر ولا تشعر، تصبح في بداية طريقك مع القرآن شخصًا عاديًا، وتمسي مؤمنًا لا تكاد تهزه أية عاصفة. هل تحسبني أبالغ؟ جرّب إن شئت واصحب القرآن وأهله وأنت تنوي الاستسقاء لا التجريب، وذق المن والسلوى! </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div class="separator" style="clear: both; text-align: center;"><a href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjwNfSLHXtM1Za4DIu9sIn4FSAIxqvJKnDV_uC4M4I4nrDz00tBcmYJFWWsWemDM7MMl_hHnnjjbL1mxynVRcsw-VEjZ7UrjP1IELMhrL_QHNNdTOu7tz9bsBXyM2ssJEYIBelgtmVGKgQko5M6UdQ9BzfAcU6Ozayzz4UL9jnx3-cto6_rCt9111mw8A/s1550/0B27FA4B-E0D0-4AB2-95E4-71493D7788B3.jpeg" style="margin-left: 1em; margin-right: 1em;"><img border="0" data-original-height="1550" data-original-width="715" height="320" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjwNfSLHXtM1Za4DIu9sIn4FSAIxqvJKnDV_uC4M4I4nrDz00tBcmYJFWWsWemDM7MMl_hHnnjjbL1mxynVRcsw-VEjZ7UrjP1IELMhrL_QHNNdTOu7tz9bsBXyM2ssJEYIBelgtmVGKgQko5M6UdQ9BzfAcU6Ozayzz4UL9jnx3-cto6_rCt9111mw8A/s320/0B27FA4B-E0D0-4AB2-95E4-71493D7788B3.jpeg" width="148" /></a></div><br /><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">كنت -قبل صحبة القرآن- أتشوق إلى الجو اللطيف بعيدًا عن رمضاء مسقط، وإلى الخضرة والماء والحُسن بعيدًا عن جدب سيوحها، إلى المسافرة تلك والمتمتع ذاك، إلى البلد الماطر والفراشات المتطايرة، كانت متعة مؤقتة جدًا، لم تشبع أي شغف داخلي. في صحبة القرآن، سافرت صويحباتي إلى شتى بقاع الأرض مستأنسات بالجمال. لم يسلب قلبي جمال الأرض ولا خضرتها ولا لطف نسمات الهواء الذي يداعبني من صورة أو مقطع مصور، بل سلب لُبّ قلبي أن صور الجمال لم تخلُ من مصحف إحداهن مع جمال الطبيعة الأخاذ، سلب لُبّي أن الصاحب والحبيب كان الأنس والجمال في وسط الجمال، وأن كل الخضرة والجمال جَدبٌ دون آيات. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">ما الداعي لمخالطة كل ذاك المتاع ومزاحمته بالآيات؟ الداعي أن برد الرضا لا ينسكب في قلبك من جمال وزخارف الدنيا مهما احلوّت، وأن مدّ العين إلى المتع وحتى مدّ اليد إليها لن يشبع في داخلك إلا اللمم، بل رزق ربك خير وأبقى. لن تنفع أحسن مدارس العالم في تثبيت هذا المعنى في قلبك ما لم يثبته القرآن. في داخلك ثقب أسود قد يبتلعك إن لم تسدّه بالقرآن، فؤادك هواء مهما حاولت أن تبدو نضِرًا، لن يشبع نهمه إلا آية. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div class="separator" style="clear: both; text-align: center;"><a href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgASWnr6EzUNQO14eeJ9oSSlWVYnviJkCRR5mkRfw1VGWm7fkNgLTi7HreWG769AjA5XgvFA4zKbgCC8x7Oj7J8tKqModNTheHy52DvOsvENMrf7oXnaWm17KSg0GeXAHTyUDgkbK3YFOFtjX2OW1amT4o3H8hR7JY6IGzhNm9ICqtuLnqWEexPGEinXA/s1985/9019EAB6-228D-43EA-9C3C-7B62894714B2.jpeg" style="margin-left: 1em; margin-right: 1em;"><img border="0" data-original-height="1985" data-original-width="1125" height="320" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgASWnr6EzUNQO14eeJ9oSSlWVYnviJkCRR5mkRfw1VGWm7fkNgLTi7HreWG769AjA5XgvFA4zKbgCC8x7Oj7J8tKqModNTheHy52DvOsvENMrf7oXnaWm17KSg0GeXAHTyUDgkbK3YFOFtjX2OW1amT4o3H8hR7JY6IGzhNm9ICqtuLnqWEexPGEinXA/s320/9019EAB6-228D-43EA-9C3C-7B62894714B2.jpeg" width="181" /></a></div><br /><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">في حُسنِ أوروبا تتم ابنتي القرآنية حفظ خمسة أسداس القرآن، وفي خضرة صلالة تقرأ لي الأخرى حتى يبرد قلبي وقلبها، ذلك لتعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها بالقرآن إحياءه لأجمل أراضي الدنيا، وأنكم بالقرآن أحسن من حُسن الدنيا كله. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><a href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgLiJ7JEAOg-n8xvuAECWVeouYzmL2HcSzJeSkzubZgqnpPVbJHmllNnifTEhr-8VULYcuW6S87Grd5DypQTNlvRBOspaA45yA6rpyn23s5L5co5G-C6NhcchtkqJB4MupJmLTdLniL-ryRmUUjMrnAxm4U1E4EDev0WUe-AcDgm5TgvL_una1aij96yA/s1119/2CD587C1-25E8-4AA1-8903-222706DAEDC8.jpeg" imageanchor="1" style="font-family: -webkit-standard; margin-left: 1em; margin-right: 1em; text-align: center;"><img border="0" data-original-height="799" data-original-width="1119" height="228" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgLiJ7JEAOg-n8xvuAECWVeouYzmL2HcSzJeSkzubZgqnpPVbJHmllNnifTEhr-8VULYcuW6S87Grd5DypQTNlvRBOspaA45yA6rpyn23s5L5co5G-C6NhcchtkqJB4MupJmLTdLniL-ryRmUUjMrnAxm4U1E4EDev0WUe-AcDgm5TgvL_una1aij96yA/s320/2CD587C1-25E8-4AA1-8903-222706DAEDC8.jpeg" width="320" /></a></div>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com2tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-72519168330428281692021-11-20T09:36:00.004+04:002021-11-20T10:05:55.078+04:00لا يشقى بهم جليسهم. <p></p><p class="s3" style="direction: rtl; font-size: 18px; line-height: 21.600000381469727px; margin-bottom: 0px; margin-top: 0px;"><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">لا تجد ظلًا يؤويك من شدة رمضاء الحياة، ولا دفئًا يكفيك بردها، إلا قرب أهل القرآن. أولئك الذين رؤيتهم تشرح الصدر وتمسح على القلب، أولئك الذين تلاواتهم معانيها أبلغ في قلبك من أجود القراء، وتدبر معهم يحييك دهرين. أولئك الذين لن تعدو عيناك عنهم وإلا زاغ بصرك وضعفت همتك وسرت إلى الله أعرج مكسورًا، أولئك الذين يجبرون الكسر ويشدون الأزر ويأخذون بيدك وقلبك إلى البرّ طوعًا أو حتى كرهًا، أولئك هم أهل الله، هل تفرط في أهل الله وأنت ترجو قرب الله؟</span></p><p class="s3" style="direction: rtl; font-size: 18px; line-height: 21.600000381469727px; margin-bottom: 0px; margin-top: 0px;"><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;"><br /></span></p><p class="s3" style="direction: rtl; font-size: 18px; line-height: 21.600000381469727px; margin-bottom: 0px; margin-top: 0px;"><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">في صحبتك </span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">للقرآن، رحلة النعيم </span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">التي تشعر فيها جيدًا بهالات النور من حولك، وتكاد تلمس بيديك اللذة التي لم تجدها في أي شيء آخر. في رحلة تجويد القرآن وإتقانه، في رحلة التدبر التي لا تنتهي إلى آخر نفَس منك، في رحلة حفظ القرآن -المشقة الألذ-، كنت تشعر وأنت تحقق كل نجاح في هؤلاء أنك </span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">تعلو على كل انتصارات الحياة الدنيا التي حققتها من قبل، تفوقك في علوم القرآن يسمو على تفوقك في تخصصك، وفرحة عرسك القرآني يوم ختمك تتخلل كل خلية في جسدك، لم تكن كفرحة عرس زواجك. ستدرك في قلبك معنى "هو خير مما يجمعون" حين تتحسس قلبك فتجده سعيدًا في قرب القرآن وأهله أكثر من أي سعادة أخرى في الدنيا. لا يدرك هذا إلا مجرب، فهل تجرب وتذوق؟ ومن ذاق عرف، ومن عرف غرف واغترف و</span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">استسقى واستنهل ولم يكتفِ ولم يشبع حتى آخر رمق منه، لا من القرآن ولا من أهله. </span></p><p class="s3" style="direction: rtl; font-size: 18px; line-height: 21.600000381469727px; margin-bottom: 0px; margin-top: 0px;"><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;"><br /></span></p><p class="s3" style="direction: rtl; font-size: 18px; line-height: 21.600000381469727px; margin-bottom: 0px; margin-top: 0px;"><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">رحلة القرآن لا تخلو من التعب والنصب، </span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">ولكن.. ما قيمة التعب مقابل النور الذي تقتبسه؟ ما قيمة كل الأشغال والملاهي التي تركتها لتشتغل بالقرآن وهي لحظية فانية ما تلبث إلا أن تنتهي</span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;"> دون أثر يُذكَر؟</span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;"> بينما الوقت الذي قضيته مع القرآن خالد إلى يوم القيامة، والقرآن سبقك إلى قبرك ليكون مؤنسًا ورفيقًا حانيًا يوم تفقد الرفقة وتتعود الوحدة</span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;"> -تعوّد الذي لا حيلة له إلا التعوّد (إلا مع القرآن)-. ما قيمة الفناء</span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;"> أمام البقاء؟ ما قيمة الأصحاب الذين سيقولون لك يومًا ما: "انظرونا نقتبس من نوركم" لتقول لهم: "ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا"؟ تلك اللحظة التي يظلم فيها الكون وتنيره أنت بالقرآن الذي بين جنبيك، وأنت فرِح أن حسبتك كانت صحيحة هذه المرة ولم تفرط في حياتك ولم تقل "يا ليتني قدمت لحياتي" لأنك قد قدمت من زاد النور ما يكفيك لتنجو اليوم</span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;"> -إن أخلصت وتقبلك الله-</span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">. ما شعورك الآن وأنت تمسك مصحفك بمنأى عن العالم لينجيك</span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;"> يوم لا ينجيك إلا نورك؟</span></p><p class="s3" style="direction: rtl; font-size: 18px; line-height: 21.600000381469727px; margin-bottom: 0px; margin-top: 0px;"><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;"><br /></span></p><p class="s3" style="direction: rtl; font-size: 18px; line-height: 21.600000381469727px; margin-bottom: 0px; margin-top: 0px;"><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;"></span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">يوم تضيق بك الأرض بما رحبت، تأتي آية لتتردد في داخلك دون سابق طلب أو إنذار لتجدها تمسح على قلبك جبرًا، </span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">وتجدها ترشدك وتهديك إلى ما احترت طويلًا دونه، وتجدها تبني شيئًا تجهله في داخلك. في رحلتك مع القرآن، كلما مررت بآية وجدتها تحدث خدشًا في كل مساوئك وأخطائك، ثم مع كثرة الخدوش ومع إطالة احتكاكك بالقرآن، تجد أطباعك السيئة تتصدع وتتحطم واحدًا تلو الآخر، لا تجد في داخلك مكانًا لود ولا سواع ولا يغوث ويعوق ونسر، كل الأوثان -التي ظننت أن النبي صلى الله عليه وسلم هو آخر من هدمها- لكن رأسك مملوء بها، تلك التي تنصاع إليها أكثر مما تنصاع لأي شيء آخر، سيهدمها القرآن إن أطلت صحبته. هو الذي يعلمك ويزكيك ويطهرك ويجعلك إنسانًا أفضل في كل مرة تقرر ألا تفلته من يديك وأن يكون هو النور الذي يدلك على الحياة، </span><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">يربّيك ويهذّبك في كل مرة تسيء فيها التصرف فلا يردعك أم ولا أب، ينمّيك ويطهرك، ويجعلك ترى وتبصر كل شيء بنظرة واقعية عميقة ذات بُعدين (دنيوي وأخروي)، ويكفّ عنك السطحية المقيتة حين ترى الأشياء بظاهر من الحياة الدنيا وأنت عن العمق غافل!</span><span style="line-height: 21.600000381469727px;"> </span></p><p class="s3" style="direction: rtl; font-size: 18px; line-height: 21.600000381469727px; margin-bottom: 0px; margin-top: 0px;"><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;"><br /></span></p><p class="s3" style="direction: rtl; font-size: 18px; line-height: 21.600000381469727px; margin-bottom: 0px; margin-top: 0px;"><span class="s2" style="direction: rtl; line-height: 21.600000381469727px;">في الرحلة التي لن تنتهي ما ثبت قلبك ونبت في هذا النور، أنت بخير عظيم، وفرقان مبين، ونور على نور، أنت عميق النظر بعيده، أنت قويّ عزيز بعزة كتاب الله، أنت رحيم برحمة القرآن للعالمين، أنت إنسان صالح يصير أصلح كل يوم، وأنت مُفلح!</span><span style="line-height: 21.600000381469727px;"></span></p><p class="s3" style="direction: rtl; font-size: 18px; line-height: 21.600000381469727px; margin-bottom: 0px; margin-top: 0px;"><span style="line-height: 21.600000381469727px;"> </span></p>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com4tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-67798361068615122462021-06-01T21:00:00.003+04:002021-06-01T21:13:59.733+04:00ابنتي القرآنية، حظي العظيم.<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">أن تكون لديّ ابنة قرآنية، يعني أنني أصبحت أمًا؛ أمومة تشبه تلك الحقيقية الفيزيائية الوراثية، مليئة باللذة. ضحكة من طفل تنسي سهر ليلة، وقد يكون السهاد سيد الموقف أحيانًا إن مسه أذى أو خشيت عليه من الأذى دون أن يمسه، لكنّ قرّة العين به لو يعلم عنها ملوك الدنيا لقاتلوني عليها بالسيوف، تلك السعادة التي لا تشترى بأموال الدنيا كلها، تلك البهجة التي تطغى على كل بهجات الحياة الدنيا وزخارفها، بهجة أي إنجاز تنجزه ابنتي القرآنية وخصوصًا القرآنية منها. أن تكون لدي ابنة قرآنية، يعني أن لديّ نصيبًا من السلوى والأنس والفرح مقسومًا لي، خاصًا بي لا تعصف به شواغل الدنيا ولا تسلبنيه ما دمت ملتزمة به، يكون نصيبي من حياة الروح ملازمًا لا ينفكّ عني مهما تبدّلت مسؤولياتي، تلك الحياة التي لا أبغي عنها حولًا، تقرأ ابنتي القرآن فينسكب على قلبي عذبًا زلالًا، تلامسني كل آية كما لم تلامسني من قبل. أي نعيم أكبر من أن يختارني الله للاستماع إلى القرآن كاملًا بصوتها؟ </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">أن تكون لديّ طالبة أقرئها الفاتحة إلى الناس، لا يعني لي أن أستمع منها القرآن فأقوّم تفخيمها وغننها ومقادير مدودها، بل يعني لي أن بين يديّ روحًا ونفسًا، أقوّم علاقتها بالقرآن قبل أن أقوّم حروفها، وأدغم العطاء والمسارعة في الخيرات في روحها قبل أن أصحّح إدغاماتها، أن أكون أمًا قرآنية يعني لي أن أصبح كل يوم بعزم أن أكون أفضل وأرقى وأوسع، لأكون أحسن عند الله بأن أكون مثالًا أحسن لابنتي، يعني أن أجاهد لطمس أخطائي وكسلي لئلا ترثه مني فأكون دمارًا لها لا عمارًا، يعني لي أن أسعى لأكون صالحة كي يعتني الله ببناتي ويبعث لهن من يقيمُ جدرهنّ ولو اندرس رسمي. أن أكون أمًا قرآنية، يعني أن أحمل أرواحًا غير روحي على عاتقي، أن أضم قلوبًا صغيرة داخل قلبي أخشى عليها أكثر مما أخشى على قلبي. أن أكون أمًا قرآنية يعني أن أحتوي ابنتي وإن لم أصد عنها أذى الحياة فأطبب جروحها منها قدر إمكاني. أمومتي القرآنية هي حصولي على سند أتكئ عليه لخدمة القرآن إن وهنت، وأن يتصل سندي؛ ذرية ترثني دون كل مواليّ، ويجعلها ربي رضيّة. أمومتي هي اتساع حضني لكل متاعب ابنتي، واتساعها لمتاعبي، وتقاسم شظف العيش والاستظلال من حرّه بظلال القرآن بعيدًا عن لظى الركض المسعور في الحياة. أن أكون أمًا، يعني أن أكون ظلًا وارفًا لابنتي، لا يحجب عنها النور فتذبل، ولا يدعها تحترق في الرمضاء. أن أكون شيخة وأمًا قرآنية، يعني أن كل همزاتي ولمزاتي غدت مراقَبة ممن يبغي قدوةً حسنةً، ويعني أن أستعيذ بالله ألف مرة من أن أكون قدوة سيئة أو أن أتخلى عن خلق من أخلاق القرآن فتستنكره ابنتي أو أن أُفسِد فيها ولا أصلِح. أن أكون أمًا، يعني أن أُدلّل ابنتي وأتلطف بها لطفًا يغمرها دون أن يغرقها فتفسد وتصبح بذرة عفنة لا تمثل القرآن ولا أهله. أن أكون أمًا، يعني أن أكون حليمة ورفيقة، إلا إن ارتبط الأمر بحدٍ أخلاقي أو تهاون في طلب العلم أو تقليلٍ من قدر القرآن العظيم أو رسالته بغير الأخذ به بقوة، فأقسو لتزدجر وقسوتي محض رحمة لا تشفٍ ولا غل. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">ابنتي هي غرسي الذي أسعى لإصلاحه وتزكيته لتغدو شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. ابنتي هي مشروعي الناجح الذي لا أبالي لو تركت مهامي ومشاغلي لأكرس جهدي عليه. ابنتي هي من أتسع لها ولو ضيّقت علينا الحياة، هي من أتآزر معها لتكون حياتنا قرآنًا. ومهما تلوّنت الحياة واغبرّت، ألبستُها عدسةً قرآنيةً جديدةً توضح لها رؤيتها لئلا تتيه. كلما ارتخى عزمي قرأت عليّ آيات ثم ذكرتني بعدها بالله تذكيرًا يدغدغ قلبي. حظي من القرآن أعظم وأنا أمسك بيدها لنمشي في هداية القرآن للتي هي أقوم، وننظر كيف نقوّم حياتنا به. ابنتي هي عدّتي ليومٍ أقف فيه أمام الله ليسألني عما أبليت فأقول هذه يا رب -اللهم أخلصنا وتقبلنا-. ابنتي هي التي أخاف من أن تُكتَب شهادتي فيها زورًا وأُسأَل فلا أملك جوابًا، هي التي تجعلني في كل يوم أعد جوابًا لسؤال الله عنها. ابنتي هي من أحرص أن تتخلق بأخلاق القرآن وأن تكون مسارعة للخيرات معطاءة لا تسد بابًا لا من الدنيا ولا من تعليم القرآن في وجه أحد، بل تأخذ بيد القوي والضعيف ليستنير بنور الله، وألا ترضى لنفسها أن تستنير وتتنعم وهي تترك الناس يعانون في الظلمات. ابنتي هي التي أعدُّها لتكون نصرًا وفتحًا للأمة لا غثاء كغثاء السيل. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">اللهم تقبّل مني بناتي، واجعل بالقرآن ثباتهن واجعلهن ثباتي، وأخلصهن واصنعهن على عينك فإنني مهما حاولت الإحسان مقصرة ومسيئة، خذ بأيديهن واجعلهن فتحًا عظيمًا لأمتنا، ونصرًا للمسلمين ولبيت المقدس، ودحضًا للأعداء. اللهم أطلق بالحق ألسنتهن، واجعلهن بتمسكهن بالكتاب صالحات مصلحات، واجعلهن شفاعة وصدقة جارية لي إلى يوم الدين. اللهم ارزقني الإحسان إليهن ما حييت ومكّن لي تقويتهن وإنارة قلبي وقلوبهن. اللهم أذقهن من لذائذ القرآن أعظمها، واجعلهن خير مذيقات للناس لذة القرآن. اللهم أنِر بالقرآن أفئدتهن وأرواحهن، واجعلهن عاملات بكل حرف قرأنه من القرآن، واجعل ختماتنا شاهدة لنا لا علينا. </div>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-87129836385023332562021-05-17T22:44:00.010+04:002021-05-18T00:15:16.085+04:00روحٌ مبتورة. <div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">أم الشهيد التي تزغرد في جنازته، هي الأم التي يسيطر عليها السهاد والهواجس إن تأخر ولدها الرجل البالغ في العودة إلى المنزل، هي الأم التي تخشى على طفلها من نسمة هواء تمرضه، هي الأم التي يؤلمها ألم ابنها أكثر من ألمها، هي الأم التي ترضع ابنها وتهدهده، وتعلّمه كلماته، ويوم سَعدها يوم يقول ماما أو يبدأ في المشي. أم الشهيد هي الأم التي تبكي فرحًا في نجاحاته، وتأنس بمراقبته وهو يكبر، أم الشهيد هي التي حلمت بأن يكبر ليكون طبيبًا أو إمامًا. أم الشهيد قلبها فارغ ومفجوع لفقد ابنها كأي أم طبيعية في العالم، لكنّ أمّ الشهيد رغم حزنها العميق نذرت مدللها وقرة عينيها محررًا، أم الشهيد تزغرد في جنازة فقيد قلبها لأنها ترجو أن الله تقبل فلذة قلبها وأن تكون قدمَته من رحمها إلى الأرض المباركة إلى السماء قربانًا لله. أم الشهيد جذلة أن ابنها مات في سبيل مقدّسات وأرض وقضيّة ولم يمت هوانًا. أم الشهيد يغلب حبّ قضيّتها على حبّ جوار ابنها -الذي لا يعلى عليه في قلوب الأمهات-.</div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">أقصى خوف لا نستطيع تجاوز صدمته النفسية -نحن الآمنون في أوطاننا- حادث سير لم نُصَب فيه بأذى، بل كانت الصدمة كفيلة بأن توقظنا في الليلة الواحدة مرات. نحن الآمنون لم نجرب انهيار بيوتنا علينا، لم نجرب ثقل الطوب والحديد والأسقف، لم تكن وجبتنا الأخيرة في سفرة الطعام ونكون نحن الوجبة التالية لمفترسينا. نحن الآمنون صدماتنا النفسية مهما ساءت هي أقل روعًا، أما شعب الكرامة، فهم الذين تخرس ألسنتهم وتتفتت قلوبهم بصمت، هم الذين يلعب أطفالهم تحت القصف لامبالين، لكنهم يخافون ويبكون ويذعرون. ذاك الشعب الصامد يزأر في وجه عدوّه، لكنّ قلبه قلب بشر، ينكسر ويموت ألف مرة وهو حي. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">أن تعيش ثمانية أيام متواصلة تحت القصف ليل نهار، أن ترى مدينتك التي ولدت فيها وتغذيت على هوائها منكوبة تحترق وتتدمر، أن ترى بيوت جيرانك وأهلك مسوّاةً بالأرض، أن يُقصَف بيت جارك فيتكسر زجاج بيتك متشظيًا نحو أطفالك فينفجر طفلك الرضيع بكاءً غير مدرك لما حوله، أن تلتم أنت وأطفالك في زاوية من البيت تنتظرون حتفكم الآن أو بعد قليل، أن تصبح رائحة الموت أكثر انتشارًا في الجو من رائحة الحلوى، أن تتقوى رغم صوت القصف ليصلك خبر رحيل عزيز عليك اجتثت أحلامه لأنه مدنيّ فلسطيني قرر ألا يترك بلده، أن تفقد قلبك بين الركام ولو أخرجوك حيًا، ألا تكون قادرًا على التعافي من أي شيء، أن يكون الكرب والحزن والخوف أكبر مما تطيق ورغم ذلك تصمد وتقول أنه كله فداء للأقصى، هنا غزة. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">تُبتَر روح الإنسان في غزة قبل وقت انتزاعها. يقف صامدًا عزيزًا ويضحك في جنازة أحبابه، لكنّ ألف سبيل للحياة يموت في داخله. يموت الأخ والحبيب والسند والرفيق والزوج والأطفال والأمهات، تموت الثكالى واليتامى والحزانى، كلهم يموتون في سبيل الحرية. نكتب عن الشهادة وعن الصمود وعن البطولة، وننسى الأحلام ونظرات العيون الشاردة والحب، ننسى حق الإنسان في أن يحيا في حياته، وألا يموت قبل أوانه.</div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">تنزف غزة القوية وتضعف، ننزف نحن العاجزون أكثر ونحن بعيدون. أتعجب ألف مرة من روح البطولة العجيبة فيمن يتخلون عن عنفوان شبابهم ليشتروا الشهادة، الذين اشترى الله أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، أليس لي نصيب يا رب من هذا؟ أتأمل حياتهم وأحداثهم اليومية، هل سأشتري الشهادة مقابل كل طموحاتي وآمال شبابي وشوقي للمعة عيون أطفالي؟ لا أعرف إن كان الموت قرارًا أشتريه رغبة أو قسرًا، ما أعرفه أنهم أقوى مني. أتخيلني أفقد ما يفقدون فلا أطيق صبرًا، كيف تصبر قلوبهم المنكوبة؟</div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">تغيّرت مقومات الحياة عندي وأنا أتبع هواي حين أشتهي ما يدعم العدوّ فلا أنهى نفسي عنه، بينما هم يبيعون حيواتهم بكل ما فيها رخيصةً فداء الأقصى. أدركت من الضعيف فينا ومن المُحتَّل قلبه ولو لم تُحتَلّ أرضه، فهمت وعد الله المجاهدين بأموالهم كل الخير لأن الأمر لم يكن وفق هواهم. صار اشتراء الله من المؤمنين أنفسهم واضحًا جدًا وأنا أراه يعلو على كل رغبات الحياة. صارت حياتي سخيفة وأنا لا أجاهد، علامَ أتنفس وآكل من رزق الله؟ </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">تشوشت مفاهيمي عن كل شيء وأنا عاجزة. أوقن أن ألم غزة سيُجبَر لأنهم يرجون من الله ما لا يرجوه أعداؤهم، ويقيني هذا ينجيني. ألمي كبير، غصّتي محبوسة وأنا أرى فتاةً بنفس أحلامي تفقدها كلها دفعة واحدة، والأطفال يفقدون كل شيء. دعائي ومالي ممدودان إلى غزة، ويدي قصيرة، أقصر من أن تطبب جرح أحدهم أو تطبطب على ظهره. اللهم قد طال بلاؤهم فاجبرهم وانصرهم واربط على قلوبهم، اللهم الطف بهم، وبقلوبنا نحن الآمنون الخائفون السعيدون الحزانى. اللهم مكّن لهم ولنا في الأرض واستخلفنا لنقيم الصلاة ونؤتي الزكاة ونطيعك بأمان وقوة. اللهم طهرنا وخذ بأيدينا وارحم عجزنا. اللهم فلسطين، اللهم غزة، اللهم الأقصى. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">الله أكبر من كل شيء. نقرأ الآن كل آية في القرآن وكأنها تتنزل علينا اللحظة، اللهم إنا مؤمنون نثق بك. اللهم استعملنا وأنجز وعدك، اللهم إن أهل غزة قد زلزلوا فأحل نصرك القريب عليهم وعلينا. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px;">﴿<b>نَتلو عَلَيكَ مِن نَبَإِ موسى وَفِرعَونَ بِالحَقِّ لِقَومٍ يُؤمِنونَ إِنَّ فِرعَونَ عَلا فِي الأَرضِ وَجَعَلَ أَهلَها شِيَعًا يَستَضعِفُ طائِفَةً مِنهُم يُذَبِّحُ أَبناءَهُم وَيَستَحيي نِساءَهُم إِنَّهُ كانَ مِنَ المُفسِدينَ وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ وَنُمَكِّنَ لَهُم فِي الأَرضِ وَنُرِيَ فِرعَونَ وَهامانَ وَجُنودَهُما مِنهُم ما كانوا يَحذَرونَ</b>﴾</div>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com2tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-87299751340281068362021-03-27T12:27:00.002+04:002021-03-27T12:44:24.454+04:00روح من أمر الله 2<p> <span face=""Traditional Arabic", Arial, Helvetica, sans-serif" style="background-color: #d9edf7; font-size: 24.48px; font-weight: 700;">{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (2) </span><span face=""Traditional Arabic", Arial, Helvetica, sans-serif" style="background-color: #d9edf7; font-size: 24.48px; font-weight: 700;">وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) </span><span face=""Traditional Arabic", Arial, Helvetica, sans-serif" style="background-color: #d9edf7; font-size: 24.48px; font-weight: 700;">ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) </span><span face=""Traditional Arabic", Arial, Helvetica, sans-serif" style="background-color: #d9edf7; font-size: 24.48px; font-weight: 700;">مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)}</span></p><div style="text-align: right;"><span style="font-size: medium;"><br /></span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;">هذا القرآن الذي أتلوه وتتلى عليّ آياته ليل نهار، يزكّيني؛ يجعلني إنسانًا أفضل، وأكثر طهارة من أي شيء، ولو دنسني العالم، يبقى في صدري سلام وبياض لا يغبرّ ولا تهيج خضرته وينعه ولا تذبل زهوره. مهما اسودّ العالم، القرآن في داخلي يبيّضه!</span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;"><br /></span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;">هذا القرآن يربّيني، أنا الفظة غليظة القلب صرت رقيقة، أنا الرقيقة سهلة الكسر صرت قوية، أنا الغضبى التي تتقلب مشاعرها بين إصبعيها صرت متزنة، أنا عديمة الهيبة والرزانة، كثيرة الجنون والفوضى، صرت أكثر هدوءًا، أنا المُجادِلة في كل صغيرة وكبيرة، صرت لا أتكلم إلا في المجدي. أنا فارطة الأمور، صار صدري منشرحًا بنور من الله. </span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;"><br /></span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;">في الوقت الذي لا تستطيع فيه قرينتي صبرًا على مكاره الحياة، يحتمل صدري طاقة للصبر أكثر مهما ضاق لأنني أحمل في قلبي {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا}، تقرر هي الانسحاب لأنها لم تعد تحتمل تعامل الناس، ويتسع صدري بـ{قالوا سلاما}؛ لأجدني أتسع مهما ضقت، وأكمل بقوة مهما وهنت. هذا القرآن يصنعني على عينه لأكون أحسن، فمع كل همزة أو حركة أجد لي واعظًا في صدري يتلو عليّ آية فيأمرني وينهاني، يحاسبني ويشجعني ويواسيني ويحتضنني. في كل هدوء، أجد صدى آيات في داخلي. حسبي من نعيم الدنيا هذا دون كلِّ حطامها.</span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;"><br /></span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;">الله الذي علّمني ما لم أكن أعلم، وأخذ بيدي مع كل هفوة، وقواني بمدده اللطيف في كل مرة ظننت أنني لن أنجو فيها ونجّاني برحمته، هو الذي أنزل السكينة عليّ في كل مواقفي الصعبة، وهو الذي جعلني متماسكة أكثر مما كنت قبل أن ينيرني بنور القرآن. هو الذي علمني الكتاب واصطفاني ليهبني من الصبر ما يكفيني لأتزود من علوم تجويده ما هداني إلى الإجازة وزيادة، ووهبني الصبر لأعلّمه وأشعل قناديل نور في الساعين فيه. هو الذي علمني الكتاب ويسّر لي حفظه من الفاتحة إلى الناس على مدى السنين، حتى في تلك اللحظات التي كنت مهملة فيها أو كنت أستمع فيها إلى القرآن استماعًا بغير نية الحفظ، لكن كثرة تكرار السماع رسّخت فيّ الآيات رسوخًا حتى دون عزم مني، ثم ما إن سعيت وعزمت وجاهدت وصبرت وصابرت ورابطت، فتح لي من أبواب العلم والفهم والحفظ ما لم يخطر ببالي قطّ. الله الذي علمني الحكمة مع كل حرف يعلمنيه من الكتاب، ولا زلت أسأل الله من فتوح الحكمة وإتيانها خيرًا كثيرًا. أنا الضالة المتخبطة من قبل هذا القرآن وحتى في بداياتي معه، هداني الله وزكّاني وصفّاني ونوّرني واجتباني واصطفاني. أيُّ منّة أكبر عليّ من هذه يا ربّ؟</span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;"><br /></span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;">كانت منّتك العظمى عليّ القرآن، ومنّتك العميمة أهله. أولئك الذين هم مني وأنا منهم، ألاحقهم ويلاحقونني، أشد أزرهم ويشدون أزري، أولئك الذين أخذوا بيدي وتلطّفوا وشدوا عليها بقوة وزجروا حتى أزدجر، أولئك الذي سخّرتهم لتوصل النور إلى قلبي ولولاهم ما وصل شيء منه. هذه المنّة عظيمة أن أحطتني بالصالحين، وقرّبت إليّ منهم خلقًا يلازمونني ويحملون عني وهني ليعطوني مكانه قوّة مددتَهم بها منك ومن كتابك النور. هم مصباحي الذي أشعل نور القرآن في قلبي. يا رب، أهلك وخاصتك، لا أوفي حق شكرك عليهم، ولا أوفي شكرهم، تولّهم والطف بهم وأحطهم بنورك وألحقني بهم وألحقهم بي وألحقنا كلنا بالصالحين.</span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;"><br /></span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;">أنا أعلم أن هذا الفضل من عندك لا تؤتيه أي أحد. أعلم أنك اخترت أناسًا يستمعون فطغت حُجُب قلوبهم عن الاستماع فبغوا وأظلمت عليهم الدنيا وظلّموا حياة الناس وهم يحملون النور بين جنبيهم، وأعلم أنك آتيته قومًا أعاجم لم يؤتوا من حُسن الكلم العربي شيئًا لكن نوره سطع في دواخلهم فأناروا الدنيا كلها به. أعلم أن لطف العشرة ولين الجانب وحلاوة اللسان وحُسن العبادة لم يؤتَها إلا من ذاق هذه الحلاوة وغرف واغترف ونهل ولم يكتفِ. أنت ذو الفضل العظيم والمنّة الجزيلة، ارزقني حلاوته وبركته ونوره وهداه وثباته وجماله ونعيمه وحُسنه، اجعل كل هذه تسبغ عليّ ظاهرًا وباطنًا، وهذا فضلك العظيم الذي لا أوفّي حقّ شكره!</span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;"><br /></span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;">يا ربّ، هل أنا أهل لحمل هذا الكتاب بقوة؟ أنا أعلم أنك لم تصطفِني عبثًا، ولم تقذف في قلبي هذا النور والحُبّ لتنزع من قلبي القوة فجأة فأضيع، أنا التي تمسّكت بهذا الكتاب لئلا أضيع ولا أتيه ولا أزيغ. أنا أعلم جيدًا أن هذا محض اختبار لي، وأنك لا تضعني في اختبارات لا أقدر عليها، ما زلت أدعوك أن أكون أهلًا، أن أحمل أخلاق القرآن وتعامله ونوره ولطفه وهداه وأتمثلها. أنا؟ كثيرة الزلل فليتة اللسان؟ نعم أنا، قلّ زللي مع القرآن وتماسك لساني وازدادت سكينتي. هذا القرآن العجب الذي هداني إلى الرشد ورأيت بأمّ عيني ما أصبحت عليه بعد ظلامي، أوقن أنه لن يتركني أزل ولا أتعثر. ذاك الشتات الذي عشته وأنا أحاول أن ألملم الآيات في صدري وهي تنفرط من بين أصابعي، ذاك الجهد لأوازن بين حياتي وحفظي، ذاك الشتات ربّاني لأرتب أولوياتي وأحسب كل شيء وأضعه في موضعه. كلما تحركت أو سكنت، أحاسب نفسي على ما تلفظت وفعلت وغمزت ولمزت، أقول لنفسي: أكالحمار تحملين أسفارًا بعد ذاك النور؟ لا يا ربّ أرجوك لا تجعلني حمارًا يحمل أسفارًا. يا رب، هذه الأسفار في قلبي، أصلحني بها وقوّمني. اجعلني صالحة مصلحة بقدر جهادي لأكون، واجعلني هادية مهديّة، يقتبس الناس لا من نوري، بل من نور القرآن الذي في قلبي، وأنا مشكاة ضعيفة، وسيلة مسخرة لحمل المصباح في الزجاجة التي كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار. يا رب، اجعل هذا النور العظيم الذي أنا أضعف من حمله قوة ومددًا لي وللعالمين. يا رب أنت قوتي لأحمله بقوة تذهلني وتذهل كل من حولي. امدد لي بمددك. </span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;"><br /></span></div><div style="text-align: right;"><span style="font-size: large;">تعلم وأنت الخبير أنني أجاهد لئلا أكون من الظالمين، لأعطي هذا النور حقه من تشرّبه فيّ والعمل به، ومن نشره للعالمين. أعلم أنا أنني لم أستحق يومًا هذه اللذة، لكنك الكريم الذي يسّرت لي القرآن للذكر فعزمت أن أدّكر. أنت الذي أوحيت إليّ روحًا من أمرك ما كنت أدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلته نورًا تهدي به من تشاء من عبادك، اجعلني هادية إلى صراط المستقيم؛ صراطك. استعملني ولا تستبدلني، انفع بي البلاد والعباد، واجعلني مباركةً أينما كنت. حمدًا يا رب!</span></div><p><span face=""Traditional Arabic", Arial, Helvetica, sans-serif" style="background-color: #d9edf7; font-size: 24.48px; font-weight: 700;"><br /></span></p>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-4941894009731767072021-02-02T15:06:00.000+04:002021-02-02T15:06:08.368+04:00إلى الحافظة القويّة (الضعيفة).<p>إليك،</p><p>أخذك الكتاب بقوة، اصطفاء الله لك من بين العالمين بأن تهتمي بحفظ كتابه وإتقان تلاوته في غرّة شبابك، استغلال فراغك قبل شغلك وصحتك قبل سقمك، هذه كلها كانت اصطفاءً محضًا من الله، ولم تكن هيّنة عنده، ولن تكون. أعلم جيدًا أن الطريق اللذيذ متعب ومرهق، وأن تعثر التسميع بعد طول التكرار داعٍ للانهيار، تلك اللحظة التي تشعرين أنك تتهاوين، وأنك بودك لو تحفرين حفرةً فترمين نفسك فيها ثم تحثين التراب عليك حتى يغطيك كاملًا، فتبقين وحيدة دون ضوء ولا نفَس، إلى أن تجدي النور والسعة في صدرك، وقلّما تجدين!</p><p>أعرف الرغبة العارمة في إيقاف التسميع، في نصح المُسمِّع أن يستغل وقته في شيء أكثر جدوى من تسميعي الخَرِب، أعرف شعور الخزي وشيء ما في داخلك يصرخ: هذا ليس حفظي ولا مراجعتي، هذه لست أنا، هذا شيء غريب لا يشبهني، هذا مؤلم لي ولمن يستمع، وأنا لا أريد إيلام أحد. فلأراجع وحدي إذن لئلا أؤذي ولا أؤذى.</p><p>أجيبيني، هل يتركنا الله نقاسي ونحن نقبل على كتابه؟ هل يدع الله نفوسنا خاوية على عروشها في مواقف كهذه؟ هل يتخلى عنا حين نسمّع ولا يهدينا سبلنا بعد طول جهاد؟ كلا والله، ثم كلا والله.</p><p>كأيِّ شيء في الحياة، بل وأكثر منها، يحتاج القرآن منّا قوة جبارة في أخذه، تلك القوة التي تجعلني أفضّل الانكباب عليه والمراجعة والتسميع على متاع الدنيا كله، وعلى الألعاب والضحك، وعلى كل ما هو زائل ليبقى هذا النور الخالد في قلبي وينفعني يوم يظلم كل شيء إلا النور الذي يسعى بين يديك وبيمينك. تلك القوة التي تجعلني أتعثر ألف مرة وأصاب مصابًا لا أظنني أُشفى بعده، لكنني أقاوم جراحي المثخنة لأكمل بقوة، وأمسك نفسي المتناثرة وألم شظاياها لمًا يجعلني أصل إلى آخر آية في مقرر اليوم دون أخطاء تتوالى لأن نفسي متشظيّة. أعرف أن الكلام سهل والواقع ليس، لكنّه القرآن يا أختي، ذاك الذي يستحق الجهد أكثر من أي حلم في الدنيا، ذاك الذي تقرئينه فيمسح عليك، وترددينه فيوقد النور في قلبك، وتكررينه فتتزكى نفسك، وتسمّعينه فتكتسبين القوة والثقة بطريقة لا يمنحك إياها أي شيء في العالم. اسأليني عن القوة التي وهبني إياها القرآن، سأسهب حتى لا أنتهي!</p><p>يا قوية، </p><p>ما كان حبل القوة الذي ترجينه بعيدًا، لكنك تنسجينه بمئات الخيوط الرهيفة من الضعف والتعثر. ستعثرين اليوم لتكتشفي طريق قوة جديد، وتنهارين مرة بعد مرة لتجدي القوة في قلبك وتعرفي قيمتها بعد طول ضعف، ستشعرين بالضياع وأنتِ تتعثرين دون أن تجدي إجابة من تسمّع لك، ستجدين في اللحظة نفسها في صدرك: "ما ودعك ربك وما قلى"، ستستائين، لتجدي آية تتردد فجأة في قلبك مما حفظتِه تمسح عليك. صدقيني، ستجدين ولو بعد طول أمد في قلبك تلك القوة المزعومة -التي ترينها سرابًا الآن-، سترتوين بعد طول ظمأ، ثقي بالله، ثم بي. </p><p>ثم ما قيمة الدرب دون أصحاب فيه؟ دون مَن لا أشعر بأي حرج أن أبدي انهياري أمامهم، فيطبطبون علي، أو حتى ينهارون معي إن استدعى الأمر حتى ننهض معًا بقوة؟ قيمته تقول لي دائمًا: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا"، كيف تتهدم المساجد بيوت الله العظيم؟ ستنهدم إن لم يتدافع الناس، ثم ماذا؟ "ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز". أعلم أنك لا تشكّين مثقال ذرة في هذا. </p><p>إليك في هذا الدرب الطويل، أنا أوشك على الوصول، لا أدّعي القوة التامة، لا زلت أتعثر، لكنني أقوى من قبل بكثير. لم أصبح قوية إلا بتعثري الكثير، في أمثال الحزب الذي أعدته أربع مرات حتى يخرج سلسًا بأقل قدر من الأخطاء، والسورة التي مكثت عليها سنة كاملة أعيد فيها وأزيد وتكسّرتُ مرارًا حتى صارت أكثرهن رسوخًا. لم يكن الدرب سهلًا وورديًا، ولن يكون، لكن الله اصطفاك ومنحك القوة الكافية في داخلك لتتجاوزي كل هذا، بثقل أو بخفة، ستتجاوزينه بإذن الله.</p><p>يا مجاهدة، يؤلمني ألمك لأنني كنت في مكانك، ويؤلم من تسمّع لك. ولكن، ما ضرّ أن نتشارك شعور الألم إذا كنا سنتشارك شعور اللذة وشعور القوة بعد الضعف؟ لا تهدمي صلواتك بضعفك، دفع الله لك قد يكون بمن تتكئين عليهم حين تنهارين لئلا يتهدم صرح القرآن في قلبك! سيري في هذا الدرب دون أن تكلي ولا تملي، سيري إليه عرجاء ومكسورة، سيجبرك دائمًا، سيمسح عليك ويرسل لك ألطافه من حيث لا تحتسبين. قولي له أنك تعبتِ، وقولي: "اللهم حفّظني القرآن وثبته في قلبي ثبات الجبال الرواسي وأجرِه على لساني سلسًا عذبًا، ونوّرني بنوره في عملي وحياتي". هو سييسر قرآنه لأنك ادّكَرتِ، ويهديك كل سبُله لأنك جاهدتِ، وسيجريه على لسانك وقلبك لذيذًا لأنك رجوتِه أن يعلّمك ما لم تكوني تعلمين، وكان فضل الله عليك عظيمًا. </p><p>لا بأس عليك حبيبتي، غدًا تكونين أقوى وأكثر إتقانًا وثقة وتلذذًا، أنزل الله السكينة على قلبك وأحاطك بالأمان والسلام أبدًا. </p><p><br /></p><p> أختك التي تحبك لأنك تمشين في هذا الدرب: مُزنة.</p>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com3tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-14402451311813088282021-01-05T00:14:00.007+04:002021-01-05T10:46:46.876+04:002020 عام النعم.<p> مرّ عام لم يكن في بال أحد ما سيكون فيه، تغيرت سنن كونية وانقلبت آيات عِظام، وكان ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، كان عامًا عجيبًا، وكان عامًا أعجفَ كما يقول الناس عنه، مرّت فيه لحظات كثيرة -أكثر من المتوقع- أقول فيها لنفسي وصوتي يتحشرج: "سيمرّ هذا الوقت مهما اشتدّ باس". مرّ وفيه عبرات مكتنزة كنا نحتاج سنين طوال لنتعلمها فتعلمناها فيه. شكرًا 2020 على حُلوِك ومرّك.</p><p>لست ممن يكتب في ختام الأعوام الميلادية ولا افتتاحها، لست ممن يكترث بشيء كهذا، لكن لا بدّ للذكرى أن تخلّد. هذا العام الأعجف على قسوته الغالبة، أذكّر نفسي كل يوم أنه <b>عام النعم</b>. لم أكن لأتخيل أن ينقلب بلدي الآمن بحمد الله إلى رعب من كل شيء خارج بيتي، لم أكن لأحلم ألا أرى أمي وأختيّ شهرًا وأكثر لأنني أخاف عليهنّ مني. في هذه الأيام العصيبة، أحسست بعمق نعمة قربهنّ، وأن حياتي مهما كانت مرفّهة بكل ما تشتهيه نفسي لا تساوي شيئًا دونهنّ، أدركت أن شجار ابنَي أختيّ كان حياة قلبي التي انطفأت ببعدنا. في المدة نفسها، انعزلت عن العالم، كانت فرصة جيدة لإنجاز مهامي المؤجلة التي تجعلني سعيدة، بعد أسبوعين، خفتت سعادتي، لم يعد أي شيء أفعله يسعدني، ولم يعد إنجازي مهمًا، أدركت نعمة <b>عافيتي النفسية</b>، تلك التي تهبني الاندفاعية والشغف والتوقد لإنجاز كل ما أحب وأنا أشعر بقيمة ما أفعل وأنجز، أما حين أنطفئ، فلا شيء في العالم قادرٌ على انتشالِ نفسي من قعر بئر كآبتها التي لا قعر لها. صارت لكل نعمة معتادة (لا قيمة لها) قيمة حقيقية، صارت مصادر الإزعاج والتشتيت في يومي مصادر قوة لا أستغني عنها. انقلبت قيم الأشياء لأدرك<b> قيمتها الحقيقية</b>. اللقاءات والخروج من المنزل التي كنت أضيق بها حين تتراكم أعمالي فلا أعرف الأوليَّ منه والثانويّ، أدركت أنها هي حياتي وسط ركض الأعمال المسعور، أدركت أن قوتي المزعومة لإنجاز كل شيء هباء منثور أمام نعمي <b>المعتادة</b>.</p><p>كان للنعم تعريف آخر، عافية لا تضطرك إلى زيارة مركز الحيّ الصحي الذي غدا كوكبًا مهجورًا إلا من رائدي الفضاء المتسلحين ضد كائن لا يرى حتى بالمجهر الضوئي (وعافية لا تضطرك إلى إعادة فحص كورونا المؤلم كذلك!)، طيبات من رزق الله -يشكرها عليه من كان يعبده- لا تنقطع ليل نهار، بل زادت الوجبات والحلويات والإبداعات بجلوس الناس في البيت، عائلة تلمّك وتضمّك؛ تضيق بعدم رؤية غيرهم لمدة طويلة ولا تفكر أن ماذا لو كنت محجورًا دون رؤيتهم، بيت دافئ شتاءً بارد صيفًا، سقف يسترك، متاع الدنيا كله داخل بيتك، ووسائل تواصل لا تنقطع أبدًا حتى تصل إلى جارك الأدنى وأخيك المسافر بالطريقة والجودة نفسها. كنا غرقى في النعم دون أن يلج شيء منها إلى جوفنا لنحمد الله عليها، كنا محاطين ونغرق بلا بلاءات حقيقية تضطرنا إلى استجلاب الشهيق بقوة حتى ندرك حجم النعيم وأثره. شكرًا كورونا، أنقذتَنا من الغفلة!</p><p>كان 2020 هو العام الأول الذي أصافح فيه كف الموت -وأنا حيّة-. كدت أموت عدة مرات في حياتي فنجّاني الله. في هذه السنة لم أمت بالتأكيد، وربما لم أكد أمت كذلك، لكن مرّ علي أسبوع فيه 8 وفيّات، وهذا أكثر من أن يمر على عاقل مرور الكرام دون أن يصفعه على وجهه قائلًا أن الموت أقرب إليك من شراك نعلك. في 2020، مضت المرّات التي لا تُعدّ التي كنت فيها أخاف من أن تموت جدتي، مضت بموتها. لم يكن في حسباني في المرات كلها تلك أن أكون شريكة في تغسيلها وتكفينها، لكنني فعلت. لا أعرف مصدر القوة التي ينزلها الله عليّ كثيرًا في حياتي، ولكن الله يفعل دائمًا. لمست كف الموت بيدي وأنا أخلل أصابعي بأصابعها الباردة المنتفخة الميتة، ولمست معنى الموت في شعرها الأبيض الذي كانت تهتم بتصفيفه وتعقيصه. لمست معنى الحياة في ذريتها الباقية وفي آثارها التي لا تُحصى المتروكة في دواخلنا. ولمست معنى أن أستيقظ ومسائي غير مضمون، وأن أسعى ونهايتي غَبِشة، وأن كل ممتلكاتي الثمينة ليست ملكي وقد يتنازع عليها مَن أحب حالما ترحل روحي دون أن ينفعني شيء أو أحد إلا عملي، فإما من أصحاب اليمين أو الضالين. كان معنى الموت يتمثل في خالتي كوثر وهي تروح وتجيء في يوم تغسيل جدتي وهي لا تعرف أنها التالية وأنها لن تحضر حتى العزاء ولن تخرج من دوامات الأمراض المتلاحقة حتى تموت وهي التي كانت يوم الدفن بخير وعافية تسعى. </p><p>في 2020، سنة الصعوبات، تحققت أهداف فتح الله بها عليّ لم يكن في تخيّلي أن تتحقق، كنت أسأل الله في بداية العام أن يعطيني حتى يرضيني ويكفيني ويعينني على حمده، أعطاني من العطايا والفتوحات فوق ما سألت، وسخّر لي من الألطاف والتمكين ما لم أتصور. أعطاني رفقة قرآن أثيرة في قلبي تمنحني من الحب ما يفوق عطائي، ودورة في بدايته كانت قطعة من نعيم الجنة الخالد في قلبي، أعطاني بنتًا يقرّ فؤادي بإجازتها وبمتابعة حفظها إلى أن تتقن القرآن، وهبني درب الحفظ ميسرًا محفوفًا بمَن يأخذ بيدي فيه بقوة لأقطع أغلبه في عقر أزماتي، هيأ لي السبل لأعدّ ابنتيّ القرآنيتين للإجازة، سخّرني لخدمة الخلق في مختلف الثغور، ومنحني فضلًا منه برعمات ثلاث أعتني بهن -ويعتنين بي- ليكبرن في درب القرآن بقوة. أعطاني الله فيه القوة التي تجاوزت بها كل ضعفي ومخاوفي ووحدتي وضغطي حتى أتخرج، ثم هيّأ الله لي مكانًا أحبه لأعمل فيه -بغير حول مني ولا قوة-، لا بمعدّلي الذي كانت تؤرقني أهليتي للعمل -في ظل التنافس الشديد والبطالة- أو عدمها بسببه، بل بشغفي وإجادتي لأحظى بثقة معلمي المفضل وأعمل معه. فتح الله لي فتوحات غيرها ستبديها الأيام القادمة بإذن الله. توالت عليّ ألطاف الله أكثر مما أستحق بكثير، وأكثر مما دعوت بالتأكيد. </p><p>في هذا العام الغريب، أحسست بقيمة التقارب الاجتماعي ورؤية ابتسامات الأحباب على ثغورهم لا رؤيتها في أعينهم فقط من وراء حجاب الكمامة، وأحسست بقيمة التلامس دون شاشات. فوق كل هذه الأشياء، فقدت روح المسجد، هذا الفقد الذي لا عزاء بعده، المسجد الذي لم أكن أزوره إلا مرة في الشهر على الأكثر، وكان دائمًا الحضن الآمن الذي تندثر كل متاعبي خلفي حال أن يضمني. لطف الله المحيط يضمني حيثما وجهت وجهي وأويت، لكنّ رحابه المتمثلة في بيته على الأرض ما لها من مثيل يشبهها، شعور أن يؤويني بيت الله أعظم ما يُفقَد في أزمة كهذه. اللهم رحابك الواسعة، اقبلنا فيها بحب وسعة. </p><p>كان عام النعم مُدرّسًا عظيمًا، ذاك الذي يقسو ليحسن، ثم ما إن يرى انكسارًا في أعيننا، يدنو ويحنو ويلطف. كان عامًا حنونًا رويًّا مغلفًا بالشدة واليبس. اللهم ربِّنا بلطفك، وبصّرنا بلطفك في الشدائد، واجعلنا ممن تصقلهم الفتن ولا تطغيهم. اللهم أحِبَّنا وقربنا بقدر ما نلتمس حبك وقربك وأكثر. </p>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com2tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-41340295963135231022020-12-16T17:11:00.005+04:002020-12-17T10:17:02.210+04:00روح من أمر الله 1.<p> <span style="background-color: white; color: navy; font-family: "Droid Arabic Kufi"; font-size: large; text-align: justify;">{إن المتقين في جناتٍ وعيون* آخِذين مآ آتاهم ربّهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين* كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون* وبالأسحار هم يستغفرون* وفي أموالهم حقّ للسائل والمحروم}</span></p><p>كانت هذه الآيات من منهج الصف الثالث أو الرابع الابتدائي في التربية الإسلامية، لا أذكر أي تفصيل عنها، ولا حتى مَن كان يعلمني تلك السنة ولا من حفظني إياها ولا كيف سمّعتها، لم أكن أفهم شيئًا، كان مفهوم التقوى هلاميًا عظيمًا أكبر من أن يتصوره عقلي الطفولي، لم أكن أعي معنى الهجوع، ولمَ يتعبون أنفسهم إلى هذا<span> الحد، كان وما زال ولن يزال تدريس الآيات معنا سطحيّ بطريقة ساذجة، لا يسمح فيها المعلم للطالب بالتفوه بأي انعكاس للآية عليه ولا أي شعور لامسه حين مرّت به، كان التفسير حاضرًا تلقينًا وإذعانًا أكثر من أي شيء، كانت سطوة الآيات محجوبة بطريقة غير متعمدة حرصًا على الطلاب ألا يزيغوا أو يتأولوا على الله، أو ربما كانت سطوة الآيات محجوبة بتعمّد لئلا تلامس الآيات إلا سطح الدماغ دون أي مرور بالقلب. كانت معلمة التربية الإسلامية في الابتدائية أكثر الناس تبرجًا والحشمة تبكي على أطلالها، لم يكن القرآن إلا أسفارًا نحملها وندونها ونحفظها ونسمّعها ونخرج كتاب التربية الإسلامية من حقائبنا إذا أردنا الجلوس عليها لئلا نعلو على الآيات -ماديًا ولو كنا نعلو ونعلو فعليًا-، وأحيانًا يكتبونها على ورقة صغيرة أو على درج المدرسة لأن حفظها مستعصٍ. كان حظي من القرآن قليلًا لأن مربّونا لم يكن القرآن عندهم إلا مصدر بركة أقدس من أن يُستمَدَّ منه ليل نهار، بل في رفوف محفوظة مكرمة مرفوعة مطهرة، كان "العبث" بالمصاحف منا تقليلًا من عظمة هذا الكتاب. كان الكتاب كتابًا عابرًا..</span></p><p>{<span style="background-color: white; color: #cc0033; font-family: "Simplified Arabic"; font-size: 17.3333px; font-weight: 700; text-align: justify;">نزل به الروح الأمين * على قلبك</span>} </p><p>لهذا القرآن سطوة على القلب آسرة. في الصف الثالث، لم أكن أفهم الآيات تحديدًا، لكن شيئًا ما في هؤلاء جعلني أحبهم حبًا خاصًا نما في قلبي إلى أن عرفتهم حين كبرت وشاهدتهم من حولي يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. حسبما جرى تعليمنا، كان هؤلاء من قصة خيالية، يشبهون شخصيات ديزني في كونهم من عالم خارج نطاق عالمنا، ربما كانوا يرتدون جبة قديمة لأنهم بالتأكيد من عصر الصحابة الأطهار، لم يكن لهؤلاء احتمال أن يكونوا من جيلنا ولا جيل آبائنا. على أي حال، أيًا كانوا، دخلوا إلى زاوية مخفية منسية في قلبي دون أن أنتبه ومكثوا إلى أن يحين بعث قلبي الطريّ. كان للقرآن طوال هذه السنين أثر خفي يدغدغ قلبي دون جلاء. لم تكن البيئة مهيأة لأن يتبرعم قلبي ويكبر، إلى أن سخر الله لي النور والتربة الصالحة والرطوبة والحرارة الأمثل، إلى رحاب النور..</p><p>ما زلت أكرر الآية مرة ومرتين وعشرًا، وقد يبدو أنني ببغاء، لكن للقرآن سطوة. لكل آية أثر في القلب الطاهر، تطهره أكثر، وتربت على تربته الصالحة ليزهر وينير في ذاته انعكاسًا على سلوكه وحياته. لكل احتكاك سحلٌ غير ملحوظ، ومن أطال الصحبة وفيًا صادقًا مستمسكًا صار من المقربين الأحباب، المورَثين المُصطفَيْن، السابقين بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير!</p><p>لم يكن لله عليّ منة أعظم من ارتباطي بالقرآن، من كل شيء سخّره لي لأصاحبه، بدءًا من قوة الشباب الجسدية والذاكرة والجسد المعافى والتنفس السليم والنفس السوية، إلى مشروع الإجازة القرآنية في الجامعة ودورات التدبر والمصابرات وأهلي ورفقتي وأحبابي ومعلماتي وكل المسخرين في دربي ليفرشوه لي وردًا. ما كنت أدري ما الكتاب ولا الإيمان، ولكن الله أوحاه روحًا، ونورًا يهدي به من يشاء.</p><p><br /></p><p>كان لا بدّ من رحلة القرآن أن تفيض مني حروفًا، لا أدري كم سأكتب ومتى وكيف، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.</p>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com2tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-22254084641641504442020-11-13T20:32:00.007+04:002020-11-13T23:54:06.647+04:00مذكرات خرّيجة 12.<p> مرّ وقت طويل منذ التدوينة الأخيرة. ربما لم يخطر على بال -ولا بالي أنا- أن السلسلة لها تكملة وقد مضى على تخرجي شهران ونصف، لكن شيئًا ما أعادني إلى كتابة كل شيء. ربما لإشباع حاجة في نفسي، وربما لئلا تندثر كل الذكريات الصغيرة من رأسي كما اندثرت بيانات هاتفي التي لممتها لسنين ست ثم اكتشفت أنها سراب بقيعة كنت أحسبها ماءً. كل تفصيل هنا يهمني، كل شعور -سخيف- لا يهمّ أحدًا يهمّني ألا أنساه.</p><p>انتهى اختباري الأخير في مرحلة البكالوريوس، بدأت بنشر الأهازيج فورًا وأنا أشعر بفكاك لم أشعر به من قبل. لا أدري أكنت سعيدة بفكاكي من مادة البرمجة -وإن كنت لست متأكدة من عواقب فكاكي- أم كنت سعيدة لأنني لن أضطر أن أنحبس لمذاكرة ولا تكليف ولا واجب. صرت حُرّة فجأة بعد سنيّ القيود! شعور يشترى بسنين خمس من الثقل الذي تزايد حتى ارتمى من ظهري فجأة. أكانت هذه النهاية؟ نعم قد كانت. ماذا عن كل اللطافات التي وددت لو أودعني ولا أودعها؟ هي في وداعة الله. كنت أعزي نفسي دومًا أنني قريبة من الجامعة ولن أنقطع عنها، لكن إلى الآن، انقطع أغلبها عني وإن لم أنقطع أنا. اللهم ردًا جميلًا جميلًا.</p><p>انتهى كل شيء. ظهرت نتائجنا بعد أسبوع، لم ترضِني بعد الجهد، لكن كأنني كنت مرغمة على الرضا وأنا أتردد في الإقدام على المرابطة لتحصيل درجات أفضل. كنت مثخنة بالجراح إلى الحد الذي لا يثير أيُ شيء داخلي جوارحي للإقدام. حين أوشكت على الإقدام، ماتت جدتي فمات كل إقدام فيّ. فليكن ما يكون، تخرّجت رسميًا بفضل الله. كثرت عليّ الأسئلة بعد نبأ التخرج: هل تخرجتِ بامتياز؟ كنت أقول: لا، لم أفعل. لم يكن الامتياز في شهادة البكالوريوس من رزقي، وكم من ساعٍ لرزق ليل نهار هدّه السعي دون وصول! لم أبلغ الامتياز، لكن أحسبني بلغت الإتقان أو حاولت بلوغه على الأقل، لم يرضِني أن أكتفي بمذاكرة الشرائح كما يفعل كل زملائي بل أرضتني مذاكرة الكتب والتبحر فيها، لم أحرص على الخروج مبكرًا من المختبر بأداء التجربة بأدنى قدر من الإتقان لتعبي أو لمللي، لم يكن الترفيه والخروج مع صديقاتي أو زوجي مفضلًا على المذاكرة في مكتبي أو في مكتبة الجامعة إلى وقت متأخر من الليل مهما كنت أحتاج إلى التنفس بعيدًا عن المذاكرة، ولم أتخلَّ عن نزاهتي ورفضي للغش ولتحصيل الدرجات بالطرق الأسهل التي كان يستسيغها كثير من زملائي، ولم يمت شغفي بالعلم مهما ضاقت سبل الشغف في نظام الجامعة التعليمي. لم أتخرج بامتياز حسب تقدير الجامعة، لكنني آمل أن أكون قد تميّزت عند الله في دراستي وأنا موقنة أن سعيي الحثيث كله كان صناعة لي على عينه، وأن لا جهد ضاع ولو لم تظهر نتائجه جليّة في إفادة تخرّجي، وآمل أن أكون جزءًا جيدًا من ذاكرة معلميّ.</p><p>لم أتخرج بامتياز، ولكن يكفيني امتيازًا أنني تخرجت بشهادة الإجازة القرآنية، وأنني كنت بفضل الله عونًا وسببًا مسخرًا وسندًا لبلوغ كثيرات إلى الإجازة القرآنية، يكفيني أنني علّمت القرآن وأقرأته بتوفيق الله، وأن همّي لم يكن مقتصرًا على دراستي واختباراتي، بل كان همّ تعلّم القرآن وتعليمه يأخذ من فؤادي نصيبًا عظيمًا. لم أشعر باصطفاء عظيم كوني دخلت إلى جامعة السلطان قابوس "المرموقة" عوضًا عن بقية جامعات وكليات عُمان، بل شعرت بالاصطفاء كل الاصطفاء أن اختارني الله بذرة في مشروع الإجازة القرآنية، حتى كبرت واشتدّ عودي وبدأ إثماري فيه بمدد الله. كنت أدعو الله دومًا ألا ينتزعني من فضله ورحمته في هذا المكان، وألا يكون تخرجي سببًا في بُعدي، وألا يكفّ عطائي -الذي أحتاج إليه أكثر مما يحتاج هو إليه- فيه. شعور التخرج هو شعور الهبوط من جنة لا أطيق أنا -ابنة آدم- أن أفعله، ولكنني أفعله. ربما كان الله يريد مني ببُعدي أن أعمر مكانًا آخر كما عمّر آدم الأرض بعد لذّة الجنة، وقد رضيت. أدعو الله قولًا وفعلًا ألا يبعدني عن هذا النعيم ما حييت، وأن يديم اتصالي به لئلا أضيع.</p><p>من لطف الله بقلبي أن سخّر لي بعد تخرجي مباشرة حلقة لي فيها بنات ثلاث لم يغب يومًا عنها الحب ولا الدفء ولا حتى المشاكسة، يمددنني فيها بالقوة ويشعرنني فيها بلطف الله ووده المنتشر بين عباده، هنّ طبطبة الحياة وهي لا تبعِد عني نعيم الحلقات حتى بعد تخرّجي، وهن بذراتي اللاتي أرجو الله كل يوم أن يربون ويُجَزن ويثمرن ويظلِّلن في الجامعة وخارجها خلقًا كثيرًا. تظن بناتي أنني أعطيهن أكثر، ولا يعرفن أنني أستمد منهن أكثر مما يتصورن وألملم السكينة التي ينثرنها. هذا الحب الذي يغمرني في الحلقات هو حبّ الله. أسأل الله ألا يحرمنيه.</p><p>بعد أن استلم الناس جميعًا إفادات تخرجهم، لم أستلم إفادتي إلا بعد مدة طويلة. احتجت إلى مدة كافية لأعيَ أنني تخرجت، وأنها قد تكون المرة الأخيرة التي أستخدم فيها رقمي الجامعي لأي غرض. كانت رحلة استلام الإفادة مفيضة للمشاعر، في جامعة خالية لا يذكر فيها الحجر ولا الشجر مروري من عنده، بعدما كان زمن يستلم فيه الأصدقاء إفاداتهم معًا ليختموا السعي الذي سعوه معًا. لم أذق شيئًا من هذا، استلمتها مع رفيقة درب لم تتخرج معي، دون رفقة التخصص وتعب الليالي الطوال. سلّمت كتابي الأخير، تسللت إلى مخزن الكتب أشم رائحة الكتب الدراسية وأود لو أستطيع اختلاس خمسة كتب منهم على الأقل ليكونوا لي زادًا في درب الحياة أقاوم بهم النسيان وغياب الشغف. خرجت من المخزن أتمتم بقلب حزين: أعلم أن هذه الكتب لن يستخدمها أحد -خصوصًا في المقررات التي كانت دفعتنا آخر من يدرسها-، لكن ديني يمنعني من أخذها، أسأل الله أن يرزقنيها بأي طريقة. دخلت عمادة القبول والتسجيل إلى دائرة شؤون الخريجين لأستلم إفادتي، سئلت عن رقمي الجامعي، نطقت به لمرة أظنها الأخيرة، احتفظت ببطاقتي الجامعية ودفعت رسومًا بدلها. استلمت إفادتي وغادرت، بعد أن دخلت قبل خمس سنين بالضبط تلك الأروقة لاستلام بطاقتي الجامعية الجديدة التي كُتِب عليها (بكالوريوس العلوم) بدلًا من الآداب. اللهم هذا خير الدروب لي بعدما ظننت أن غيره الخير، وقد خلقتني لهذا ويسرتني له، فاستعملني. لم يكن -عُرفًا- يحتَسب تخرج طالب من جامعة السلطان قابوس دون أن يصور إفادة تخرجه عند برج الجامعة، تصوّرت أمامه في عزّ الظهيرة بوقفة المنتصر الذي لم يحطّمه ما مرّ عليه بل زاده قوة، شعوري بالتخرج وبرفقة صاحبتي كان يستحق العناء. كنت أستشعر أكثر من أي شيء ﴿وَعَلَّمَكَ ما لَم تَكُن تَعلَمُ وَكانَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظيمًا﴾. اللهم بلوغًا كريمًا يرضيك.</p><p>ولو كان التخرج إنجازًا يستحق الفرح، لم يكن يومًا ما حلمًا أود الوصول إليه. كان حلمي أن أتعلم وأن يكبر شغفي وأن أجد بيئة تحتضن شغفي دون أن تخمده، وأن أتعلم إلى أن أموت، وأن أمارس ما أتعلم بإتقان بعيدًا عن رتابة تنفيذ التجارب غير المتقن في الجامعة. لم يكن تخرجي حلمًا بذاته، بل كان وسيلة صغيرة قد توصلني إلى بعض أحلامي. تخرجت بشهادة البكالوريوس في تخصصي وأنا أوقن أنني لا أعرف شيئًا بعد إلا غيضا من فيض وقطرة من بحر. لم تكن دراسة البكالوريوس منتهى أحلامي أو نهاية طريقي، بل كانت مرتع شغفي، والنور الذي أجمّعه وأنا أطلب العلم وأسعى أن أنير به العالم، وبداية طريقي الطويل الذي لا أعلم أين نهايته ولا أراها ولا أستطيع حتى تخمين ما سيكون فيها، لكنني أسأل الله أن ييسر لي دربي ويسخر لي فيه الأخيار، وأن يجعلني مباركة أينما كنت ويستعملني في خدمة العلم ورفعة الأمة بعقلي الذي قال لي معلمي يومًا أنه خُلِق للبحث العلمي والعمل فيه.</p><p>بعد التخرج، أخذت هُدنة لشهرين أمارس فيها كل ما أحب -ما لم يتعلق بالدراسة-. كنت أعيد ترتيب حياتي بعد أن أصبحت حرّة طليقة، أدخل فيها ما أشاء وأخرج ما أشاء. كنت أود أن يكون لكل أهلي نصيب من هذا الفراغ بعد النصب، "ولكن تباعدنا لنزداد برًا". تنفست الصعداء، نفذت كثيرًا من خططي المؤجلة، انفتحت لي أبواب جديدة برحمة الله، وصرت أتعلم وأشارك فيما أحب دون تردد لأنني حرة. مرّ شهران استعدت فيهما رغبة الحياة وقوتها، ثم قررت أن أبدأ مشوارًا جديدًا.</p><p>بعد شهرين، بدأت حياتي تأخذ منحًى غريبًا من الرتابة التي لا أستطيع التعايش معها. كنت دائمًا أقول أنني لا أقدر على البقاء في البيت طويلًا، لا أطيق دخول مرحلة الضياع دون رؤية الناس فعليًا ولا أطيق البُعد عن المختبرات بُعدًا يخمد شغفي ويطفئه. كان جدول مهامي ممتلئًا، لكنني لا آبه أن أستيقظ مبكرًا لإنجازه رغم رغبتي العارمة في مواصلة يومي من بعد صلاة الفجر دون العودة إلى النوم. كنت أواجه كل يوم نفسي في المرآة، تريد أن تفعل كثيرًا ولكنها لا تفعل إلا قليلًا. هنا كانت نفسي تنازعني لئلا أخرج من قوقعة راحتي، ولكنني عزمت اقتحام العقبة وإخراجي منها ولو لم أكن أشعر أنني مستعدة بعد، فشعور الاستعداد لن يأتي لأن نفسي دائمًا تثقلني إلى الأرض، بل أن أرمي نفسي فيما أخشاه بعد اقتحام العقبة وخروجي من منطقة راحتي هو ما سيصنعني. </p><p>إلى قسمنا شددت عزمي دون أي توجه واضح سوى استخاراتي التي حملتها معي. لم يُكتَب لي إكمال عمل مشروع تخرجي الذي تقت لرؤية نتائجه، بل رحّب بي معلمي المفضل للعمل مع فريق مختبره في أبحاثه. كان يؤكد لي أن شغفي الذي لمسه وتوقّدي ومهارتي هي التي لم تجعله يتردد في ضمّي للفريق الذي لا ينضم إليه أي أحد. الحمد لله الذي لم يجعل درجاتي سببًا في رزقي بل كان شغفي. انقلبت حياتي رأسًا على عقب مع بداية دوامي، منذ الصباح الباكر إلى غروب الشمس أو إلى العصر -في أحسن الأحوال-، قلّ إنجازي فيما كنت أنجزه، وصرت أمسي وأصبح متعبة، لكن في صدري سرور لا يتصوره أحد. أشعر أنني أنجز وأقدم شيئًا للعالم. كنت أنجز وأقدم في الشهور التي مضت ما يستطيع أي معلم قرآن أو شاب تقديمه للعالم، لكنني الآن أقدم ما لا يستطيع تقديمه إلا باحث علميّ يمتلك مهارات يسخّرها لخدمة العلم. </p><p>مختبرات قسمنا تحتويني وأنا أعرف فيها ما تعرفه أم عن بيتها، ويمر الوقت فيها سريعًا مروره مع حبيب كواني الشوق إليه. كان الأسبوع الأول صعبًا وأنا أبلع سوء شعوري وأصبّر نفسي بـ ﴿سَتَجِدُني إِن شاءَ اللَّهُ صابِرًا وَلا أَعصي لَكَ أَمرًا﴾. مرّت أسابيع ثلاثة بدأت فيها التعود على جوّ المختبر وعلى أعضاء الفريق، وبدأت أمسك بيد واثقة ما أفعل، وأنا أساعد وأنفع بيدي، وأنتفع بالاستماع الطويل -الذي لم أملك وقتًا له من قبل- إلى كل ما يثريني، ومعلمي يعتمد عليّ ويثق بي أكثر. أمر على الردهة التي لا تخلو عادةً من الطلاب الساعين وهي خاوية، وأمر على كل زاوية أتذكر فيها صحبي، دون صحبي. الجامعة الباعثة للسرور رغم تعبها لم تعد باعثة للسرور دون أهلها الذين وعدتهم ألا أبتعد عن الجامعة على أمل أن نلتقي فيها.لم يعد في هذا المكان ما يسرّ النفس سوى شغف العلم الذي لم يفارقني ولم يغادر أرجاء مختبرات قسم الأحياء الأثير عندي. اللهم يسّر لي دربي وعلّمني بفقري إليك، وردّ أهل الدار إلى الدار ردًا جميلًا يملؤه، ولا تقطع مدد الشغف وحب العلم عنّي وزدني علمًا.</p><p>ربما تكون هذه التدوينة الأخيرة باسم "مذكرات خرّيجة" لأنني ودعت الجامعة وتخرجت. اللهم تيسيرًا وفتحًا في قادم الأيام. اللهم حُسن الأثر وطيبه، يا رب، لا تجعل لي أثرًا في قلوب كل من عرفت في الجامعة إلا طيبًا. </p>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com5tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-62385953576731192522020-10-06T23:01:00.112+04:002020-10-23T22:22:06.232+04:00روح دافئة.كانت هذه المرة الأولى التي أمسك فيها بيدها فأجدها باردة، بل متجمدة، هي التي تتدثر وتتزمل في حر الصيف دون مكيف الهواء، وهي التي تتدرع في الشتاء لئلا يمسها برده، هي التي تبرد من كل نسمة، وهي الدافئة التي ضمت أكثر من مائة ابنة وحفيد وابن حفيد وحفيد حفيد، هي التي عاشت حياة طويلة آمنة في كنف ذرية ممتدة تتسابق لرضاها وخدمتها، هي التي ما ضنّت بدفئها لا عن قريب ولا بعيد لمائة عام، اليوم باردة رغم أن ماء الاغتسال حرصوا أكيدًا أن يكون دافئًا وزيد إليه ماء ساخن مرارًا. هي باردة اليوم، لأن روحها الدافئة غادرت.<div><br /></div><div> أمي التي دخلت خمس دورات لتعليم غسل الأموات وعادت وكررت لتنفذ وصية أمها ألا يغسلها غيرها، وقفت أمام رهبة الموت لا تذكر شيئًا. لم يفد التكرار ولا التعليم ولا التجربة ولا الوصايا. تلك اللحظة التي ترى فيها جزءًا من روحها مسجىً مغلفًا بكيس المستشفى الأبيض، لم تكن لحظة وعي ولا لحظة انتباه، كان شيئًا من أضغاث أحلام ممتزج بخيال وذهول. لم تعقل أمي شيئًا، فؤادها هواء. كانت الأقوى التي جمعت عتادها لتبدأ، أمي البارة خارقة القوى دون خالاتي اللاتي لا تحملهن أجسادهن وقوفًا، بعد أن تأكدت أن كل شيء جاهز، انهارت بكاءً. تربيتة على ظهرها بيدي وهمس: "كوني قوية كما أرادتك أمك، أنتِ أقوى من كل شيء يا أمي". كنت أقولها -مرتجفة- إيمانًا بالقوية التي ربتني على القوة التي ورثتها من أمها وما انهارت يومًا في الشدائد. بدأنا. كنت أُملي على أمي ما يجب عليها فعله وسط صمت رهيب. كانت رائحة السدر والكافور تشرح ألف درس بينما كل الحضور مهطعون. أنا سأضع القطن بين أصابع يدها، لا أعرف أكنت أضعه لأساعد في تجهيزها أم كانت حيلة لأمسك بيدها وأشد عليها، لأدخل أصابعي بين أصابعها للمرة الأخيرة، لأختلس تقبيل يدها دون التفات أحد. أنا سأساعد في قطن الوجه كذلك لأتأمل جمالها للحظات أخيرة. أنا سأغطي جرح رقبتها النازف من أنابيب المستشفى. أنا التي لا يقوى قلبي على برودة جسدها ولا على شحوب وجهها، سأكفنها. أنا التي لفتني هي في قماطي يومًا، ولففتها في كفنها بعد أعوام.
</div><div><br /></div><div>هل كانت جدتي شديدة الحرص على أملاكها، تلك التي كانت تقضي وقتًا طويلًا في مطبخها وقت الصباح للإفطار، كانت تفطر ثم تجلس لتنفس الصباح وتأمل الحياة، ثم تعيد المشهد نفسه في المساء للعشاء، هل كانت تتصور أن مطبخها الأثير عندها سيكون مغسلتها وهي ميتة؟ بينما كانت مسجاة في وسطه مغطاة، كنت أراها أمامي وأنا أجلس إليها لنفطر معًا، وكنت أراني حين ألهو في الصالة المفتوح عليها المطبخ فتناديني لأمسك بيدها لتمشي إلى الصالة لترانا ونحن نلعب أو نشاهد التلفاز. كنت أرى تكتلنا نحن وأبناء خالاتي وشموعنا حولها في المطبخ ذاته يوم أصابنا إعصار فانقطعت الكهرباء وكثير من السبل. كنت أراني جالسة على الطاولة آكل وأحذر أن تأتي فتزجرني بقولها: "ألا توجد كراسٍ في المطبخ؟!". كنت أمر عند غرفتها فأسمع صوت تلاوتها الذي أستيقظ عليه حين أبيت عندها، وهي تحرص على قراءة السور العشر المنجيات دون أن يقاطعها أحد. كنت أرى حياة دافئة تمر سريعًا، وأرى أحَبَّ الأشياء إليها متروكة خلفها، وأرانا وراءها واجمين. حتى بعد الدفن بأيام، لم يقع بصري على المطبخ الذي تجمع فيه الناس لإعداد طعام العزاء إلا وأنا أرى فيه جدتي المسجاة في وسطه. وأراني أغسّلها المرة تلو المرة، وأكفنها ألف مرة.</div><div><br /></div><div>هذا الإنسان الضعيف الذي هو خصيم مبين، هو الذي تتسع أملاكه -وهو يتصور أنه يملكها ملكية تامة- ويشد أزره بنوه الممتدون الذين لا يدعونه يشير إلى شيء إلا أحضروه له جنودًا مسخرين، ثم ما إن يموت؛ يفقد كل شيء قيمته. سرير جدتي الطبي الفاخر متروك خلفها، لتُغَسَّل على سرير خشبي رخيص وتلف بحصير ثم تتوسد التراب بلا وسائد ولا متكأ. ثلاجتها الصغيرة التي كانت لا ترضى عن من يفتحها أو يضع شيئًا فيها، هي اليوم ملكية عامة تُفتَح عشرات المرات في اليوم دون أن يستنكر أحد. مصابيح الصالة التي كانت تزجر من يشعل المصباحين معًا منا بقولها: "هل عندكم حفلة؟!" كانت كلها مشعلة ولا معترض. هذا هو الإنسان الضعيف الذي لا يملك شيئًا وقد يفقد فجأة كل شيء يخصه فقدًا أبديًا لا اختيار له فيه ولا رغبة، فيتركه كله إلى اللحد، ويستمتع بكل شيء أهله وصحبه. هذا هو أنا وأنت.</div><div><br /></div><div>نجتمع بعد طول فراق بسبب الوباء في بيت جدتي روح العائلة، هنا خالاتي كلهن وبناتهن وحفيداتهن، في تجمع دافئ لا يحصل إلا في العيد -ولم يحصل لعيدين ماضيين-. كل شيء منير، نتغدى ونتعشى متقابلين. يختلط الفقد والحزن والبكاء بالفرح. في الأفراح والأتراح، تجتمع العائلة على الطعام، يطوف بعضهم بالماء، التمر والرطب وبعض الحلوى على الطاولة، أضواء الصالة جميعًا منيرة، تنتظر دورك للوضوء صفًا طويلًا الأكبر فالأصغر، وأكون الأخيرة كالعادة. لم يكن هذا إلا جو عيد نلتم فيه حول جدتي. الأجواء نفسها غير أنّا اجتمعنا ثلاثًا متتالية لا يومًا واحدًا. ولكن أين جدتي؟ وأين العيد؟ كلما همّت إحدى بنات خالاتي بالمغادرة، أقول في داخلي: كيف تودعين الجميع وترحلين دون أن تلجي إلى غرفة جدتي لتوديعها؟ ثم أستدرك في داخلي: "لا جدة نودعها. اذهبي حيث شئتِ". كيف تتشابه طقوس الفرح والترح إلى هذا الحد؟</div><div><br /></div><div> ما كنتُ امرأة ناضجة قوية لا تسكت عن الحق مهما كلفها إلا إرثًا عن أمي عن جدتي. جدتي التي كنت أفغر فاهي دهشةً بحكايات صباها، وكنت أتحيّن أن أكبر لأسمعها تحكي وأكتبها في رواية تستحق أن تصل الآفاق، كبرتُ ولم ألحق على كتابة شيء، ماتت جدتي بعد 12 يومًا من تخرجي. جدتي التي كانت ترى بأم عينيها المجازر حولها والنساء تغتصب في عقور دورهن، مكثت في بيتها دون زوجها المهدد بالقتل هي وأمها طريحة الفراش وابنتاها الصغيرتان، وحينما دخل عليها جند مسلحون البيت محذرين إياها أن تخرج حالًا، قالت في وجوههم: لن أخرج وأمي طريحة الفراش لأقتلها بيدي، فإن ماتت خرجت -هي وابنتاها الصغيرتان-. فلبثت في دارها زمنًا إلى أن ماتت أمها فخرجت. جدتي التي لم تخشَ سلاحًا ولا قتلًا ولا اغتصابًا في سبيل حياتهن الكريمة، علمتني القوة والكرامة. </div><div><br /></div><div>كان مُناي في سنتيّ الأخيرتين أن أنجب طفلًا، لا لشوقي إلى الطفل نفسه بل لتتذكرني جدتي. كانت حين أزورها، تتذكر أختي وتسأل عن ابنتها، وتتذكر الثانية وتسأل عن ابنها دائمًا، أما أنا، فأغيب عن الذاكرة مرارًا دون أن تجدي تذكيراتي وتذكيرات أمي لها. اليوم أتأمل أدفأ الصور التي التقطتُها لفرحتها بأحفاد أمي دون أن يكون لي ولد بينهم، وماتت جدتي دون أن يراها ولدي، وماتت وأنا منسيّة.</div><div><div><br /></div></div><div>أقبل الشتاء دون جدتي هذه المرة، لن يرتدي جواربها الصوفية أحد، ربما ارتاحت من برده الذي تحسه زمهريرا. كأنما حيزت لي الدنيا وأنا أحتضن قطعًا من ثياب جدتي بعد أربعين يومًا من وفاتها. أقلب صورها آبى التصديق، وأرجو اللقاء غدًا حيث لن تنساني. ماتت جدتي وهي في قلبي لا تموت، أرجو أن أكون ذريتها الطيبة الصالحة وولدها الصالح يدعو لها.</div><div><br /></div><div>اللهم أحسن إليها كما أحسنت إلينا وربتنا صغارًا.</div><div><br /></div><div class="separator" style="clear: both; text-align: center;"><a href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEix9rd5lVVru3LmLiOszGuoyyG57ZmwgadKyD5CsRNiRuCL1C9u4yPVdjDgH_40OtgS7Pyu-tb-nCcSNGX68-KHG4_3mVV1QChrQxu21jPnb7GtJeFRsWJPvaNV8Xr0dxbMGKICJR1A1Qlr/s750/BCB52E41-5573-4761-AE3B-277D5BECE096.jpeg" imageanchor="1" style="margin-left: 1em; margin-right: 1em;"><img border="0" data-original-height="697" data-original-width="750" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEix9rd5lVVru3LmLiOszGuoyyG57ZmwgadKyD5CsRNiRuCL1C9u4yPVdjDgH_40OtgS7Pyu-tb-nCcSNGX68-KHG4_3mVV1QChrQxu21jPnb7GtJeFRsWJPvaNV8Xr0dxbMGKICJR1A1Qlr/s320/BCB52E41-5573-4761-AE3B-277D5BECE096.jpeg" width="320" /></a></div><div><br /></div><div>جدتي العظيمة زيانة بنت عبد الله بن سليمان الحارثية، 1920-2020 م.</div>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-56146820585160034872020-08-11T21:22:00.008+04:002020-08-17T17:24:38.963+04:00مذكرات خرّيجة 11.<p> مرّ أمد بعيد لم أكتب فيه، ربما لأنني قررت التوقف عن مشاركة بؤسي الدراسي مع العالم ولو مؤقتًا، ويبدو أنني لا أتوب ولو أقلعت زمنًا. مرّت أحداث كثيرة منذ التدوينة الأخيرة، أهمها أنني سلمت مشروع تخرجي ويقال معه أنني تخرجت، كانت فرحة الإنجاز عارمة، ومؤقتة جدًا، عدنا بعدها إلى موجات التعب والإرهاق والحالات التي تشبه الاكتئاب أو تكون على شفا حفرة منه. رغم لحظات البهجة المتخللة، لم أكف عن كآبتي وأنا أعلم أن الإنسان خلق في كبد وأنه خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا، أصحب القرآن لئلا أجزع ولا أمنع ولأكون إنسانًا أحسن يقاوم كآبات الحياة بنور القرآن، كثيرًا ما ينتشلني القرآن، وكثيرًا ما أغرق وأتشبث به. المهم هو أنني أحاول أن أكون إنسانًا خيّرًا. تركت الآن الخوارزمية والبرنامج الذي أبرمجه منذ الثانية عشر ظهرًا -وأنا أنوي أن أنهيه مبكرًا لأنصرف إلى أعمالي- إلى الآن دون نتيجة واضحة سوى التخبطات ومحاولات الاستيعاب والتشبث، تركتها لأدوّن هذه التدوينة التي ربما لا يقرؤها أحد.</p><p>سلمت رفيقة دربي مشروع تخرجها فكان سَعدي، كان شعورها استثنائيًا، ظننت أنني لا أمتلك المشاعر الجارفة التي تحملها هي وأنني لن أتأثر كثيرًا لحظة تسليم مشروع تخرجي حتى سلمته. أيام العمل المتواصل الذي لم يعد للعيد طعم معه ولّت بعد طول كفاح، الليلة التي خارت فيها كل قواي لكنني كنت أكمل بقوة لأنهي عرض مشروع تخرجي "المسجل" وأخطائي التي تجعلني أعيده مرات كثيرة، ولحظات التسليم التي أكتشف فيها أنني فقدت المقطع الذي سجلته كاملًا ولا أجد له أثرًا لأضطر إلى إعادة التسجيل فأجد المقطع الثاني لم ينحفظ كذلك ووقت التسليم ينتهي الآن، أركض لأكتشف أن الله اللطيف الحفيظ حفظ لي المقطع الأول الذي تأكدت مرارًا أن لا وجود له، أسلمه وأنا لا أدري ما حاله، ولكنني أريد تسليمه فحسب. تسليم تقرير مشروع التخرج الذي عكفت عليه عمرًا كان محفوفًا بحب الأصدقاء الذين قرأوه وراجعوه وعلقوا عليه، كان تسليمًا هادئًا بلا ضجيج، من حاسوبي إلى بريد الدكتور مايكل مباشرة، دون احتفال ولا زفٍّ ولا بهجة. مقابلة مشروع التخرج التي كانت كابوسًا بعدما اكتشفت أن أسوأ معلم علمني في الجامعة سيقيمني، وتقييمه كابوس لكل طلبة القسم. لم يكن أحد قربي هذه المرة ليربت على كتفي، كنت أنهار وحدي، لكن رسائل الأصحاب ودعواتهم ما كانت تذرني وحدي. كانت ثقة مشرفة مشروعي بي كافية لأتخطى كل شيء بقوة. تخطيت كل شيء، مضى، وهأنذي أتخرج!</p><p>كانت مدة الاختبارات كبتًا وضيقًا كعادتها، وكانت كبتًا وضيقًا مضاعفًا دون مذاكرة المكتبة والصحبة الذين يكفي إبصارك أعينهم حتى تكون بخير، عوضًا عن قربهم وضحكاتهم ولمساتهم التي غدا انعدامها كابوسًا لانهائيًا. تلك الحياة التي تصر فيها على الإكمال بقوة، ولا أحد يعلم سواك أن القوة التي تكمل بها مُدّعاة. قرب الصحب -ولو بعدوا- عافية، حتى صديقاتي (اللاتي أسميهن أهلي وخاصتي) اللاتي أنهين اختباراتهن قبلي بأيام لم يتركنني وحدي، ينهي الناس اختباراتهم يومًا بعد يوم، وأبقى أنا، ودفعتي التي تدرس معي المادة نفسها؛ علم المناعة: المادة الأثقل الأحب الأعنف الألطف، وأنا السنور الذي يحب خانقه. مجال التسبيح والتعظيم فيه واسع وأنت تبصر في نفسك وفي الحفظة الذين يرسلهم الله عليك وأنت لا تدري، الكتاب الذي لم أود مفارقته حتى كتبت فيه رسالة لمن سيأخذه بعدي: (مجال واسع للتسبيح ولتذكر نعم الله، استمتع). </p><p>مرّ الفصل الأثقل في الحياة، ألتفت حولي فإذا بأغلب الدفعة والرفقة قد تخرجوا، وبقيت أنا في وسط ساحة المعركة بلا أسلحة، وأنا أعلم أنني في هدنة مدتها أسبوعان فقط، أسبوعان لا يكفيان لترميم كل ما أفسده الدهر في هذا الفصل، أسبوعان لا أعرف ما أفعل فيهما وما أترك، كان التخفيف أنها مادة واحدة فقط ستمر سريعًا ولن تثير نقعًا، نزل الجدول فاكتشفت أنها محاضرات يومية في تمام الثامنة صباحًا، من هنا بدأ الضبح الذي لم ينتهِ حتى اللحظة وهو قد بدأ منذ سبعة أشهر، منذ كانت حياتي في لِهاث غير منقطع، منذ وجدتني لا أعطي أي شيء حقه التام، لا نفسي ولا أمي ولا أهلي ولا صحبي ولا دراستي ولا شيء، أركض فحسب. وسط هذا الركض كله، كان لا بد من ثبات لا أجده إلا في القرآن وصحبة القرآن وبرامج القرآن التي ألزمت نفسي بها لئلا أجد نفسي لاهثة دون شيء أمسكه في يدي من هذا كله. لم تكفِني في هذه المرحلة شهادة البكالوريوس، ثم ماذا؟ كان لا بدّ من رسوخ، فكانت جلسات الإقراء وجلسات التسميع مع بناتي حرزًا لي، وكانت مسؤولياتي في مشروع الإجازة القرآنية ومشروع الإجازة بالسند والتزاماتي القرآنية هي الثبات والأمان والسلام، كانت ملجئي ومغاراتي ومدخّلي الذي أولي إليه وأنا أجمح.</p><p>بقيت هنا، في الفصل الأخير، الفصل الصيفي الذي لم يُعطَ إلا للخريجين، أعيش الوحدة والعناء في كل معانيها، فلا أعيش مع صحبي الذين يدرسون كلٌُ في بيته مع أهله وحياته الخاصة، ولا أدرك أين أنا. أدرس البرمجة التي كلما قاومت فكرة غبائي فيها وأقنعت نفسي بكل اجتهاداتي وأوهامي أنني ذكية، عدت إلى نقطة الصفر دون شيء. أنا التائهة رغم اجتهاد معلمتي في توصيل المعلومة وحثّها إيانا على طرح الأسئلة والتفاعل، أنا التي أطرح سؤالًا قبل شهر فتجيب عليه بكل ود بدقة، فأهز رأسي وفي عينيّ حروب وهي لا ترى عينيّ ولا حيرتي ولا تخبطي ولا تضاربي -كما يراها معلميّ في العادة فيبددونها-، فتقول: واضح؟ فأصمت لئلا تُكتَب عليّ كذبة، أملًا في طالب غيري يجاوبها. تناديني: مزنة، واضح؟ أفتح ناقل الصوت، أقول: كلامك واضح. وهي لا تعرف أنني أمر إلى اليوم على المحاضرة وأنا أُكثِر مذاكرتها لأفهم وأقتنع فلا أفهم ولا أقتنع، بل أكبت تساؤلاتي لأسير على النهج الذي حدد لنا. أنا السؤولة التي يضيق مَن يدرس معها لكثرة أسئلتي التي أعتذر للمعلم قبل طرحها بقولي: "ربما يكون سؤالًا غبيًا، لكنني سأطرحه". فيقول بشغف أحيانًا وبضجر أحيانًا: "مزنة مجددًا؟ تفضلي!"، ثم حين أغيب عن محاضرة يبحث عني لأن لا أحد يسأل. أنا التي كلما حاولت أن ترسم حياة مفعمة مشرقة بالأمل والتفاؤل والعهد الوردي الذي أفهم فيه كل أسس البرمجة، أفتح عينيّ فأجدني في مستنقع ضحل. أنا التي تذاكر كثيرًا ولا تفهم إلا قليلًا أو تحسب أنها تفهم كل شيء ثم حين يأتي آن التطبيق تجد نفسها لا تعرف شيئًا وتتخبط أكثر مما تذاكر بمراحل. أنا التي لا تطيق الوحدة، فتارة ألحّ على صديقات التخصص لمذاكرة جماعية، وتارة أتشبث بصديقتي الأقرب التي لا تشاركني تخصصي ولا أيا من موادي لترافقني في مصابرة النفس في المكتبة مع بقية الرفقة، وتارة أجلس في السكن إلى وقت متأخر من الليل لئلا يتسلل اليأس ولا التعب إلى نفسي، ثم يبدأ مشهد الخروج المتأخر من السكن الداخلي ومساءلات أمن السكن والقصة الطويلة التي تهون في نفسي مقابل ألا أواجه كل شيء وحدي. أنا هنا الآن بينما كلٌّ في إجازته الصيفية، وقليل في فصلهم الصيفي يعانون وحدهم، أقاسي كل شيء وحدي.</p><p>بقيت هنا في هذا الفصل أراقب الحياة تجري من حولي وأنا محتجزة في شباك صياد، لا أستطيع حضور حلقات التلاوة ولا دورة متشابهات القرآن التي كلما أعطتنا المعلمة استراحة أو تأخرت لدقيقتين ركضت إليها لأسمع كلمتين من الشيخ (تبرّكًا) ثم أعود دون أن أمسك شيئًا في يدي لا من هنا ولا من هناك. أعيش حياة النقائض وأنا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل عالقة في المنتصف دون أن أدري إلى أي صوب أميل هذه المرة. "سيمر هذا الوقت مهما اشتد باس".</p><p>لم يرَني أحد وأنا أتسلل بسيارتي يوم العيد لأتجول بين حنايا الجامعة، لم يعرف أحد التماع عينيّ حينها، ولا الزوايا التي أودّ لو أقبلها واحدة واحدة وأنا أتذكر فيها حلو الأيام ومرّها، وأنا لا أراها زوايا بل أرى فيها أصحابي. لم يعلم أحد إلا الله حنيني واكتمال عيدي بهم وأنا أراهم في كل مكان. لم يعلم أحد عن أزيز صدري الهادئ الذي لو ضجّ لخرق الأصمخة.</p><p>هذا الفصل الأخير، هو الفصل الأقسى، لا لأنه الأخير الكئيب في حياة كل خرّيج، ولا لأن مادته -الوحيدة- قاسية، بل لأنني فيه مُبعَدة عن إنسان أقابله أمامي فأطرح له كل ما يدور في رأسي من أسئلة "غبية" أخرجها من رأسي ليجيبني فأصير ذكية. هذا الفصل الذي توقظني فيه لمحاضرات الثامنة نور التي تدرك صعوبة استيقاظي صباحًا، وتتأكد من نهوضي آلاء، وتمسح عل قلبي في كل حين ماريا، وتجيب عن تساؤلاتي اللانهائية وتواجه غبائي وتشرح لي شهلاء، وأشتكي أو حتى أنهار عند ميثاق، فتطبطب عليّ بحلو كلامها وتجاربها وتكرر عليّ أنها متأكدة أنها ستراني قوية في حفل التخرج لتكون الأكثر فخرًا بي بينهم جميعًا. الرفقة البعيدة القريبة، الذين أقاوم بؤس الحياة بهم. رغم كل شيء، لا شيء يساوي أن أقتحم غرفة نور وهي نائمة أو أن تترك لي مفتاح غرفتها إن كانت في محاضرة وأن أرسل لماريا أن إياكِ أن تعودي إلى البيت دون أن أراك وأن نقيم حلقة تلاوة فجائية مع الصحب فيذهب الله عنا بها كل الحَزَن، لا شيء يساوي أن ألمس أحدًا أحبه، وأن أرى عينيه دون حواجز. لا شيء يساوي أن أتجه إلى المختبر 18 أو مختبرات الإحصاء وأنا أوقن أنني سأجد أحدًا يشرح لي، أو أن أتجه إلى بيتنا في استراحة التربية وأنا جازمة أنني سأخرج من قاع إحباطي إلى قمة نعيمي. لا شيء يساوي أن أطلب من أحد أن يجيب عن أسئلتي دون أن أخشى أن أفسد عليه إجازته أو أكدر عليه جلسته مع أهله أو آخذ من وقته كثيرًا وهو ليس متفرغًا لي. لا يستوي القرب والبعد، ولا الأمان ولا القلق، ولا تستوي الرفقة الطيبة القريبة والمنفى الذي لا أقابل فيه إلا صديقًا واحدًا قريبًا يحيل وهني إلى عزم على المواجهة بقوة؛ أقابله -على وجل-.</p><p>في وسط سأمي في مذاكرة المكتبة ذات يوم قبل فصلين، كتبت لي ماريا ورقة تقول فيها: "لن يتركك الله وحدك في الطريق الصعب، سيسخر الدنيا ومن فيها لك. إن هي إلا أيام، من لم يذُق مُرّها لن يدرك حلاوةَ ما بعدها". لم تدرك هي آنذاك أن هذه الورقة ستكون زادي الأساسي في أيامي الصعبة كهذه. "وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" زادي الأبدي، وأقول مهما تعسّرت: "سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا". بقي أسبوعان على نهاية هذه الحرب، أبذل فيهما كل ما لم أبذل من قبل حتى أنتصر ولو كانت خائرة قواي. يا عليم يا حكيم يا صبور، آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.</p>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com1tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-60542068364990527892020-08-06T01:07:00.002+04:002020-08-06T01:07:49.764+04:00مكلوم. <div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">من أكثر المشاهد رسوخًا في ذاكرتي، وأكثر الأصوات رسوخًا في سمعي، أغنية "موطني" حين نغنيها حشودًا من كل الدول العربية بصوت واحد، أطفال وراشدون، من الدول المنعّمة وتلك المنكوبة التي حاربت لأيام على الحدود لتصل إلى هذا الحفل الذي وصلت إليه مرتاحة مرفهة، نغني ونقول "هل أراك سالمًا منعمًا وغانمًا مكرمًا؟". كنا نقولها والدول المنكوبة أقلّ، فعلتها معهم لخمس سنين متتالية، كانت الدول المنكوبة في السنين الخمس المتتالية تزيد، والدول الحاضرة أيضًا تزيد، لأن الشعوب العربية شعوب تلفظ الذل وترفضه، وتحيا هي وتشق حياتها الكريمة ولو انعدمت أسباب الكرامة. </div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">أنا لست محللًا سياسيًا، ولا أعرف في الاقتصاد ولست جيدة في تخمين ما قد يحدث لشعب ما بعد عشر سنين، لكن كان لديّ حلم أن أدرس الطب في سوريا لأنها تدرسه بالعربية، وانهار حلمي حين انهارت سوريا. كنت أحلم أن أزور بلاد الشام وأشم فيها رائحة فلسطين وأكحل عيني بجمال العمارة والطبيعة وأذوق من طيب ثمارها، انهارت كل احتمالات أحلامي، حتى احتمال أن أطل على فلسطين ولو من بعيد. أنا لي ذكريات في مصر التي لم نعد نشعر بالأمان لزيارتها كل بضع سنين، والعراق التي ظننتها تتعافى وتنهض ما تعافت ولا نهضت، واليمن السعيد الذي لم يعد سعيدًا وأنا أحلم بزيارته، وأحلامي العربية تتهاوى واحدًا تلو الآخر.</div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">"<span style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; caret-color: rgb(0, 0, 0); color: black; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px;">أنا العربى لا أخجل</span></div><span style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; text-align: start;">ولدت بتونس الخضراء من أصل عماني</span><br style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; box-sizing: border-box; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; outline: none; text-align: start;" /><span style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; text-align: start;">وعمرى زاد عن ألف وأمي لم تزل تحبل</span><br style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; box-sizing: border-box; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; outline: none; text-align: start;" /><span style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; text-align: start;">أنا العربى فى بغداد لي نخل</span><br style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; box-sizing: border-box; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; outline: none; text-align: start;" /><span style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; text-align: start;">وفى السودان شرياني</span><br style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; box-sizing: border-box; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; outline: none; text-align: start;" /><span style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; text-align: start;">أنا مصري موريتانيا وجيبوتي وعمّاني</span><br style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; box-sizing: border-box; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; outline: none; text-align: start;" /><span style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; text-align: start;">مسيحي وسني وشيعي و كردي ودرزي وعلوي</span><br style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; box-sizing: border-box; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; outline: none; text-align: start;" /><span style="-webkit-tap-highlight-color: rgba(0, 0, 0, 0); -webkit-text-size-adjust: 100%; background-color: white; font-family: "droid arabic naskh", cairo, arial, sans-serif; font-size: 14px; text-align: start;">أنا لا أحفظ الأسماء والحكام إذ ترحل</span><span style="background-color: white; caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-align: start;">"</span><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-align: start; text-decoration: -webkit-letterpress;"><span style="background-color: white; text-decoration: none;"><br /></span></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">يبدو العالم رماديًا موحشًا جدًا حين أراه بعين واحدة، أو حتى بأقوى منظار معروف (ماديّ)، حين أراه ببُعد واحد وأنا أحتاج إلى أبعاد لأرى الصورة كاملة. كل هذا الدمار، الوباء المكتسح، الفقر والجوع، ألا مِن قوة عليا تنزع هذا الأسى؟ بلى، القوة العليا ترعى كل شيء، الله يسمع ويرى، والإنسان يظلم ويطغى، ﴿قُل مَن يُنَجّيكُم مِن ظُلُماتِ البَرِّ وَالبَحرِ تَدعونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفيَةً لَئِن أَنجانا مِن هذِهِ لَنَكونَنَّ مِنَ الشّاكِرينَ قُلِ اللَّهُ يُنَجّيكُم مِنها وَمِن كُلِّ كَربٍ ثُمَّ أَنتُم تُشرِكونَ قُل هُوَ القادِرُ عَلى أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عَذابًا مِن فَوقِكُم أَو مِن تَحتِ أَرجُلِكُم أَو يَلبِسَكُم شِيَعًا وَيُذيقَ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ انظُر كَيفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُم يَفقَهونَ﴾. قادر وحليم، ولو أكل الناس بعضهم بعضًا.</div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">يقول لنا دائمًا أن لا مكان للظلم بيننا، وأن السلام هو الحياة، ثم حين يأكل الإنسان حق الإنسان، يظل الله ينبئنا مرارًا عمن طغوا وعمن طُغي عليهم واسودّت الدنيا في أعينهم وهم يشتكون ﴿قالوا أوذينا مِن قَبلِ أَن تَأتِيَنا وَمِن بَعدِ ما جِئتَنا قالَ عَسى رَبُّكُم أَن يُهلِكَ عَدُوَّكُم وَيَستَخلِفَكُم فِي الأَرضِ فَيَنظُرَ كَيفَ تَعمَلونَ﴾. سيستخلفكم وسينظر كيف تعملون، ﴿فَقُطِعَ دابِرُ القَومِ الَّذينَ ظَلَموا وَالحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ﴾. جاءت النهاية السعيدة بعد بلاء طويل ممتد مميت، هل أرى الضوء -على خراب العالم- في نهاية النفق بعمق نظرتي الغيبية؟ هل تلمّست نفسي وأحوالنا وأنا أردد قصص الأقوام السابقة المكررة مرارًا؟ أم أرى الأشلاء والدماء والدخان والدمار والجوع فقط وأنهار كلما انهار وطن؟<br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;"><br /></div><div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">قلبي العربي مكلوم وموجوع، ضياع الأوطان ضياعي، والجهات تضيق عليّ ولو اتسع لي وطني. يا رب أوطانًا حرة صالحة، يا رب عربًا مسلمين أقوياء أعزاء، يا رب تعبنا، أغثنا، استعملنا ولا تستبدلنا. </div>مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-18865792437976326562020-06-29T02:06:00.003+04:002020-06-30T13:10:36.288+04:00ختمة في القلب 2.<div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
لم أحسب أن هذا العنوان سيكون له جزء ثانٍ، كتبت عن مسيرة الإقراء وعن بناتي والدورات والمشروع القرآني كثيرًا، لكن هذه تدوينة منفردة ليس لها جزء ثانٍ حتمًا. اليوم، أضع جزءًا ثانيًا لها وأنا متأكدة أكثر من أي وقت مضى منه، مضت ختمات عليّ، ختمة بثينة، ختمة آلاء، ختمة مروة، ختمة أسماء، ختمة إيمان، ختمات وضعن أثرًا عميقًا فيّ لكن لم يكنّ كهذه الختمة المحفورة في القلب أبدًا. لكل شيء طعم متفرد، لكنّ طعم هذه استثنائي، يشبه طعم ختمتي، بل ألذ. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
حين أصبح فؤادي فارغًا وحاصرني الهمّ من كل جهاتي، اصطفى لي الله لطفًا استثنائيًا ينتشلني من هذا كله، اصطفى لي الرحمة التي ما ظننت أن خمسة أجزاء معها ستحدث فرقًا عظيمًا، هذه البنت الوديعة الهادئة التي ربما لن أحسن التعامل معها ستقرأ معي خمسة أجزاء وينتهي كل شيء. كنت أدعو الله كل حين أن أكون محسنة، وأن يهبني الحكمة لئلا أخدش قلبًا رقيقًا متحفظًا (مغلقًا على نفسه كما يتراءى لي) كالذي تحمله. قرأته على مُكث، وحان يوم ختمها الذي أجّلته لئلا تواجه الحقيقة المصيرية، ولئلا تجد نفسها وحيدة أمام هذا الثقل كله؛ ثقل الإجازة والإقراء. ختمت ختمة سجدت فيها سجدة لم أسجد مثلها أبدًا لا يوم ختمي ولا يوم ختم أي أحد من بناتي وصديقاتي قبلها، كنت أرتجف بكل ما فيّ وأنا أستشعر لطف الله عليّ، وعلمني ما لم أعلم، وكان فضل الله عليّ عظيما، وهبني فوق ما أستحق ولم يتركني في أي لحظة وأحاطني برفقة وأخوات وبنات لا يتركنني للضعف ولا للحيرة، بل حصن حصين وسد منيع وشد عضد. قلت لها تلك الأيام أنني لن أتركها وحدها حتى تجاز بقوة وأراها بعيني قادرة على المشي بثقة وأنا أسندها من ورائها إن احتاجت أي سند، لكنّ هذا لم يكفِ رحمة. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
يغلفني الله برحمته، تلك الرحمة التي أرقبها من بعيد بفخر وهي تمضي في طريق الحفظ للإجازة بالسند، وأظن أنني سأظل أراقبها من بعيد. تصرُّ عليّ رحمة أختًا فيه، ييسر الله ويسمع إلحاحها على بابه، فيكون أعظم فتح لي، وأجمل قدر يحفني به الله مفاجأةً وإكرامًا. أنا الآن مُتابعتها في الحفظ للإجازة بالسند، وهي الأخت التي تأبى إلا أن تكون لي كما أنا لها، آخذةً بيدي لألحق بها دون أن تتوانى عن إعلاء همتي وشد أزري وعزيمتي باللين تارة وبالحزم تارة. هذه الرحمة التي حفّتني منذ عرفتها إلى هذا اليوم، وإلى أبد غير منقطع.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br />
<div class="separator" style="clear: both; text-align: center;">
<a href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEijyOqFgjm6H0jQ8QPBT9tWpdb9gOea4nZH4ygBtwKRV4mf_Ys4kAlAGMSyM0ruAchpw66UkwYJxJeNgI0VZNMMV_jo5Dc9yhgAC4ifb1EnsVxRDayKOpOT_7ppINyQrRVAllN2PQufNSwN/s1600/913F9DF9-8994-4C08-A4EC-5AF6120DD54D.jpeg" imageanchor="1" style="margin-left: 1em; margin-right: 1em;"><img border="0" data-original-height="1600" data-original-width="1600" height="320" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEijyOqFgjm6H0jQ8QPBT9tWpdb9gOea4nZH4ygBtwKRV4mf_Ys4kAlAGMSyM0ruAchpw66UkwYJxJeNgI0VZNMMV_jo5Dc9yhgAC4ifb1EnsVxRDayKOpOT_7ppINyQrRVAllN2PQufNSwN/s320/913F9DF9-8994-4C08-A4EC-5AF6120DD54D.jpeg" width="320" /></a></div>
<br />
<div class="separator" style="clear: both; text-align: center;">
</div>
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
علم الله انكساري في عرفة يوم حجي وأنا أقول له أنني أحاول أن أمشي في درب حفظ كتابه لكنني ضعيفة مشتتة متعثرة لا ألبث في مشيي خطوتين حتى أتعثر، كنت أرجوه أنني أريد لكنني لا أعرف كيف أتقن وقواي تنفرط من بين يديّ من قبل أن أمسكها. لم أرجع من حجي حتى يبعث الله لي السبل تترا وكل سبيل يزيد عزمي وثباتي، وآخرها وأرسخها: رحمة. هذه التي كلما ألقيت معاذيري وشكوت ضعفي أو تعللت بظروفي لم تكن عليّ الشديد الذي يكسرني، ولا الهيّن الذي يتركني وحفظي نتسرب بين يديه كرمل صحراوي، بل هي الهيّن الذي يرحم، والشديد الذي يقسو لئلا أنكبّ على وجهي من تقصيري، هي الذي يأخذ بيدي حرصًا وحبًا ولو كان الحزم قناعه، ولكنّما الرحمة هي الرحمة مهما تستّرت!</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
كانت هذه الختمة منفردة، قلت لها مرارًا أن هذا الدرب لن تمشي فيه وحدها ولن أتركها فيه، وأنا على يقين أنها لن تتركني. كنت أستمد منها القوة وأنا أحفظ الآيات بصوتها، وأراها تمشي بقوة دون ميل، وتردد عليّ ما أخطئ فيه وتربط لي إياه فلا ينفلت أبدًا، وآخذ بيدها مرة وتأخذ بيدي مرات. أستمد منها الثبات، وتسبقني بمراحل وأنا العثّارة التي تعيد السرد أربع مرات وأكثر حتى تتقنه، كنت قوتها وكانت قوتي. كانت هذه المرة الأولى التي أرافق فيها أحدًا يسبقني دون أن أشعر بالنقص ولا القصور ولا الدونية، بل أشعر بالقوة كل القوة، نصرها نصري، وإتقاني ولو بتؤدة بفضل الله ثم بقوتها. وإتقانها هو كل قوتي وعزمي وسروري وانتصاري. مرت 4 أشهر سريعات، فجأة، حانت النهاية!</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br />
<br />
7- ذي القعدة - 1441<br />
28- يونيو- 2020</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<div class="separator" style="clear: both; text-align: center;">
<a href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEj7ov1rmCUyZ748J5ocZQ-B5RrijqSHMl2xgoBDD-7gPwhOyHuK6YaL_mDdEO8_-z6AU2AxUliF8FQ1YwuOnZVqa9B9ivhiT97O2kYhKyTIZWK5p-A11Pd3Z9Fq1cfQnmyh7TM9AsdOieP4/s1600/101D92F4-6F7C-45E6-BC2D-11848CDADBCF.jpeg" imageanchor="1" style="margin-left: 1em; margin-right: 1em;"><img border="0" data-original-height="1600" data-original-width="1320" height="320" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEj7ov1rmCUyZ748J5ocZQ-B5RrijqSHMl2xgoBDD-7gPwhOyHuK6YaL_mDdEO8_-z6AU2AxUliF8FQ1YwuOnZVqa9B9ivhiT97O2kYhKyTIZWK5p-A11Pd3Z9Fq1cfQnmyh7TM9AsdOieP4/s320/101D92F4-6F7C-45E6-BC2D-11848CDADBCF.jpeg" width="264" /></a></div>
<br />
لم تتوانَ رحمة عن تلقيني دروسًا لم تشرحها قط، بل تمثلتها. في ختمة اليوم، منّ الله عليّ بلطفه بقربها بعد أشهر من التسميع عن بُعد، كانت قوية وراسخة ومطمئنة، لم يكن صوتها يرتجف ولم تكن تلحن كما لحنت في الختمة الماضية من شدة وطء مشاعرها. كنت مطمئنة لأن السكينة تغشاها. هذه القوية التي تدرك حجم ما تحمله لكنها تملك القوة الكافية بمدد الله لئلا تضعف أمامه. في سجدة اليوم، لم أدرِ ما أقول، "يا رب رحمة. يا مثبت الجبال الرواسي، اللهم اجعلها خير حاملة له، اللهم تقبلنا واجعلها حجة لنا، اللهم ارحمنا بالقرآن، اللهم اجعلها ممن يرقى به، اللهم رفعتها به في الدارين، آمين وإياي ورفقتي ومن أحب، اللهم بلغنا..." وكثير مما لا يصاغ بكلام. كان كل الرجاء أن نكون ممن يرقون به ولا يشقون. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
لم أقل لها من قبل: "خذني ولا تترك يديّ إذا ارتقيت"، لكنها كانت تفعل دائمًا. ما كانت لترتقي وحدها دون أن يقودها حماسها لشدّ عزمي ويدي لألحقها. كانت مسيرة محفوفة بالدعاء وبغبطة رفيقاتي وبناتي. قبل خمسة أشهر من الآن، كنت أدعو لرحمة أن تكون قوية توصل الرسالة بقوة، لم أكن أدري أنني أول من سيستقي من رسالتها أكثر حتى من ابنتها التي تقرئها والتي كانت أول قصدي بدعائي ذاك. ابتهج قلبي مرةً بها متقنة حينذاك، واليوم يبتهج أضعاف البهجة بالابنة والأخت والرفيقة (المتقنة غيبًا)، هذا الاسم الذي كان بعيد المنال وأصبحت ألمسه بكفيّ كل يوم مع رحمة.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
كانت هذه المرة الأرسخ، أن تحمله في صدرك وتستنير بثلاثين نورًا، بل بنور لانهائي ولامحدود. أن تحمله وأنت مشفق منه لكنك تحمله لأن الله اصطفاك له، وأن تشابه مراجعة الجزءين عند أحدهم مراجعتك عشرين جزءًا في يوم واحد دون مشقة، أن تصل إلى هذه النهاية فرِحًا ولكن مثقل، وما ثقلك إلا ينبوع سعي لا ينضب. ختمة رحمة، ختمة في القلب أرسخ.<br />
<br />
لكل من أراد الدرب وصدق النية والعزم، يسخر الله لك -إن صدقت- التيسير والرفقة والدرب، فلا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا! </div>
</div>
مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com2tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-10773997132389096992020-05-30T02:11:00.003+04:002020-05-30T02:33:17.058+04:00مذكرات خرّيجة 10.<div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
24 رمضان 1441 هـ</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
بالأمس حين كلمتُ أختيّ مكالمةً مرئية ورأيت صغيريهما بعد أكثر من شهر انقطاع، في وسط المكالمة وهما تتحدثان عن حياتيهما وعن هموم المطبخ والأطفال، كنت أتأمل وجهي فوجدته متوردًا، أجمل بكثير مما أراه كل يوم في المرآة، كان مشرقًا رغم الهالات السوداء ورغم الحبّ (حقل الألغام كما أسميه) الذي يغزوه. كنت أستمع إلى أحاديثهما وأضحك وأعلق تعليقًا عابرًا هنا وهناك، ثم قالتا: يكفينا. هيا مزنة، إنه دورك لتفضفضي عن هموم حياتك، تفضلي! قلت: اممم، لا أظنني أريد الفضفضة عن شيء، ربما لو بدأت الحديث عن هموم الجامعة سأبكي، أترك المجال لكما لأستمع إلى من أكبر همومه مطبخ وأطفال. ضحكنا معًا. كنت أترك المجال لدمي للانسياب إلى عروقي بحيوية وخفة، ولروحي أن ترد إلى محلها. كان العصفور الذي يسكن داخلي ينتفض انتعاشًا بعد بلل خفيف. من كان يظن أن يومًا ما سيأتي أتلهف فيه إلى سوالف أختيّ التي تطول لساعات دون أن يشعر أحد بالوقت؟ من قال أنني سأترك مذاكرتي وأعمالي المتراكمة لأستمع إليها وأنا التي كنت أحاول إيقافها بالطلب اللطيف تارة وبالصراخ تارة حتى أستطيع المذاكرة ومواصلة أعمالي بهدوء؟ من كان يظن أنني سأفقد جزءًا من نفسي حين أفقد قرب أختيّ وأمي؟</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
مرّ الأسبوع الانتحاريّ كأنه قطيع أثار نقعًا، وبعد جلاء النقع وُجِد كائن حي موطوء عليه يئن، كان ذاك أنا. سبعة اختبارات في أسبوع، كان من المفترض أن تكون تسعة لكن برحمة من معلمينا صارت سبعة. لم يعد هناك فرق بين الجمعة والثلاثاء، اختلطت الأيام وتشابهت، كل يوم نكدح ليل نهار أمام الشاشة للمّ المعلومات من صورة ومقطع مرئي، فما فهمت فهو خير لك، وما لم تفهم فلك ما سلف وأمرك إلى الله. كنت أقول لفاطم في أول أسبوعين أنني أشعر أنني مستثناة من التعلم عن بعد حين أرى ضغط الطلاب، ما هو إلا أسبوع حتى قرصني التعلم عن بعد لأصدق أنه حقيقة تشقيني. دخل سليمان، لم يرَني على جهازي اليوم، قال: غريبة! </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
يمضي رمضان راكضًا وهذا يومه الرابع والعشرون، يتعبد العابدون ويتنسك المتقربون، وأقضي أنا جزءًا غير يسير من ليلي أستمع إلى محاضرات الجامعة. ما بين طلب العلم عبادة وبين العتقاء من النار والرجاءات التي تتحقق في ليالي الاستثمارات الناجحة مع الله؛ أتعلق أنا، عقلي يدرس وقلبي يحاول أن يجاهد ما بين ذكر ودراسة، الحمد لله على دراسة عن بعد نقدر معها على العبادة دون إرهاق الدوام، الحمد لله على لطفه، الحمد لله على طريق إلى الجنة يُفرَش لي بكرة وعشي رمضان، الحمد لله على فضله العميم.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
كنت أقول: أشعر بأنني جرادة يتقاسمها سبعة ومشروع التخرج هو الثامن، بعد يومين، حاولت الإفساح له وأدخلته ليأكل شيئًا ولو يسيرًا مني، فما وجدت منه سوى أن تضايق من التفافهم عليّ وقرر المغادرة. لا أجد وقتًا وسط أشغال رمضان ومسؤولياتي الدراسية والمنزلية لمشروع تخرجي بينما لا يجد خريجون آخرون وقتًا لموادهم بسبب مشروع تخرجهم. لست متأكدة أن وضعي سليم، لكنني سأنهي الآن الاختبارات المتكادسة عليّ جبرًا، ثم أيام العيد أعمل على مشروع تخرج بلا هُدنات متوقعة، وبإنهاك متواصل ليل نهار حتى أنهيه. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
————</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
3 شوال 1441 هـ</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
هذا ثالث أيام العيد، أكلنا الشواء كما العادة بعد كدح من الصباح في مشروع التخرج...</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
————</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
ليلة 7 شوال 1441 هـ</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أبدو كحبل مربوط بسيارة صغيرة كسيارتي، يجرّ سيارة دفع رباعي متعطلة، حبل واهٍ تتفتت خيوطه خيطًا بعد خيط. شهران ونصف منذ بدأ الحجر، طفلي (ابن أختي) يكبر بعيدًا عني، تنبت أسنانه كلها، يتكلم كلمة بعد كلمة وتبين كلماته، لا أرى لمعان عينيه إلا من وراء الشاشة سعادة برؤيتي. وحدتي في درب مشروع التخرج موحشة إلى أبعد مدى. عيّد الناس لثلاثة أيام، كان عيدي يومًا واحدًا، عدت بعده إلى مشروع التخرج لأن لا مجال للتراخي بعد. عيد بلا أهلي، أرى فيه صغاري بثياب العيد في صور إلكترونية. بالمناسبة، صارت حياتي إلكترونية، أحادث إلكترونيًا، أفرح إلكترونيًا، أحزن إلكترونيًا، أبكي إلكترونيًا، أحتضن من أحب إلكترونيًا، ألثم صغيري إلكترونيًا، أرى وجهي وأختار مرشّحات التصوير التي تجعلني أبدو أجمل من الحقيقة إلكترونيًا كذلك، أدرس إلكترونيًا، أحيا إلكترونيًا، وربما أموت إلكترونيًا كذلك. من أنا؟ لا أعرف. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أصحو في يوم بكامل قوتي وطاقتي وحماسي، أصحو في اليوم التالي منطفئة. بالمناسبة، صرت أتحاشى الاستيقاظ المبكر في الصباح ولو كنت بكامل قوتي ونشاطي، لأنني أتحاشى أن أهوي في مكان سحيق من الفراغ المدقع. يجب أن أحافظ على صحتي النفسية من أي رسالة صباحية تحيل يومي إلى سواد، يجب ألا أسمح لنفسي أن أبقى وحدي في الصباح الباكر لئلا أكتئب، يجب أن أقاوم تعبي واستيائي. يجب ألا أضعف. يجب أن أزجر أختي حين تضعف وتوشك أن تنهار أو أن تتجاهل كل التعليمات وتركض بشوقها إلى بيتنا. يجب أن أحافظ على أختيّ وأمي قويات كل في بيتها، ويجب أن أنهار وحدي ولا أبدي لأيٍّ منهن أي شيء لئلا يضعفن. يجب ألا أشكو من شيء إلا مشروع التخرج. يجب أن أبدو بخير. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
مضى شهران ونصف، مضى شعبان، مضى رمضان، ومضى عيد. مضى دهر ذبلت فيه من مكثي في شقتي، ومضى وقت طويل عن كل شيء. تغير معنى الحياة كليًا، صارت أكبر النعم بيتي ودفئي وأماني وطعامي، وصار الخروج أضغاث أحلام، الرؤيا منه تكون منذرة أكثر منها مبشرة. صارت كل نعمة مقدرة أكثر من ذي قبل، صرت أكثر شكرًا وامتنانًا، صرت أعرف الأولية والثانوية، صرت أرى الخير الكامن في الشر أكثر. الله يربيني بهذه الأزمة. الحمد لله أبدًا. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
بعد عواصف الاختبارات التي اقتلعت كل أشجاري الغضة، جئت ألملم ما بقي مني لأكمل مشروع التخرج بقوة. أكمله في شقتي لوحدي، بلا جلوس في ممرات القسم واستراحة البنات فيه، بلا صديق يشاركني إنجازي وإخفاقي وتذمري وبكائي وتعبي، بلا كتف أتكئ عليه لأستمد القوة، بلا عينين تلمعان فخرًا بي، وبلا صوت مروة وهي تذكرني أنني بطلة وقوية وأستطيع إكماله بقوة. أدع كل هذا جانبًا، رفيقاتي لا يدعنني لوحدي وإن كنا بعيدات جسديًا. أرسل لمروة ما أنهي كتابته وأنا أقول لها أنها عقلي الذي يراجع كل ما كتبت لأنني زهقت من الكتابة ولا أقدر على قراءة شيء مما كتبت. تقرأ، تخبرني أنه رائع، أفرح وأرسل للدكتورة التي تقول لي أيضًا أنه رائع إلا بعض التعليقات. أتكئ على ماريا وتخبرني أنني قوية لأكمل، فاطم وآلاء تغمرانني بدعواتهما بالفتح والتيسير والسداد، أفنان تتابع مسيري في المشروع وتخبرني كل حين أنها هانت وأنني قوية، ميثاق توصيني بالمصارعة إلى آخر رمق لأنني على قدر هذا التكليف، ورحمة تقول لي: "اسكبي فيه حب خمس سنوات". أنا أفعل يا رحمة مهما شح الحب، أستمد من الله وحده لينبع الحب فيه ولو يبست الأسطح كلها. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أنا وحيدة ومكشوفة لأي حر أو برد يفترسني، لأنني أعيش بعائلة بعيدة لا تراها عيناي، ولا تلمسها يداي. أنا اعتدت الهدوء القاتل، واعتدت أن أمكث ساعات طوال وحدي. أنا اعتدت أن أقاوم باتصال يبث الحياة فيّ، أو مراسلة تلم قلبي. زوايا شقتي حفظتني زاوية زاوية، وكأنني أراها توشك أن تلفظني لتقذفني دون أن أخضع لمعادلات المقذوفات. أنا أحتاج أن أصلي لأستمد القوة. أنا -الحمد لله- محاطة بالحب من كل مكان، ولو كان بعيدًا لا تلمسه أناملي، لكنني أشعر به في الدعم النفسي الهائل والحب الذي أقتبسه من رفقتي. رغم كل الصعب والمرّ، أنا بخير. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أنا أتخرج بعيدًا عن كل أحد. تسأل ابنة عمي: ما فعاليات الحجر معكن؟ ماذا فعلتن وماذا تفعلن؟ قلت لها: أتخرج. كانت صورة التخرج المرسومة بعيدة كل البعد عن واقعي الحالي، لكن الأمر يحصل. أنا سعيدة أنني أتخرج، أشعر بالإنجاز، أشعر بالخلاص والفكاك، وأكاد أشعر من الآن بالراحة والسعادة بتنفيذ الخطط المؤجلة لخمس سنين. بناتي ورفيقاتي يشعرن بالأسى، ولا يردن ذكر موضوع تخرجي ولو ذكرًا عابرًا لأنه يثير أشجانًا ذات شجون. أنا أغلقت مجال هذه المشاعر وأفسحت المجال لمشاعر الفرح لتطغى. أقول لهن: لن أبتعد بإذن الله. سأكون في القرب، متى ما اشتقتِ إليّ أخبريني لتجديني عندك. أليس من أبسط حقوق الباحث الشغوف أن يرى نتائج بحثه الذي أضنى عمره فيه ليقطعه تعليق الدراسة ويقدم بحث تخرج بلا نتائج؟ بحثي يستحق مني الجهد، وأنا أستحق مني السعي في هذا الدرب، وأنا كذلك أستحق مني ألا أقطعني من نبات هذه الصحبة وثمرها وزهرها، وألا أنقطع عن بيتي الدافئ -مقر نادي إتقان التلاوة، أمام المصلى الجديد في استراحة التربية-!</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أشتاق لكل شيء. لكل قوة يبثها كل أحد قريب مني أو عابر، لكل طعام أتقوى به وأتشاركه مع رفقتي، أشتاق إلى درج القسم، ويمزقني الشوق إلى بيتي الصغير؛ مختبري وملاذي، إلى كل أداة فيه، وإلى صندوق أدواتي المكتوب عليه اسمي الذي استلمته كأنني أستلم كعكة يوم ميلادي، بل فرحتي به أكبر. تقول ميثاق: تشتاق إلى كفاحي وصبري وجهادي في دراستي الذي كان يقويها. أقول في داخلي: بل جهادها ما كان يقويني. أصمت، ليس عندي ما أقول بعد. اللهم ردنا، وقوني بمن حولي، ولا تكلني إلى نفسي. وجهي في المرآة لا يكفيني يا رب ولا يقويني. ولو كنت أرتدي نظارتي، نظري ناقص دون رؤيتهم يا رب. وكلتك، تكفل. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
يا رب، تعلم أننا تعبنا، وأننا نحرص على بعضنا خوفًا، وأنت على جمعنا إذا تشاء قدير. يا رب، لا تضيع لي تعبًا ولا دمعًا، اكفلني، أنا التي لا يكفلني -ولو كثر الأعوان- سواك. </div>
</div>
مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com4tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-16855101552540980312020-04-05T11:09:00.003+04:002020-04-05T11:09:45.800+04:00مذكرات خرّيجة 9. <div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
كنت منغمسة في مذاكرة علم المناعة والوقت يسبقني وأسبقه في إنهاء ما درسناه إلى الآن، أمي تنتظرني للغداء، أقول لها أنني سأتأخر وسآتي حالما أنهي ما خططت له، فجأة: عُلِّقت الدراسة لمدة شهر. خبر جيد. لن أكون مضغوطة بالمذاكرة لوهلة، وسأتنفس قليلًا. أنهيت اختباراتي الفترية الأولى وكنت أتوقع أن أتنفس قليلًا، لكن المذاكرة المتراكمة وتسليم أعمال مشروع التخرج بعد أسبوعين لا أظنهما يتيحان لي ذلك.. الحمد لله على لطفه. مُتنفَس، ومن يسخط لشيء كهذا؟ شهر نأخذ فيه هدنة من الحياة ونعود بعدها. أمي سعيدة جدًا بهذا الشهر، تقول: أخيرًا سأرى ابنتي لأكثر من مرة في الأسبوع، سأراها كل يومين أو ثلاثة على الأكثر. أنا سعيدة بهذه الهدنة. أساعد أمي، ثم أخرج إلى الجامعة لأودع من تبقى فيها من رفقتي، جو السكن مهيب، الكل يتراكض إلى البيت وازدحام شديد لم أعهده. "إلى اللقاء، بعد شهر بإذن الله، سأشتاق، اهتمي بنفسك واستغلي هذه الهدنة!". لم أكن أعلم أنه لن يكون شهرًا، ولن نعود، ولن تستمر الحياة كما كانت، ولن يكون متنفسًا كما كنت أتصوره. لن يكون..</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
قضيت أول أسبوعين من هذا الشهر أقاسي لأنهي تكليف مشروع التخرج، أبحث عن أي مقال علمي قد يروي ظمئي لأربط المعلومة بالمعلومة، وأقف على أرض مستوية ثابتة. لا أجد إلا إعادة وزيادة في الكلام، بعد أكثر من أسبوع من البحث ليل نهار، وجدت مقالًا يكشف الغمة كلها ويربط كل الشتات لينسج لي أحلى كسوة، أخرج وأعمل في شرفتي وتتطاير قطرات المطر على جهازي فلا أبالي بها وأنا أشعر أن عقلي يستنير بما أقرأ، أفهم بعمق، أشعر أنني أكتسب قوة كما يستجمع طفل يشرب الحليب عضلاته. يفرحني فهمي بعد طول عناء وينسيني عنائي، لكن الأيام هذه ثقيلة، أثقل مما أتحمل. مع تعب مشروع التخرج والعمل فيه والحيرة التي تخلق العناء من العدم، لا وزن لهذا العناء أبدًا على ظهورنا ما دمنا بين الأصدقاء نتقاسم يبس العمل وشظف الفهم وإخفاقات التجارب. مهما ثقل، ظهري خفيف لا ينقضه كل ذا الثقل. أما الآن وأنا أقاسي بعيدًا عن كل الأصدقاء، دون أن يربت أحدهم على كتفي ولا أرى ابتسامة الأخرى ولا أسمع ضحكة الثالثة ولا تذكير الرابعة أنني بطلة وقادرة على تجاوز هذه الأيام الصعبة، دون أن تنظر معلمتي مشرفة مشروع تخرجي إلى عينيّ وتقول لي دون أن تنطق أنني قوية وقادرة على اكتشاف كل ما أشكل عليّ وحدي، ودون أن تذكرني أنني ذكية ولمّاحة، لا أقوى على هذا كله وحدي. هذه الأيام أثقل من أن أتحملها بعيدًا عن أصدقائي. يقل إنجازي وأوشك أن أنطفئ، كيف تمرّ؟ باتصال ومراسلات معهن، أكتسب بعض القوة، أنجز في يوم ما كنت أخطط لإنجازه في أيام، أنتهي. أسلّم عملي وأنا أسمع صوت مشرفتي في داخلي تقول لي أن عملي جيد وأنها فخورة بي، وأنني سأكمل أقوى ولم يبقَ إلا القليل، وما بقي يبنى على ما سبق، وقد قويت على ذاك، فكيف لا أقوى على ما بقي؟</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
تمضي الأيام بعد تسليم عمل المشروع، رتيبة متشابهة، أنجز فيها وأقرأ كما يحلو لي كما لم أفعل منذ مدة طويلة، وكما ظننت أنني لن أفعل إلا إن تخرجت. تحلو الهدنة لكثرة الإنجاز وتنفيذ الخطط المؤجلة منذ ثلاث سنين، لكنها مهما ملأتها الأشغال، تبقى فارغة. يخنقني الحجر المنزلي لا للملل ولا لرتابة أيامه ولا لأنني سئمت شقتي، بل يخنقني الشوق. أحاول أن أتماسك وأنا لا أرى أمي لأكثر من أسبوعين، أحاول ألا أفقد توازني وأنا لا أرى أختيّ ولا ألم صغارهما في حضني، أحاول أن أكون قوية ولو لم يسندني كتف صديقتي، أحاول ألا يهزمني شوقي لبناتي القرآنيات وصحبة القرآن. كانت أمي فرحة بأنها ستراني كل يومين، كيف تقضي أيامها وهي لا تراني لمدة أطول من كل تصوراتها؟ بل كيف أقضي أنا أيامي دون وجه أمي وضحكتها؟</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
قرار نهائي بعد طول تخبط: سنكمل الفصل بخطة التعلم الإلكتروني الطارئة. نزل تقويم الفصل الجديد، ونزل معه تقويم الصيف بخطة التعلم الإلكتروني الطارئة كذلك، هذا أكثر مما يتحمل قلبي. توقعت ألا تتحسن الأوضاع سريعًا، وألا تعود المياه إلى مجاريها إلا بعد أمد بعيد لا يعلمه إلا الله، توقعت ألا نعود إلى الجامعة بعد شهر، لكن الأمر ثقيل. كيف تمر أيامنا الدراسية دون نعيم الصحبة التي كانت تجمّل سوء العالم؟ كيف يمضي يومي دون ورد من بناتي؟ كيف وكيف وكيف؟ أرسل لها: أنهيت مختبري، متى تنهين مختبرك؟ أنتظرك. وأرسل للأخرى: أنهيت يومي الطويل الثقيل، أنتظرك في درج القسم. هذه المرة، لا أنتظر ردًا، أرسل وأعلم أن لا أحد سيأتي ولن أرى أحدًا. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
انتظرنا هذا الوقت خمس سنين طوال مررن بسرعة، انتظرنا لحظة عرض مشروع التخرج، ولحظة استخلاص النتائج وتحليلها، ولحظة تسليم تقريره النهائي الورقي ونحن نصور زفّته، انتظرنا ألا ندع بقعة في الجامعة إلا تطفلنا عليها توديعًا، انتظرنا ألا نضيع لحظة واحدة من أيام النعيم الأخيرة. انتظرنا أن نقوم صباحًا لندرك أن كل شيء قد انتهى وأننا تجاوزنا أيام التخرج الأخيرة والأرق الطويل بخفة وسلام، وانتظرنا أن ننام نومًا مريحًا بعد طول سهاد. انتظرنا أن نحتفل بانتصاراتنا مع أصدقاء التخصص، وأصدقاء الجامعة المفضلين الذين فرقتنا دروب تخصصاتنا، وأن نحتفل مع صحبة القرآن. انتظرنا أن نودع الجامعة بالدورة المكثفة الأخيرة التي كنت أضرب أخماسًا في أسداس لئلا تفسد عليّ مادة فصلي الصيفي الأخير جوَّها والعطاء فيها. انتظرنا لحظات الوصول بعد طول الألم، وانتظرنا حتى لحظات الخيبة والألم اللذين يزولان بتربيتة من صديق. كنا نحلم، وأحلامنا تلاشت بغتة. لا ختام في الجامعة، لا أصدقاء يربتون، لا ضحكات أخيرة في مختبراتنا، لا خروج مع أصدقائنا احتفالًا بانتصاراتنا، ولا غداء معهم وسط أيامنا الثقال، لا استراحة التربية ولا درج القسم ولا مختبري ولا ممر مختبرات التدريس ولا مختبراتهم ستجمعنا. سندرس عن بُعد، ونتخرج عن بُعد، ونحلم عن بُعد، ونشتاق ونودع عن بُعد.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
ذاك الانغماس في الجامعة حتى لا أرى غيرها ولا ألاقي حتى أهل بيتي، تلك الزحمة الصباحية اليومية، ذاك التعب والإرهاق، المختبرات التي لا نعيها، والجوع بين المحاضرات ولا شيء نأكله؛ كان هذا الذي نشكو منه نعيمًا فقدناه دون سابق إنذار فجأة. أين امتناننا لله؟</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
يا رب، ستكون أيامنا الأخيرة صعبة كما كنا نحسب، لكنها ستكون عجافًا دون رفاق. يا رب، عجّل بقربهم وأدم ضحكاتنا معًا. يا رب، لا تخرجنا من الجامعة منهين ما علينا دون لذة. يا رب، خيرك وفضلك يعمّنا، خذ بأيدينا. </div>
</div>
مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com3tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-90450153512560993262020-03-22T16:11:00.002+04:002020-04-05T11:08:49.226+04:00آلَاء.<div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
يظلك سقف من حرارة الشمس ويقيك عصف الريح، يحميك من أذى البلل والسيل، ينيرك سراج بيتك ليلًا، وتستبرد بمكيف هواء أو مروحة متى شئت، مستور لا تخشى اطلاع أحد على عوراتك، تسدل ستائرك متى شئت وتفتحها لتخترق أشعة الشمس فتكسو بيتك دفءًا. تتجه إلى مطبخك متى داعبك الجوع وحتى قبله أحيانًا، لتجد أطايب الطعام فتتخير منه ما شئت، وتفتح ثلاجتك المملوءة على بكرة أبيها، وتتلفت على مخزن الطعام الغني، تحك رأسك، تختار وجبة خفيفة، وتحلّي قبل أن تغادر، فتصبّر نفسك بهاذين قبل الوجبة الدسمة التالية. هل تعرف كم أنت ثريّ؟</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
محاط بعائلة في بيت يلمكم. هل تعرف ثمن هذا وحده؟ ألا تكون وحيدًا ولا يتيمًا، ألا تعيش بين أروقة المستشفى، وألا يتعلق قلبك بين زنازين بعيدة، أن تكون في مقرّ آمن، يزعجك صراخهم ويؤذيك التصاق أصغرهم بك ويكاد رأسك ينفجر من مشاجراتهم. هل تدرك كيف يكون صخبهم حين يبتلى أحدهم فيهوي قلبك سبعين خريفًا حتى تقرّ عينك به؟ هل تعرف أن عدم الإنجاز الذي تشكو منه وأنت بينهم لا يساوي شيئًا أمام أن يكون أحدهم بخير؟ وأنهم جميعًا -أهلك- قطع من قلبك متشتتة تمشي على الأرض، فما أن يقع مكروه حتى تنتبه أنك أُصِبتَ في قلبك لا في حبيبك؟ لو فتّشت أحشاء من لا يملك عائلة، ستجد كبدًا، معدة، رئتين، وما بينهما تجويف فارغ. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
تنام ملء عينيك دون ضبط منبه، تصحو لا تشكو تعبًا ولا نصبًا، تنهض وسقفك لا يشكو شقًا، وزقزقة العصافير موسيقى الصباح، لم يكن شريط الليل أزيز دبابات ولا انفجار ألغام ولا ضجيج قصف. تخرج إلى شرفتك فتشم هواءً نقيًا دون دخان، ولا يحجب نور الشمس عنك شيء. لا تستطيع الخروج من البيت حتى انكشاف الغُمّة، لكنك إن خرجت لضرورة لم يوقفك جند ولا عسكر، ولم تجد محل الحيّ موصدًا أو رفوفه فارغة، وقود سيارتك متوفر تعبُّ من محطاته ما شئت. أنتَ حُرّ، لستَ محاصَرًا ولا مُهدَّدًا، ولا تشكو ألم الجوع ولا ألم الموت ألف مرة وأنت حيّ. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أنت فارغ، بكامل صحتك وعافيتك، إذن أنت مغبون ومغبوط. كنت تتمنى هذه اللحظة منذ آجال طويلة، أن تجد رُبعَ هذا الفراغ، وكنت تقول لتفعلنّ وتحسننّ وتتعلمنّ وتعملنّ، وحين وقع الحق أخذتك دوامة من الضجر حتى لم تحسن شيئًا. بينما يصارع مرضى هذه الجائحة الموت مئات وآلاف، تبقى أنت في بيتك معافى، وفارغًا، تختار ما يحلو لك فعله. العلوم والمهارات التي يمكن أن تكتسبها اليوم لن تعود مجددًا بهذه الوفرة. هل كنت حذقًا وفطنًا كفاية لاستغلالها؟ كنت تشكو من الحياة الراكضة قبل رمضان وأثناءه، ها قد تفرغت فهل أنت متزود له؟ كم ستلمّ من نور القرآن في صدرك وأنت في محرابك الإجباري؟ مشكاة فيها مصباح أم ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرجت يدك لم تكد تراها؟ </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
تخرج إلى سطح بيتك أو شرفته، تستلقي تحت السماء الواسعة تستمد منها سعتها، تتأمل السحاب وهو يمرّ مسرعًا، ويداعبك النسيم، وقد تضاحكك قطرات المطر. تخرج إلى فناء منزلك أو حديقتك أو مزرعتك، تبهج نفسك خضرتها ونضارتها، تقطف منها ما طاب، وتلذّ به. تقرّ عينك بكل ما آتاكه الله، ألا تحمد وترضى؟ أفلا تعمل شكرًا وتقرّ في بيتك لئلا تتسبب في سلب هذه النعم عنك وعن كل من تحب؟</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
﴿كُلوا مِن رِزقِ رَبِّكُم وَاشكُروا لَهُ بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفورٌ﴾</div>
</div>
مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com2tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-65710570541435355672020-02-21T19:01:00.001+04:002020-02-21T21:24:02.713+04:00أيّام خفيفة ثقيلة 6. <div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<div style="direction: rtl;">
"بفضله علّمنا القرآنَ"، قالتها وسط هدوء الزحمة بعد خروجنا من عرس قرآني، كان لها وقع مختلف هذه المرّة بعيدًا عن الضجيج. نقولها دائمًا وأبدًا، من منّته العظيمة علينا أن أنزل علينا القرآن، أن يسّره، أن لم يتركنا نعمهُ في ظلماتنا بل غشانا بالنور ظاهرًا وباطنًا. من جزيل عطائه أن اصطفانا لتعلّم وتعليم القرآن، عطاء يستحق الحمد أبدًا ولا يوفيه، وعطاء أعظم أن يكون هذا سببًا في أن أنغمس في هذه الأجواء والصحبة الطاهرة التي يوصيني الله ألا ألتفت إلى الحياة عنهم لئلا أضيع. الأعراس القرآنية تلك التي تختلف نشوتها عن أي عرس تقليدي، تلك التي زفّتها تيمينة، وحضورها أهل القرآن لا سواهم، هذه الأعراس التي تتجدد الفرحة فينا كلما حضرنا واحدًا، وكلنا بهجة بعروس خاتمة وشيختها، مع طقوس أطواق الورد وباقاته والطعام الموزع والزغاريد، كلها تعمّق فيّ معنى ﴿قُل بِفَضلِ اللَّهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعونَ﴾. أي فضل بعد هذا الفضل؟</div>
<div style="direction: rtl;">
<br /></div>
<div style="direction: rtl;">
ننغمس في أجواء الدورة وننسى كل الحياة خارجها، أنسى حتى أنني أفارق أهلي جميعًا لتسعة أيام متواصلة خارج البيت دون أن أشعر برغبة عارمة للعودة إلى شقتي ولا دفء أمي. دفء أهل القرآن يكفيني الآن. صديقاتي اللاتي كنّ يتحلقن حولي ثم صرن مجازات أمهاتٍ تلتمّ بناتهن حولهنّ بكرة وأصيلًا وينهلن من هممهن وعلمهن، رفيقات الجناح والطعام والنوم والهموم والجنون اللاتي جمعني القرآن بهن وأظلّ تحته كل ما سبق ليضاعف لذته أضعافًا كثيرة. جناحنا الذي يضجّ وقت الفجر والعصر بالشغوفات حاملات المصاحف والدفاتر والأقلام، أولئك اللاتي يقفن أمام أبواب أمهاتهن يرجين إدخالهن لأدخلهن أنا واحدة تلو الأخرى بعد أن تعبنا من إخبارهن بأن يدخلن بيوتهن الدافئة دون إحراج. لقاءات التوقيع والأحضان الحارّة، وجبات الصباح والمساء مع أهل القرآن، الابتسامات والضحكات المتبادلة، كل شيء هنا مع أهل القرآن له وقع مختلف.</div>
</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div class="separator" style="clear: both; text-align: center;">
<a href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhIHIOsfZs2Wii56rvF1rFjJSWTnD1mi9sgwToFCGmLcxzMm3vA0CDde-y7YkCJiov_xOrRkFMFw_3DYX7N7JYDIC2fCIQbVk8NJpLzDxM8nyWiQ-WZTSmjLnuJ73vH_Y0RcWWFWODYQfMt/s1600/5508FC82-5CD3-40FD-BA66-6851957862A4.png" imageanchor="1" style="margin-left: 1em; margin-right: 1em;"><img border="0" data-original-height="1600" data-original-width="1200" height="320" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhIHIOsfZs2Wii56rvF1rFjJSWTnD1mi9sgwToFCGmLcxzMm3vA0CDde-y7YkCJiov_xOrRkFMFw_3DYX7N7JYDIC2fCIQbVk8NJpLzDxM8nyWiQ-WZTSmjLnuJ73vH_Y0RcWWFWODYQfMt/s320/5508FC82-5CD3-40FD-BA66-6851957862A4.png" width="240" /></a></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
حلقات العصر وسط الأشجار، مشاكسة البنات في الحلقات، مسابقات طول النَفَس، الحصير الذي يُخرَج أمام الهاءات تحت زرقة السماء، الهواجس المختبئة خلف جدران الصدور وجدران الغرف، الضحكات العالية، تدبر الفجر ومسابقة استخراج الأخطاء من مقطع قارئ لطرد النعاس، طرق ماريا باب غرفتي وبعده: "يكفيهن! انتهى الوقت!" ثم قولي: "هن مستمتعات، ماذا عليك أنتِ؟" وبعده استدراكي الموجه لهن: "أنتن مستمتعات، أليس كذلك؟"، ألعاب الفقرة الترفيهية وحماس اللاعبات جميعًا فيه، أذكار الصباح والمساء بصوت جماعي يبث القوة في الجسد قبل الروح، وآيات البعث كل يوم بصوت جديد أحبه، الجنون الذي نطرد به النصب، وصندوق الهدايا الذي أملؤه بما يسرّ قلوب بناتي، أسئلة الدرس النظري التي أمدّ فيها المجيبة بالقوة حينًا وأزجرها على ضعفها حينًا آخر، الاستراحات خلاله التي نستغلها في السباق لنتنشط، تنظيم هذا وترتيب ذاك ونسيان أشياء كثر في وسط دوامتها، غرفتي المضيئة بمن يزرنها ليتلين، وجناحنا الذي تدفئه تلاوة إيمان الجهورة من البرد؛ أسمعها من غرفتي وعند باب غرفة ماريا وحتى وأنا أستحمّ وتغمرني بالسكينة، الختمات التي تملؤني فخرًا بالشيخة التي مرت عليّ يومًا ما طالبة صغيرة، وببذرتها التي هي ابنتي في هذه الدورة. ختمة نعمة المؤثرة التي منحت غرفتي النور لأسابيع بعدها، النوم لسويعات ثلاث كل يوم، الإقراء بعد التوقيع، فراشي الأبيض الذي ما سوّدته كل همومي وأثقالي، نافذتي التي لو استطعت لما تركتها إلا مشرعة، لكن أغلقها لأحافظ على دفء غرفتي، وربما أحافظ معها على دفء قلبي وصاحباتي وجناحنا لأدفئ به بناتي. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
لحظة اختبار آخر بناتي لم تكن لحظة عابرة في أي يوم عادي، كانت لحظة طال انتظارها إلى حد لا يدركه بشر. لم يكن انتظار الخلاص هذه المرة فحسب، بل كان انتظار هبوط قلبي على أرض مستوية بعد أن ظل معلقًا على شفا جرف هار لمدة شهرين، شهرين كان نهارهما وليلهما متمحورًا حول بناتي، فمن إرهاق النهار والهمّ، إلى النوم الذي يغادرني أو يزورني مصطحبًا معه أحلامًا موضوعها هل تجتاز فلانة أم لا، وكيف ينتهي تعبها الذي عكفت عليه سنين بتوقيع دون تفكير مني، وكوابيس محورها أنك ظلمت فلانة ونصرتِ الأخرى دون أختها ومال قلبك إلى تلك وقسوتِ على الرابعة، وكيف طاوعك قلبك أن تعطيها تلك النظرة أو أن تزجريها أو ألا تضحكي في وجهها -مهما كنتِ مضغوطة-. لم يكن الخلاص مريحًا، بل كان بلاغهن ما سعين وشقين لنيله هو الراحة. أما اللائي لم يجتزن، فلم يبلغهن إلا الخبر مني، لم يشهدن أيامي الثقيلة ومجافاة النوم وتكدّر صفوي وجثو الحياة كلها على صدري لهذا. لن يدركن أنهن لا يشعرن وحدهن، بل تخنقني قبلهن أكثر وأكثر. يقيني أنهن سيكنّ يومًا ما مجازات أقوى مما هن عليه الآن، وسيعطين أفضل، هو الهدف، وهو العزاء والسلوى، وليمحص الله الذين آمنوا.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
كأنني أتذكر تأنيب الضمير القارص بل الشاوي وأنا أبذل كل ما لديّ ولا أصل، كأن انكساري بنظرة خيبة الأمل من عزاء التي تجاهد لأجلي يتجدد هذه اللحظة تمامًا، كأن الشيخ عيسى يجيز صاحبتي التي رافقتني في إقرائنا معه وأنا كنت أجاهد كثيرًا لأجاز على يديه فلم يجزني لمستواي، كأن كل هذا وغيره يمر عليّ وأنا أرعى بناتي، مهما حاولت إخفاء وجعي لخطأ تخطئه أو معلومة نسيتها بعد كثرة ترداد وتكرار، دائمًا ما تكتشفه ويوجعها لأنها توجعني. لا أنسى هذا كله وأنا أحاول أن أحميها بكل ما أملك مما يؤذيها، ثم يقتلني أنني أوجعها بتقليد خطئها أو بكثرة تكراره عليها أو برفضي المستمر لمحاولاتها أو حتى بعدم رضاي وتعبي. أقسو عليها مرة فتتألم، أغادر، أقضي نهاري مكدرًا وليلي منغصًا لأنني أخشى أن أكسر قلبًا أقبل على القرآن متلهفًا، فماذا لو كان القلب قلب ابنتي التي أود لو أحميها من أذى العالم كله؟ أغمض قلبي وأزجرها إذا اضطررت لأن الهدف الإتقان مهما كلفني وكلفها. ربما ستدرك يومًا لمَ فعلت معها هذا، ربما لن تدرك إلا حين تكون شيخةً في موقفي تريد أن تحمي ابنتها من أي خطأ يسيطر على تلاوتها. ربما لا تدركه أبدًا، ولكن الله يعلم أنني ما شددت ولا قسوت إلا لأجلها. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
إلى رحمة،</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
كانت استجابة الله لدعائي اللحوح في عرفة وفي مناسك الحج أسرع مما تصورت، وأكثر إبهارًا. كانت استجابته لاستخارتي رحمة، هي أنتِ. في دوامة لا انتهاء لها غرقت حيث لا يعلم إلا الله، جاء بك الله لإخراجي منها دون تدبير مني ولا احتساب. بعد أجزاء ستة تلوتِها عليّ، كانت سجدة شكر الختم العميقة التي هزّت كل شيء فيّ، كان يمر عليّ شريط حياتي كله فيها، وكانت جسدي يرتعش، كان كل شيء فيّ يهتز والشعور يطمس قوى الجسد، كانت لحظات انكسار شعرت أنها الأقرب لله، كانوا جميعًا هناك ينظرون، لكن كأن لم يكن هناك أحد سوى الرماد. كان الله هناك يقول لي: ولسوف يعطيك ربك. بعد الختم؛ كان الله يقول لي تكملةً: فترضى. أعطاني الله وأرضاني بك. شكرًا لكل درس تعلمتُه منك دون أن تعي، لكل آية كنتِ تحرصين فيها على ضبط تجويدك ولم تقوي على التركيز على معناها، لكنها كانت بصوتك توصل المعنى وتجعله في قلبي قرارًا. شكرًا لصبرك الذي كان يمدني بالصبر، وإصرارك الذي لغى مفهومي الضحل عن الإصرار وثبّت ما عندك. شكرًا لحرصك الذي كان على قلبي البرد والسلام. شكرًا لأنك رسّختِ فيّ أن لا اعتبار للأجزاء ولا للمسميات، وإنما هو عمق الأثر واتصال القلوب في ظل القرآن. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br />
<div class="separator" style="clear: both; text-align: center;">
<a href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjXo3BEHjlM8pBsVM-4c2wz9F7Gvxtv0OJZhMj976mZGBOD_gsH0f_V-l7O8XpXGtb_ofDhX8IXBPxXboAPpH6TkvC5j5eFxvcFm72XHMLCfvQGK8hFEypfgnGowQ7_WE0giuqXF1kHMXmM/s1600/7624F0EE-1446-4759-B17F-B7B33FCC4A47.jpeg" imageanchor="1" style="margin-left: 1em; margin-right: 1em;"><img border="0" data-original-height="1200" data-original-width="1600" height="240" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjXo3BEHjlM8pBsVM-4c2wz9F7Gvxtv0OJZhMj976mZGBOD_gsH0f_V-l7O8XpXGtb_ofDhX8IXBPxXboAPpH6TkvC5j5eFxvcFm72XHMLCfvQGK8hFEypfgnGowQ7_WE0giuqXF1kHMXmM/s320/7624F0EE-1446-4759-B17F-B7B33FCC4A47.jpeg" width="320" /></a></div>
<br />
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
إلى فاطمة،</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
تعبك يتعبني، وجهادك يثبّت في قلبي الجهاد. صبرك الممتد ونفَسك الطويل قوة لي. تكراري الكلمات لك مرارًا وتكرارًا، وتردادك خلفي رغم التعب واليأس الذي كلما حاول اجتياحك لم تسمحي له، يربّيني. خوفي من أن أطفئك -وأنت الشعلة المتوهجة- يسيطر عليّ ويقضّ مضجعي، ما كنت لأدع الظلام يبتلعك، لا من حولك، ولا حتى الذي في داخلك، أبذل كل ما في وسعي لانتزاعه منك فلا يربو داخلك إلا النور الذي تشعّين به. كل عتاب وكل شدّة أشدها عليك، كانت لتكوني شيئًا أفضل. أعرف جيدًا أنك تجاهدين، وأعرف أكثر أنك لا ترضين بالدنيّة، وأعرف أن زجري إياكِ يكسرك أحيانًا، لكنّها الأمانة التي ما كنتِ حاملتَها إلا بقوة، وأنتِ قادرة عليها. سلام على قلبك أطلبه من الله ليل نهار، وعلى كل محاولاتك التي تنهضين فيها وتكبين، وأكون أنا من خلفك أحمي ظهرك ولو كنت أبدو بعيدة. فاطم، تعبك هذا كله لا يضيع منه شيء عند الله، تعبك هذا سيثمر، ولو بعد حين. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
إلى ميثاق،</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
البذرة التي انغرست في قلبي وما انفكّت تنزع عنها قشرها بكل قوة، تتبرعم، أراها تنفلق يانعةً وتنمو، تبحث عن ضوء الشمس وتتبعه، لا يحدّها شغفها عن تتبع النور والتماسه، تنمو يومًا بعد يوم ويصلب عودها فتسند به ضعفي، تتلو عليّ القرآن أول الصباح وآخر الليل، أفتتح بها يومي أحيانًا وأختمه أحيانًا كثيرة أخرى، المجاهدة التي لا ترفض جلسة إقراء غير مخطط لها أبدًا إلا لعذر قاهر، لا تتعب من جلساتنا الطويلة التي كثيرًا ما لا تقل عن ساعات ثلاث متواصلات دون أن تكلّ ولا تملّ، تلجأ إلى الإقراء معي حين تتكالب حياتها عليها، وتمسح على قلبي بتلاوتها حين تلطمه حياتي. بذرتي التي تغرسني قبل أن أغرسها، وتغلفني بالحب والحرص وإن كنت عاجزة عن العناية بها. ابنتي التي ما شعرت يومًا بأي كُلفة معها، بل كل الألفة وأنا أشكو لها همومي فتلمها كلها لتسقيني مكانها أمانًا وتحمل عني كل الثقل، ميثاق التي ما آذاها شيء إلا آذاني ضعفه، أحنّ عليها حينًا وأزجرها حينًا، ثم لا أهنأ بوقتي لأنني أخشى عليها مني. ميثاق حبلي المتين الذي لو أوشك على الانفلات شددتُه، ولو أوشكتُ على السقوط أنقذني. هذا الحرص المغلف بالشدة لأنك لن تكوني إلا متقنة متمكنة تقتحم كل عقباتها بل وتنزع عن الناس عقباتهم، هذه الخشية عليك وهي تبدو لك عقابات إنما كانت لئلا يخفت وهجك ولا تتعثري، هاك يدي لتكوني أقوى، هلّا مددتِ إليّ يدك؟</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
إلى بناتي،</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
لم تكوني بذرتي وحدي، بل وصلت إليّ يانعة مخضرّة، كان عليّ سقي الزرع وتسميده ليزهر، وكان علي حمايته من الدود ومن الحرارة ومن الجفاف، كنت أحاول أن أحميه بكل ما أملك وإن استنزف هذا مني. كان عليّ تشذيب الزرع أحيانًا، وبتر ما يبس أو فسد، كان البتر أحيانًا مؤلمًا، وغالبًا كنتِ لا ترين فيه غير الألم والبتر، دون الفساد واليبس. لم تكن مهمة البتر ممتعة، ولم تكن المفضلة لديّ، لكن كنت أفعلها اضطرارًا لئلا يعم اليبس فيفسد الزهر والثمر، وكان هذا يؤلمك. لا بأس عليك، ولا بأس بشوكة تطعنني في يدي وأخرى في كتفي وأخرى أوشكت أن تصيب عيني، ما دمتِ وردة تفوح طيبًا. كنتِ وردة أرجو أن تصير ثمرة يانعة حُلوة، يسرّ الرائي منظرها ورائحتها وطعمها. لم يكفِني منك أن تكوني طيبة اللُبِّ دون أن تبدي فاتنة ويلذ مذاقك. لم يكفِني منك أن تحملي النور وتنيري به طريقك وحدك، بل أن تحمليه بقوة عاليًا حتى لا تبقى بقعة في الأرض تتخبط في ظلامها وأنتِ موجودة. لم يكن يليق بهذه اللذة كلها أن تنحصر في لقمة عابرة دون أي أثر يذكر، بل تنتشر بيدك أنتِ، وتزرعينها في أي أرض حللتِ. أحطتك بعنايتي ما استطعتُ إلى أن أثمرتِ، لا تحرمي الأمة ثمرك. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
إلى رفيقاتي،</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
بالأمس كنت أنتظر إجازاتكن، واليوم أنتن مشرفات معي على هذه الدورة. أفتخر وأنا أرى همومكن توسعت من حفظ المنير إلى هم مشكلة هذه وقضية تلك وكيف أوصّل هذه المعلومة وكيف أحبب إلى بناتي ذاك، كبرت همومكن وأنتن تهجرن النوم لعطاء البنات، وأبوابكن مشرعة لتلاواتهن ليل نهار، حتى إذا ما انقضى اليوم وانتصف الليل، التممنا في غرفة إحدانا لنتشارك الهموم أو نضحك دون حدّ لنتخفف، كنتن السند في كل لحظة ضعف، والملجأ في كل نكبة، ودفء كل يوم بارد. كان التواصي بالحق باللطف والشدة بيننا ميثاقًا، والتواصي بالصبر باحتوائنا بعضنا وشدّنا على أيادي بعضنا قوة. كنتن لذة الأيام وأنتن تحملن الرسالة بقوة وتشعلن الدورة بنور القرآن، وتحطن بقلبي لئلا يضعف في أي لحظة. الوجبات والنوم والقيام وإضاءة المصابيح في السحر والتدثر من البرد، كلها مغروسة في القلب، والثقة بأنكن السند الباقي لن تضيع ما دام بيننا القرآن. شكرًا لأنكن احتويتن جناحنا المضيء قبل أن يحتويكن. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
دورة المنتصف مرّت بكل من فيها، لكن كل لحظة فيها كانت غرسًا راسخًا في القلب. أعبئ سيارتي بأغراضي بعد أن أفرغت غرفتي، أدير ظهري عن جناحنا والنوافير والطيور والأشجار وكل الذكريات، وأرحل. لا يلاحظ أي أحد سواي أنني تركت شيئًا مني هناك، وشيئًا آخر مع أهل القرآن. هذه الدورة الأخيرة التي أسكن فيها كمشرفة، حملت منها في قلبي ما يكفيني لعمري الباقي. اللهم النور، اللهم الشجر الطيب ثابت الأصل وفرعه في السماء، اللهم حسن الأثر والصدقة الجارية، اللهم بناتي.<br />
<div class="separator" style="clear: both; text-align: center;">
<br /></div>
</div>
</div>
مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com5tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-27077925030585782020-02-20T00:00:00.002+04:002020-02-20T00:45:37.277+04:00مذكرات خرّيجة 8.<div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<div class="separator" style="clear: both; text-align: center;">
</div>
<div class="separator" style="clear: both; text-align: center;">
<a href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhuQSqAolmG8bnq-sob5SuPFW9GEH-KnSvmDp7EdkzPqRTMrsNf5jIFfl1B7u3wcOXH0PiyPqEsC9Rx_dJsvk2LT17MqDIRntPfW7TMuSHU8tA54vmdn6UpMccHyvRWJilzjqJHc4D5HBMR/s1600/9567B38E-F8A4-4494-A918-04266750B46E.jpeg" imageanchor="1" style="margin-left: 1em; margin-right: 1em;"><img border="0" data-original-height="1474" data-original-width="1600" height="294" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhuQSqAolmG8bnq-sob5SuPFW9GEH-KnSvmDp7EdkzPqRTMrsNf5jIFfl1B7u3wcOXH0PiyPqEsC9Rx_dJsvk2LT17MqDIRntPfW7TMuSHU8tA54vmdn6UpMccHyvRWJilzjqJHc4D5HBMR/s320/9567B38E-F8A4-4494-A918-04266750B46E.jpeg" width="320" /></a></div>
<br />
-قتلتِه؟</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
-نعم...</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
نعم، قتلته، قال الدكتور: هل سمعتم الصوت (تِك)؟ ردوا ردًا جماعيًا: نعم سمعناه، كان عاليًا. رد: جيد جدًا. صرخت البنات: لم يمت، ما زال يتحرك ويتعذب! رد: لا بل مات، سمعت الصوت عاليًا، دعيني أتأكد، يأخذه من بين يديّ السفّاحتين، يؤكد أنه مات، ويبدي إعجابه بقتلتي السريعة، عمل رائع؛ يحييني. أبتعد، لأدرك نظرات رفيقتي التي انصدمَت كيف أفعلها أنا، وأدرك ما فعلته أنا لتوّي، وأدرك أن الأرض لا تحمل ثقل جسدي حاليًا ولا يبرّد الجو حرارة جسدي وهو يغلي. أدرك أنني لست متأكدة إن كان ما فعلتُه شجاعةً وبنات مجموعتي يقدمنني لفعله لأنهن لا يقوين، ولست متأكدة حتى أنه مقبول عند الله. تضاربت مفاهيمي، أضطرب فوق انهياري حين أرى مروة التي كانت تمسك الفأر وتحقنه بكل شجاعة وتمسك به إن هرب بلا خوف، أراها لا تقوى على هذا كله. كانت نفسي تهوي بين جنبيّ. كنت أعزيني أنني لم أفعله عن هوى، ولم أرد تعذيبه وأنا أكسر عموده الفقري وأقطع حبله الشوكي ليموت فورًا، ولم أقصد قتله دون أي هدف. كان هذا الكائن المسكين خادمًا للعلم، كان يتحمل كل التجارب ليعيش الإنسان حياة أفضل ويتغذى ويتداوى كما يستحق. أنا لم أكن سفّاحة عن هوى كما يقتل بعض الناس بعضًا، أنا قتلتُ فأرًا لأحييَ الإنسان.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
بعيدًا عن كل المتاعب وحياتي المتبعثرة، تظل بعض المواقف واللحظات حبيسة الذاكرة فلا أملك تجاوزها مهما مرّ بعدها. بعض المواقف تقلب الحياة رأسًا على عقب حتى تبدو كل فوضى قبلها نظام وترتيب، ثم آتي لألملم هذا كله وأمضي دونما أي أثر لخراب. أحاول أن أكون خفيفة مهما ثقلت، وأن أشد على نفسي تارات وأهوّن عليها تارة. أحاول السيطرة على الفوضى بأقل الأضرار الممكنة دون أن أثير أي فوضى فيمن حولي. أحاول ألا أكف عن العطاء دون حدود مهما احتجت، فلا تخيبني عطاءات الله. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
بارحة الأمس سلّمت المسودة الأولى لملخص مشروع تخرجي. كيف كبرت بسرعة؟ لا أعرف وحدي. ما أعرفه هو أنني بدأت أنضج، وإن كنت أبدو غضةً في كثير من الأحيان. أكبر وأنضج وأستعد للإثمار، وأمد جذوري لأستمد الماء من بعيد إن جففت، أقلّب في أوراق علمية كثيرة لأفهم وأتعلم، وأقرأها بسلاسة وأفهم كل ما يقال فيها دون عناء، أفهم المصطلحات التي لم أظن يومًا أنني سأعيها، وأعلم ما أفعل وأنا أجد ضالتي ولو كنت بذاتي ضالة. هل بعد هذا المنهل انقطاع؟ لا أدري. أعني، لا أرجو. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أحمل زادي في هذا الفصل الطويل من حب الأصدقاء، ومن إحاطة أهل القرآن وتمسكهم بي ولو فرّطت، ما كان نعيم أعظم من ألا يرضى أن يفلتني أحد من أهل القرآن ولو لم أتمسك به، ما كان حب أعظم من هذا، ولا أبعثَ للسرور في نفسي من أصحاب يُلصِقون القرآن بي فلا يخلو ليل ولا نهار منه. حلقتي الأولى التي وهبني الله إياها من العدم بعد انعدام الأسباب والتي كانت هي وبناتي فيها بردًا وسلامًا على قلبي، إقراء بناتي، جلسات التسميع اليومية، الصحب الذين لا يصبرون عن حلقات القراءة معًا مهما شغلتنا الحياة. أحمل زادي من دورة المنتصف الماضية التي كانت قطعة من جنة السماء لولا التعب فيها، ومن دعوات أمي، ومشرفة مشروع تخرجي التي لا تعلمني علمًا مجردًا، بل تحنّ علي ثم تعلمني وتتجاوز كل هفواتي حتى أتقن، وتفتخر بي أمام الطلاب لإتقاني هذا الذي علمتني إياه أو ذاك. أدعو الله أن أكون غرسًا راسخًا في تخصصي، وأن أكون غرسًا أرسخ وأكثر إثمارًا في المشروع القرآني. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أحمل زادي من الذكريات، أتذكر أيامي الصعبة الأخيرة نهاية الفصل الماضي، مرابطات المذاكرة في المكتبة حتى وقت متأخر من الليل، اجتياز هزائمنا النفسية وسط المذاكرة والحروب باستراحة نتلو فيها آيات في الهواء الطلق، البرد الذي لا يكسحنا ونحن معًا، ووجبات المقهى والشوكولاتة الساخنة التي أعدها وطلب غداء السبت، كل هذا وإن مضى وولى ذكراه تمدني بالقوة، والشعور بالسند مهما تعثرت.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أدعو الله ألا أنطفئ ولو لم يكن كل معلميّ لفصلي الأخير ملهمين. أرجو ألا تنطفئ الشعلة التي أوقدها كل من قبلهم ولو أطفؤوها هم، أرجو أن أقتبس العلم كله منهم، ولو لم أستطع اقتباس النور. آمل أن أحمل بداخلي ما يكفيني من النور ولو لم يوقدوه هم. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
ستبدأ الاختبارات الفترية الأسبوع القادم بإذن الله وأنا لازلت لا أذاكر كما ينبغي وسط الضغوط من كل الجهات، سارة المباركة، أمي وضيوف استقبال المولودة، المشروع القرآني وهمومه، حياتي التي ألم شتاتها من صوب فينفرط عقد الجهة الأخرى، يتكفل بها الله. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
حين تجتاحني مشاعر الوداع، أهزمها بأن أقول أنني لن أبتعد كثيرًا، أتجاهل قلقي من ترقب العائلة تخرجي لأكون أقرب، وأعيش الفصل الأخير بكل تفاصيله. أقدّس كل لحظة وأمتن لله عليها. أقضي في الجامعة أغلب يومي، لا أستخسر الأوقات التي أبذلها لخدمة الناس وللعطاء لمن أحب، أغيب عن القسم لأكون موجودة في مقرّ حلقاتنا، بيتي الثاني المغمور بالدفء الذي لا تنقطع فيه أصوات التلاوات والصلوات واللقاءات المبهجة الباعثة للطاقة. لا أنفكّ عن حفظ كل من أحب في دعائي وقلبي، وأولهم أهل القرآن. أدعو الله أن يحسن مقامي وأثري، وأن يجعلني مباركة أينما كنت، غيمة خفيفة تظل العالمين، وتخص بمطرها من ابتغاها ظلًا. رب اجعلني غارسة الحب والخير، أمضي أنا ولا يمضي هو. شعار الخطوة الأولى والأخيرة: ﴿وَاصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُحسِنينَ﴾. ❤️</div>
</div>
مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com3tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-83820813049342479762019-12-21T13:46:00.002+04:002019-12-21T14:33:09.880+04:00مذكرات خرّيجة 7.<div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
صباح يوم جميل، أصحو فيه متأخرة بعد يوم مرهق، أتجهز سريعًا لإقراء فاطم الصباحي، آخذ ما أحتاج وأخرج مثل كل يوم رتيب، يدهشني كل شيء في الطريق وأحمد الله على كل النعم واحدة واحدة، أصل إلى الجامعة وأنا أخشى أن أتأخر عليها، أصل إلى المواقف بسلام، أنحني بالسيارة وأنطلق بها إلى آخر المواقف حيث لن أجد موقفًا إلا هناك، وفجأة دون سابق إنذار، يمسكني حزام الأمان بقوة بعد صوت ارتطام هائل، وأجد كل أغراضي التي في السيارة في أرضية مقدمة السيارة أو عند الزجاج الأمامي، لا أدري هل هي عطسة سببت شطحًا في خيالي أم واقع ما حصل، أحاول استيعاب الأمر، أفك حزام الأمان، أنزل أمشي، أرى الشظايا في الشارع، وأرى لوحة سيارتي الأمامية وقد تبعجت، وأرى مقدمة سيارتي مدمرة، آخذ لوحتي، أعود للسيارة، أحاول تحريكها حتى أجد لها موقفًا، لا أعرف كيف كنت أحاول استيعاب كل شيء بهدوء تام وأنا في وقع الصدمة ولا أفهم ما جرى، أوقفت سيارتي بهدوء، وقفت التي وقع معها الحادث قريبًا مني، أعرفها؛ صديقة صديقتي التي دائمًا ما أراها معها. هي جزِعة ومصدومة تحبس دموعها، وأنا المصابة التي تهدئها وتقول لها أن كل شيء سيكون على ما يرام. تمضي هي، وأرسل لفاطم أعتذر عن تأخري وأقول لها أنني سأكون عندها بعد دقائق، لا أدري ما مقدار الدقائق التي ألحق فيها أن أستوعب فيها ما حصل، وأطبطب عليّ لأن لا أحد سيفعل في هذه اللحظة، وأتأكد أنني بخير، وألم كل شظاياي التي لن يراها أحد في موقع الحادث، وأترجل من السيارة أنا وحقيبتي ومطارتي، وأمضي إلى المصلى. أرسلت لسليمان الذي توقعته نائمًا أن حادثًا قد وقع لي، وأكدت لفاطم أنني قريبة. دخلت المصلى وهي متحمسة للقراءة وأنا تحت وقع الصدمة ورقبتي مشتدة، أخبرتها، واستني وقالت أن لا داعي للقراءة الآن؛ المهم أن أكون بخير، جاءت أفنان تطمئن علي وتلمني وهي تخبرني عن صديقتها التي انهارت وأنا لا أبالي ألا أكون بخير على أن تكون هي بخير، بدأت فاطم تقرأ فغشتني السكينة، ثم انطلقت إلى المختبر وأنا مهما لفني من سكون أقول أن ارتجاجًا في الدماغ قد حصل لي من قوة الحادث لذا لست بكامل عقلي. أخبر أقرب الأصدقاء فأرى عمق الامتنان والحب في عيونهم وهم يحمدون الله على سلامتي ويتأكدون أنني بخير، ولو قلت أن رقبتي وظهري يؤلمانني من قوة الصدمة حاولوا تخفيفه بأي طريقة كانت. أقابل مشرفة مشروع تخرجي لنباشر العمل فتسألني عما بي وأجيبها أن لا شيء، فتصر أن أقول وهي تقول: أنا أعرفك. هذه التي أراها ليست مزنة التي أعرف. كنت في داخلي أقول: نعم، هي مزنة المهزوزة التي تكاد تساقط، لا الصلبة. قلت لها أن حادثًا وقع لي فحمدت الله جزيلًا على سلامتي وذكرتني بالصبر عند الصدمة وكيف يكون البلاء دفعًا لشرور عظمى لا ندركها بعقولنا القاصرة ونحن نحسبها شرًا، ترد روحي بكلامها، وتقول أن لا بأس عليك ولا تعملي اليوم. وسط بعثرات الحياة تأتي الصديقة التي تلم كل شيء فيّ، نتأمل السيارة المتحطمة مقدمتها وأسترجع كل شيء، ثم نمضي معًا إلى المكتبة. ما ألبث على المذاكرة حتى تأتيني اتصالات لإنهاء إجراءات الحادث، ننهي الإجراءات ويمنحني الله القوة لمذاكرة الفطريات رغم أن ظهري ورقبتي ينهاران، لكن الصديق قوة تهزم كل الظروف ووجوده بجانبي دافع كافٍ لئلا أستسلم. يمضي يوم بدأ خفيفًا واصطدم بجدار سميك ثم اختُرِق بقوة الله التي يمدني بها على شكل صديق قريب. أحاول تذكر ما قد يكون سببًا في هذا البلاء، فأتذكر أذكار الصباح التي نسيتها هذا اليوم، وألومني على حلمه وسفهي. أعود إلى البيت وآوي إلى فراشي، وتبدأ رهبة من فيض الشعور. الحمد لله الذي كان قادرًا على أخذ روحي في الحادث لكنه أمهلني، الحمد لله الذي كان قادرًا على شلّ جسمي، أو كسر عظمي، أو رضّ جسدي، لكنه من وتكرم وأجزل فمنحني تلك اللحظة التي نزلت فيها وأنا أمشي وأتفقد ما حدث. الحمد لله الذي لم يأخذ بصري ولم يحجب سمعي ولم يسلب لمسي ولا حسي، الحمد لله الذي أكرمني وعافاني وآواني وكفاني. كنت أشعر أنني أملك الدنيا كلها وأنا أنزل بعد الحادث بثوانٍ وأمشي على رجليّ سالمة معافاة دون أي نقص أو وجع، وأن الدنيا تصغر كلها حين أكون بخير، ومن أحب قربي حريصين عليّ يؤذيهم أذاي ويهرعون لنجدتي إذا ألمّت بي ملمّة. الحمد لله على نعم أستغرق فيها عمرًا ولا أشعر ولا أشكر، الحمد لله على لطفه وكرمه وحلمه المتعالي عن سفهي وعيبي ونسياني. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
"الله أعلم كيف يزجي منحة</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
في محنة والمبتلى لا يعلمُ!"</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
كان ظاهره بلاءً عظيمًا أن أصاب في سيارتي، كنت أسأل الله الرضا والخير وإن عميت عنه. استيقظت صباح اليوم التالي غير قادرة على تحريك رقبتي ولا كتفي ولا ظهري، وأحمده مرارًا على عَرَض عابر بدلًا من إصابة جسيمة، كان كل الحب يتجلى فيمن قربي وهم يحرصون على أن أرتاح وألا يؤذيني شيء، وهذه منحة لم أكن لأشعر بها لولا المحنة. تمر الأيام ثقالًا عليّ دون سيارتي وأنا أشعر أنني مقيّدة وواجب عليّ ربط برنامجي ببرنامج أحد غيري وأنا في خضم ضغطي الدراسي واختباراتي المتتالية. ما كان الله ليدعني أحزن ولا يرضيني، أعطاني فأجزل، ومنحني فوق الرضا، سخّر لي صديقات بهجة قلوبهن أن أكون معهن صباحًا وينسقن جداولهن على جدولي، ومناهن أن يرجعنني إلى الشقة بعد يوم طويل. أعطى الله فأجزل، لم يذرني وحدي أقاسي الهم واليأس والتعب، لم يدع تلك المدة العصيبة من فصلي وسنتي الأخيرة تمر وأنا وحيدة هشّة، بل أزجى المنحة كل المنحة في المحنة، كانت قلوب الأصدقاء بهجة الصبح وهزيمة كل المتاعب، وكانت سكينة المساء وإلقاء الوهن عن كواهلنا قبل أن أصل إلى الشقة. ما غلبت كل هذا وحدي، بل رعاية الله التي تمثلت فيهن وهن يتنافسن لإرجاعي ويتشاكسن لذلك. لولا المحنة؛ لما التمّت قلوبنا على بعضها كما الآن، ولما تدفأتُ هذا الدفء ولا غالبتُ الوهن، ولكانت سنتي الأخيرة جوفاء وأنا كل ما أملكه في صفِّ جُندي. كان قلبي -بهذه المحنة- مغمورًا بالدفء، خفيفًا لا ينتابه ما كان يخيّل إليه أنه سيكون عالةً، وكان الحرص يغسل كل حوبة.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
تبدأ الاختبارات الثانية مصحوبة بابتلاءات كثيرة، كنت أسأل الله الصبر والثبات، وأسأله الرضا والسكينة أبدًا. تبدأ متراكمة متراكبة فلا تنتهي إلا ويأتي عليها غيرها حتى وصل هذا اليوم الذي يسبق أسبوعَي الاختبارات النهائية. غبت كثيرًا عن الأهل ومناسباتهم، لم أكن موجودة في لحظات كان ينبغي علي أن أكون كذلك، لكنني كنت أبذل كل ما في حدود طاقتي. تأتي إجازة اليوم الوطني بعد أيام ثقال كان عزائي فيها ذاك المتنفس، أتنفس فيها الصعداء وأخرج إلى الطبيعة لألم هواءً نقيًا يكفيني إلى أن ينتهي هذا الوقت العصيب. قرب العائلة دواء لكل شيء، والتماس أمي الأعذار لي وهي تقول لي لا بأس أن تغيبي لتكوني أفضل ولتمر هذه الأيام بسلام وتتخرجي بسعادة، حتى حين يهزمني حزني من غيابي وشوقي، تأتي أمي فتزجر مشاعري لتكف عني أذاها لأكون أنا بخير، ثم تغمرني بدعواتها التي تجعل كل شيء في حياتي بكل الخير والعافية. تقول أختاي: لم يبقَ شيء، هانت، اصبري، رغم أنهما الأكثر حاجة وشوقًا إليّ. ستمر هذه الأيام الصعبة كلها خفيفة عليّ ما دمت محاطة بهذه الرعاية. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
العافية هي أن يكسّرني همي الدراسي فأتجه دون تفكير إلى مكان الحلقات في الاستراحة، ذاك المكان الذي نسميه بيتنا، فأجد فيه صحبة القرآن دومًا حضور. أكتفي بالتلاوة معهن، أو احتضانهن، أو حتى الفضفضة والتشكّي من قسوة الحياة عليّ فلا أجد إلا تربيتة كتف أو كلمة تطبب أو تلاوة عذبة. الحمدلله على عنايته ولطفه بي في أحلك الأيام، الحمدلله على نعيم لم أكن أتصور أنني سأعيشه.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
تمر الأيام سريعة رغم ثقلها، يمضي ما نعمل عليه طوال الفصل ويقارب النهاية، كوابيس الليل الممزوجة بإخفاقات النهار التي نراها كوابيسًا تحت ضوء الشمس، التعب والمحاولة ألف مرة حتى تنجح تجربة، التلوث في تجربة البكتيريا التي تتطفل إحداهن على الأخرى وتفسد علينا تجربتنا، والفطريات التي تخجل من أن نراها مكشوفة تحت المجهر فتأبى إلا أن تتغطى وتتنكر حتى لا نعرفها، والعيش في المختبرات ومعطف المختبر الذي لا تخلو حقيبتي منه ولو لم يكن لديّ مختبر ذاك اليوم لأنني أعرف أنني سأقضي فيه أغلب يومي ولو لم يكن في الخطة، كل هذا يمرّ. تأتي اللحظات الأصعب، الخواتيم؛ حين نصل الليل بالنهار في اللحظات الأخيرة لمعرفة هذا الفطر أو ذاك، فأكتب أنا عن هذه وتتعرف مروة على ذاك وأسماء تتولى البحث عن الثالث ومروة تسدد وتقارب في العاشر، تمطر السماء مطرًا غزيرًا فترتوي البلاد والعباد، ونحن نقضي يومنا منذ الصباح في المختبر بين يأس ومقاومة حتى يطردونا من المختبر ليلًا ليغلقوه. لم يكن الشيء الأكثر متعة حتمًا، لكن متعة الاستكشاف والدهشة كانت السيدة، والساعات العصيبة التي تجاوزناها بنكت الأصدقاء وتربيتتهم على أكتافنا -رغم أنهم معنا في مصيبتنا- حين ضقنا ذرعًا بالفطريات كانت وسامًا في القلب، لم تكن الأيام لذيذة، لكن حلاوة الأصدقاء فيها كانت تحلّي كل المر. لم تسعنا الأرض ونحن نضع التقرير النهائي و16 طبقًا من الفطريات زرعناهن بدماء قلوبنا وبذلنا عليهن عمرًا لنعرفهن أكثر. كانت مروة تقول أن لذة الشيء في تعبنا وبذلنا له في اللحظات الأخيرة وقلوبنا قلب رجل واحد. نهاية الجَهد نشوة لا تضاهى. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أحرم نفسي من رواء قلبي الأسبوعي برؤية أمي وأختيّ وابنيهما لأعمل للعرض والتقرير والاختبار المجتمعات في يوم واحد. يواسيني الله بصديقي وابن أختي الذي يأتي لينجز أعماله بجانبي. يسوءني ألا أكون من أريد مهما بذلت، وأن أفقد تركيزي فلا أنتبه إلى تفاصيل صغيرة تخرجني عن مساري كاملًا، ويسوءني أن أخيّب ظن معلّم مخلص بذل من أجلي كثيرًا وأحسن الظن بي ولم يتوقع مني خذلانه. أبذل أضعاف الجهد لأثبت أنني على قدر ظنهم وبذلهم مهما نسيت أو سهوت أو فقدت صوابي وفاتتني معلومة مفتاحية، وأزهو بلمعة عيونهم فخرًا بي بعد أن أفعلها. أتوه كثيرًا وأنسى أكثر وأنا في رحلة التعلم الذاتي وأنا أغرق في بحر العلم مترامي الأطراف دون أن أجد بغيتي، وأعاني كثيرًا لأجدها، ثم أجدها في النهاية وأستشعر أن ذاك الوقت كله لم يضع سدى، بل كان يصنعني ويعطيني تجارب لئلا أنسى.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أجهّز عرضي الأخير لهذا الفصل بعد أن عرض كل الطلاب ولم أعرض أنا لحمّى داهمتني بعد اليوم المضغوط، لا أعرف ما سبب الحمى تحديدًا، ومروة تقول أنها متيقنة من أن الضغوطات سببها لا أي التهاب كما تقول أمي. أترك معرض اللغة العربية الذي خططت لحضوره وأعد عرضي متكئة على كتف صديقة أستمد منها القوة. أعرض المشروع الذي أخذ مني عمرًا ثانيًا غير المشروع الأول في خمس دقائق، كم يبدو تفاوت الأوقات مربكًا! يسألني المعلم الأكثر إلهامًا وأجيب عليه أخذًا وعطاءً، أعاند إن لم أعرف الإجابة وأربط كل ما أعرفه حتى أصل للإجابة التي يريد، ألمّ كل ما تعلمته في الفصل بإصراري وعنادي في ذاك الحوار، ينتهي النقاش. أسأله عن أدائي؛ فيخبرني أنه فخور بي وأن شغفي وإصراري وعقلي يجب ألا يتوقفوا عند هذا الحد. ما قيمة الأتعاب والتضحيات أمام هذه الإنجازات التي لا تسعني الأرض عندها؟ لا شيء يضاهي أن تقتبس العلم مستنيرًا به، وأن تعاند إلى النهاية وتصر ألا تدعه -مهما ركلك- حتى تبلغ مرامك. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
قد آن وقت الختام وترميم كل الخراب الماضي، قد آن وقتٌ كل الطاقات فيه استُهلكَت والقوى خارت، لكن الإصرار سلطان الموقف الذي لا يفلح من لم يتمسك به. قد حان وقت صعب سيمر سريعًا خفيفًا إن لم تسمح للتعب أن يغزوك أو يغزو أصدقاءك رغم أنه في الحقيقة ثقيل. قد حان وقت التحدي، وأنا أقبل التحدي الذي ما خضته إلا مع نفسي لأكون أحسن، ثم مع ما أذاكره وهو ثقيل عليّ. قد حان وقت الجهاد والله يعلم كل السعي والمقاومات، فهل من مشمّر؟</div>
</div>
مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com2tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-5726294944285453292019-11-23T01:34:00.000+04:002019-11-23T14:13:13.767+04:00مذكرات خرّيجة 6.<div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
لكل منا صراعاته التي لا يعرفها أحد غيره. لكل منا انهياراته وانكساراته التي قد لا تكون مبررة عند الناس، لكنها كافية جدًا لكسره. لكل منا انتصاراته وهي تبدو تافهة جدًا في أعينهم جميعًا، لكنها الأعظم في قلبه. لكل منا روح مرتوية حينًا وعطشانة حينًا آخر، وقلب يتحمل ما لا يطيق ليصل. لكل منا قلب جائع للحب والرعاية مهما كان جسده صلبًا ويكسّر العالم. لكلٍّ منا إخفاقاته، ولكل منا دهشته التي لا تنطفئ مهما أراد العالم إطفاءها. لكل منا حروبه المضطرمة، وأنا حربي في أوج اضطرامها.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
تكسّرني الحياة من كل جهة، تنسدّ كل الدروب، تنهال المصائب، وتتكالب الغموم، ينهدّ جسدي حين أشتته بين كل هذا وأنا أحارب لأذاكر. أنزوي عن كل شيء بوهني، أصلي صلاة أطلب فيها المدد، أبدأها وأنا واهنة، أكلم الله، أتلو قصة طالوت وجالوت، أقول "ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا". أخرج من الصلاة وقد هزمتهم جميعًا بإذن الله، أخرج منها غير محملة بما لا طاقة لي به، أخرج خفيفة قوية مستعدة للمواجهة. وهل الصلاة إلا استمداد؟ أي رحمة من هذا الإله العظيم الذي يوقفنا من دوامة الحياة لوهلة لئلا ننسى ولا نتعب ولا نضعف؟</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
أضع شعار المرحلة ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم حَتّى نَعلَمَ المُجاهِدينَ مِنكُم وَالصّابِرينَ وَنَبلُوَ أَخبارَكُم﴾. أتقوى على كل شيء وأواجهه لئلا أخرج من زمرة المجاهدين. أصير هشة ويكسّرني أي شيء عابر، أود لو بوسعي أن أختبئ إلى أن ينتهي هذا كله وأخرج لأجد الحياة دون عواصف، لكن هذا لن يحدث، ولن يواجه هذا كله أحد غيري. أختار الخيارات الصعبة بألا أستسلم، تمر الأيام، رغم الأرق والثقل ينتهي اليوم الذي عليّ فيه اختبار وتسليم تقرير وتكليف ومسابقة. يمر، وكما مر هو سيمر غيره. لم يمر هذا بقوتي وحدي، الله يرعاني ويغمرني بألطافه، ويحيطني بسند لا أنكسر ولا أنثني معه أبدًا؛ صديقاتي وأمي وأخواتي؛ هؤلاء اللاتي لو أكلتني الحياة لوبخنها وأجبرنها أن تلفظَني رغمًا عنها!</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
يمر بعده أسبوع طويل واختبارات متتالية، لا تعرف كيف تواجه فيه ظروف البيت وأهلك تتكالب عليهم المصائب وأنت تترك قلبك معهم وتجبر عقلك أن يذاكر. لم تكن المذاكرة يومًا تحديًا يستحق الإشادة، لكن المذاكرة وأنت قد استنفدت كل مخازين قواك هي البطولة. استنفدت قواك في المواجهة لأنك تبذل دون أثر جلي للجهد، ولكنك لا تستنفد قواك أبدًا وأنت تتذكر "والله معكم ولن يتركم أعمالكم". يعلم الله كم كسرًا نحاول أن نجبر، وكم شجارًا نحاول أن نفك. يعلم الله السلام الذي نحاول أن نستمده بنثره لمن حولنا ولو لم نكن نحتويه نحن. يعلم الله الجهد، ويعلم الناس النتيجة، وما عند الله خير وأبقى. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
تعب الأصدقاء يتعبني. ولكنه يواسيني في الوقت نفسه أنني لست وحدي. نتواسى، ونقول ما قالته ماريا:</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<div style="direction: rtl;">
أنا ما قنطت من النجاحِ لعثرةٍ </div>
<div style="direction: rtl;">
بل مدّني الإخفاق أضعاف الأمل.</div>
<div style="direction: rtl;">
<div style="direction: rtl;">
الله يعلم ما يُقاسي خافقي </div>
<div style="direction: rtl;">
والله يعلم كيفَ أخلِصُ في العمل</div>
<div style="direction: rtl;">
يكفينا هذا ويقوينا. ثقة من نحب بنا كافية لأن نمضي دون التفات. ثقتهم بأننا سنفعل وسننجز وسنتقن وسنخفف عن العالم أوجاعه تكفينا. حين أكاد أنهار فأشتكي عند أمي فتذكرني مرارًا أنني قوية وقادرة بإذن الله مهما تكالبت الحياة عليّ وأنها جميعًا لن تهزمني. إن كانت أمي تظن أن الحياة لن تهزمني وأنهم لا يستطيعون كسري، فإياها أن تمسني بسوء وإلا دمّرتها!</div>
<div style="direction: rtl;">
<br /></div>
<div style="direction: rtl;">
كلما ضعفت أو تعبت، أرسل الله لي صديقًا يطبطب، بل وينازعني ألا أتعب، وإن حاولت شكره أكد لي أن شكره هو ألا أتعب وأواجه بقوة. لا أدري كيف يجدر بي أن أستكين وأنا محاطة بكل هذه العناية الفائقة التي لا أكف عن الامتنان لله أن أحاطني بها. لا أملك اللغات ولا الحروف، لكنك تفعل يا الله، وتعلم كل الكلام المتبعثر داخلي. شكرًا. </div>
<div style="direction: rtl;">
<br /></div>
<div style="direction: rtl;">
بعد جهادنا ألا ننثني، نواجه العالم بقوة دون انحناء. نقضي 3 ساعات ونصف من العمل المتواصل فنخرج بثلاث شرائح ناجحة، و22 شريحة فاشلة. رغم التعب دون نتائج واضحة، لا نتعب ونحن نواجه هذا مع صديق يقوينا ونغني معه "نملك الخيار وخيارنا الأمل، وتهدينا الحياة أضواء في آخر النفق تدعونا كي ننسى ألمًا عشناه، نستسلم لكن لا ما دمنا أحياء نرزق ما دام الأمل طريقًا فسنحياه". لا نتعب لأن العلم يستحق كل هذا، وإن تعبنا؛ فمن للعلم من بعدنا؟</div>
<div style="direction: rtl;">
<br /></div>
<div style="direction: rtl;">
أحمد الله مليًا أن اختار لي هذا الدرب ولم يختر لي الدرب الذي رجوته مرارًا أن يكون. أحمده أن بصّرني كم أن هذا الدرب الذي يراه الناس مظلمًا؛ هو الإشراق بذاته. ليست العلوم البحتة وقضاء السنوات الطوال في محاولة إجابة سؤال واحد بألف تجربة وخمسة آلاف إخفاق؛ هذه حتمًا ليست الشيء الأكثر متعة وإثارة. لكن أن تقضي عمرك وأنت تقطع هذا الدرب بشغف هذا اختيار شجاع، وبنّاء. لم يكن الطب الذي ينقذ حياة الملايين كل يوم طبًا وحده، بل كان بسنين الإخفاقات ومحاولة فهم معلومة قد تراها اليوم ساذجة. لم تكن كل هذه المسلمات التي لا تعيش إلا بها كذلك، بل كانت حيوات أفنيت في تحقيق أبسط ما يجعلك تحيا مرتاحًا اليوم. الورقة العلمية التي تستصغرها وأنت تقرأها كموجز أنباء، كانت سهرًا ودموعًا وجهودًا وإخفاقًا واستسلامًا وإصرارًا ومواصلةً وإقدامًا وشجاعةً. هذه الأشياء التي تستصغرها أحياها الشغف، وما يحييه الشغف لا يموت. الجند المختبئون وراء مختبراتهم ومعاطفهم كبار نفوس إلى حد لا تدركه، هم بذرة خير تزرع في هذا العالم لينمو علمًا تطبيقيًا تخضرّ به حياتك، ولكنك لا ترى غير الاخضرار. </div>
<div style="direction: rtl;">
<br /></div>
<div style="direction: rtl;">
نواجه ما نكره لنصل إلى ما نحب. ربما لا نصل إلى ما نحب فعلًا، لكننا ونحن نقطع ما نكره؛ نحب وضعنا ونحن نحارب، وهذا وحده ما سيصنعنا. نشق الدروب رغم التعب بالحب، والله معنا ولن يترنا أعمالنا. </div>
</div>
</div>
</div>
مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-6913036339894878467.post-22175721231019103072019-11-15T15:23:00.001+04:002019-11-15T15:23:46.571+04:00أمومة وحُبّ.<div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
لعيني التي رأت الحياة وخبرتها قبلي بثلاث سنين وثلاثة أشهر، لمن كانت بانية أفكاري وتصرفاتي، لمن كانت شريكة الجنون، وكاتمة الأسرار، ونسختي التي تكبرني -كما يرى بعضهم-، لأختي.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
إلى منظاري الذي رأيت به حين العمى والإبصار، وإلى مشاركتي جنوني وهفواتي حينًا، وزاجرتي ومرشدتي بالنأي عنها حينًا اخر، إلى من شاطرتني أحلامي؛ لا سيما ذاك بأن نكون توأمًا. إلى من أشاركها أطباعي الحلوة والمرة، ومن كان يسعدني أن يقولوا أنني نسخة منها وإن كنت أؤمن أنني لست كذلك. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
قبل سنة من الآن؛ تحولتِ من إضاءة في عيني ودربي إلى نور لا يخفت. أؤمن بالقوة الخارقة للأمهات أبدًا، وأؤمن بك أختًا، فكيف يجتمع هاذان؟ غدوتِ ناضجةً قويةً وقد صارت الجنة تحت قدميك. كنتِ سندًا لي من حيث تشعرين ولا تشعرين، وصرتِ أساسًا لحياة إنسان سيكبر ليكون عظيمًا بك؛ لأنك ما توانيتِ عن العناية به، وكنتِ دائمًا له الأمان والحب قبل الرعاية. كيف أراك وقد كبرتِ فجأة وصرتِ أمًا؟ لا أدري، لم أستطع فهم هذا. كل ما استطعت فهمه أن قطعةً منك صارت تمشي على الأرض، تنهض وتكبو، تبكي وتصرخ وتغضب، ثم تغمر العالم بضحكاتها وسعادتها. بعيدًا عن كل شيء؛ أنت تحتلين قلبي، ثم تأتي نسخة مصغرة منك لتسلب لبّي وقلبي كلّه! كيف يستوي هذا؟ كيف تصوّران لي أن قلبي هو بشر يمشون على الأرض هونًا؟</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
لأنكِ ربّان شغفي ولا أكبر عن هذا أبدًا، علمتني أمومتك أن الأمومة شغف وحب قبل أن تكون وهنًا وهمًّا، أمومتك وحبك لها مهما كلف الأمر لقنني هذا الدرس عملًا، وعلمني أن أكون أمًا عظيمة، وأن صغاري بذرة حب وأمان، وأنهم كذلك بذرة عطاء وإصلاح ما سعيت أنا إلى الإصلاح فيهم ولقنتهم الخير كي يخففوا من سوء العالم، وكي يحيوا بالقرآن ما مات.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
كل لحظة تبتئسين فيها من أتعاب الأمومة كانت تكسّرني، فقط لو أن هذا الطفل المتعِب يدعني أقاسمك وهن العناية به! مقاومتك كل الانهيارات، وضجرك حين تقولين: "أنا لا أعرفه" ثم بعد دقيقة أو ثوانٍ تذهبين إليه لتنتشليه من بين الناس جميعًا، كل هذا يغرس فيّ معنى الحبّ؛ معنى أن لا وسن ولا وهن مع الحب؛ لأن الذي تمنحينه يعود إليك أضعافًا، وإن لم يعد فهو عند الله خالد. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
فلتهنئي يا عزاء بِقرّة عينك، ولتريه يكبر وتعيشي معه ألذ لحظاته الأولى، وكذلك أسوأها، مع دهشة وحب لا ينقطعان. ولتلقنيه الحياة بكل جوارحك، فلن يخفت هذا الشرار ما دمتِ أمه، وما دام يرضع القرآن والقيَم.</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
إلى المهنا ذي العام الواحد،</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
كيف تدمّر كل شيء ثم تنظر تلك النظرة التي تغسل العالم كله من حروبه وقتالاته؟ كيف تحمل قلبي معك أينما ذهبت حتى لا أطيق فراقك مدة؟ وكيف تشتت كل همومي حين أعضك فتضحك؟ كيف استطعت حمل جمال أمك؟ رغم كل الأسئلة التي لا أملك لها جوابًا ولا تملك أنت، إياك وأمك! فإنها أختي قبل أن تكون أمك، فإياك وقلبها!</div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
فلتكن حبيبي بذرة صالحة تزدهر بالحب والأمان، فلتكن صالحًا مصلحًا، فلتكن كل أتعابنا اليوم نسيانًا غدًا بتلاوتك القرآن أو بنشرك الخير أو بأن تسند أمك وتسندني حين يتعبنا العالم. </div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
<br /></div>
<div style="caret-color: rgb(69, 69, 69); color: #454545; direction: rtl; font-family: UICTFontTextStyleBody; font-size: 16px; text-decoration: -webkit-letterpress;">
خالتك التي تحب أمك وتحبك. </div>
</div>
مُزنَةُ خَيرٍ~http://www.blogger.com/profile/06408845062647403306noreply@blogger.com2