ربما أكثر دعاء يتردد على لساني: "يا رب بلغني فرحة صبر وجهاد السنين لأفرح على أرض العراق وترجع لي فلسطين". لا أعرف لمَ أقول ذلك الآن ولكنّ الصخب في داخلي يتعالى حتى كاد يصمني، ولا يرى أحد في مظهري إلا السكون.
بغض النظر عن اختبار الكيمياء الذي ينتظرني في الغد، تشغلني نفسي، إني أعوذ بك يا الله أن أكون كالحكومات العربية التي تتحدث كسراب بقيعة تحسبه الشعوب الظمآنة ماءً، إني أعوذ بك يا الله أن أكون كمن يخشون ذكر كلمة سياسة* حتى لو أُكلَت رؤوسهم، وأخاف يا الله أن أكون من الذين لا يفهمون الأشياء فيتصرفون على هواهم.
في كل لحظة يا رب أسأل نفسي كم عمري؟ لا أقصد سن الثامنة عشر بل كم حقًا يُحسب من عمري؟ أعني ماذا ستذكره عندك أنني نفعت به قبل أن أموت؟ أنا غالبًا لا أجد لنفسي إجابة، فأخجل وأحاول أن أعمل أكثر.
حتامَ نظل نبتئس لسوء حالنا وننسى؟ زيف الجرائد والإعلام، رخص الدم، حِل العرض، وحرمة الحقوق، ألا يكفي أيا قومي؟ أيا شعبي؟ أيا عالم؟ أما ترون علائم النصر تبتدئ تظهر؟ قد مررنا بالبقرات العجاف، وأكلنا السنبلات اليابسات، ولكن هل زرعنا السنين دأبًا؟ وأقول دأبًا ودأبًا ودأبًا، أم نظل نقول طنينًا ولا نرى طحينًا؟
أيا رب، أنت تعلم أننا نجاهد لنزرع دأبًا وسنظل نزرع دأبًا أبدًا، فأتِنا بفجرٍ فيه يغاث الناس وفيه يعصرون، آتِني قطفَ زيتون الأقصى وإعطاءه لطفلٍ صومالي جائع، أنِلني أمان مصر وشربةً هنيئة من نيلها في اليمن، أعطِني جمال المغرب عراقيًا، أكرِمني بهناءٍ عربيٍّ حرٍ عزيزٍ.
_________________________
*السياسة في تعريفها الحقيقي:
(تنظيم أمور دنيا الناس على أحسن وأرفه وجه. وهو ما قاله الله عن رسوله: "وَيَضَعُ عَنهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم") ، وقد نرى في واقعنا ما يناقض التعريف تمامًا ويُسكَت عنه!
-من كناب (واقع السياسة في الإسلام) للكاتب صادق الشيرازي.