السبت، 20 يوليو 2013

هَمسُ قلب في جمعة الحرم ~

صلاةُ جمعةٍ تثلج كلّ ما في الصدر، رغمَ الألم،
في أقل من كيلومتر مربع من المسعى، اجتمعت شتى الجنسيات، هنا جزائريّةٌ وسودانية وتركية ومصرية وغيرهن..! نحن هنا لسنا عرب ولا عجم، نحن هنا "مسلمون"!
ساحاتُ الحرمِ جلّها مفروشة بالبشر، لو سقطت ريشة من طيرِ مكّة، لسقطت على مصلٍ أو سجادة صلاة..! المسعى الذي لا يقف نشاطه سعيًا، اليوم مفروشٌ بالمصلين، حتى صار بين صفوف النساء والرجال ما يقارب القدمين أو أقلّ، كلنا لله، تأملت فُرُشَ الصلاة بشتى أنواعها وألوانها، وتساءلت، هل سيبدلنا اللّٰہ عنها بفُرُش السندس والإستبرق؟ ")
خطيبٌ بارك ربي في حروفه، أثلج الصدور العطشى..
"الصَّومُ فقرٌ، الصيام فقرٌ إلى الله، وفقرٌ إلى ما أعطانا الله"
يكفيني تعريفه للصيام! ")
رواكَ ربّي من كفيّ الحبيب شربةً لا تظمأ بعدها أبدًا كما رويتنا بهذا التعريف..!
يا خطيب، يا شيخ أحمد،*
تعالَ وأخبرهم أنّ الصيام فقرٌ إلى اللّٰہ "(
يا خطيب، أخبرهم،
أرىٰ سكّان مكّة لا يليقون بطهرها، إلا من رحم ربّي من الطاهرين،
يا خطيب، أريد إسلامًا! ولو لم أجده في شتى أنحاء عالمي، تمنيته في مكّة!
لكن... أمات عمر؟ </3
في عزّ حرقة شمس الظهيرة، ما بين الساعة الواحدة والثانية، والحرارة اللّٰہ أعلم ما هي من حرقة لظى الشمس، بعد خروجنا من صلاة الجمعة، سيارات الأجرة ضئيلة، أبي الرحيم يبحث عن سيارة أجرة، يوقفها، يطلب منه إيصالنا إلى سكننا القريب بالسيارة، فيطلب الرجل أجرةً غير معقولة أبدًا! فيساومه "فيتنازل" فيطلب على الأقل خمسين ريالًا سعوديًا! سعر غير معقول البتة! لمَ الاستغلالية؟ أنتم في حرم اللّٰہ وتنقلون المصلين في حرّ اللظى! أتستغلون؟ أتعملون حقًا لله؟
حسنًا، ترفضون نقلنا، لن نرغمكم، لكن نريد أخلاقًا! أن يتوقف الرجل بمركبته وينظر إلى أبي "بنصف عين" (نظرة كبر وازدراء) ليكلمه، ثم بلا رد وبنظرةٍ لا تليق ينطلق مسرعًا بسيارته!
يا ربّاه! ولو كنّا في حاجة والشمس تحرقنا، لا نريد نقلًا الآن، نريد أخلاقًا!
أمسلمون أنتم في حرم الله؟
لم يفعلها سائق أو اثنان، أغلب من وقفوا! ظللنا هناك، نرجو رحمة الله، وأخلاق أهل مكة!
بعدَ طولِ عناءٍ، ولظى غياب أخلاقهم يحرقنا أكثر من لظى الشمس، وأبي مرهق من قبل، حَلِمَ كثيرًا، إلى أن قال: (إن لم أجد من يتعامل معي تعاملًا "إنسانيًا" سأقف هنا تحت حرّ الشمس ولو إلى العصر! أنا لن أركب مع إنسان يستغلني، ولا يجيد التعامل معي! لو لم أجد خيرًا لن أتحرّك من هنا!)
كانَ فؤادي يهمس لي أن اذهبي واصرخي فيهم "أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ"!**
حاشَ لله، ما علمت على أبي من سوء، وليس أبي شحيحٌ، ولا يبخل علينا بريالات يقلنَنا من حرّ اللظى، لكن، أحبُّ هذا الرجل حينَ يتصرّف بحكمة ويعلّمني دون أن يشعر أن أكون كذلك! ولو في أمسِّ الحاجة، لن نُستَغلَّ، عزّة النفس أولى من كلّ حاجة!
دعوتُ من قلبي لذاك الرجل الذي يُساء إليه فيحلم ويجاهد لأجلي وأمي!
ودعوت من قلبي لمواطن يبدو عليه أنه ستينيّ، بسيّارتِه القديمة، مظهره لا يدلّ على شيء من بذخ، لا لشيء، لرحمته بالواقفين تحت حرّ ذاك اللظى، توقف، أخبره أبي، حتى قبل أن يسأل عن المكان قال اركبوا!
أخبره عن المكان، أعطاه أبي مبلغًا معقولًا، تبّسمنا له وودعناه وأغرقناه بالدعوات! 
{فينا خير، فلننفقه ببذخ!}
شكرًا يا خطيب على هذه الدعوة! الصيام دافع للخير، شكرًا لغربتك وبقاء أخلاقك وطيب أصلك أيّها العم، سأسرف لك بالدعوات..!

______
*أحمد اسمٌ مستعار اخترته للخطيب، لطيب ما سمعته منه، أحسسته أحمد!
**[سورة هود: ٧٨]

ملحوظة: أنا ضد ثقافة التعميم، ولا أعمم، فهناك من أهل مكّة الطيبين الطاهرين الذين يعجز اللسان عن وصف جود أصلهم، لكن أتحدث عن بعضهم..

١٠/رمضان/١٤٣٤
#هَمس_سَحَابَة

هناك تعليقان (2):