الجمعة، 15 نوفمبر 2019

أمومة وحُبّ.

لعيني التي رأت الحياة وخبرتها قبلي بثلاث سنين وثلاثة أشهر، لمن كانت بانية أفكاري وتصرفاتي، لمن كانت شريكة الجنون، وكاتمة الأسرار، ونسختي التي تكبرني -كما يرى بعضهم-، لأختي.

إلى منظاري الذي رأيت به حين العمى والإبصار، وإلى مشاركتي جنوني وهفواتي حينًا، وزاجرتي ومرشدتي بالنأي عنها حينًا اخر، إلى من شاطرتني أحلامي؛ لا سيما ذاك بأن نكون توأمًا. إلى من أشاركها أطباعي الحلوة والمرة، ومن كان يسعدني أن يقولوا أنني نسخة منها وإن كنت أؤمن أنني لست كذلك. 

قبل سنة من الآن؛ تحولتِ من إضاءة في عيني ودربي إلى نور لا يخفت. أؤمن بالقوة الخارقة للأمهات أبدًا، وأؤمن بك أختًا، فكيف يجتمع هاذان؟ غدوتِ ناضجةً قويةً وقد صارت الجنة تحت قدميك. كنتِ سندًا لي من حيث تشعرين ولا تشعرين، وصرتِ أساسًا لحياة إنسان سيكبر ليكون عظيمًا بك؛ لأنك ما توانيتِ عن العناية به، وكنتِ دائمًا له الأمان والحب قبل الرعاية. كيف أراك وقد كبرتِ فجأة وصرتِ أمًا؟ لا أدري، لم أستطع فهم هذا. كل ما استطعت فهمه أن قطعةً منك صارت تمشي على الأرض، تنهض وتكبو، تبكي وتصرخ وتغضب، ثم تغمر العالم بضحكاتها وسعادتها. بعيدًا عن كل شيء؛ أنت تحتلين قلبي، ثم تأتي نسخة مصغرة منك لتسلب لبّي وقلبي كلّه! كيف يستوي هذا؟ كيف تصوّران لي أن قلبي هو بشر يمشون على الأرض هونًا؟

لأنكِ ربّان شغفي ولا أكبر عن هذا أبدًا، علمتني أمومتك أن الأمومة شغف وحب قبل أن تكون وهنًا وهمًّا، أمومتك وحبك لها مهما كلف الأمر لقنني هذا الدرس عملًا، وعلمني أن أكون أمًا عظيمة، وأن صغاري بذرة حب وأمان، وأنهم كذلك بذرة عطاء وإصلاح ما سعيت أنا إلى الإصلاح فيهم ولقنتهم الخير كي يخففوا من سوء العالم، وكي يحيوا بالقرآن ما مات.

 كل لحظة تبتئسين فيها من أتعاب الأمومة كانت تكسّرني، فقط لو أن هذا الطفل المتعِب يدعني أقاسمك وهن العناية به! مقاومتك كل الانهيارات، وضجرك حين تقولين: "أنا لا أعرفه" ثم بعد دقيقة أو ثوانٍ تذهبين إليه لتنتشليه من بين الناس جميعًا، كل هذا يغرس فيّ معنى الحبّ؛ معنى أن لا وسن ولا وهن مع الحب؛ لأن الذي تمنحينه يعود إليك أضعافًا، وإن لم يعد فهو عند الله خالد. 

فلتهنئي يا عزاء بِقرّة عينك، ولتريه يكبر وتعيشي معه ألذ لحظاته الأولى، وكذلك أسوأها، مع دهشة وحب لا ينقطعان. ولتلقنيه الحياة بكل جوارحك، فلن يخفت هذا الشرار ما دمتِ أمه، وما دام يرضع القرآن والقيَم.



إلى المهنا ذي العام الواحد،
كيف تدمّر كل شيء ثم تنظر تلك النظرة التي تغسل العالم كله من حروبه وقتالاته؟ كيف تحمل قلبي معك أينما ذهبت حتى لا أطيق فراقك مدة؟ وكيف تشتت كل همومي حين أعضك فتضحك؟ كيف استطعت حمل جمال أمك؟ رغم كل الأسئلة التي لا أملك لها جوابًا ولا تملك أنت، إياك وأمك! فإنها أختي قبل أن تكون أمك، فإياك وقلبها!

فلتكن حبيبي بذرة صالحة تزدهر بالحب والأمان، فلتكن صالحًا مصلحًا، فلتكن كل أتعابنا اليوم نسيانًا غدًا بتلاوتك القرآن أو بنشرك الخير أو بأن تسند أمك وتسندني حين يتعبنا العالم. 

خالتك التي تحب أمك وتحبك. 

هناك تعليقان (2):