الجمعة، 22 فبراير 2019

أيام خفيفة ثقيلة 2

قالت دعاء:
"أنا لن أزيّنَ أمرَ هذا الدربِ لَكْ
كلا ، فعندي مبدأ لا يستبيح مجاملك

عهدي بأني إن سمعتكِ تلحني
أستعظم اللحن الذي قد أوهنك

أصغي وأقضي ساعة من ليلتي
كيف السبيل إلى تبدد مشكلِك

أعهودُ هذا العلم جهد هينٌ 
إن شئتُ قلت بأنه صوت وفك

يومان ؟ سبعة أشهر؟سنتان ؟
ما عدة الأيام  والحسنات لك؟"
أعجبتني حين قالتها، وولت. قرأتها قبل أسبوع مرة ثانية بعد سنتين ونصف، فجلست أيامًا أهذي بها لأنها من أكثر ما عبّر عني أبدًا، شعرت بها حقًا وأنا في موضع المعلِم لا المعلَم. كنت أريد الكتابة، لم أفعل. فجّرتني ماريا الآن، شكرًا لماريا. 

كانت دورة المنتصف الماضية المعنى الحقيقي لاستنزاف المشاعر فيّ. كانت ثقيلة جدًا وهي تمر عليّ؛ لا لصعوبتها ولا لكرهي لها؛ بل هو ثقل الأمانة الذي مهما بذلت شعرت بأنني أبخس الأمانة حقها. لم أكن مثالية؛ أخطأت كثيرًا، حاولت تصحيح أخطائي قدر وسعي، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها. كانت الحلقات جنة ترفرف فيها روحي، صدّقت ندى حقًا وهي تقول أن لذة العطاء تفوق لذة التلقي. كنت أحاول إعطاء كل ما لديّ رغم أنني أقصر في أهلي كثيرًا إلا أن الأمة تحتاج إليّ معطاءة. كنت أحاول توصيل الرسالة رغم أنني لست خير ممثل لها، لكنني أحاول على الأقل. 

كان كل الثقل ينجلي حين أرى وجوه بناتي فينشرح صدري. كان كل شيء يخفّ بخفة ماريا، بطبطبة نور وضحكتها، برقة بيان وتضامنها مشاعريًا مع كل أحد، بسكينة زينب، باجتهاد هبة، ببراءة منار، بمهارة إيمان في الترقيع، بجدية علياء، بلطف أسماء، بعناد الزهراء السعيدية، بتفاني الزهراء الرواحية، بقوة أحلام، بمرح بشرى، بجنون صفية، ببسمة لمياء، بضحكة محفوظة، بهدوء مزنة، بإصرار عهود، بمحاولات العنود، بمشاكسة نوال، بأمل الشيماء، وبدهشة منى. رغم أنني كثيرًا ما كنت أزجرهن؛ إلا أنني في الوقت نفسه أشعر أنني السبب وأنني المقصرة حتى وإن قصرن هن وأغرق أسى حتى تقول لي إحدى المشرفات أنك تفعلين ما عليك. كان كل همّي ينجلي حين تقول لي إحداهن كلمة طيبة لطيفة، أو يتحسن مستواها، أو تعتذر عن خطأ بدر منها عاتبتها عليه. 

إليك،
أنا أعلم مقدار ثقل كلمتي عليك وأنا أصحح لك خطأً مكثتِ عليه سنين حتى صححتِه، ثم عاد فجأة، أستثقل الكلمة قبل أن أقولها لأنني أعرف أنها ستكسر شيئًا داخلك، أنت التي وصلتِ الليل بالنهار لتصححيه. أعلم جيدًا كم هو موجع، وكم أنا قاسية عليك حين أزجرك لأنك لم تجاوبي هذا السؤال، ولم تستحضري تلك المعلومة سريعًا، أعرف كذلك مرارة الشعور وأنت تبذلين كل ما لديك لكنك لا تصلين. أعرف جيدًا؛ لأنني كنت في يوم من الأيام مكانك، كنت أبكي أحيانًا لأنني أبذل كل ما عندي دون أن يظهر أثر جهدي، والناس يحاسبونني على الأثر لا على الجهد. كنت في كل مرة أذكرني بأن علي الاستمرار بقوة، وأن الله وحده هو العليم بجهدي، وهو يجزي به، أنا لا أبذل هذا إلا له ولكتابه، وهو خير وكيل ومعين. أنا حين أقول لك؛ أنكسر قبلك ألف مرة، ثم بعدها مراتٍ أكثر حين يبدو عليك الإحباط أو خيبة الأمل، لكنني رغم ذلك لا أملك تجاوز خطأك ولا تجميله. لكنه القرآن؛ القرآن الذي يستحق أن تبذلي كل شيء لأجله، أن تجبري كل انكساراتك، وتهزمي كل هواجسك، وتتجاوزي كل إحباطاتك لأجله. الله يأخذ بيدك دائمًا، ويعتني بك عناية خاصة إن شكوتِ تعبك له. أخبريه بأنك متعبة؛ وأن كل ما أتعبك هو تصحيح تلاوتك لكلامه. لن يستمر خطؤك طويلًا بعدها، ولا تعبك. أعرف مقدار جهادك لتحصيل العلم وتصحيح الخطأ؛ ذلك الذي يستنزفني ويقض مضجعي وأنا أحاول أن أجد حلًا لك. 

سعادتك بختمك، بتصحيح خطئك، بقوة معلومتك، تشبه كثيرًا سعادتي وفخري بك وأنت تفعلينها. ضعف معلومتك، نسيانها بعد طول بذل عليها، عودة خطأ قد تصحح، استمرار خطأ، كل هذا يكسّرني أكثر مما تتخيلين وأنا أبدو لك بكامل قوتي وربما أزجرك؛ يؤذيني أن تنسي بعدما مكثتِ عليه، يقتلني إحساسي بالتقصير رغم كل ما أقدمه. أريد أن تخرجي مجازة قوية تعطي بقوة دون أي نقص في معلومتك أو خلل وتقرئي فتاة تخرج متقِنة بكل المقاييس. أريدك أن توصلي الرسالة بقوة. 

أعلم جيدًا أنني لم أكن أفضل معلِّم؛ كلما قرأت نصائح للمعلمين أو ذكر عيوبهم حاسبت نفسي ألف مرة لئلا أقصر، حاولت كثيرًا أن أتعلم كيف أعلّم وأكتسب الأسلوب الأفضل، لم أطبّق كل شيء، لكنني كنت أحاول. يكفيني راحةً وأجرًا أن تجاز بناتي بقوة، وأن أرى سعادتهن بالإقراء والعطاء بعد كل التعب والجهد. اللهم البلاغ، والقوة لحمل الرسالة والأمانة. 

هناك 3 تعليقات:

  1. كل كلمة بل كل حرف فيها لامس قلبي ..سلمت أناملك مزنة

    ردحذف
  2. دائماً استعظم لفظه صلى الله عليه وسلم حين قال " خيركم من تعلم القرآن وعلمه"
    لسنا نستوعب الخير الذي يمتد إلينا عقد نلبسها صبح مساء، لسنا ندري كم أن المعلم هو أم رأت ابنها يحبو فحنت عليه تحمله وتدعو له وتبكي عليه فرحا 🌼💝

    ردحذف
  3. ما شاء الله، بارك الله فيك مزنتنا .. كلام عظيم جدًا عظيم����

    ردحذف