الثلاثاء، 19 فبراير 2019

عناية.

سماء زرقاء تظلك، سحاب يعانقك ويربت عليك كل حين وهو يعبرك، طيور تغرد على مسامعك لتطربك، صخر يتلون باختلاف نسب العناصر فيه، فيه جمال أخاذ، جبال رواسي شامخات وأنت تمر كل أسبوع من ذاك الطريق الطويل وتشكو من أن بلدك جرداء، ماء يشق طريقه شقًا بين الجبال والسهول ويحمل معه كل ما استطاع حمله ويقطع الشوارع والمجاري، شمس تدفئك شتاءً وتجعلك تتحرق شوقًا إليها بعد ليل طويل بارد، شاطئ يمتد مد بصرك وأمواجه تنعش روحك وهي تتلاطم لكنها تحدِث صوتًا يستنزل السكينة عليك، كل تلك الأشياء الحسنة الجميلة التي تمر عليها كل يوم. ألا ترى؟

تأوي بعد يوم طويل إلى فراشك متعبًا، تشكو التعب؛ لكنك تنسى أن لك فراشًا ومأوًى ونومًا هنيئًا. تصرخ من الجوع القارص إلى أن تأكل؛ لكنك تنسى أنك وجدت الطعام وارتحت بعد أكله بهضم يسير خفيف عليك. تشتكي من إزعاج الأطفال وتضيق بهم ذرعًا؛ لكنك تنسى أنك تكتئب حين يغيبون وأنهم زينة حياتك وبهم تتخفف من أثقال الحياة كلها. تتذمر مرارًا من ضغط العمل؛ لكنك تنسى أنه يملأ حياتك ويقتل فراغ وقتك ويكسبك رزقًا طيبًا. لديك كثير، لكنك تنسى!

تأكل من رزقه، تظلك سماؤه، يحيط بك دفؤه، يؤويك خلقه، يحتويك عباده، يريك أحسنَ ما صوّر، يعلمك من علمه لئلا تكون جهولًا، يعتني بقلبك حين يُكسَر، يقويك حين تضعف، يحن عليك ويمنّ عليك دون حدّ ولا اكتفاء، تتنفس من النسمات اللطيفة التي تدغدغك، تنشرح نفسك للخضرة والألوان التي يبدعها، يخلق ما تعلم وما لا تعلم تحت خدمتك أنت؛ ولتكون أنت إنسانًا أفضل وأقوى وأحسن، لكنك تنسى كثيرًا، وتقول أن هذه قوتك وعلمك وجهدك، وتقول أنه غير موجود، أو تنسى ذكره -في أحسن الأحوال!-

أما يكفيك أن تتأمل تفاصيل يومك لتحب الله؟ ألا تنظر نظرة الجمال إلى الكون والحياة كلها حولك دون أن تعتاد على الأشياء فلا ترى فيها سوى النمطية والسطحية الحمقاء؟ ألا إن الحياة لها معنى حين تتعمق نظرتك من السطح إلى القلب، ومن الماديات البحتة إلى الروح والغيب، ألا فلتحيَ الحياةَ الحقّة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق