الثلاثاء، 5 مارس 2019

مذكرات طالبة جامعية 12

لا يمكنك الهرب من التعب والثقل الهائل الملقى على عاتقك؛ بل على قلبك. لا يمكنك إنكار ثقل قلبك وأنت تجرجر خطاك رائحًا آتيًا، لا يمكنك إخفاء لمعة عينيك الواهنتين وأنت تزعم أنك بخير وقوة. لن تهرب. بل ستقف، ستعترف أنك مثقل وأنك ضعيف، ستبكي، ستتكلم، ستدعو، ثم تغدو خفيفًا تخطو خطو غزال أو رفرفة فراشة.

مَهلَكة هي الحياة التي تصلي فيها سريعًا دون وعي لما تقول حتى تدرك الاختبار التالي أو المحاضرة التي بدأت وأنت تتأخر عليها لأنك لا تجد وقتًا لركعتين بعدما انتهت المحاضرة السابقة متأخرة متجاهلًا جوعك القارص، مستنزفة تلك التي لا تمنحك ساعة في حضن أبويك، ولا أخرى تلاعب صغارك، ولا غيرها لقراءة كلمتين من كتاب غير كتب الجامعة، ما قيمة الحياة التي أعيشها؟ أين أنا ومن أكون؟ إلى أين سأصل؟ لا أدري. 

ليست المعضلة في عدم الإنجاز بسبب ضعف جسدي أو وعكة صحية طارئة، بل المعضلة المشكلة عدم الإنجاز بسبب الضعف النفسي والوهن. ليس ثمة شعور أسوأ من ذاك الذي يقول لك: أنت متعب، فليكن ما يكون؛ دعك من كل شيء واسترخِ. تعبنا، والطريق الطويل لم يزل في بدايته.. لكننا تعبنا. 

لم يكن يومًا مجال للجندي أن يستلقي في وسط المعركة. هكذا أقول لي؛ لكن ماذا لو قلت أننا لسنا في معركة وأن لي حرية الاستلقاء؟ أخشى الدهس والتقتيل؛ لذلك سأنهض رغم التعب، وسأقاوم. 

تعلمني الحياة ألا أستسلم ولا أضعف مهما جبنت، وأن أقاوم رغم كل شيء. بعد أسبوع مضغوط؛ أصررت ألا أنسحب من مسابقة القرآن الكريم في الجامعة مثلما فعلت لثلاث سنوات مضين (كل سنيّ الجامعة)؛ أصررت أن أبذل ما أستطيع ثم أسمّع لئلا أستسلم. لم يكن تسميعي جيدًا أبدًا، لكنني انتصرت بقوة الله وعونه ولم أنسحب. يكفيني هذا انتصارًا. 

من أخف وأسعد لحظات حياتي تلك التي أختلي فيها في سيارتي المغلقة كل منافذها علي، وأشغل شيئًا أحبه وأغني معه بأعلى صوت دون جمهور؛ ذاك الغناء الذي هو أقرب إلى الصراخ منه إلى الغناء، لكنه يشفي. ماذا رممني اليوم أكثر من صراخي مع الأغنية "واللهِ لا نُهزَم!"؟ 

عيوني تغمض نفسها من الإرهاق المتراكب لأيام، ولكنني أذاكر. كنت أخادع حين قلت بعد أيام طوال وألف اختبار أنني أحتاج إلى النوم أكثر ما أحتاج. الحقيقة أنني أحتاج إلى نفسي. أحتاج أن أستعيد توازني في الحياة وهدفي وشغفي، أحتاج أهلي، وصديقاتي، وكتبي، وحياتي دون أن يمزقني هم اختبار ولا يزاحم وقتي مشروع ولا تقرير ولا مذاكرة. هل يمكن للحياة منحي وقتًا مستقطعًا أستعيد فيه نفسي وأهلي وبيتي وسكينتي وسلامي؟

تخف الأيام الأثقل بالأصدقاء الأخف، بالجمال الذي يسخره الله لنا خصيصًا لنتخفف ولنعلم أن لا بأس علينا رغم كل شيء. تلك التي تقول لي أنها عهدتني قوية وأنها تستمد قوتها مني، وتلك الأخرى التي تتدبر معي آيات نزلت في عمق المعركة؛ لم تدرِيا وهما تلقيان بهذه الكلمات وتمران أنهما زرعتا شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. يسخر الله لنا القوة في دعاء الأمهات وأحضان الأصدقاء وضحكاتهم ونكاتهم. يسوق لنا الخير سوقًا ويصنعنا على عينه رغم كل شيء. يا رب الصناعة والرعاية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق