الأحد، 10 يناير 2016

مهمتك.

العلكة التي علقت في حذائي لم تجعلني أُحرج وأنا أمشي بين الناس بحذاء يصدر صوتًا حين يعلق في الأرض فحسب؛ بل جعلتني أُحرج من مشيي بين الناس ومهمة الإنسان تصدر صوتًا وهي تستغيث من تعلقها بقاع حذائي؛ بل ربما تعلقها بدرك الإنسانية. 

فصل الله كل أحكامه تفصيلًا عميقًا لم يكتفِ بذكر الأوامر فيه بل ذكر أخلاقيات وقصصًا تجبر من تأملها على التخلق بأدق تفاصيلها، استقى المسلمون تعاملهم وحياتهم من نفح الله فأثاروا الأرض وعمروها حتى فاضت أنوارهم، تساهل المسلمون فيها فانقلبوا على أعقابهم خائبين. كلام مستهلك كثيرًا ما سمعناه من ذوي اللحى الذين ما إن سمعناهم يتحدثون حتى أعرضنا إلى سبيل آخر لكثرة ما كرروا علينا القصة التي حفظناها كما حفظنا ألف باء، كان المسلمون مثاليين فأضاؤوا، صاروا متخاذلين فانهاروا. هل أدركت أن القصة تدور حولك أنت؟

الخمس دقائق التي تأخرتها على صديقك وأنت تذكر أنه سيلتمس لك عذرًا -إن كان مؤمنًا-، النعل الذي خلعته أمام الباب تمامًا وأنت تحدث نفسك أن لا بأس؛ لن يغلب المصلين نعال يتجاوزونه ليدخلوا المسجد! الطعام الذي هونت على فطرتك أن القطط الجائعة ستأكله حتمًا من حاويات القمامة، النوم الذي ما عدت تفكر باستغلال أفضل لإجازتك منه، الكيس الذي ألقيته في الطريق وأنت تذكرك أن هناك أناس يعتمد رزقهم على جمع هذه القمامة فتخشى أن تقطع رزقهم، الكلمة التي لم تلقِ لها بالًا، الأحاديث التي لا تفكر يومًا في فائدتها، لامبالاتك في الحفاظ على بيئتك، أنت باختصار؛ لا أدري كيف خطر على بالك أن تكون متأكدًا جدًا أنك خليفة الله.

"إني أعلم ما لا تعلمون"، أكد الله للملائكة أنه يعلم ما لا يعلمون، يرى أبعد مما يستطيعون، قال الله لهم أنك أنت "قد" تكون أفضل من تصورهم عنك، أنك لا تفعل شيئًا سوى سفك الدماء والإفساد، لا أدري إن كنت حقًا حققت ما منحكه الله لتكون أفضل من تصور الملائكة. لا أدري إن كنت ذا جدوى؛ لا أعني الجدوى الاجتماعية ولا الاقتصادية، أعني تلك التي جعلك الله فيها؛ "إنا جعلناك خليفة في الأرض". 

لم تكن مهمتك بذاك الثقل الذي تتصوره، لم تكن كتصور أبيك عنك أنك ستصبح طبيبًا وأنت لا تطيق رؤية قطيرة دم بل تنصرف عنها إلى قوانين الهندسة أو الشعر، لم تكن إلا عيشك بمستوى أرقى من السطحية التي تعيشها بشغف الأكل والنوم، كانت مهمة الخلافة مرتكزة في قيامك بما تحب وبما يفعل الناس العاديون بنور ونهج رباني، أن تفعله بفكر أكثر رقيًا لتعمرَ الأرض كما أراك الله ولا تكون للمفسدين خصيمًا. هلّا أزلت عني أذى العلكة العالقة في حذائي وتجاوزت البهيمية إلى الحياة التي خلقك الله لها؟ 

"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ () أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ."

هناك تعليق واحد: