الأحد، 15 نوفمبر 2015

هبة في وطن.

أنا هبة؛ ربما ترى من عينيّ أنني أفغانية، لا تعجب إن رأيتني أرتجف وأغمض عينيّ عند صدور أي صوت مفاجئ؛ هذا طبع لم أدرِ أسبابه وحلوله، أمي تقول أنها تعلم سببه؛ تلك القنابل في القصف العنيف الذي كنت أسمعه وأنا ألتقم ثديها الذي لا يسكت جوعي بل بكائي، لم يكن صدر أمي يدر الحليب، كان يدر الأمان ولا شيء غيره، ذاك الصدر الذي كان يدثرني بالأمان ويتدثر هو برعب حياة المخيم، وقرص البرد، وعضّ الجوع. عمومًا، أنا هنا الآن سعيدة، طفلة لا ينقصني شيء أضحك في وجه السلام الذي يحتضنني، ولا أشعر بالغربة والمهانة التي يشعر بها والداي.

عمري ككف يدي، امممم لا لا! سامحني نسيت أنني كبرت قبل شهر وعام ليصبح عمري سبعًا، أنا كبيرة الآن إلى حد أستطيع العناية بإخوتي الصغار، وإلى حد أنني أقرأ وأصلي. الصلاة؛ تلك الطمأنينة المغشّاة المكبوتة في بضع حركات وأقوال، هي أقوال تهز جبالًا وترفع أممًا لو وُعيَت، ولكن من يعي منهم؟ أسجد لتحضتنني الأرض حضنًا لا أحتاج بعده إلى شيء، لم تكن الطمأنينة في الحضن الأرضي بقدر ما كانت بالذكر الذي أقوله فتشتاق روحي للسماء فتطير! أحب الصلاة وأحب اللعب مع أقراني، ولكن أحب سعادة الصلاة أكثر.

نسيت أن أصرح لك أننا نعيش الآن في بلد آمن مطمئن، الناس فيه يحبون بعضهم، أبي يعمل في مكان كبير لا أتذكر اسمه، المهم أنه يعلّم الطلاب الذين يحملون الكتب، أراهم يجدّون حين أخرج للعب لأننا نسكن في بيوت مبنية داخل مقر عمل أبي مخصصة للعمال الوافدين، لا أدري لمَ تنزعج أمي من أننا وافدون وتشعر بالضيق كلما ذكر أحدهم ذلك؛ نحن سعداء! ووطننا الذي لا أعرفه سوى ببكاء أمي وطبطبة أبي يشبه هذا البلد أو ربما يكون هو! أمي تقول أننا سنعود، وأن الحرب سيتوقف، وأن السلام الوطني حق لن تموتَ حتى أناله وإخوتي، أمي تأخذها عاطفتها وتحن إلى أهلها هناك، أما أبي فلا يبدي لنا إلا الصلابة، ولكنني رأيته مرةً في الليل يبكي ويردد اسم الوطن، لم أفهم ما يعني ولكنني أراه للمرة الأولى بذاك الانكسار.

أخرج عصر كل يوم لأذهب لتعلم القرآن الذي أستمتع كثيرًا بتعلمه مع رفقائي، نحاول التعلم بسرعة حتى نلحق على اللعب قبل غروب الشمس، أمي يذكرها الغروب ببلدنا فتسرح إلى حد أنها لا تسمعني حين أحدثها. المهم أن السيدة السبعينية العربية التي تعلمني القرآن فخورة بي هذا الأسبوع لأنني أخيرًا -وبعد عناء وزمن- استطعت نطق الصاد كما ينطقها العرب، وأنا سعيدة لأنني سأقرأ القرآن قريبًا بإذن الله كما أنزل على النبي الذي أحب!

يقولون أن عينيّ حلم المصورين، وراحة المتعبين، ولكن لمَ لا يرون في عيني كل واحد منهم ما يرون في عينيّ؟








___________
مستلهمة من:


هناك تعليقان (2):

  1. أشكرك على هذا التدوينة المميزة
    بارك الله فيك

    ردحذف
  2. مُزنة يا مُزنة ماذا أقولُ في هذا النص
    تُبهريني وأندهش في كُل سطر

    أفخر بك ❤️❤️❤️

    ردحذف