السبت، 26 ديسمبر 2015

أنت القوة، صديقي الثانوي.

كنت أقول لغدير وعائش قبل الثانوية: لا تخفن ولا تهولن الموضوع، ولا تستمعن لمن يقول "صعب"، مناهج الثانوية أسهل بمراحل عما قبلها ولا أحد يستطيع الإنكار، ولكن الشعور ووعارة الشعور وقسوة الشعور هي التي تفترس الساحة فتقول صعب. واعلمن أنكن ستمررن بأيام تتمنين فيها ورقة شجر يابسة كهدية كي تشعرن بالحب والتحفيز وتدفعكن إلى بذل المزيد، الثانوية تحتاج إلى قوة نفسية هائلة أكثر مما تحتاج إلى مذاكرة وبذل. تأثرت بغدير قبل شهر تأتيني لتقول: "مزن أتذكرين مرحلة ورقة الشجر اليابسة التي حدثتِنا عنها؟ لقد بلغتها الآن."

"الثانوية لا تعني الموت"، عبارة قد قلتها في البداية بينما كانوا يضحكون علي ويقولون سنرى من سيكررها في النهاية وبعد ظهور النسبة والدرجات. مرت سنة صعبة عجِفة وكررتها في النهاية بكل قوة. الثانوية ليست موتًا، ليست كما يضع بعض الأهل أسوارًا حول أولادهم في الثانوية لكي ينجحوا بنسبة مرتفعة، ليست كما هددني أبي بسحب مكتبتي إلى نهاية الثانوية لأنني أنشغل بكتبي أكثر مما أنشغل بأي شيء آخر، وليست كما كان إخوتي يزجرونني كل يوم لأنني لم أغلق هاتفي في الثانوية ولا لنصف يوم حتى أذاكر، وبالطبع ليست كما طردني أخي من مجموعة البيت في الوتس اب لأنني ثانوية، وليست حتمًا كما يصرخ أحد علي إذا رآني خرجت من قوقعتي "روحي ذاكري أنتِ ثانوية"؛ ليست كما قبلت الأخيرة كإهانة لا كنصيحة بحب أو برغبة في مصلحة. 

"الثانوية لا تعني الموت"؛ عبارة قد قلتها ومثلتها واقعًا في حياتي لسنة مضت، كنت أذاكر وأخرج وأتنزه وأقرأ وأعيش حياة عادية، أراد أبي سحب مكتبتي لئلا تشغلني عن المذاكرة فأقسمت إن أُخذت مني كتبي ألا أذاكر، وحدثوا أمي لتسحب مني هاتفي فأقسمت كذلك إن سُحب مني ألا أذاكر، أنجزت بمنة الله أعظم إنجازات حياتي في أيام الثانوية رغم أن كل الناس كانوا ضدي وضد مشاركتي فيها ولكنني أثبتُّ لهم أنني أستطيعُ التوفيقَ بين دراستي ومذاكرتي بتفوق وحياتي الخاصة وإنجازاتي.

صاحبي الثانوي، أحدثك عني وعن ثانويتي لأنني حديثة عهد بالتخرج منها،
تعبت من المذاكرة؟ تعبت من شعور التعب؟ وتعبت أنك تتعب من كل شيء؟ يقولون لك كثيرًا أنك "نفسية"؟ يكثرون عليك الاتهام بأنك "دلوعة وحساسة" لأنك دائمًا متنرفزة لا تحتاجين إلا إلى نصف شرارة لتنفعلي وتغضبي وتبكي؟ تشعر أن الوقت يداهمك ولا تستطيع التركيز في غمرة الغرق بين المعلومات؟ تكثر عليك الكوابيس التي تجعل ما تذاكره يلتهمك؟ ترى نفسك وجبة شهية لتُشتَق أو لتتأكسد وتختزل أو ليهضمك أنزيم أو لتصبح أحد الطاقات المتجددة؟ هون عليك يا صاحبي، لا بأس عليك.

هوّنها يا صاحبي تهُن. اعلم أن الثانوية يا صاحبي أكبر مدرب لك لتصبح ناضجًا مسؤولًا، واعلم أن الثانوية يا صديقي أول المصاعب وأن الحياة ليست هينة سهلة، لكنها بعد حرب الثانوية تصبح في عينيك أنت هينة سهلة وبإمكانك التغلب عليها ما دمت تغلبت على البداية الصعبة. احلم وأسرف بالأحلام، لا بأس أن تعد عدًا تنازليًا حتى تنهي هذا "الجحيم" -في عينيك على الأقل-، لا بأس أن تتوتر وتكثر من الشخبطة في أوراق المذاكرة أو الصراخ ما دمت وحدك، لا بأس أن تعلن أنك تعبت، ولا بأس أن تبكي، لكن الأهم من هذا كله؛ أن تقوم قويًا تذاكر وتحارب وتجتهد وكأن شيئًا لم يكن، وكأنك لم تُخلق ضعيفًا فالله أمدك من قوى الكوكب كله. 

الثانوية يا صاحبي حرب، تعلم منها الخدع الحربية التي تعينك على النصر. لا تبتئس إن أخفقت مرة أو أتيت بدرجة أدنى مما توقعت بكثير، خذها تجربة واستفد من خبراتك لتصبح أقوى وأكثر تفوقًا؛ فالضربة التي لا تقتلك تحييك. أكثر من الطعام الصحي لكيلا تنفخ عقلك بالهواء فينفجر وقت الاختبار ولا يخرج سوى الهواء، بإمكانك استبدال البطاطس بالمكسرات، والمشروبات الغازية أو "السنتوب" بالعصائر الطازجة، وبإمكانك استبدال الحلويات بأطباق فواكه؛ لكي تبني عقلًا قويًا كُل صحيًا. نومك يا صديقي لا تعتدِ عليه مهما كنت مضغوطًا ولم تنهِ مذاكرتك، حافظ على ساعات نوم لا يقلن عن أربع؛ نحن لا نريدك أن تقضي وقتك تذاكر ثم يأتي الاختبار لينهار كل شيء فيك لأنك لم تنم. لا تكتفِ بالحفظ أبدًا، افهم ثم ركز ثم ركز ثم ركز، ما من شيء قد يضيع عليك حياتك ويخربها عليك كنقص التركيز، قد تكون ذاكرت بأفضل ما يمكن، ولكن فقدان التركيز قد يودي بك إلى مهالك لم تتصور يومًا أنك ستبلغها. ريّح نفسيتك، الخوف والتوتر طبيعي، لكن عدم التغلب عليه ومقاومته وهزيمته ليست طبيعية أبدًا، وإني أخشى عليك أن يقتلك خوفك وتوترك فلا تؤدي حسنًا بسببهما! 

وردك القرآني هو الذي يفيض على مذاكرتك ويومك وتركيزك بركة، لا تضيع بركة يومك بتضييعه. لا يكفيك وردك لتتذكر دومًا القرآن، ضع لك لوحًا في مكان مذاكرتك تعلق فيه عبارات وصور تحبها تحفزك، أكثر فيها من الآيات مثل "واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" ، "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين" ، "قال ستجدني إن شاء الله صابرًا"، وغيرها كثير، والعبارات التي تحبها وتشجعك للوصول إلى هدفك بقوة، وبالتأكيد لن تبخل على تدليع نفسك وإسعادها بأبسط المكافآت التي تسعدك، وكذلك عاقب نفسك بمنعها عن أشياء تحبها إن لم تنجز. 

حاول ألا تبالي وهم يشبعونك بكلامهم السلبي، وهم يضايقونك بالإكثار عليك من أوامر المذاكرة، حاول أن تحيل مشاعرك إلى حجر وأنت تُصدَم بدرجاتك وأنت قد أهلكت نفسك بالبذل، حاول أن تجعلها حجرًا حين تقرر مع كل خيباتك أن تفتش عن موضع الخلل وتصلحه وتعيد الاجتهاد والبذل وكأنك لم تُصَب بخيبة وكأنك لم تتعب أبدًا، فقط كن قويًا اليوم في الثانوية، وستكون قويًا أبدًا بإذن الله. الثانوية بوابتك إلى الحياة وهي التي صنعت مني شخصية قوية تقاوم بعد الثانوية، فاستغلها ليصنعك الله على عينه بها. أسعد نفسك بنفسك ولا تنتظر من أحد هدية لتغدو أقوى، ابنِ سعادتك وعمّرها وأزهر روحك بيديك وقلبك. تذكر أنك بعد فصل ستذوق شعور التخرج ثم ستمضي سعيدًا في أروقة جامعتك بإذن الله، هوّن على نفسك، هوّنت على نفسي كثيرًا بها وأنا اليوم أتقلب في نعيم جامعتي. 

أعلم يا صديقي بأن حديثي مفرط الإسهاب لم يجعلك تمل لأنك تحتاج إلى أبسط كلمة تدفعك لتكون قويًا، وتحتاج إلى شخص يشعر بك كي تحس بالأمان. أعلم يا حبيبي أنك تمر بأيام صعبة عجاف قاسية وأنك تحتاج إلي فيها، لذا أنا أذكرك في دعائي أكثر مما قد تستطيع التصور حتى. كن قويًا حبيبي وقاتل، فما الحياة إن لم تكن حربًا وجهادًا؟ 



________
إلى صديقاتي الثانويات، عائش، غدير، إستبرق، تذكار، ريم، أصيلة، رحمة، موزة، نورة، خديجة، أنفال، وإلى تلك القوية التي تدهشني بقوتها وهي تحارب لسنتين، وإلى كل من تذكرت ولم أتذكر وعرفت ولم أعرف.

هناك تعليق واحد:

  1. صديقتي مُزنة ،
    أكتب لك بعد أيامٍ من قراءة تدوينتكِ ، أو رسالتك بمعنى أقرب (التي كانت استجابةً لـ"هل من رسالة حِبٍّ أستعين بها على سقامي؟ فقد تشفي الرسالاتُ)
    أتشوّق كثيراً لليوم الذي أكون وإيّاك في نفس الجامعة، لنتبادل الحديث عن نعمة الله وفضله في تبدل الحال ، كما تُسمينه : نعيم جنّة بعد شقاء جحيم"
    رغم أنني كنت أحب المدرسة ولم أطلق عليها جحيماً ، لكن الثانوية تكادُ توصلني لهذا ، ربّما كنتِ كذلك أيضاً؟
    أتعرفين.. من أنواع المواساة أن يُخبركٍ أحدهم أنّه عاش في نفس ظروفك الصعبة.. ظروف الثانوية صعبة إلى حدٍ يتطلب مواساة يومية. أو على الأقل جرعة مركّزة من التحفيز أسبوعياً..
    كما قلتِ تماماً إنها تحتاج طاقة نفسية أكثر من أي شيءٍ آخر.
    ولأنّ الطاقة لا تأتي من عدم ، أنا أستمدّ الطاقة (الالهام بمصطلح ملائم أكثر) منكِ ، ومن كل أحد يشبهك في ضخّ الالهام على الناس.. شكراً مُزن.
    آآه هناك همّ كبير على شكل "كتاب هذا وطني" ينتظرني.. سأعود إليه وأتحلّى بالصبر بقدر المستطاع. ولا أحتاج أن أوصيكِ بالدعاء أعلم أنّك لا تبخلين ..
    كوني سعيدة وقريبة.

    ردحذف