الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

هاك ذا الحجةِ فانتعش!

أيْ صاحبي الذي ما اكتفى بمكانه قط، الذي ما عكف على شيءٍ حتى ارتقى إلى ما سواه علوًا، أي صاحبي الذي أُحبُّ، هاك عشرًا فاستحوذ على كنزك فهذا الاستحواذ يحبه الله.

هل من طفلٍ يرفضُ حلوى -أعظم شيءٍ في عينيه- فلا يستهزأ به؟ أتمر عليك أيام كهذه ولا تستغلها؟ مالي أراك تسرح مليًا فيما لا يسمنك ولا يغنيك من جوع؟ ألم يأن لك أن تخشع لذكر الله وما نزل من الحق ولا تكون كالذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم؟

الناس يا صاحبي أصناف، منهم من اختار لنفسه الحيونة أو أدنى منها حين هوى بهواه، ومنهم من اختار السدى لنفسه، ومنهم من بذل واجتهد بلا مقصدٍ إلا نجاح دنيوي دنيء، ومنهم من كان ذكيًا ليدرك أنه خليفة الله في أرضه، فعمر الدنيا والآخرة واستلذ بهما فكان خيرَ الخلق؛ كن الأخير رجاءً.

يا صاح، عشر ذي الحجة وصلت تمامًا كما كنت تخطط لها وتمني نفسك ليلة عيد أنك إذا بلغتها ستري الله منك ما لم يره في رمضان -حسرةً على تفويتك ما مضى-؛ فماذا سيرى منك؟ لا تقل لي أنك تجاهد تحت الشمس الحارقة، لا تتخذ حججك -المستمدة من نفسك والشيطان- درعًا تصد به كل خاطر يدفعك إلى الطاعات، فقط كن قويًا بما يكفي لمواجهة كل هذه الأشياء بقوة، الحياة حربٌ والركب يسبقك، أتتفرج مشدوهًا؟

لا تستبسط أي معروف صاحبي، تحملك الصيام على حرارة الشمس وتتالي الدروس، جهادك لئلا تنعس وتنام في درس لأنهم حين دفعوا لك دفعوا لتدرس لا لتنام أو تراسل أصدقاءك، تعثرك بالحصى وإزاحته عن الطريق، ما بقي من عظام لقِطٍّ، إفشاء السلام لمن لا تعرف لأن الله جعلكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا وتسالموا، ابتساماتك في وجوه الغرباء، كونك لطيفًا رغم كل الهموم والأعباء، قبلة على رأس أمك، مداعبة لطفل، صدقة لا يعلم عنها أحد، كلمة طيبة تكتبها وتنشرها -لا تلقي لها بالًا-، أوتحسبه هينًا وهو عند الله عظيم؟ 

صاحبي، أبوك إبراهيم حين نادى للحج قبل قرون لا تحصى كان في صحراء قاحلة يؤمر بأن يؤذن للحج، أولم تفكر أنه ربما كان يشعر أنه أحمق حين كان ينادي في وسط لا مكان ولا أناس؟ أولم يكن له من الأفضل أن يصمت ولا ينادي لأن لا أحد سيسمعه على أية حال؟ هو كان موقنًا بالله والله معه، هو نادى والله أرسل له آلاف أجيال بعده كلهم أفئدتهم تهوي إلى اللامكان الذي نادى فيه. أي شك يعتريك؟ أوتظنك تبذل وتتعب وتوقن ثم يضيع كل شيء هباء في لحظة غباء؟

ذو الحجة يا صاحبي رحلة لروحك، لم يكن مجرد شهر عادي تتهافت فيه النساء على السوق للتجهيز لعيدٍ لا أدري بمَ يفرحن فيه إن لم يفرحن بالعشر، لم يكن زيادة أيام تذهب هباءً في تقويمك لتقطّع ورقها منه بلا أي شعور، هي تلك الأيام التي تكتشف فيها نفسك لتسكر سكرات الموت وأنت تنزع جزءًا من روحك حين نزعت ورقة من يوم فائت، إنها رحلة تفتّح عينيك على الحياة لتعرف أنك أنت الخليفة، أنت الإنسان، أنت الذي خلقه الله ليسعد ثم يدخله الجنة.

كبر الله كثيرًا في هذه الأيام، كبره عن تفاهاتك، كبره عن المزاجات السيئة التي تعتريك، كبره عن كل ذنوبك وهفواتك، كبره عن الدروب الموحشة، كبره حتى عن سعاداتك ولذاتك، كبره عن العالم، كبره وعظمه تعظيمًا نابعًا من روحك، شاهده في كل الكائنات حولك هو خالقها، وانتعش!

هناك تعليق واحد:

  1. بسمة امل رغم الالم18 سبتمبر 2015 في 9:15 م

    جمييل...بااارك الله في قلمك،،،
    ونفع بك الامة،،،

    ردحذف