الاثنين، 21 سبتمبر 2015

#مذكرات_صعيدية_منتزقة ١



كنت منذ شهرٍ قررت أن أكتب طويلًا عن الجامعة ويومياتي فيها، عن جمال تعويض الله لي فيها وعن لذة الحياة وإنجازها، لكنني أيقنت أن الكتابة لا تأتي بالقرار، بل بالإلهام الذي يلقيه الله علينا أنى شاء.

أنا طالبة صعيدية في جامعة السلطان قابوس، أنا تلك الصعيدية التي تصر على اسم الصعيدية رغم معاداة الناس له لأنه يطلق عادةً على الطلاب الجدد في الجامعة دلالةً على جهلهم مستشهدين بقوله: "لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم."، ولكن لماذا لا ندرك أن الصعايدة المصريين هم أذكى الشعوب وأكثرهم إنجازًا؟ وأن الصعايدة هم أكثر الناس اختراعًا وخدمةً للناس؟ نعم أنا صعيديةٌ وأفخرُ أنني كذلك. أدخلني الله الجامعة لأنجز وأتحرك وأخدم العالم؛ وسأفعل.

بدأت الجامعة باستكشاف طرقاتها وأزقتها التي أعرف معظمها، بالشفقة على الفتيات اللاتي يمشين في ممرات الذكور جهلًا، بالمكوثِ في أقرب الأماكن إلى القلب، وبالمشي مع من اخترت أن ألازمَ طويلًا، والتأمل وحدي أطول. باشرت أسابيعي الجامعية بحب ولذة لا يراها أي طالب جامعي، بنشوة الحب والتعويض عن الذي لم ألقَه عمرًا.

أنا الغريبة التي لا تنزعج من الخروج في عز الظهر إلى مكان تحبه، أنا التي أطيلُ الجلوسَ في حديقةِ العلوم الفاتنة في عز الظهر وحره ولا أشعر بشيء سوى النشوة، أنا التي لا تزعجها الوحدة في الممرات، ولا تتعب من الغرق في المكتبات، أنا التي تبحث عن منفذ للفرح فتجده دائمًا يلازمها ملازمةً تشبه الشمس للظل، أنا النضرة التي تفتّحت على الحياةِ ينعًا.

صديقتي ابنة أختي التي تصغرني بسنين أربع، وصغاري أبناء إخوتي هم خسارتي الوحيدة في المدرسة؛ تلك المدرسة التي لم أشتق إليها ولا أود رؤية أي وجه فيها سوى زميلتي وأبناء إخوتي. حين تحكي لي ابنة أختي بحرقة أيامها في المدرسة، وحين بكت يوم تخرجنا وهي التي لا تبكي، وحين تترجاني لزيارتهم كل يوم بل كل ساعة، هناك تبدأ خسائري في الشروق. حين أجد في ممرات الجامعة وردًا وشجرًا وطيرًا كثيرًا مبهجًا ولا أجد أطفال أخي يهدوننيه كل صباح، هناك تكون خسائري حارة في كبد السماء لا ترجو أفولًا.

على كل حال؛ الجامعة العالم الثاني الذي أغوصُ فيه فأغرق غرقًا يحييني، العالم الكبير الذي كثيرًا ما يحسن احتوائي، سواءً جمعني بصديقاتي وجميل اللقاءات في الطرقات، أو مشيًا وحيدةً بين الأزقة أضع سماعاتي وأسمع ما يفتّح عينيّ على العالم، تلك السعادة.

تقول أختي عني أنني مثل "تيلتابيز"، تلك الرسوم والدمى التي كنا ندمنها صغارًا، حين تخرج من مأواها مع شروق الشمس وتعود عند غيابها، كنت أضحك وهي تمازحني بقولها، هي صادقة على أي حال، ولكنني أستلذ بوضعي، أحب غروب الجامعة، وأحب جهاد حضور المحاضرات في أقصى حالات عدم الاستطاعة، والمشي طويلًا ظهرًا والشمس تقسم ألا تدعني حتى تعييني، لا بأس، غدًا -بإذن الله- تحنو على أكتافنا عناقيد الجنة.

أكثر الأيام مشقة مر، ذاك اليوم الذي أبتدئ فيه من الثامنة صباحًا وأنهي دروسي في السادسة مساءً، ذاك اليوم الذي تُعدُّ له العدة والعتاد ويُتسلح له بشتى الطرق، أقول دائمًا لصديقاتي: صادقن فتيات من السكن الداخلي وستعشن براحة وسعادة أبدية.

أنا التي أنظر إلى الشمس في كل حين فأرى شمس نهضتنا تبزغ، وأرى الممرات الطويلة فأرى إيناس الله وتسهيلاته العظمى لنا، وأرى الحدائق وأسمع الطيور فأرى جمال الله فيها، الخالق البارئ المصور مجمّلُ الحدائق ومجمّل الحياة في عينيّ. أرى إلى المرآة فأراني ولكن أرى طبيبة مصلحة كاتبة مناضلة في قضايا أمتها، أمًا عظيمة، وأشياء أكثر. أرى في عينيّ ميلاد النهار. سنكون -بإذن الله وحده- يومًا ما نريد.

هناك تعليق واحد:

  1. حبيت أذكرش انش تو تمشي ف ممرات الشباب بكل ثقة و سعادة 😭😭😂😂😂😂

    ردحذف