الثلاثاء، 7 أكتوبر 2014

فرح عيد أو شتات عيد. ٢

حين كنت في ربيعي التاسع؛ استنكرت جدًا موقف جدتي حين رفضت أن تلبس ملابس العيد لوفاة رجل غريب لا تعرفه ولم تلقه في حياتها! ربما عددته نوعًا من أنواع الاستهانة بالعيد واستجلاب الأحزان والكآبة وربما حتى الحماقة! -وأستغفر الله على غباء اعتقادات الطفولة-؛ كبرت لأرجو أن أقبل رأسها إلى أخمص قدميها. أنا لم أكن أعرف كثيرًا عن الرجل الغريب سوى أنه حاكم دولة عربية تحبه صديقة أختي وتمجد أفعاله ويذكره أبي وأمي في أحاديثهم، كبرت وعرفت أنه كان عظيمًا من عظماء التاريخ، وأنه كان يرفض الظلم ويقول لا، وأن عقله عقل عربي حر يرى المذلة كفرًا. كبرت وتيقنت أن العيد لم يكن ليكون عيدًا بلا حرية وفكر وعقل وعقيدة، العيد ليس عيدًا حين تكون العقول نسخًا مكررة مستعبدة، تمجد ما يقول بعض المسؤولين تمجيدًا إلهيًا ولو كان ظلمًا وهضمًا لحقهم، تعودوا الخضوع لقولهم وتقبيل رأس المسؤول بعد أن يصدر قرارًا في ظلمهم فينفذونه فورًا. أعتقد جازمة أن العيد لو كان إنسانًا لانتحر؛ من شدة ما فرط المعيدون في معاني العيد الروحانية وجعلوه لباسًا وزينة والروح جاهلية.
عمومًا، مرت ثمان سنين على رحيل شهيد الوطن، ونحن لا زلنا كما نحن نتغنى بالحرية ونتراقص بها ووجودها الحقيقي يكاد ينعدم إلا في أغانينا. أنا حقًا أرجو أن أكون مثله لأقول لا للظلم، ليكون فكري فكرًا عظيمًا ينير الأمة، لأكون بإذن الله استنهاضًا للمجاهدين المبدعين الخاملين في أمتي. لا أريد أن أقول فيه كلامًا مستنسخًا يقوله شعراء الرثاء، لكني حقًا حين آتي للحديث عنه يلجم لساني وأخرس! 

ربما أحب العيد لأني -أحاول وعسى أحقق- أستشعر معانيه الحقيقية، أنه وجد ليوحد فرح الأمة، وليكون هدية بعد جهاد العبادات، ليكون المسلم سعيدًا بما أنجز من عبادات وبحال أمته، فيتزين ويتطيب ويلبس الجديد ويخرج مسرورًا ليرى العالم -في حدود الحلال-، أنا لم أستطع أن أفهم حقًا لمَ يفرح أولئك الذين لم ينجزوا شيئًا من عبادات، أو أنجزوا والروح خاوية ليستدلوا بخواء أرواحهم بأن يرتكبوا ما حرم تحريمًا مباشرًا في يوم العيد! لمَ يفرحون؟ ربما كما يقول إخوتنا المصريون "بيضحكوا على خيبتهم" .

قالت امرأة حين كانت تقدم الفتيات الصغيرات لتحنيهن على الكبار أن العيد الحقيقي عيد الصغار لا عيدكم الزائف. قالت وصدقتها أنا. لا أدري كيف نفرح فرحًا مبالغًا فيه حين نكون أطفالًا، ثم نكبر فنفقد معاني الفرح تدريجيًا، ربما كان يلزمنا أن نفرح أكثر لأننا ننجز أكثر ونعبد أكثر -على حسب تقديري-، لكننا لا نفعل. جاهدت هذا العيد لأفرح أكثر من أي شيء. لأترك شعور الخواء في روحي في أيام العيد مهما كان الوضع لا يساعدني. قلت سأفرح. وحقًا فعلت.

في اختلاف رؤية الهلال وتفاوت الأعياد، يظهر عقل الفتى الحقيقي، فمنهم من يهزأ، ومنهم من يفرح، ومنهم من يتكبر وكأنه قد أتاه كتاب موحى من ربه يقول له اليوم عيد وأنت أعقل إنسان قد خلق وهاك مفتاح الجنة. فإن أردت أن تقيس عقل الفتى؛ فالعقل عين العقل أن يعتقد أن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأي غيره خطأ يحتمل الصواب، فيكون الحق عنده بنسبة ٥٠٪ ولدى الآخر بنسبة ٥٠٪ ؛ فيكون عاقلًا متفتحًا رزينًا ولو اختلف مع الناس، ولا يظن -بحماقة- أنه أوتي مفاتيح الجنة. لذا فأي إنسان لا يتقبل رأي إنسان ويهزأ من عقليته أو رأيه، فاعلم أنه هو الذي لا يفهم فقه الاختلاف ولم يكتمل عقله بعد. ولنأخذ درسنا من الإنسان العالم الذي سئل في أي يوم عيد؟ فجاوب جوابًا شبهته في مشهد، كمثل الطفلين المتشاجرين واحتكما إلى أبيهما لإقرار أيهما أذكى وأنبه، فقال لهما أنت أذكى وأنت أذكى فرضي الاثنان، ولم يكن الأذكى إلا الحكم الحكيم العاقل.

عمومًا، لا زلت أفرح بكل عيد، لكن العيد الحقيقي الذي سأفرح به بإفراط هو عيد حرية العقل المسلم حرية تامة تلحقها حرية أراضي العرب وسمو راياتهم. يا رب أرجوك اجعله قريبًا.

هناك تعليق واحد: