الثلاثاء، 28 أكتوبر 2014

ثرثرات لا تهمكم ٤

قبل أيّام، قيل لي أن عرفينا على نفسك أمام ملأ، وقفت؛ قلت لهم اسمي وأني في المرحلة الثانوية ومكان سكني، ثم وقفت بصمت ثم قلت: ليس عندي ما أقول بعد! هذا كل شيء! بين أضلعي كان شيء يؤلمني أنني لم أفعل شيئًا يستحق الذكر! حين قلت هذا كل شيء؛ ردت إحداهن قائلة: وناشطة لقضية فلسطين أيضًا. فلم يسمعها أحد، أعادتها، وأنا أنظر إليها وأقول: فلسطين تخجل أن يذكر اسمها بجانب اسمي، لم أفعل شيئًا.
في الأيام الأخيرة؛ كلما رآني أحد ضحك وقال جاءت أم فلسطين، ربما بسبب الرسائل التي كثيرًا ما أرسلها عن أخبار القضية ومتطلباتها، ولكن أظل أصغر في نفسي كل يوم أكثر، أعني؛ من قال أن رسائل تحرر فلسطين وتحل القضية؟
كلما أثير مجلس وكان أحدهم يعكف على حل أمر بسيط عقده هو بنفسه، ملّ الناس تشبيه "كأنه يحل مسألة فيزياء" واختاروا التشبيه الجديد "كأنه يحاول حل قضية فلسطين"، هناك يضحك المجلس كله وأبتسم أنا ابتسامةً صفراء أموت عندها ألف ميتة.
من قال أن العرب -الذين يقولون أن فلسطين سقطت لابتعاد أهلها عن الدين وهم وحدهم من سيعيدها- سيعيدون فلسطين؟ من قال أن العروبة وسم على صدر كل عربي أيًا كانت دولته وحدوده؟ من قال أن العرب لم يعبدوا الدول والحدود والحكام بل عبدوا الله؟ من قال أن تحرير فلسطين على يد العرب؟ من قال؟
عمومًا، جاء عام هجري جديد، عام استقبلته بفرح تعقبه حمى، ربما كان الفرح بسبب الأناس الذين يهدونني فرحًا كل حين، أو لأنني استقبلته بإهداء ممضى من صديقة الذي هو كتاب في فلسطين. أما الحمى فأظنها كانت الأجدر بي؛ لأن عام قد مر ولا شيء يذكر قد حققت، أدعو أن أكون نسمة من نسمات القدس يومًا.
أقبل العام الجديد وجميعهم يوصون بمراجعة مخططات العام الماضي وإعداد مخططات العام الجديد بأهداف مرسومة محددة، مع بالغ الأسف لم أطبق مخططًا ثابتًا في حياتي. أنا فقط لا أتفق مع المخططات والجداول المرسومة، أهدافي وجدي يكفيني، لكن هل أنجز؟ فلأتأرق عامًا لأجيب عن هاتين الكلمتين.
أعتقد أن أكثر شيء يربط على قلبي ويجعلني صامدة حتى حيني -ولا أقصد مدح نفسي ولا أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء- ؛ هو أنني أحاول قدر المستطاع أن أسعد إنسانًا على الأقل كل يوم. تخيل مدينة تضحك يتنافر حزنها منها أنت سببها! تخيل أن إسعاد الناس هي عمارة الأرض التي خلقك الله لأجلها، فلتصدق أن إسعاد إنسان وتغيير نفسيته إلى الأفضل قد يرد حسنات كل عمل صالح يفعله إليك! لأن لولا إسعاده لطغى عليه حزنه ويأسه ولما أفاد ولا عمل شيئًا، ألم تتخيل بعد؟ بلى إن سعادتك تعمّر العالم وتزهره؛ لا تفارقها! 
أعتقد يقينًا أنك لن تعيش حياة هادئة وديعة إلا إن سفهت كل ما لا تحب في عالمك؛ بإمكانك تجاهل الكلمات المؤذية التي تسمعها، إما لأن من تفوه بها سفيه لا يستحق مثقال ذرة من اهتمام، أو أن من تفوه بها لا يقصدها بل يخاف عليك، أو أولًا وأخيرًا: أنت لا تستحق الضيق وكلمة لن تغير مجرى حياتك بالتأكيد! فعلامَ تعكر زرقة السماء؟
جرب يومًا أن تستغني عن إحدى الثانويات من حاجاتك لتضحك سن محتاج -أيًا كان الأمر-، جرب ألا تأكل لأنك تشتهي طعامًا بل لأنك تبني به نفسك لتجتهد أكثر، جرب أن تتجاوز مرحلة الأكل والشرب والنوم إلى مرحلة النفع، أقسم لك أن حياة البهائم ليست ممتعة كما يتراءى لك. أظن أن الأنعام حين تموت تبقى في حفرة مظلمة كئيبة لا متعة فيها، تخيل أنك عشت لتنفع فمت لتجد قبرك جنة ومرتع فرح، ألا يبدو ذلك أكثر متعة؟
بلى إنك مخلوق لتتعب، "يٰا أَيُّهَا الإِنْسٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلٰقِيهِ" ! ستشقى وتشقى ثم تلقاه، أفيكون شقاؤك طعامًا ونومًا أم تعمير أرض استعدادًا للانتقال إلى الجنة؟ فلتكشخ للقائه!
في النهاية والبداية، لن تعمر روحك حقًا إلا بالتنفس بشيء كهذا "وَاصْبِر فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيْعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِيْنَ"! .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق