السبت، 4 أكتوبر 2014

فرح عيد أو شتات عيد.

ما العيد؟
لم أجد تفسيرًا مناسبًا للعيد، حاولت أن أفهمه منذ صغري فلم أستوعب! فإذا قلنا مثلًا أن العيد هو العيدية التي لطالما تقنا إليها وأرقنا الشوق لتجميعها؛ فهي سرعان ما تتلاشى بشراء الحلوى والألعاب! وإذا افترضنا أنه الأهل فلا أظنه سيكون صحيحًا، فابنة عم أمي التي هي في مقام خالتي وأبناؤها الذين منذ أن طلعنا على العالم ونحن نعهدهم إخوتنا وهي أمنا الثانية، ويجمعنا العيد في الشرقية في بيت الجبل والضاحية* والفلج والدكان، ها قد فرقتنا الدنيا، وكبروا وكبرنا ولم نرهم منذ صغرنا. وأبناء خالاتي الذين كنا وإياهم نملأ بيت جدتي -أول العيد- ضجيجًا بلعبنا ومرحنا حتى تتأذى منا جدتي، قد صيرت الدنيا عالمنا إلى عوالم شتى فأصبحت أمضي العيد وحدي مع الكبار. وإذا حاولنا أن نقول أن العيد مكان فربما يكون خطأ، لأن العيد فرحة أينما كانت. ولا حتى يرتبط العيد بالحلوى أو اللحم؛ غير العرب لا يفعلون ذلك ويسعدون بالعيد.
أظن تعريف العيد الحقيقي هو الشعور الداخلي بالفرح مهما كانت الظروف أو الأقدار، هو أن تتبسم ولو لم تستطع الابتسام، وأن تتفرح ولو لم تستطع الفرح، هو أن تكون الأمة كلها في يوم العيد ابتسامة مع غمازات لطيفة، وسلامًا داخليًا ينتشر مع النسيم. أظنه أصدق تعريف للعيد! 
لسنوات طوال كان العيدان والهلال ورؤيته وهله موضع خلاف وجذب وارتخاء، فمنهم من يحتفل بالعيد ومنهم من يؤخره ومنهم من يصلي العيد ومنهم من لا يفعل، لطالما تميزت دولتي عُمان بعيدها؛ لأنها تترصد الهلال بدقة ولا تتبع تقويم أم القرى، فيصبح الناس في عيد ونحن في صيام، حتى يصبحون ثاني أيام العيد فنعيد نحن. لن أخوض كثيرًا في الموضوع، لكن ما أردت قوله الآن هو أنني في العيد الماضي اقتبست تعريف العيد من كتاب وحي القلم للأسطورة الرافعي رحمه الله ووضعتها صورة عرض:

ما أريد قوله يكمن في أن شيئًا ما من أساسيات العيد لا يتحقق! "فيكون يوم الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمة الواحدة في ألسنة الجميع". اختلفنا ولنا حق الاختلاف وهذه سنة الله في الكون والبشر، ولكني أعترف أنني عامًا بعد عام أفقد فرحة العيد أكثر، وأكتسب شعور التشتت أكثر. لم يعد عيدنا يومًا معروفًا يتراقص فيه الصغار طربًا وتتعالى فيه ضحكات الكبار وينتشر نسيم حلوى العيد وتزهو ألوان اللبس الجديد، بل أصبحنا ما بين معيد اليوم ومعيد غدًا! فأنا إن افترضت أنني أريد أن أفرح بالعيد مع صديقتي التي هي جارتي، قد أجدها وأهلها لا يعيدون اليوم بل غدًا بسبب الخلاف الواقع، فأفقد جزءًا من فرحة العيد معها، وجزءًا من فرحة عيدي أنا بذاتي؛ لأنني أقف فأشك في عيدي أهو عيد أم يوم يسبق العيد! أنا أشعر بالشتات حقًا. يا رب لطفًا بالمشتتين.
أكان عيدنا نصف ابتسامة صفراء مزيفة لأن نصف الأمة تعيد غدًا لا اليوم؟ أم أن حقيقة عيدنا ابتسامة مزهرة وغمازات لطيفة؟ أظن أن محاولتي للتبسم والفرح بالعيد رغم جراح الأمة شبه ناجحة، أما أن نتشتت حتى في عيدنا ولا نفرح معًا فهذا كفيل أن يجمع فيّ شعور الشتات الذي لو وزع لكفى العالمين أجمع. لا أعرف ما أقول بعد. يا رب اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.

هناك تعليق واحد:

  1. هكذا الحال حقا حينما تتشتت الأمة يصل الحال لأن تختلف في أعيادها

    يارب اهدنا الصراط المستقيم وأصلحنا وأصلح بنا ~

    ردحذف