الأحد، 23 ديسمبر 2018

مذاكرات طالبة جامعية 9

من مكتبي الأزرق إلى مكاني المفضل عند المدخل في المكتبة الرئيسة إلى الطاولة الصفراء في مركز التعلم الذاتي، من مذاكرة إلى صلاة إلى مذاكرة إلى أكل إلى مذاكرة إلى نوم، من الطاقة الحرة إلى الخلايا الجلفانية إلى المادة الوراثية وتغييرها وإدخال الجين المراد إلى المادة الوراثية لبكتيريا أو فطر أو فيروس أو إنسان، إلى الحسابات المعقدة الطويلة للتأكد أن النظرية الموضوعة صحيحة، إلى الجرانيت والرخام والبراكين والزلازل وحركة الصفائح، هنا نعيش ونبني ونسقط وننهض ونتعثر ونركض، هنا حياة الجامعة. 

بين قولي لخولة: أشعر أنني أصبحت أراكن أكثر مما أرى أهلي، كأننا نعيش هنا -في المكتبة- سويًا. قالت: طبيعي، أنا أرى إستبرق أكثر مما أراني. وبين ميعاد التي تبحث عن أديب كتب عن الاختبارات، وبين الفرحين بالتخرج والفصل الأخير، وبين البادئين اختباراتهم والمنهين بعد يومين والمنهين بعد أسبوع والمنهين بعد أسبوعين، والمتساقطين من زحمة المكتبة وحياة المذاكرة إلى راحة الإجازة، وبين خروجنا من الصباح ورجوعنا قبيل منتصف الليل، وبين الذين لا يريدون مهما تعذبوا أن يتخرجوا لئلا ينتقلوا من الزحمة والتعب اللذيذ إلى الفراغ الموحش، هنا نحيا. 

رغم سأمي من كثرة النظر إلى حلقات المادة الوراثية (البلازميدات) للكائنات المختلفة وكيف ندخل عليها الجين الذي نريد وكيف تنمو وكيف نجعل هذه العملية اقتصادية لإنتاج كم كبير من المنتجات في وقت قصير بأقل التكاليف، ورغم دوران رأسي وأنا أتلو عليه إشارات تغير الطاقة الحرة والقصور الحراري والمحتوى الحراري، ورغم تفكيري كل صباح ألف مرة في جدوى نهوضي من السرير؛ يبقى كل هذا تعبًا جميلًا لذيذًا. ما قيمة الحياة دون العلم؟ ما قيمتها إن لم أرد أن أستيقظ إلا لأنفع نفسي أو أضرها؟

شعار المرحلة الذي أردده على نفسي ليل نهار "واصبر نفسك"... ما قيمة هذا كله إن ضعفت نفسي ولم تصبر ولم تلحس العلم لحسَ من لا يجد سوى أن يلحس؟ سنكون مع الذين ما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا، والله يحب الصابرين. 

رغم كل الصعاب، رغم بعدي عن أهلي جميعًا، يظل الله ينعم علينا بألطافه؛ المتجسدة تارة على شكل أصدقاء، وتارة على شكل نوم مريح، وتارة على شكل عقل واعٍ. يظل الله المعلم وحده الذي إن شاء علمك وإن شاء أمسك عنك المعلومة التي رددتها مليون مرة فطارت عنك في جزيء من الثانية، يظل أبدًا الافتقار إليه وإلى تعليمه إيانا هو السبيل الأخف والأكثر راحة واطمئنانًا والأسمى غاية. 


نحن اخترنا ألا نكون عبثًا ولا نكون رقمًا مهملًا، نحن اخترنا أن ننهض بأنفسنا وبأمتنا، وألا نكون زبدًا يذهب جفاء أو غثاء كغثاء السيل، نحن اخترنا أن نمكث في الأرض بنفع العباد، وأن نطلب العلم إلى اللحد. نحن اخترنا التعب اللذيذ، وصبرنا، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق