الجمعة، 22 أبريل 2016

#مذكرات_صعيدية_منتزقة ١٠ ؛ طالبة جامعية إلى النور.

آه بدأت أتخفف أخيرًا، حضرت الدرس الأخير من دورة  هذا الفصل، ما إن أنهيته حتى طلبت صديقتي الأخت مساعدتي، هرعت إليها إلى الاستراحة، ساعدتها، بدت متعبة، استرخت على حجري، قالت: لم أذاكر لأنني تعبت وبكت كثيرًا. أوقعني الله هنالك لأتذكر أنني لم أتخفف حقًا بل كنت أهدئني عبثًا وأمثل علي، قمت أهدئها بالأشياء التي كنت أهدئني بها، هدأت بعد وهلة وقامت أقوى. 

ماذا قلت لها لكي تتخفف ولم يخففني؟ أكثر ما أتذكره أنني قلت لها: "والذين جاهدوا فينا..." وطلبت منها أن تكمل فقالت بصوت متقطع "لنهدينهم سبلنا."، ثم أردفت أنك تجاهدين فيه وحده قبل أن تجاهدي لدراستك أو لنفسك أو لأهلك أو تخصصك، إذا حضر الله فيك لذ كل مر وطاب، وإن أحسنّا العمل والظن أدهشنا.  

ذبولي الذي يسأل عنه كل من يقابلني فأتعلل بالإرهاق لم يكن إرهاق نوم عابر، بل هو ثقل جاثم على صدري لا يرضى النزوح. هاجس الأحلام والأهداف والضباب في الطريق، الكوابيس التي تطاردني يقظة ونائمة، كله أتغلب عليه بإذن الله لأن الله لا يكلفني ما لا أطيق، ولأن العبرة بالخواتيم، فلا منطق في أن أعتصر طول الفصل ثم أجف وقت الحصاد فيسكب زيتي هباء.

قيل لي مرارًا أن مواد الجامعة غير المدرسة، وأنها برغم تشابه الدروس وتكرارها إلا أنها أكثر رتابة في الجامعة نظرًا لتغير اللغة عن العربية، واختبارات المدرسة قمة في اللطف والحنان مقارنة باختبارات الجامعة، وأن الذي ينحط بدرجاته في أول فصل طالب طبيعي والأمر صحي تمامًا ولا داعٍ للجزع، فقط هي صدمة الفصل الأول في الجامعة ومواد الجامعة. كذبت وصدقت بين الشك واليقين، وما إن خضت في الأحياء التي أعشقها حتى ذبت رغم أن استمتاعي بها قل عنه في المدرسة بالعربية، لكنه ظل قائمًا هو والولاء الأحيائي فيّ. بعد اختبار الأحياء الأول صعقت رغم سهولة الاختبار وتجاوزت وبذلت روحي وجسدي واستنزفتني كلي للاستعداد للاختبار الثاني متجاوزة كل ما قصرت فيه في الأول السهل الذي صعقتني درجته، وإذ بالثاني رغم قوة العدة له واليقين بالله يكتسحني كما فعل مع كل الطلاب غيري، تبلد، إحباط، عدم رغبة في المذاكرة أو شم رائحة المادة، رغبة في الاستسلام والانسحاب من الحياة لفترة غير وجيزة، كل ذلك حاربته بصمت وقوة وأنا أرى الطريق يتناثر عهنًا منفوشًا، لا بأس علي سأكون أقوى. 

علمني الله بانكساراتي التي تزداد كلما بذلت أنه يريد أن يصنعني بظروف أسوأ حتى يزيد فرحي بالفتح بعد انسداد الأبواب جميعًا على وجهي، علمني الله أن الجامعة لم تكن سفرًا قاصدًا أركب فيه خيلًا فاتنًا يوصلني على نسيم بارد إلى مبتغاي، علمني أنها أيام قد أذوق فيها القحط والعطش والجوع في لفح صحراء وحدي، علمني أنه يسد علي بالظروف ألف باب أستاء لانسدادهم ثم يفاجئني بانفتاح ملايين غيرهم، علمني أنه أعطاني من كل ما سألته وما لم أسأله من التسخيرات والقوى لأجاهد وأتجاوز كل عقباتي، لكنني بعجزي أغمض عينيّ عنها وأتعلل بكرف الجامعة وسوء الظروف، علمني أنه اصطفاني وطهرني حين وضعني في موضع جهاد ورغبة في العلم نفسه لا رغبة في تسجيل الحضور المادي فقط وعدم الاهتمام بالفهم أو المذاكرة، علمني الله أنني وحدي قادرة على سبك أحلامي ذهبًا أو نحاسًا أو طينًا أو روثًا وأنني الوحيدة التي أرسم لي ما أريد ولا أحد سواي بإذنه. علمني أن أتيقن به وأحارب ثم أكتفي بالاندهاش من معجزاته. 


{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 41 ) لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( 42 ) }

هناك تعليقان (2):

  1. مزن الخير
    الإنكسارات تعلمنا أن نكون أقوى💙
    ستكونين يومًا ما إنسانًا رائعًا يحتذى به في الأحياء بإذن الله.
    أثق بذلك

    ردحذف
    الردود
    1. تصنعنا على عيني الله :")
      يا رب صيرني! شكرًا ندى 💙

      حذف