هَمْسُ سَحَابَةٍ ~
صَوتِي أبلَغ مِن أنْ يَكُونَ عوْرة.
السبت، 3 أغسطس 2024
المزلزلون.
الاثنين، 11 سبتمبر 2023
رزق واسع.
أبهى مفاخرك، وأبهج أفراحك قد يخفت بريقها عندك يومًا بعد يوم. مع الرتابة وقلة الحمد وسُخف الرضا، تتحول أقصى أماني الفاقد عندك إلى كبش سمين للشيطان حتى يبصّرك بذبول ما عندك وحُسن ما عندهم، ولا تدري أنت المسكين أنه يعميك ولا يبصّرك حين يرفع وجهك ويمد بصرك إلى غيرك، وأنه يضع على عينك غشاوة التطلع وعلى قلبك ختم السخط. أنت لا تشعر أنك ساخط، لكنك بشغف غبطة الآخرين لا تقدّر الحلوى التي ما نالها أبوك إلا بعرق جبين أشهر بينما تنظر إلى تنعّم أولاد المدرسة بها كلّ يوم مع المسك والعود! قتل الإنسان ما أكفره!
فراغك أقصى منى المشغول، شغلك أقصى منى الفارغ، امتلاؤك أقصى منى الفارغ وفراغك أقصى منى الممتلئ. "قد وزع الله بين الخلق رزقهم لم يخلق الله من خلق يضيعه"، لكنك تغفل عن رزقك الذي تتعدد أشكاله وتمد بصرك إلى شكلك المفضل للرزق عند زيد وعبيد اللذان بدورهما يتمنيان شكلهما المفضل للرزق عندك، لا أنت رضيت ولا زيد رضي ولا عبيد، ولا نظر أحد منكم إلى امتلاء كأسه بالرزق -متعدد الأشكال- حد الفيض! ما أكفره!
﴿أَلَم تَرَوا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ وَأَسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً﴾، لم يستثنِك من الرزق المغدق والنعم السابغة، ﴿وَإِنّا إِذا أَذَقنَا الإِنسانَ مِنّا رَحمَةً فَرِحَ بِها وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَت أَيديهِم فَإِنَّ الإِنسانَ كَفورٌ﴾!
الأربعاء، 12 أبريل 2023
هُوَّة الفتور
تمشي في مناكب الأرض وفي جوفك قرآن يسعدك، تمشي، فتسقط فجأة في غيابة جب مظلم لا قعر له، تستمر في السقوط وأنت تدرك سقوطك وتصرخ وتحاول التشبث بكل ما حولك، ولكن دون جدوى! الظلام يزداد، والقعر يتلاشى كلما سقطت أكثر.. تحاول التمسك بخيط ضوء فلا تستطيع الإمساك بشيء، تهوي دون سيطرة مهما حاولت التصرف.. تستسلم للهوي في لحظةٍ ما، تكتشف أن شيئًا ما مات في داخلك مهما حاولت استحياءه، "إنك لا تسمع الموتى"، ولكنني كنت أحاول ألا أموت يا رب!
الأربعاء، 22 فبراير 2023
سكاكين التردد..
تقرأ قراءةً حلوةً عذبة، تقف عند الكلمة الأولى لتعيدها، تتجاوز الآية، تقف في وسط كلمة أخرى لأن الحرف الذي مرت عليه لم يعجبها، تتردد وتكمل، يبدو أنها تقاوم جيشًا من الأفكار التي تقرئها في داخلها وتقول لها أنك لم تلفظي هذا جيدًا وهذا الحرف صفته ضاعت، دون أن تنبس شيختها ببنت شفة! كيف تغلبها الشيخة التي بداخلها وتصب عليها هذا الكم من الأوامر والنواهي؟! المصحف الأخضر نفسه، والطبع نفسه، والأماكن تتشابه، والزمن تغير!
أي مقدار من الصراعات تعيشها تلك التي ترتل ترتيلًا مجودًا لا أحسن منه، وتقاوم سيولًا جارفة من الخواطر؟ تستجيب لها مرة وتتجاهلها مرات، تعيد وتزيد.. كأني بها وهي تقاوم الصخب بالهدوء، مواجهة وجهًا لوجه، دون أن يبدو عليها أثر الصراع كثيرًا.. لكنني أعلم، لأن هذه أنا قبل ست سنين!
بنيتي، إنك إن خضعتِ لما تمليه عليك أفكارك تعبتِ.. ما أحسن تلاوتك! وما أحسنك مجاهدة ساعية! لا تقطعي حبل حسن أدائك بسكاكين ترددك، قولي لنفسك: هلّا سكنتِ وأفسحتِ للأنس والأمان مكانًا في قلبك بدلًا من تضارب الأفكار التي تقول لك أن ذا وذاك خطأ وهو يسري على قلبي عذبًا سلسبيلًا سليمًا حسنًا؟ لا أخفيك أنني كنت مثلك تمامًا، تقرئين وتترددين وتنازعين نفسك وأراني فيكِ جالسةً أصارع نفسي وأنا أقرأ أمام شيختي، ثم ما لبثت السكينة أن فارقتني إلى أن أنزلها الله ومنّ عليّ مرة أخرى، فوجدت الأمان في قلبي، والإتقان في تلاوتي، واكتشفت أن أكبر أعدائي الذي يدمّر تلاوتي هو نفسي المترددة الوجلة! هلّا استجلبنا السكينة بعيدًا عن كل الهواجس؟
يدي بيدك حتى نأخذ الكتاب ونصل بقوة، بتلك القوة التي تنبعث من دواخلنا باستشعار فضل الله علينا ومدده بالسكينة، وبأن أن نثق أكثر؛ لا بأنفسنا الضعيفة فحسب، بل بالله الذي وهبها ولم يقطع عنها إحسانه طرفة عين، فهل ننظر بأعين بصيرتنا إلى فضل الله ونستمسك به بقوة؟ أم نفسح للشيطان أفئدتنا ليغزوها بالتردد والشك والضعف؟ هلّا أخذتُ بيدك لنصل بقوة؟
السبت، 4 فبراير 2023
ابنتي القرآنية شيخة!
اقترب الختم يا بنيتي! ها قد كبرتِ وزاد اعتمادك على نفسك في تصحيح الأخطاء، بدأتِ تدركين أكثر وتميّزين، ويطمئن عليك قلب أمك أكثر بعدما كان ينقبض بشدة عند كل خطأ، صارت تلاوتك عذبةً سلسةً باردةً على قلبها، وبدأت تثق وتطمئن على عينيك الحذرتين وأنتِ تحدرين بسلاسة ورشاقة، ولا يكاد يتأذى قلبها بلحن إلا وتتداركين فيقع استدراكك بردًا وسلامًا على قلبها..
الاثنين، 1 أغسطس 2022
ماء بارد على الظمأ.
مضى زمن بعيد مذ سِلتُ في نص، اشتقت فيه إلى نفسي أكثر من شوق أحدكم إلى نصي. لم أستطع الكتابة تارة، وأردت الفيضان ولم أجد وقتًا له حتى جفّ ما وراء السدّ، لكن الله الباقي باقٍ، وإبقاؤه الأشياء رغم قحط الأرض من بقائه، فالحمد لله.
السبت، 20 نوفمبر 2021
لا يشقى بهم جليسهم.
لا تجد ظلًا يؤويك من شدة رمضاء الحياة، ولا دفئًا يكفيك بردها، إلا قرب أهل القرآن. أولئك الذين رؤيتهم تشرح الصدر وتمسح على القلب، أولئك الذين تلاواتهم معانيها أبلغ في قلبك من أجود القراء، وتدبر معهم يحييك دهرين. أولئك الذين لن تعدو عيناك عنهم وإلا زاغ بصرك وضعفت همتك وسرت إلى الله أعرج مكسورًا، أولئك الذين يجبرون الكسر ويشدون الأزر ويأخذون بيدك وقلبك إلى البرّ طوعًا أو حتى كرهًا، أولئك هم أهل الله، هل تفرط في أهل الله وأنت ترجو قرب الله؟
في صحبتك للقرآن، رحلة النعيم التي تشعر فيها جيدًا بهالات النور من حولك، وتكاد تلمس بيديك اللذة التي لم تجدها في أي شيء آخر. في رحلة تجويد القرآن وإتقانه، في رحلة التدبر التي لا تنتهي إلى آخر نفَس منك، في رحلة حفظ القرآن -المشقة الألذ-، كنت تشعر وأنت تحقق كل نجاح في هؤلاء أنك تعلو على كل انتصارات الحياة الدنيا التي حققتها من قبل، تفوقك في علوم القرآن يسمو على تفوقك في تخصصك، وفرحة عرسك القرآني يوم ختمك تتخلل كل خلية في جسدك، لم تكن كفرحة عرس زواجك. ستدرك في قلبك معنى "هو خير مما يجمعون" حين تتحسس قلبك فتجده سعيدًا في قرب القرآن وأهله أكثر من أي سعادة أخرى في الدنيا. لا يدرك هذا إلا مجرب، فهل تجرب وتذوق؟ ومن ذاق عرف، ومن عرف غرف واغترف واستسقى واستنهل ولم يكتفِ ولم يشبع حتى آخر رمق منه، لا من القرآن ولا من أهله.
رحلة القرآن لا تخلو من التعب والنصب، ولكن.. ما قيمة التعب مقابل النور الذي تقتبسه؟ ما قيمة كل الأشغال والملاهي التي تركتها لتشتغل بالقرآن وهي لحظية فانية ما تلبث إلا أن تنتهي دون أثر يُذكَر؟ بينما الوقت الذي قضيته مع القرآن خالد إلى يوم القيامة، والقرآن سبقك إلى قبرك ليكون مؤنسًا ورفيقًا حانيًا يوم تفقد الرفقة وتتعود الوحدة -تعوّد الذي لا حيلة له إلا التعوّد (إلا مع القرآن)-. ما قيمة الفناء أمام البقاء؟ ما قيمة الأصحاب الذين سيقولون لك يومًا ما: "انظرونا نقتبس من نوركم" لتقول لهم: "ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا"؟ تلك اللحظة التي يظلم فيها الكون وتنيره أنت بالقرآن الذي بين جنبيك، وأنت فرِح أن حسبتك كانت صحيحة هذه المرة ولم تفرط في حياتك ولم تقل "يا ليتني قدمت لحياتي" لأنك قد قدمت من زاد النور ما يكفيك لتنجو اليوم -إن أخلصت وتقبلك الله-. ما شعورك الآن وأنت تمسك مصحفك بمنأى عن العالم لينجيك يوم لا ينجيك إلا نورك؟
يوم تضيق بك الأرض بما رحبت، تأتي آية لتتردد في داخلك دون سابق طلب أو إنذار لتجدها تمسح على قلبك جبرًا، وتجدها ترشدك وتهديك إلى ما احترت طويلًا دونه، وتجدها تبني شيئًا تجهله في داخلك. في رحلتك مع القرآن، كلما مررت بآية وجدتها تحدث خدشًا في كل مساوئك وأخطائك، ثم مع كثرة الخدوش ومع إطالة احتكاكك بالقرآن، تجد أطباعك السيئة تتصدع وتتحطم واحدًا تلو الآخر، لا تجد في داخلك مكانًا لود ولا سواع ولا يغوث ويعوق ونسر، كل الأوثان -التي ظننت أن النبي صلى الله عليه وسلم هو آخر من هدمها- لكن رأسك مملوء بها، تلك التي تنصاع إليها أكثر مما تنصاع لأي شيء آخر، سيهدمها القرآن إن أطلت صحبته. هو الذي يعلمك ويزكيك ويطهرك ويجعلك إنسانًا أفضل في كل مرة تقرر ألا تفلته من يديك وأن يكون هو النور الذي يدلك على الحياة، يربّيك ويهذّبك في كل مرة تسيء فيها التصرف فلا يردعك أم ولا أب، ينمّيك ويطهرك، ويجعلك ترى وتبصر كل شيء بنظرة واقعية عميقة ذات بُعدين (دنيوي وأخروي)، ويكفّ عنك السطحية المقيتة حين ترى الأشياء بظاهر من الحياة الدنيا وأنت عن العمق غافل!
في الرحلة التي لن تنتهي ما ثبت قلبك ونبت في هذا النور، أنت بخير عظيم، وفرقان مبين، ونور على نور، أنت عميق النظر بعيده، أنت قويّ عزيز بعزة كتاب الله، أنت رحيم برحمة القرآن للعالمين، أنت إنسان صالح يصير أصلح كل يوم، وأنت مُفلح!