السبت، 3 أغسطس 2024

المزلزلون.

نحن المترفون في بيوتنا الباردة صيفًا الدافئة شتاءً، الممتلئة خزانات مطبخنا وثلاجاتنا بشتى أنواع الأطعمة التي تكفينا لأشهر، ورغم ذلك نطلب طعامنا من المطاعم ما نشتهي، نحن الغارقون في النِعَم حد النسيان والغفلة، تزلزلنا أخبار الشهادة زلزالًا شديدًا، أما أولئك المجردون من أبسط نعمة عندنا، الذين باعوا ديارهم وأموالهم وأهليهم وأنفسهم والله اشترى، قلوبهم راسخة رسوخ الجبال، لا يجزعون كما نجزع لفقد أبسط نعمة، وهم قد فقدوا كل شيء، شتان شتان!

مرت أكثر من ثلاثمائة يوم والدم النازف هو الدم، والجوع هو الجوع، والقهر هو القهر، والفقد ينزف أكثر من الدماء التي غمرت كل شبر من أرض غزة، أما نحن فقد نسينا واعتدنا المشهد وعدنا لحياتنا وقلة حيلتنا، واستندنا إلى هواننا على الناس فما عدنا نستنكر ونشجب، وهو ما كان أضعف من أضعف الإيمان. أهان علينا العضو المشتكي فلم يبالِ الجسد به؟

صقلت شدة الابتلاء قلوب المؤمنين في غزة فصارت ذهبًا لامعًا، تكاد تبصر بعينيك وتلمس بيديك نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم وهم يجاهدون في الله حق جهاده، أما نحن فلم نذق طعم البلاء المزلزل ومللنا من بلائهم، تعبت أجسادهم من شدة الابتلاء ولم تستكن أرواحهم ولم تضعف ولم توهن، فمن أحق بالأمن؟

يصبّر الصائم نفسه ويمنّيها بعدٍّ تنازلي لأذان المغرب لأنه موقن بالفِطرِ بما يحب ويشتهي، ويعلم لذلك أجلًا مسمى فيهون عليه تعبه وجوعه، أما المزلزلون في غزة فلا يعلمون لصيامهم موعدَ فِطر، ولا حتى موعد شهادة حتى يرتاحوا من شدة البلاء، ولكن تثبتهم كلمة الله: "فاصبر إن العاقبة للمتقين". 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق