الخميس، 25 سبتمبر 2025

عام من الغيث 🌧️

 كنت أظن أن الأمهات يبالغن حين يقلن إن مولد أبنائهن غيّر الدنيا في أعينهن وتوردت قلوبهن وأزهرت حياتهن، لكن -ويا للغرابة!- بدا أنهن لم يكنّ يبالغن أبدًا.. 


"أحبه حب الشحيح ماله
قد كان ذاق الفقر ثم ناله" 
وصف أعرابي حبه لابنه فصاغ ما في فؤادي، يهب الله الآباء أبناءهم هبةً، لا عطاءً مستحقًا، ولا بجهد بذلوه، بل هي هبة خالصة من الله، تزهر قلوب الآباء بهذه الهبة كما لا تزهر بأي شيء آخر، وتهبهم عمرًا جديدًا يفنونه لراحة صغير لا يبالي براحة والديه، بل يصرخ طالبًا حاجاته، فيركض الآباء لبسط سبل الراحة للصغير، دون أي سبب معقول، ودون معادلة مفهومة، بل هي معجزة يقذفها الله في قلوب الآباء، وتسخيرًا منه إياهم لراحة الصغار دون مقابل، لا يريدون جزاءً ولا شكورًا، إلا أن يكون إنسانًا صالحًا نافعًا معمرًا للأرض عابدًا لله، فتصير أوقاتهم وجهودهم التي أفنوها في سبيل تربية الصغار صدقتهم الجارية التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها حتى بعد موتهم، يا لها من تجارة رابحة مع الله!


غيثي، صغيري الذي أغاثني الله به بعد جدب،
ظننت أنني أفنيت حبي وتفانيّ مع الصغار مع أبناء خالاتك، لكن حين أتيت أثبتَّ لي أن حبهم كلهم في كفة، وحبك وحدك في كفة أخرى راجحة بلا منافس. أكملت عامك الأول يا صغيري، قلبي تتفجر أنهار الحب والسعادة منه كلما ضحكت أو حضنتني أو حتى خطوت خطواتك المتأرجحة، ما هذه المشاعر الغريبة التي لم أخبر لها مثيلًا؟ لا أدري، ما أعرفه أنك هبة الله التي أحيتني من جديد، وغيث أصاب جنة بربوة فآتت أكلها ضعفين، وقلبي هو هذه الجنة، ولم يكن ليهنأ بأي إنجاز -بعد حفظ القرآن- أكثر من تربيتك، هذه فطرة فطرني الله عليها مهما حاولت التنكر عليها بإنجازات مزعومة! 

مرّ عام من الأمومة، لم يكن سهلًا، كان محفوفًا بالصعوبات، لكنه حلو المذاق، أحلى من أي طعام لذيذ يمكن التشبيه به.. مرّ عام سريع، بطيء في لحظاته الصعبة حتى تمر، لكنه سريع والعمر لحظة، والدنيا ساعة.. أسأل الله أن يجعلك ذخري وصدقتي الجارية وعملي الصالح..

غيث، اجتهدت في هذا العام أن أطور مهاراتك بما أستطيع، أن أسمعك القرآن كثيرًا، أن أقرأ لك، أن ألعب معك، أن نقضي أوقاتنا المحفوفة بالحب والرعاية من أدق التفاصيل إلى جلها.. لن تتذكر أي شيء حين تكبر، ولكن أرجو أن يكتب الله في صحيفتي كل هذه التفاصيل، وكل الأوقات التي بعتها واشتريت تربيتك والعناية بك، ابتغاء رضا الله، وابتغاء أن تكون ولدًا صالحًا قويًا نافعًا، أصلح مني ومن أبيك رغم اجتهادنا أن نكون صالحَين ليجعلك الله كذلك.. 

تؤلمني تفاصيلك يا بني حين أقرنها بما يحدث لإخوتك الصغار في غزة، يحرقني جوعهم وأنا أفقد صوابي حين تجوع وأنا أستطيع توفير اللقمة والحليب لك، فكيف بمن لا يستطيعون؟ توجعني القصص، وأنهار بكاءً لقصة أبوين جاء ابنهما على عطش بعد أعوام طويلة ثم قتله الملاعين ببساطة، أتميز من الغيظ، فأخرج غيظي في تنشئتك تنشئة صالحة، وأدّخرها لتكون سببًا في نصرهم بإذن الله، فإياك ألا تكون! 

ابني حبيبي، خطواتك الواثقة الأولى كلما أسعدت قلبي دعوت أن يجعل سعيك كله في سبيله، وعامك الأول الذي أتممته أدعو الله أن يجعله وعمرك كله في رضاه، أدعو الله كثيرًا ليعينني وأباك على تربيتك، وليجعلك ذخرًا للإسلام والمسلمين، نفّاعًا حافظًا عاملًا، غيثًا على أمة عطشى يا رب..

﴿رَبَّنا هَب لَنا مِن أَزواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعيُنٍ وَاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمامًا﴾ ❤️