الثلاثاء، 7 مارس 2017

مذكرات هبة - في مكان غريب وحدي!

كان صوت خالتي مشوشًا وهي تناديني لأستيقظ، لمَ أستيقظ ولا شيء لدي ليفوتني؟ ألعابي تنتظرني وحدي، بيضتي التي تعدها لي جدتي كل صباح ومرضعة الأمل لن ترحلا، فلأتجاهلها وأتقلب. لم تتركني إلا دقائق حتى حملتني من السرير بعد أن تركتني أمي إلى العمل كعادة كل صباح. لماذا تعمل الأمهات؟ اعترضت على عملها بالبكاء الكثير ولم يجدِ شيء من ذلك، اضطررت إلى التعايش فحسب. حشرت خالتي فرشاة الأسنان الصغيرة في فمي؛ هذه الحركة الكئيبة التي اعتدت مقاومتها بإغلاق فمي والبكاء، لكن اليوم أنا أكثر تعبًا من أن أقاوم. غيرت لي ثيابي، أعطتني جزءًا من بيضة، نادت جدتي بسرعة لأننا مستعجلون. اعتادت خالتي الخروج وحدها صباحًا هي وحقيبة ظهرها الضخمة التي تزعم أنها للجامعة، أنا سعيدة لأننا نخرج لأنني أنتظرها من الله، لكن إلى أين؟

دخلنا بعد رحلة في السيارة المكان المدهش، لم أتمالك دهشتي وقلت: "الله!"، كانت حديقة واسعة خضراء فيها أراجيح وألعاب كثيرة، وكان فيها قسم للطيور، صرخت من الحماس، دخلنا ثلاثة أنا وأمي وجدتي، وجدت نفسي فجأة أخرج إلى الحديقة مرة أخرى وحدي. كان المكان غريبًا، لكنني أحب التعرف على الغرباء. قضيت يومي بين يدي فريدة حاضنتي المصرية أراقب الطيور وأقول لها أن هناك "كوكو" وأنا أشير إليها، لعبت مع الصغار، صرخت في وجوههم ثم أطلقت لضحكتي العنان، أطعموني طعامًا لذيذًا، أعطوني مرضعتي، كان حضن المربية دافئًا، لكن دومًا حضن جدتي وأمي وخالاتي أدفأ. 

استمتعت بمقابلة أطفال أضخم مني، وكان هناك كثير من صغار الحجم الذين كنت لا أكف عن إخبارهم أنهم "دادا". قبّلت الصغار، وحشرت نفسي مع الكبار أرقب ما يفعلون، كلهم يظنون طولي وحجمي لا يسمح لي بمعرفة أو فهم ما يجري حولي، لكن الله حباني بفطنة لو علمها الكبار المتكبرون لخافوا وراقبوا كل حركة وسكنة، فأنا مثلًا أستخدم مصطلحات الصغار مثل: "دادا" و"نمنه" للإشارة إلى الأطفال والطعام، وأنا أفقه تمامًا معناهما وأربط كل ما يتعلق بهما، فكلما شاهدت إعلانا أو صورة أو صوتًا عرفت أن هذا مرتبط بهما. الكبار يستصغرون قدراتي، وأنا أدعهم إلى حين، وأرد بعض ما يظنون بالشغب. 

عادت خالتي بعد يوم قصير مر سريعًا، أخذتني بلهفة، كنت حزينة لمفارقة الأطفال والحاضنات، كنت أودعهم بقبلة طائرة أوزعها عليهم بالعدل والإحسان، حين خرجنا من الباب وانغلق، كنت أؤشر لها لعلها تفهم وتعيدني إلى مجتمع الأطفال لأتواصل معهم أفضل مما أتواصل معها وهي بحجم أمي، لكن هيهات! عدنا إلى البيت مع جدي، على الأقل؛ هنا لي حرية الاستكشاف في أدراج المطبخ؛ ليكتمل يومي بسعادة. 



______________________________
*هبة ابنة أختي، عمرها عام وخمسة أشهر. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق