الجمعة، 17 يوليو 2015

رحيلُ سعادة.


لعلك يا ربُّ -وفي أمرك مطلقُ الحكمة- أردتَ لنا أن نصومَ رمضانَ كاملًا إلا يومًا لنوطئ أنفسنا لترضى وتسلم وتنيب، لعلك اخترت لنا أن نخرجَ من التراويحِ لنقضي بعض ليلنا في المستشفى ننظر إلى جدتي بأتم العجز ولا حول ولا قوة إلا بك وبدعائك، لعلك ما أردت لنا إلا ليربينا رمضان هذا على ألا نخنع لدنيا.

ماذا أقول يا رب عن صدمتي الأولى بجدتي التي لطالما ضحكت على عجزنا من الصيام وفعل كثير مما نضعفُ أمامه وهي الثمانينية التي تقومُ به بكلِّ يسرٍ وقوة؟ أنا لا أدري علامَ أبكي، على فوات الجنازة بلا أن أودعها، أو انغلاق باب من أبواب الجنة في وجوهنا، أو فقدنا كنزًا لا يضاهى، أو خلو بيت عمي من تلك الضحكة والسعادة، أو انخرار القوى في خدمة المعزين والأهل، أو الحزن الذي يداعب صدري، أو ذلك الألم الذي يعصر جسدي بلا مبرر، أو كثرة البكاء على وجه كل أحد.

امرأة كجدتي لا نبكي عليها نحن؛ يبكي عليها أهل البلد وكل أرض حلت عليها، تبكي عليها الثقافة والتراث، جدتي المرأة الأمية التي أخرجت أبناء أخرجوا اجيالًا يهزون الجبال، منذ كنت صغيرة عهدت جدتي المكتبة المتنقلة التي ما إن تساءلت عن شيء عند أبي قال لي: "سألي حبوتش عزاء." فكان جوابه الجواب الشافي الذي لن أحتاج بعد تنفيذه إلى شيء. جدتي المرأة التي لا تكف عن التماس كل الأعذار للناس الذين لا يزورونها، ولا تكف عن الحديث بخفة ظل وفكاهة مع من يزورها حتى أني لم أرَ من ملَّ جلستها، وهي التي تأبى أن تدع إنسانًا يغادرها ولا يأكل من خير الله عندها شيئًا، وهي التي مهما كبرنا وشبنا تظل تخبئ لنا الحلوى وبضع مئات بيسة لتسعد قلوبنا بها فنستكفي بها فرحًا وإن لم تكن ذات قيمة مادية كبيرة، جدتي الإنسان (رقم واحد) في حياة أبي تغادره.

يا ربُّ لا أعرف ما أكتب وما أدع، برحمتك نستغيث، أغث جدتي برحمتك قبل أن تغيثنا، يا ربّ لك ما أخذت ولك ما أعطيت؛ فخذ جدتي وأعطِنا تمام الصبر والرضا واليقين.

ليلة ٣٠-رمضان-١٤٣٦

هناك تعليق واحد:

  1. فلتنعم في جنان الرحمن وسيجمعكم بها الرب بإذنه

    ردحذف