السبت، 8 نوفمبر 2014

ربُّ الرحمة.

الله لكل محتاج.
يزيد إيماني كل يوم بهذه العبارة أكثر؛ فحين أجاهد لأقصى حد وأتحمل كل شيء لأجلك؛ يأتون هم ويستهزئون أو ينهرون، أرحل عنهم وأبتسم لأنك تعلم ما يسكنني وتفهمني وتحبني وتؤجرني.
يا الله، حين هطل المطر اليوم، كان غزيرًا جدًا، ذكرني بالإعصار الذي أصاب بلدنا قبل سنين فأهلك الحرث والنسل، كنت أضحك ملء فيّ وأركض تحت المطر الذي يكاد يقتلعني من مكاني ويطير بي، لكنني كنت خائفة. نحن يا رب حين يهطل المطر نفرح ونعتقد أنها رحمة منك ونلهج بالدعاء والشكر، ولكننا ننسى يا الله أنه قد يكون تأديبًا وتعذيبًا حتى نتهذب، نحن ننسى أن حبيبنا كان يفزع حين يرى مزنة مطر ويهرع إلى الاستغفار والبكاء والدعاء ألا تكون نقمة؛ صعقني كلام أختي لي فضحكت لأنني لم أستطع أن أبكي، حين بدأ السحاب الأسود بالتجمع والبلاد المجاورة كلها أصابها المطر والريح حتى تضرروا؛ كنت أنا في المطبخ أعد الفطور لي ولها وأترنم على ألحان أغنية فلسطينية، فقالت لي وهي تضحك: "مُزنة الناس يدعوا ويستغفروا ويصيحوا على السحاب والضرر الي أصابهم وأنتِ تغني وتطربينا!".
يا رب، في ظل تلك العاصفة العميقة، كنت أركض تحت المطر وأنا شبه متأكدة أنني سأمرض بعدها لكن لم أكترث. رميت هاتفي لأراك تحت المطر وأحبك أكثر. كنت أراك في كل زاوية وكل ملجأ أو مهب ريح، كنت في كل مكان تتمثل لي كعظمة ما بعدها عظمة، وحب ليس كأي حب.
يا رب، حين كان المطر يهطل بغزارة، كانت قطة صغيرة تموء وتبكي لا تدري بماذا تلتجئ وإلامَ تسكن! كنت أحاول الاقتراب منها لمساعدتها بإيوائها وتجفيفها وتدفئتها، لكنها يا الله كانت تفزع مني، كانت تموء أكثر عندما أقترب؛ ابتعدت ورحت وجئت فسمعت مواءها قد قل وخوفها بدأ يسكن، أنا متأكدة أنك يا الله كنت تحميها على عينك، كنت تحتضنها وتؤويها، كنت تقول لها أن لا تخافي ولا تحزني، أنا معك وسأهديك وسأحميك وأؤويك، أنا متيقنة أن همساتك المتشكلة بشكل إلهامات وطمأنات تبثها في قلب كل محتاج هي أساس بقائه على قيد الحياة، وهي أساس سكونه ووقف دمعه.
يا رب؛ نحن حين كنا صغارًا نلعب في الخارج فيهطل المطر؛ كانت أمهاتنا يخرجن ليصرخن علينا أن ادخلوا لا يصيبنكم المطر فتمرضوا، يا رب، حين يهطل المطر أو تأتي عاصفة؛ ماذا تقول القطة لصغارها؟ وبمَ تحمي الشجرة ثمارها؟ وكيف لا تذبل الزهرة من الخوف؟ وأنى تنقذ النملة نفسها وقريتها حين يجتاح الماء كل شيء؟ وإلى أين تلوذ الفراشة الجميلة كي لا تتبلل فتموت أو يموت جمالها؟ يا الله؛ حين تظلم السماء وتشتعل عاصفة؛ من يطبطب على أم اليتامى العراة الذين لا يمتلكون مأوى؟ من يربت على كتف المطرود من وطنه المفجوع بأهله أجمعين؟ يا رب؛ من يحميني أنا من نفسي حين أتمزق أنني أكتسي وأحتمي وأسكن وأدفن نفسي في حضن أمي بينما هم تصفعهم الحياة؟ من يقول لي أنني علي أن أعمل أكثر لأساعدهم لا أن أتذكر فقط أن لبسي وطعامي وراحتي علي حرام إن لم يملكوها هم؟ من للمحتاجين؟ أنت لهم يا الله.
يا رب، حين خافت مريم، حين كان إبراهيم يقاوم كل شيء في نفسه حتى ينصاع لأمرك ويترك زوجته وابنه في وسط لامكان، حين كان موسى محتاجًا لمأوى أو مأمن بعدما سقى لامرأتين لا يعرفهما، حين كان لوط يحاول أن يتشبث بأحد ويصرخ فيهم جميعًا فيضحكون ولا يفهمه أحد، حين كان يونس في وحشة وخرج بعيدًا عن كل أحد لأنه تعب وضاق ذرعًا، حين كان محمد يرتجف من هول ما سمع، حين كان صالح مستاءً لأن قومه خذلوه في شيء كان يجدر بهم أن يكونوا عند حسن ظنه، حين كان يبني نوح سفينته لوحده وهم يضحكون جميعًا، حين كانت امرأة فرعون تقاوم ظلم زوجها وتكتم إيمانها في نفسها، حين كان هارون يحاول أن يستعيد رشد أخيه الذي لم يفهمه رغم أمس حاجته لفهم أخيه ومواساته، حين كان هود ينظر إلى الأرض والسماء فلا يجد من يملك كعقيدته، حين كان شعيب يقاوم ضعفه ليوصل رسالته فوجدهم يريدون قتله لكن لأنه ضعيف فهم يشفقون عليه، حين وجد آدم نفسه وحيدًا في قفار موحشة بعد أن سكن الجنة، حين سكن الإيمان سحرة فرعون، وحين احتاجك أي إنسان، أنت دومًا رحمن بكل مخلوق.
يا رب، أنا أعرف أن حق البكاء لأنني وحدي أو لأنهم لا يفهمونني لا أستحقه وأنت دومًا معي تعلم ما بي وتجزيني أضعاف ما أعاني وتمنحني لطفًا وحماية ورحمة ورعاية. أنت ألطف من كل شيء.
يا رب المطر والحب والرحمة، أحبك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق